|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  30  / 3 / 2019                                 د. شابا أيوب                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أكيتو ـ عيد الربيع ورمز التاريخ والحضارة

د. شابا أيوب
(موقع الناس) 

في الأول من نيسان من كل عام يحتفل شعبنا ( الكلداني الأشوري السرياني ) بعيد أكيتو.
وأكيتو (بالسومرية: ريش شاتين)، (وبالأكادية: أكيتي سنونم) (1) هو عيد رأس السنة لدى الأكاديين والبابليين والآشوريين والكلديين من بعدهم.

يبدأ عيد أكيتو في اليوم الأول من شهر نيسان ويستمر لمدة اثنا عشر يوماً. ويعود الاحتفال برأس السنة الرافدية في الأول من نيسان إلى السلالة العمورية البابلية الأولى ، أي إلى منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد في مدن أريدو، أور، لجش، كيش، أوروك ، واستمر حتى القرن الثاني منه (2). إذ تم على عهد هذه السلالة ترتيب حلقات الحياة بشكلها شبه النهائي في حياة سكان بلاد ما بين النهرين سواء من الناحية الدينية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

أما لماذا يستمر 12 يوما، فلأن العدد اثنا عشر يرمز عموما إلى الإمتلاء، وكان رمزا تقتصر معرفته على كهنة المعابد فقط ، فكانوا يعتبرونه عددا روحيا صرفا .

قسّم البابليون دائرة البروج {الزودياك} إلى 12 برجا، وكانوا يَقرنون كل شهر من شهور السنة بِبُرْج من الأبراج. وكُتِبت ملحمة جلجامش بالخط المسماري على 12 لوحا، وهي أعظم سجل كامل عُثِر عليه في مكتبة أشور بانيبال. كذلك انعكست قدسية الرقم 12 على سرديات الأديان الإبراهيمية كما نرى ذلك في أسباط بني إسرائيل وعددهم 12 وحواريي يسوع المسيح وعددهم 12 وائمة الشيعة الإمامية و عددهم 12 وغيرها من التنوعيات التي استمدت قدسيتها من هذا الرمز البابلي (3).

يقول بعض العلماء والمؤرخين أن حكاية أعياد الربيع في أرض الرافدين تبدأ منذ أزمنة بعيدة تقع بين (الألف الرابع والخامس ق . م) وبعض المصادر تقول أن السومريين والساميين إحتفلوا به منذ عصر أريدو -5300 ق. م وبالذات في جنوب بلاد ما بين النهرين وبإسم زاكموك (5).
أما الساميون ومن بينهم الآراميون الذين سكنوا العراق القديم قبل وأثناء وبعد السومريين فقد إختاروا له تسمية (أكيتو) وتعني (الحياة)وكلمة أكيتو كانت تسمى أو تُلفظ عند بعض الساميين (حِجتو) وذلك في اللغة الأكدية والعربية لاحقاً ، أما في اللغة السريانية الآرامية فلا تزال كلمة (حج) تعني الإحتفال أو الحفلة (5). وفي اللغة البابلية القديمة كانوا يسمون هذا العيد (ريش شاتم) ، ريش تعني : رأس ، و شاتم تعني : سنة . وفي لغة (السورث) المحكية لحد اليوم في العراق لا نزال نقول : (ريش شاتة) رأس السنة.

وحسب باحثون سوريون يشير معنى أكيتو إلى موعد بذّرِ وحصاد الشعير (الغلّة التي تعتبر مادة الغذاء الأساسية آنذاك) وهو الشهر البابلي الذي يقع بين شهري مارس وأبريل الشمسيين من تقومينا الحالي، وذلك إستنادا الى الشواهد الكتابية، وأن أول عيد للآكيتو في التاريخ بدأ على شكل عيد للحصاد الزراعي (4).

إحتفل البابليون بعيد أكيتو في اليوم الأول من شهر نيسان ( نيسانو ) والذي يعني : العلامة ، وفي العربية (نيشان) لأنها العلامة أو النيشان على حلول فصل الربيع والإعلان عن ولادة الحياة ورمزاً للخصب وحَبَل الأرض بكل ما هو أخضر.

وبعد أن شاع إستعمال التقويم المُعَدَل أخذ سكان (بيث نهرين) يحتفلون بعيد رأس السنة في الأول من نيسان من كل عام، وكانت البداية في بابل، ولهذا أطلقوا عليها تسمية (السنة البابلية)، ومن بابل إنتقلت إلى (آشور) ثم شاعت في كل المدن الرئيسية في بلاد الرافدين ، لا بل تعدت إلى أقوام وشعوب أخرى في المنطقة في عهودٍ لاحقة ، مثل الفرس والأكراد الذين يحتفلون بعيد نوروز في الحادي والعشرين من شهر آذار (وهو الأول من نيسان حسب التقويم البابلي الأول) .

إستمر البابليون يحتفلون بعيد أكيتو حتى بعد سقوط الدولة الكلدية الأخيرة في بابل على يد كورش الفارسي سنة (539 ق. م) ، والمؤسف أنه عبر مئات السنين وما وصل إليه حال العراق من الغزوات والإحتلالات والنكبات من كل نوع ، ضاع معنى عيد أكيتو ، كما أن بعض الحكومات الإسلامية في تأريخ العراق كانت قد حَرَمَت وَمنعَت الإحتفال بهِ لإعتبارهِ عيداً وثنياً !. بينما إستمر الإحتفال به عند أقوام أخرى مثل الفرس والأكراد رغم إسلامهم !!، لِذا شاعت تسمية (نوروز) بينما إختفت تسمية (اكيتو) وإقتصرت على مسيحيي العراق والشام من السكان الأصليين الذين أصبحوا قلة قومية ودينية مقموعة ومُهمشة ومُحاربة مما أدى إلى إنكماش وضمور في أغلب ما يخص كيانهم وحجمهم ومكانتهم خاصة في الجانب السياسي.

وبمناسبة حلول عيد أكيتو، عيد الربيع ، أتقدم بأحر التهاني لكل العراقيين راجياً أن يزهر بالورود وأن يعيد الإبتسامة إلى وجوه العراقيين والبسمة على وجوه أطفالنا، وأن نجعل من إحتفالنا به حافزاً لاستعادة أمجاد أجدادنا صُنّاع الحضارات، وصياغة مستقبل زاخر بالعلم والمعرفة والتقنيات الحديثة. وهذا ليس حلماً خياليا، لأن العراق كان ولا يزال يتمتع بطاقات بشرية هائلة وكفاءات عالية القدرة غُيّبت وأُحجم دورها من قبل الحكام الدكتاتوريين ، والذين جاء بهم المحتل الامريكي. ولا بد أن تُزهرْ وتُورقْ من جديد تحت شمسٍ عراقية أصيلة لا تحت حكم الإسلاميين الفاسدين الدامس.


(1) ويكيبيديا الموسوعة الحرّة أصيلة
(2) صادق الطائي ـ أكيتو.. عيد رأس السنة البابلية والآشورية
(3) الرقم 12 في الحضارات وعند الأمم
https://www.yabeyrouth.com /
(4) الباحثون السوريون ـ الآكيتو رأس السنة في أول أيام الربيع، نيسان
(5) طلعت ميشو ـ أكيتو .. عيد الربيع البابلي ، جذوره ، أيامه ، عائديتهِ

ملاحظة:  لمعرفة المزيد عن آكيتو راجع المصدر الأخير في الحوار المتمدن
 

كوبنهاكن
29/3/2019




 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter