|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  30 / 7 / 2009                                 د. شابا أيوب                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الكلدان الآشوريون السريان - شعب واحد بثلاث تسميات
(
2)

د. شابا أيوب
(موقع الناس) 

نبذة تاريخية لبلاد ما بين النهرين  (1)
يشير الأستاذ الكبير طه باقر في مؤلفه مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة الى ظهور مصطلحان جغرافيان مهمان منذ عصر فجر السلالات (2800 – 2400 ق.م) أحدهما (بلاد سومر) – مات شومريم للقسم الجنوبي من السهل الرسوبي, والآخر (بلاد أكد) – مات أكديم للقسم الأوسط من ذلك السهل. هذا ولا توجد حدود طبيعية واضحة بينهما, ولكن يمكن القول أن بلاد أكد كانت تمتد من حدود شمال بغداد الى جنوب مدينة الحلة, والى الجنوب من ذلك بلاد سومر. وبعد فترة استحدثت تسميات جغرافية سياسية أخرى منها (بلاد بابل ) و (بلاد آشور). وأستعمل عدد من الكتاب اليونانيين والرومان ومنهم المؤرخ المشهور (هيرودوتس) هاتين التسميتين لأطلاقهما على القطر كلّه أو الأجزاء الوسطى والجنوبية منه, كما استعملوا تسمية (كالدية) أي بلاد الكلدانيين نسبة الى الكلدانيين الآراميين الذين أسسوا الدولة الكلدية ما بين القرنين السابع والسادس ق.م. وما بين القرن الرابع والثاني ق.م ظهر عند الكتاب اليونانيين والرومان مصطلحا جغرافيا جديدا هو بلاد ما بين النهرين(ميسوبوتاميا), وهي التسمية الأغريقية التي شاع استعمالها عند الكتاب الأوروبيين فيما بعد. ان أقدم وأوضح استعمال لهذه التسمية جاء على يد المؤرخ الشهير بوليبيوس (202 – 120 ق.م) ثم تبعه الجغرافي الشهير سترابون (64 ق.م – 19 م) في استعمال هذا المصطلح على الأرض العراقية المحصورة ما بين دجلة والفرات من الشمال الى حدود بغداد تقريبا. كما جاء في التوراة ذكر الأقليم ب (آرام نهرايم) الذي يعني (آرام النهرين) أي بلاد ما بين النهرين, واتسع مدلول هذا المصطلح من القسم الشمالي من بلاد ما بين النهرين الى اطلاقه على القطر العراقي كله. ان الحد الفاصل ما بين بلاد آشور وبلاد بابل عند البلدانيين العرب هو الخط المار تقريبا من الفلوجة على الفرات الى تكريت على دجلة. أما حسب غولايف (2) فأن هذا الخط يمر من هيت على الفرات الى سامراء على دجلة.

ان خصوبة ارض ما بين النهرين جعلها محط انظار الأقوام المجاورة وهجراتهم اليها منذ العصور القديمة. فمن البوادي الشمالية الغربية وجزيرة العرب نزحت اقوام سامية مختلفة. ومن الأقاليم الشرقية والشمالية الشرقية نزحت اقوام عديدة يرجع اصل بعضها الى الأقوام الهندية الأوروبية. ان ابرز ظاهرة في تاريخ بلاد ما بين النهرين هو استمرار الهجرات البشرية من المناطق المذكورة أعلاه في مختلف عصور التاريخ القديم والحديث وعملية الأنصهار الحضاري المتمثلة في صهر الأقوام المختلفة في بودقة حضارة وادي الرافدين جاعلة له كيانا تاريخيا وحضاريا متميزا منذ القدم.
سأورد هنا وبأختصار أشهر الأقوام التي استوطنت بلاد ما بين النهرين وأسهمت بالأدوار الرئيسية في بناء حضارته, وسوف أقتصر على الجوانب اللغوية فقط نظرا لشحة المعلومات حول الأصول العرقية والأجناس.

السومريون
ان أصلهم ما زال يحيّر العلماء والأختصاصيين, ولكن هناك اعتقاد بأن اسم سومر يعني (أرض سيد القصب والأحراش) ولعل المقصود بسيد الأحراش هنا هو الأله السومري المشهور (أنكي) أو (أيا)- أله الأرض والمياه الظاهرة. اما لغتهم فهي من نوع اللغات المعروفة باللغات الملصقة مثل اللغة العيلامية القديمة والمغولية والتركية والمجرية وبعض اللغات القوقازية مثل الجورجية, ولكنها لاتمت بصلة بأي منها. ان تفرّدها يعود على الأكثرالى انتمائها الى عائلة لغوية قديمة, انقرضت في أزمان بعيدة من عصور ما قبل التاريخ.

الساميون
اطلق على الأقوام التي هاجرت من مهدها الأصلي في جزيرة العرب وأطرافها أي ما يسمى بالهلال الخصيب اسم الأقوام السامية, وكان المستشرق الألماني شلوتزر أول باحث أوجد مصطلح ساميين لأطلاقه على المتكلمين بأحدى لغات العائلة السامية كالعربية والعبرانية والأكدية والآرامية والكنعانية نظرا لتشابهها وظنا منه ان المتكلمين بها منحدرون من نسل (سام) أبن نوح. ويمكن تصنيف عائلة اللغات السامية الى ثلاث كتل لغوية:

1 - كتلة اللغات السامية الشرقية
وتتألف من اللغات او اللهجات الأكدية في العراق القديم وقد بدأ تدوينها بالخط المسماري منذ 2500 ق.م ومنذ الألف الثاني ق.م تفرّعت اللغة الأكدية الى اللهجات الرئيسية التالية:
أ) - البابلية ( في حدود 2000 ق.م الى القرن الأول الميلادي)
ب) - الآشورية (في حدود 2000 ق.م - 600 ق.م)

2 - كتلة اللغات السامية الغربية
وموطنها في بلاد الشام, اي سورية وفلسطين ولبنان وشرقي الأردن. وتنقسم هذه الكتلة بدورها الى مجموعتين كبيرتين هما
أ) اللغات الكنعانية ومنها الآمورية والكنعانية-الفينيقية, والعبرانية والموأبية (نسبة الى موأب في شرقي الأردن) والفينيقية الحديثة في قرطاجنة.
ب) الآرامية القديمة ما بين القرنين العاشر والثامن ق.م ثم تفرّعت الى فرعين رئيسيين احتوى كلا منها على عدة لهجات.
1- الآرامية الشرقية ومنها اللهجة الحضرية (مدينة الحضر المشهورة) والآرامية البابلية والآرامية الرهوية (سريانية الرها) واللهجة الصابئية المندائية والآثورية في العراق.
2- الآرامية الغربية ومنها الآرامية النبطية والتدمرية والآرامية الفلسطينية والسورية وغيرها من اللهجات المحلية.

3 - كتلة اللغات السامية الجنوبية ( الجنوبية الغربية)
وهي لغات الجزيرة العربية واللغة الحبشية والحجازية بفروعها ولهجاتها المختلفة.
فالساميون الشرقيون أقاموا الدولة الأكدية وذلك في منتصف الألف الثالث ق.م. أما الساميون الغربيون فأشتهر منهم القبائل الآمورية وهم الكنعانيون الشرقيون في وادي الرافدين وبلاد الشام والكنعانيون الغربيون ومنهم الفينيقيون في سورية ولبنان وفلسطين. كانت الهجرة الأولى للآموريين الى العراق في أواخر الألف الثالث ق.م ونتج عنها تحطيم امبراطورية (أور) وأقامة عدة دويلات على أنقاضها وأعقبتها من بعد نحو مائة عام هجرة آمورية ثانية تشكلت منها عدة دويلات من أشهرها سلالة بابل الأولى التي اشتهرت بملكها السادس حمورابي (1792 – 1750 ق.م).

الآراميون
انتشرت القبائل الآرامية ما بين القرنين الرابع عشر والثاني عشر ق.م في بلاد الشام وبواديها وفي جزيرة ما بين النهرين (أرض ما بين النهرين العليا) وقامت منها عدة دويلات, ولكنها دخلت في صراع مميت مع الآشوريين. وكان الضغط الآشوري واحدا من الأسباب الرئيسية التي حالت دون قيام دولة كبرى من الآراميين. كما نزحت القبائل الآرامية الى وادي الفرات الأعلى والأسفل وقامت منهم عدة مشيخات ودويلات كان آخرها وأشهرها الدولة الكلدانية التي أشتهرت بملكها نبوخذ نصر الثاني (650 – 562 ق.م).

السوباريون
ان أصل ولغة السوباريين غير معروفتين وقد ورد ذكرهم لأول مرة في أخبار حاكم مدينة لجش المسمى (أياناتم) وفي أخبار فتوح سرجون الأكدي, وأنهم كانوا من الأقوام الجبلية في الجهات الشرقية مثل الكوتيين واللوبيين, وكانوا يقطنون في شمالي ما بين النهرين في منطقة الجزيرة العليا وشرقي دجلة (وهي المنطقة التي عرفت بعد ذلك ببلاد آشور), وذلك قبل هجرة الآشوريين الساميين في الألف الثالث ق.م, حيث أزاحوا القسم الأكبر من السوباريين الى المناطق الجبلية شرقي دجلة. فدخلت عناصر كثيرة منهم في التركيب القومي للآشوريين. كما دخلت منهم عدة تأثيرات لغوية وحضارية في الثقافة الآشورية. واستعمل مصطلح (سوبارتو) في كثير من النصوص البابلية مرادفا لبلاد آشور والآشوريين. أما الآشوريون فقد تحاشوا استعمال كلمة سوبارتو لأطلاقها على بلادهم بسبب استهجانهم لهذا التعبير الذي كان يطلق أيضا على العبد, بالنظر الى شهرة العبيد الذين كان البابليون يجلبونهم من بلاد السوباريين بحيث أصبحت كلمة (سوبارم) مرادفة في اللغة الآشورية القديمة لكلمة عبد.

الحوريون
يرجح أصلهم من المنطقة الجبلية التي تكّون نصف دائرة تمتد من جبال طوروس بالقرب من كركميش الى بحيرة وان تقريبا. وقد ظهروا في التاريخ منذ الألف الثالث ق.م, ولكن لم يبرز لهم شأن سياسي مهم الاّ في القرن الخامس عشر ق.م. حيث ظهرت في شمالي ما بين النهرين مملكة كان أغلب سكانها من الحوريين ولكن الطبقات الحاكمة فيها كانت من الأرستقراطيين الآريين, وكان مركزها في وادي الخابور والباليخ وقد سماها الآشوريون (خانيكلبات) وأطلق عليها اسم (نهارين), كما عرفت بالنصوص المعاصرة بأسم مملكة (ميتاني). وفي القرن الخامس عشر ق.م غزا ملكهم المسمى (سوشتار) بلاد آشور ولكن الملك الآشوري آشور اوبالط ( 1362 – 1337 ق.م) قضى على دولتهم.
 


(1) المعلومات الواردة في هذه النبذة التاريخية مستقاة من كتاب "مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة" للأستاذ طه باقر .وقد سلّطت الضوء على الجوانب المهمة والتي لها علاقة مباشرة بالموضوع قيد البحث. وبأمكان القارىء تجاوز هذا الجزء من المقال أن رآه مملا, ومن دون أن يؤثر كثيرا على أستيعاب الفكرة المطروحة.
(2) فاليري غولاييف – آثاري سوفيتي, كرّس حياته لدراسة الحضارات القديمة في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. وقد ألّف عدة كتب عن الدول القديمة في ما بين النهرين - الكاتب

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter