|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  6  / 9 / 2009                                 د. شابا أيوب                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الكلدان الآشوريون السريان - شعب واحد بثلاث تسميات
(
7)

د. شابا أيوب
(موقع الناس) 
 
الطوائف المسيحية وخصائصها
أدت الأنقسامات التي تحدثنا عنها في كنيسة المشرق الى تكوين عدة طوائف مسيحية في العراق ومن أبرزها الكلدان والآشوريون والسريان بشقيهم الكاثوليكى والأرثودوكسي. أن ما يجمع بين هذه الطوائف هو أكثر بكثير مما يفرّق بينها. ولكن لدى كل طائفة من هذه الطوائف بعض الخصائص التي تميزها قليلا عن غيرها.
فالآشوريون (آثورنايي) من اتباع كنيسة المشرق الآشورية سكنوا في أغلبيتهم في المناطق الجبلية مثل أقليم هكاري وأورمية وتخومهما. وكان الشعور القومي لدى أبناء هذه الطائفة أكثر محسوسا مقارنة بالطوائف الأخرى. ويعود هذا في نظري الى عدة أسباب منها:
1- وجود قائد روحي ودنيوي على رأس الرعية ممثلا بشخص البطريرك مار شمعون مع مجموعة من المستشارين يلتف حولهم أبناء الأمة, وأليهم يرجع اتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية (أي مركزية القرار).
2- أن الطبيعة الجبلية الوعرة والسكن في أماكن شبه محصنة بحيث يصعب على الأعداء اقتحامها ساعد على التصدي ومقاومة الهجمات العدوانية للأقوام المجاورة, وأن كثرة هذه التهديدات والأعتداءات أجبرتهم على تشكيل مجموعات من المحاربين الأشداء من الذين يهابهم الجيران لحماية أنفسهم.
3- أن وعود الأنكليز وأغراءاتهم بأنشاء وطن قومي (حكم ذاتي) لهم في أرضهم التاريخية (بيت نهرين) مقابل دعم الآثوريين لجهود الأنكليز الحربية ضد تركيا العثمانية ضاعف من مشاعرهم القومية, وظلت هذه المشاعر جياشة حتى نكبة سميل في ثلاثينيات القرن الماضي.

هذه الأسباب وغيرها هي التي جعلت من الآشوريين (الآثوريين) مجموعة متماسكة وموّحدة, حافظت على نقاء اللغة والعادات والتقاليد حاملين الهمّ القومي أكثر من الطوائف الأخرى.
أما الأمر عند الكلدان والسريان فهو مختلف تماما. فهم يسكنون في غالبيتهم المناطق السهلية وبصفة خاصة سهل نينوى وكذلك بجوار المدن الكبرى كالموصل ونوهدرا وزاخو وأربيل والسليمانية. وقد نزحت في القرنين الماضيين أعداد غفيرة منهم الى مدن بغداد والبصرة وكركوك وبعقوبة وغيرها.

فما يميّز الكلدان والسريان هو حضور للقيادات الروحية وغياب للقيادة الدنيوية الموحدة. ومن ناحية أخرى فرضت الطبيعة السهلية عليهم التعامل مع جيرانهم من العرب والأكراد والتركمان والشبك بروح الأنفتاح والشراكة. وأن انتشارهم الواسع في المدن الكبيرة قد أتاح لهم فرصا ثمينة في التعليم والتوظيف وفي قطاعات التجارة وأدارة الأعمال والفندقة وغيرها. وفي ظل التعايش السلمي مع مواطني المدن الكبيرة نما لديهم الأحساس بالمصير المشترك, وأصبح همّهم الرئيسي هو همّ المواطن العراقي اليومي, وصاروا يركزون على المواطنة وحقوق المواطن وحرية واستقلال البلد أكثر من الهمّ القومي. حيث كان العراق حينذاك يرزح تحت التبعية العثمانية وبعد ذلك تحت الأنتداب البريطاني. فأنخرط العديد من مثقفيهم وشبابهم وكذلك من أبناء الأثوريين بقوة وعزم في الحركة السياسية الوطنية العراقية والمناهضة للأستعمار منذ ثلاثينيات القرن الماضي وخاصة في صفوف الحزب الشيوعي العراقي. أذ كان نضال الشيوعيين العراقيين من أجل الحرية والأستقلال والمساواة والتآخي بين القوميات يلهم مشاعر المسيحيين من كل الطوائف ويمنحهم الأمل برفع جزءا من الحيف المسلّط عليهم لقرون عديدة. كما كان الحزب الشيوعي العراقي أملهم في الخلاص من الأضطهادات الثلاثة الطبقية والقومية والدينية. ومن هنا يأتي سر أندفاع النخبة المثقفة من الكلدان والآشوريين والسريان نحو الحزب الشيوعي وتبوأ مراكز قيادية فيه منذ بدايات تأسيسه في الثلاثينيات. وفي فترة المد الجماهيري اليساري (ويسميه البعض المد الأحمر) الذي أعقب انتصار ثورة 14 تموز 1958 أصبحت بعض البلدات المسيحية بكاملها محسوبة على الشيوعيين.

أن الشيوعيين من الكلدان والآشوريين والسريان ليسوا أقل أحساسا واهتماما من غيرهم من أبناء شعبهم بقضيتهم القومية. ان بذرة القومية كامنة في كل فرد وهي جزء موروث يدخل في تركيبة كل شخص, ولكن ما ينبغي على الفرد فعله هو كبح جماح تطرّفها والتعايش مع القوميات الأخرى بسلام ووئام وعلى أساس المساواة التامة في الحقوق والواجبات. أن أغفال هذا الأمر وأطلاق العنان للمشاعر القومية الجياشة, قد يؤدي الى تنامي الفرقة وألى انقسامات ونزاعات وحتى ألى حروب بين أبناء الشعب الواحد أو بين شعوب الدولتين المتجاورتين. وحتى لانذهب بعيدا نسوق بعض الأمثلة من واقع بلدنا العراق.

فبسبب تطرّف العروبويين في العراق من قوميين وناصريين وبعثيين لصالح العروبة وأنكارهم للحقوق القومية للشعب الكردي ونضالاته المشروعة في أقامة الحكم الذاتي وحق تقرير المصير, وكذلك لحق القوميات الأخرى في الحقوق الأدارية والثقافية, نشبت حرب أهلية طاحنة في خمسينيات القرن الماضي ولم تتوقف الاّ بمساعدة التدخل الأمريكي لصالح شعب كردستان العراق بعد انتفاضة آذار 1991. ولا تزال تداعيات هذه الحرب تلقي بظلالها على واقع العراق الراهن وعلى مستقبله. وبعد حصول الأكراد على حقهم في الفيدرالية, نشهد هنا أو هناك وبين حين وآخر وعلى خلفية التعصب القومي أيضا بعض الأحتكاكات المباشرة وغير المباشرة بين الكرد والتركمان أو بين الكرد والعرب, وأخشى أن يؤدي التطرّف القومي لدى بعض المسؤولين الكرد ولدى بعض القوميين المتطرّفين من أبناء شعبنا الى حدوث أزمات ونزاعات في المستقبل داخل حدود الأقليم. أما على صعيد الخارج فالأمثلة كثيرة كالحرب الأهلية في السودان وفي جنوب أفريقيا ورواندا ودول أفريقية وأسيوية كثيرة.

الخلاصة
أقر دستور أقليم كردستان العراق في شهر حزيران الماضي تسمية شعبنا "الكلدان السريان الآشوريون". وهي تسمية
مكونة من ثلاثة أسماء للدلالة على قوم ينبغي أن يكون له مسمى واحد. وعبّر الكثير من أبناء وبنات شعبنا عن فرحهم الغامر لهذا الحدث البارز. لكن دعونا ندقق في الأمر لكي نرى أن كان هذا الفرح مبرّرا فعلا.

أن رفع الواوات عن التسمية السابقة يعد خطوة متقدمة نحو ترسيخ القناعة لدى أبناء شعبنا بأننا شعب واحد. ولكن لم أقرأ ولم أسمع بقوم يعرّف بثلاثة أسماء مختلفة. أن أسباب هذه التسمية معروفة, وهي ايجاد حل وسط للمواقف التي تتسم بالتعصب والتزمت, وعدم أبداء المرونة من قبل أصحاب القرار في هذا الشأن عند كل من الكلدان والآشوريين والسريان للأتفاق على تسمية موحدة. وهذا يتطلب منا الآن أن كنّا واعين لمصيرنا ومستقبل أجيالنا, أن نفكر جديا لأيجاد مثل هذه التسمية وبعيدا عن التعصب والأستحواذ والتهميش. علينا أن نفكّر بمصلحة شعبنا وملايينه المنتشرة في مختلف بقاع العالم, وليس بأشباع رغبة صعلوك متطرّف في السياسة بسبب قراءتة الميسورة للتاريخ, أو التأثر بالخطاب الحماسي والعاطفي لهذا السياسي أو ذاك الذي يبتغي من وراء خطابه الأنتفاع وجني مكاسب شخصية في المرحلة الأنتقالية الحرجة التي تمر بها البلاد, أو السير وراء رجل دين يسعى الى توسيع مملكة كهنوته حتى وأن كان على حساب مصلحة شعبة, وذلك بأصراره على تمزيق أواصر شعبه ولحمته وتقسيمه الى ثلاثة كيانات قومية صغيرة هزيلة غير قادرة على تحدي الصعاب ومواجهة أخطار المستقبل.

لقد تعلّمنا في مدارسنا ومنذ نعومة أظافرنا أن " في الأتحاد قوة وفي الفرقة ضعف ". فعلام الأصرار على تقسيم هذا الشعب ألى عدة قوميات وأضعافه؟ ألا يكفي ما حلّ به من نكبات وكوارث ومآسي بسبب لامبالاتنا وغياب وحدتنا ويباسة رأسنا وغلاضة تفكيرنا؟ كونوا على يقين, لا سمح الله, أذا ما تعرّض شعبنا لنكبة جديدة أو هجمة شرسة, فلن يكون هناك أحد منّا في منأى من عواقبها, وسيكون وصول الأعداء أليكم وأقتحام بيوتكم أسرع بكثير مما يحصل الآن يا أيّها المتزمتون. كفى فرقة, كفى انقسامات, كفى نزيفا لدماء أبنائنا. أن أي انقسام جديد على صعيد الشعب سيوّلد جروحا أضافية ويزيد من آلامنا وأوجاعنا. علينا جميعا الآن السعي لردم الهوة الحاصلة وتضييق الخناق على الفرقة ورص صفوفنا ولم شملنا واستعادة وحدتنا التاريخية والقومية والدينية.

أن أهم خطوة نحو تحقيق هذه الأهداف العظيمة هو في الأتفاق على التسمية القومية الموحدة لشعبنا. والتي ستؤدي بدورها الى أندماج العديد من الجمعيات والأحزاب والمنظمات, فتتظافر الجهود وتغتني الخبرات وتتقوى الأحزاب, وفي ذلك كلّه فائدة لها وللشعب بأسره.
من كل ما جرى تناوله في هذا المقال نرى أن الكلدان والآشوريين والسريان هم ثلاث مكونات متداخلة فيما بينها, وتشترك في جملة عناصر أساسية في التركيبة القومية لشعبنا وتكوّن بمجموعها كلا واحدا وهو شعبنا. أّذ ساهم كل مكون منها في صياغة هوية شعبنا وطبعها بطابع مميّز.
فمن الناحية الجغرافية يعيش الجميع في أقليم أشور التاريخي بأستثناء ساكني المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة وغيرها والذين هم في غالبيتهم من نازحي الأقليم نفسه.

أما من الناحية العرقية فلا يوجد نقاء عرقي. بل نحن خليط من كل الأعراق (من السومريين والآموريين والأكديين والسوباريين والآشوريين والآراميين والحثيين والكميريين واليهود والفرس والسلوقيين والرومان والمغول والعرب), ولكن كثرة هجرات الآراميين الى بلاد ما بين النهرين بما في ذلك اقليم آشور في القرون الثلاثة الأخيرة من عهد الأمبراطورية الآشورية تجعل من العرق الآرامي أكثر أنتشارا.

أما تأريخنا فهو ليس ملكا لمكوّن معين. فقد حكم أقليم آشور, لا بل العراق القديم كله أربع أمبراطوريات عظيمة وهي الأمبراطورية الأكدية تحت قيادة سرجون الأكدي, والأمبراطورية البابلية الأولى أيام الملك حمورابي, وألأمبراطورية الآشورية, والأمبراطورية البابلية الثانية (الدولة الكلدانية) أيام الملك نبوخذ نصر الثاني. وبعد زوال آخر كيان سياسي مستقل لأمتنا, حكمت بلاد آشور (والتي هي معقلنا الجغرافي) من قبل الفرس والسلوقيين والرومان والعرب والمغول والأتراك العثمانيين. وبعد هذا كلّه كيف لنا أن نقول أننا من أتباع أو بقايا هذه الدولة أو تلك. فأن قلنا نحن آشوريون ومن بقايا الدولة الآشورية فهذا يصح جغرافيا ولكن لا يصح سياسيا وثقافيا لأن أقليم آشور بكامله أصبح تابعا للدولة الكلدانية زهاء القرن الواحد, كما لا يصح سكانيا أيضا بسبب حملات الترحيل الضخمة التي قام بها الملوك الآشوريون بعد الأنتهاء من غزواتهم وخاصة من بلاد بابل, وكذلك بسبب هروب مسيحيي مدن الوسط مثل بغداد وكشكر(واسط) والمدائن, والذين يعتبرون من بقايا الدولة الكلدانية, الى أقليم آشور نتيجة تعرّضهم لحملات ابادة منظمة ولمرات عديدة. وأن قلنا عن أنفسنا بأننا كلدانا لأننا بقايا آخر كيان سياسي عراقي مستقل, فهذا يصح نظريا من الناحية السياسيه ولكنه يفتقر الى الحجة من الناحية القومية. لأن القبائل الآرامية (كلدو وسوخو وقبيلة الأخلامو) والتي تشكل أصل الكلدانيين في بابل قد سكنت في منطقة الفرات الأوسط ووسط وجنوب العراق. وقد أصبح سكان هذه المناطق عربا, ولم يعد أحدا منهم يسمي نفسه اليوم كلدانيا, الاّ حين يدور الكلام عن التاريخ القديم للمنطقة. أن ربط كلدان اليوم بالدولة الكلدانية هو أمر مناف للحقيقة ولا يجوز تصديقه. فأن بلدات كبيرة ومهمة مثل تلكيف وألقوش وتللسقف وكرمليس وعينكاوة ودهوك وباقوفا وباطنايا ومانكيش وغيرها كلّها آشورية الأصل, وكان سكانها جميعهم من النساطرة, وظلّت آشورية نسطورية لحين دخول أهلها في الكثلكة في القرون الثلاثة الأخيرة, فأصبح أهاليها منذ هذا التاريخ يسمّون أنفسهم بالكلدان. وأنا واحد من هؤلاء القوم. ثم ماذا لو أن فاطمة من الديوانية أو جعفرا من كربلاء أختارا الكلدان كقومية لهما بدلا من العربية وبقيا على أسلامهما, هل يجوز أعتبارهما من الكلدان؟ أو من شعبنا الكلداني الآشوري السرياني؟

أن هذا السؤال يبيّن مدى أهمية الديانة المسيحية كصفة مميزّة قوية لهويتنا القومية ولكن شرط الديانة هو ضروري ولكن ليس كافيا. فمثلا جاك من فرنسا ومكسيم من روسيا كلاهما مسيحييان, فهل يجوز أعتبارهما من أبناء شعبنا؟ بالتأكيد كلا. والسبب أولا لأنهم ليس لديهم تاريخا مشتركا معنا. وثانيا لم يسكنوا آسوريا (بلاد آشور) وثالثا لا يتكلّمون لغتنا.

نستنتج من كل ما تقدم أن أفضل تسمية قومية موحدة جامعة وحيادية لشعبنا في الظرف الراهن هي مفردة (سورايي) ذات الدلالات الأربع الجغرافية والتاريخية والدينية واللغوية. وتعتبر الديانة المسيحية ولغتنا الآرامية (السورث) من أهم الخصائص التي تميّزنا عن سوانا من أشقائنا العراقيين من العرب والكرد والتركمان وغيرهم في عراق اليوم. وتعرّف المفردة كما يلي:
سورايي - " هم سكان بلاد ما بين النهرين التاريخية (العراق حاليا), والذين اعتنقوا الديانة المسيحية في القرون الأولى الميلادية, ويتكلمون اللغة السريانية والتي هي احدى لهجات الآرامية الشرقية, ويتخذون من سومر وبابل وآشور تاريخا وتراثا لهم."

وبصدد هذه التسمية لدي الملاحظات التالية:
1- ربما يردّ قارىء ما عليّ ليقول لي " أنّك لم تكتشف لنا أمريكا " فهناك الكثيرون ممن سبقوك في طرح هذه الفكرة. والحق هذا ليس صحيحا البتة. فمنذ أن أصبح شمال العراق منطقة آمنة وتحت حماية القوات الدولية بعد انتفاضة آذار 1991 , بدأنا نبحث في هذا الموضوع. وكان أول لقاء لنا نحن الثلاثة, أنا والأستاذ داود كوركيس (أبو كارل) والمهندس نبيل البازي قد جمعنا بشقتي في موسكو في صيف 1991. وفي هذا اللقاء بحثنا في موضوعة التسمية القومية لشعبنا وأتفقنا نحن الثلاثة على هذه التسمية (سورايي), حيث كان الجدل حينذاك قائما حول هذا الموضوع في أوساط المثقفين والسياسيين الكلدو– آشوريين. وأزداد الجدل حدة على أثر نشر مجلة الثقافة الجديدة (1) في أيار 1992 مقالة بعنوان (الكلدان: مذهب أم قومية) موقعة بأسم مثقفون آشوريون. وفي زيارة لاحقة لي ألى السويد حيث يسكن الصديقان العزيزان داود ونبيل, ألتقينا نحن الثلاثة ثانية في شقة الأستاذ داود في لينشوبنغ, وأكدّنا من جديد على أفضلية هذه التسمية حرصا منا على الأخطار المحدقة بشعبنا من جراء التقسيم.

2- في اختيار التسمية الموحدة علينا أن نأخذ في الحسبان أن أكثر من 40 % من أبناء شعبنا يعيشون في الخارج, وجلّ هؤلاء لايفكرون بأنهم قدموا من سومر أو من بابل أو من آشور بقدر ما يشعرون بأنهم مسيحييون من بيت نهرين (مسيحييون عراقيون) ولهم لغتهم الخاصة بهم وهي اللغة الآرامية والتي نسميها (السورث) ويسمون أنفسهم سورايي. وحين يقول أحدهم عن نفسه أنا كلداني أو أنا آشوري فهو في الغالب يفعل هذا لكي يميّز أنتمائه الى أحدى كنيستي المشرق - كنيسة الكلدان أو كنيسة المشرق الآشورية.

3- نحن لسنا أول شعب يجد له تسمية جديدة. فالكرد الحاليين هم من أحفاد الميديين. ويقول الصديق العزيز الدكتور مؤيد عبد الستار رئيس برلمان الكرد الفيليين في الخارج, بأن الكرد الفيليين هم من أحفاد العيلاميين. لكن الأكراد لم يسمّوا أنفسهم اليوم (ميديون أو عيلاميون) بل بلوروا لهم هوية قومية جديدة بانت معالمها في القرون الثلاثة الأخيرة. والشبك الذين قدموا من أيران ومناطق أخرى لم يسمّوا أنفسهم بألأقوام التي ينحدرون منها. واللبنانيون لايسمون أنفسهم (فينيقيون) والأيطاليون لايسمون أنفسهم بالرومان والسويديون والدنماركيون لا يسمّون أنفسهم بالفايكنغ والأمثلة على ذلك كثيرة.

4- علينا أن نغيّر في ذهنيتنا والتي هي جزء من ذهنية الأنسان الشرق- أوسطي عموما, والمتمثلة بالتشبث في الماضي ألى حد التقديس وأحيانا الى حد القرف, والشك والريبة والخوف من كل طارىء جديد تحت ذرائع مختلفة, مثل ضياع الهوية ومنظومة القيم وغيرها. ووصل الحال بنا الى حد تسخير كل ما يفرزه الحاضر والمستقبل من حقائق ومعارف لخدمة هذا الماضي الذي يجري تقديسه, سواء كان تاريخا أم قومية أم دينا أم مذهبا.

أن للزمن بعد واحد فقط وأتجاه واحد فقط, يبدأ من نقطة البداية ويسير نحو اللانهاية. أي أن الزمن يسير من الماضي نحو المستقبل وعبر الحاضر, وهذا يفرض علينا الأستفادة من تجارب وخبرات الماضي الغنية لبناء المستقبل وليس العكس, أي لا لجر الحاضر والمستقبل وملائمة حقائقهما لرغبات الماضي. وهنا أتساءل عموما, والكلام لايقتصر على أبناء شعبنا من الكلدان والآشوريين والسريان فقط, بل موّجه لكل أبناء جلدتي من العراقيين والذين أحبهم وكرّست جانبا من حياتي في الدفاع عن حريتهم ونصرة قضاياهم وتطلعاتهم :
ماذا أفعل بذهنية تأسرني وتشدني الى الماضي ولا تبالي بمستقبلي ومستقبل أولادي وتدير ظهرها (سواء عن قصد أو من دونه) على كل ما يحصل في العالم من تقدم في العلوم والآداب والفنون والرياضة؟ وماذا أفعل بذهنية وقيم قبلية أوصلتني اٍلى أسفل السلّم في التطور الحضاري بعد أن كنت واحدا من روّاد هذا التطور؟

يحدث كل هذا بسبب أنجرارنا الى الماضي وأجترار منجزاته, وغياب أستراتيجية علمية ترشدنا للأنتقال ألى مصافي الدول المتقدمة, وكذلك بسبب تخوّفنا وتوجسنا من أي جديد قادم مع فقداننا لروح المغامرة.
أن جيلنا والذي يمكنني وصفه بجيل الأخفاق في بناء الدولة العراقية الديمقراطية وفق النماذج العصرية ملزم اليوم أن يساعد الجيل الجديد الناشىء, والذي نعوّل عليه كثيرا, بأن يأخذ بيده ويوجّهه ليفكر في المستقبل أكثر من أن يبقى أسير الماضي.

هكذا فعلت أوروبا وأمريكا وروسيا من قبل. وهكذا تفعل الصين والهند وكوريا الجنوبية وجنوب افريقيا والبرازيل اليوم. ومن له عقل فليمعن ولو قليلا في التفكير !!!

 

 (1) الثقافة الجديدة هي المجلة الشهرية التي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي. راجع العدد 245

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter