|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  27  / 6 / 2015                                 د. شابا أيوب                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

داعش ـ  طاعون الفكر المعاصر  
الجزء الثالث

د. شابا أيوب
(موقع الناس) 

ولكي نتجنب طريق الآلام والعذابات الطويل التي سلكها الأوروبيون تحت حكم رجال الدين، وشر الأنقسامات المذهبية، وإختصار هذه الفترة إلى أقل ماهو ممكن، وبأقل الخسائر، علينا الأستفادة من تجربتهم في تجاوز هذه المرحلة، والأنتقال الى الدول الديمقراطية ، حيث الألتزام بالدستور، و سيادة القانون والنظام، والمساواة بين جميع المواطنين، وإحترام حقوق وحريات الأفراد والجماعات. وبإختصار عن طريق فصل الدين عن الدولة ، وتحريم تسيييس الدين، ليس كُرْهاً بالدين، بل لأنقاذ الدين من ما يُرتكبْ بأسمه من بشاعات وفظائع، تتناقض مع رسالة الدين، ووظائفه الأساسية.

إن رسالة الأديان، وخصوصاً الأديان السماوية، تتلخص بالمحبة والرحمة والغفران، وفي إرضاء الخالق وشكرِه على ما صَنعهُ من عالم جميل وفي منتهى الكمال والدقة، ومَيّزنا من بين كل الكائنات الحية لكي نستمتع بخيرات كوكبنا، حيث أعطا نا الحياة، ومنحنا القدرة على الأبداع والأبتكار لتحويله إلى جنة حقيقية وواقعية، قبل أن ننتقل الى العالم الآخرالمجهول، الذي لا نعرف عن جَنّته سوى ما يوصف بالكتب المقدّسة. أمّا وظائف الدين ينبغي أن تتركز على كَبح همجية الأنسان، غطْرستهُ، أنانيته، طمعه، وأن تتجسّدْ معاني وتعاليم الدين في السلوك المستقيم والأخلاق الفاضلة، لأنّ الدين أولاً وقبل كل شيء هو معاملة الناس بالحُسنى، وحظّهم على صنع الخير. ومن وظائف الدين أيضا، إحداث نوع من الاطمئنان والراحة والسلام لدى الأفراد والجماعات المختلفة عرقيا ومذهبياً للتعايش في أمان وسلام، وفي إحترام خصوصيات الآخر، وتنمية المشاعر النبيلة والعواطف الكريمة لديهم .

إن من واجب الأديان في عصرنا أن تُطَوّر نظرتها و موقفها من الأنسان عموماً، بعيداً عن دائرة التابعين لها، وأن تتحرّرْ من بعض النصوص الدينية، التي لم تَعُدْ تَلقى قبولاً في أوساط الشباب، كما لم تَعُدْ مقبولة دولياً، ولا تنسجم مع مفاهيم حقوق الإنسان ودعم تقدم مسيرته في بناء الحضارة الإنسانية. وإنَّ أيَّ دين لا يُؤدي هذه الوظائف لا فائدة منه، لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة.

أمّا مَنْ لا يُؤدي وظائف الدين بالشكل الصحيح، وفوق هذا كُلّه يعمل على تسييسه، فتلكَ هي المصيبة الكبرى. لأَنّ أمثال هؤلاء يُسمونهم بالمنافقين، و هؤلاء المنافقين لا توجد لديهم أية ضوابط، ولا وازع أخلاقي. ويستغلون الدين فقط للقفز على السلطة، ولأغراض بعيدة تماماً عن رسالة الدين وتعاليمه. وهذا ما نشاهده فعلاً في العديد من الحركات والأحزاب الدينية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الأسلامي. بما في ذلك دولة إسرائيل العنصرية.

وهُنا أشير الى بعض الأمثلة على إقحام الدين بالسياسة والآثار السلبية لمثل هذه الممارسات على الوطن والمواطن :

1- حركة الأخوان المسلمين في مصر، والمدعومة من المخابرات الأنكليزية والأمريكية منذ نشأتها، إستطاعت القفز على السلطة مُستغلّةً المشاعر الدينية القوية لدى الشعب المصري، ولكن سرعان ما تكشّفت أهداف الأخوان المسلمين في الهيمنة الكاملة على كل مفاصل السلطة. ولو لا يقظة الشعب المصري بِنخبه الثقافية والسياسية، ووعي شبابه، لأستحوذ هؤلاء المنافقين على أموال الدولة المصرية، حالهم في ذلك حال قائدهم المُلهم أردوغان، الذي غيَّر عددا من قُضاة المحكمة، لكي يَفلتْ من العقاب بعد أن ثبت توّرطه هو وإبنه ومُقرّبين له بقضايا رشاوى وفساد مالي.

2- نظام البشير في السودان مثالٌ آخر على تسييس الدين، فبدلا من العمل على توحيد صفوف قطاعات الشعب السوداني، والأستفادة من التنوع العرقي والديني في تعزيز الوحدة الوطنية، وتنمية موارد البلاد ، أدخل البشير البلاد في حروب أهلية، ذهب ضحيتها مئات الآلاف، بل قُل الملايين من السودانيين ، وكان من نتائجها إنفصال الجنوب عن الشمال. وما تزال مشاكل دارفور وشمال السودان عالقة ومن دون حل قريب .

3- حركة حماس. على الرغم من أَنَّها حركة مقاومة ضد الأحتلال الأسرائيلي، إلاّ أَنّها كشفت عن نفسها كجزءٍ من حركة الأخوان المسلمين العالمية، من خلال التنسيق بينها وبين حركة الأخوان المسلمين المصرية. وبات معروفاً للكثيرين الدور السلبي الذي تمارسه هذه الحركة في تعطيل جهود منظمة التحرير الفلسطينية في إجراء المصالحة الوطنية، وإنهاء الأنقسام ، وتوحيد الضفة والقطاع، لمواجهة الغطرسة الأسرائيلية.

4- إنَّ أفْضحْ شكل لتسييس الدين هو في إيران الشيعية وطالبان السُنّية. فقد إستطاع المُلالي في إيران وبدعم من الحكومات الغربية السطو على ثورة الشعب الأيراني ضد نظام الشاه عام 1979، (والتي فَجّرها تحالف الليبراليين واليساريين، وبدعم من حزب تودة ومجاهدي خلق وأحزاب وطنية آخرى)، مُتخذين من الدين سِتاراً للقفز على السلطة، وتنفيذ حُلمهم في إعادة أمجاد الأمبراطورية الفارسية، التي قضى عليها المسلمون في معركة القادسية عام 15 هجري و636 ميلادي بقيادة سعد بن أبي وقّاص ، وذلك عبر تصدير (الثورة) وخلق أحزاب وحركات موالية لنظام ولاية الفقيه، وكسب أعوان وشركاء في العديد من دول المنطقة. وبات من الصعب على الشعب الأيراني آن يتحرر من قبضة النظام المستبد في ظل أساليب التعذيب القاسية والأعدامات العلنية في الساحات العامة، حيث تحتل إيران المرتبة الأولى في عدد الذين يُنفَّذْ فيهم حكم الأعدام سنوياً حسب مُعطيات منظمة العفو الدولية.

وأمّا حركة طالبان فهي معروفة لدى الجميع في تَخلّفها وأفعالها القروـ وسطية، وفي حجم وبشاعة إجرامها، ويكفينا أن نتذكر حادثة هجومها على إحدى المدارس في باكستان، وقتل مئات التلاميذ الأبرياء بدم بارد، إنتقاماً من الحكومة الباكستانية، لملاحقة أنصارها في إقليم وزيرستان .

5- أمّا داعش فليست سوى إحدى هذه الحركات الدينية المُتطرّفة، وأكثرها ضرراَ وخطورة على حياة المواطنين، وعلى مستقبل الأجيال القادمة، وعلى الأرث الحضاري للبشرية. وسأعود للحديث عنها في الجزء الرابع.

لكن داعش كأسلام سياسي متطرّف، وإرهابي لامثيل له، لا تعمل لوحدها في الساحة العراقية. فهناك بالمقابل أحزاب الأسلام السياسي الشيعي، القابضة على السلطة منذ 2003 (أي ما يزيد عن 12 سنة ). وقد فشلت هذه الأحزاب ذات الخلفية الأسلامية في إنقاذ البلد من مخلّفات النظام السابق وأزماته، ومن تداعيات الأحتلال الأمريكي، لتضيف إليها أزمات جديدة، أثقلتْ كاهل الوطن والمواطن.

ومن أبرز مظاهر الأزمات المستفحلة، هو تأجيج النعرات الطائفية والتخندق الطائفي، وبث روح الكراهية والأنتقام، و تَصدّعْ النسيج الأجتماعي، وضعف قدرات الجيش في مواجهة الأرهاب والأعتداءات الخارجية ، وإنتشار الميليشيات المسلّحة، ونهب المال العام، والفساد المالي والأداري الذي ينخر في مؤسسات الدولة، وشيوعه بين المواطنين لِيُشكّل ظاهرة خطيرة توازي ظاهرة الأرهاب، ونزوح أكثر من مليوني مواطن من مدنهم وقراهم ، ونقص الخدمات العامة ، وإشتداد البطالة، وخواء خزينة الدولة، والتضييق على الحريات الشخصية، والأعتداء على المثقفين، وفرض سياسة التقشف في بلد يطوف على بحيرة من النفط.
بالأضافة الى كثرة التدخلات الخارجية وضعف إستقلالية القرار السياسي.

جرى هذا ويجري من دون أي عقاب أو ردع للمخالفين والمقصرين بواجبهم، مما يفتح شهية الآخرين على مخالفة القوانين، و ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الوطن والمواطن، وتقويض ما تبقى من هيبة الدولة .

إنَّ البَلد يترنّحْ ويسير نحو الهاوية من جَرّاء السياسات الطائفية، وانتشار الفساد المالي والأداري، والأرهاب بشتى أشكاله، وإفلاس خزينة الدولة. ولأيقاف تدهور الأوضاع، عليك يا رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي التحلي بالجرأة والشجاعة، لأتخاذ خطوات جدّية لمحاسبة كل من تسبب في تأزيم الأوضاع وجرالبلاد ووضعها على شفير الهاوية، وفي مقدّمتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتقديمه الى القضاء لمحاسبته. فاذا طاحَ الرأس الأكبر فسوف تطيح كل الرؤوس الصغيرة مثل كرة الثلج. وإذا ما أَقدمْتَ على مثل هذا الأجراء الجريئ، فستلقى دعماً وتأييداً شعبياً واسعاً، ولن تنفع المالكي حينذاك مساندة إيران له. وإذا لم تُطِحْ به، فأنّه يسعى وبكل السبل للأطاحة بك وإستعادة موقعه، وذلك من خلال وضع العصي في عجلة عربتك.

وإزاء هذه الصورة القاتمة لحكم الأسلام السياسي وتسيّيس الدين عموما، يجدر ويتطلّب من رجال الدين من كل الطوائف والمذاهب أن يَستوعبوا هذا الدرس البليغ، وان لا يفرضوا رؤيتهم الدينية على شكل الدولة ونظام الحكم، ويصادرون حقوق الآخرين وحرياتهم في الأبداع والأبتكار، وفي البحث عن المجهول بأستخدام المنجزات العلمية والتقنية لأيجاد حلول لمشاكل عصرنا، بل عليهم أن يَقرّوا بحق الشعب، صاحب المصلحة ومالك الأرادة في إختيار ما يراه صحيحا ومناسبا، ويمارسوا على أرض الواقع إحترامهم وتقديرهم ومساندتهم للعلماء والأدباء والفنانين، والخبراء من ذوي الأختصاص، في رسم السياسات وإتخاذ القرارات التي تتوافق مع مصلحة الوطن ومصلحة أغلبية أبنائه، ومن دون فرض أية وصاية على الشعب بأسم المقدّسْ، وإصدار فتاوى بالقتل أو التحريم لمن يخالف رأيهم، والذي في الغالب ينتقص الى الحجة و قوّة البرهان.

إنّه عار وليس من بعده عار، أن تُقطعْ رقبة إنسان، أو تُسلبْ أمواله وممتلكاته، ويُطرد من أرض أجداده، وأن تُبا ع نِسائه في سوق النخاسة، بسبب إختلاف في الدين أو المذهب. وهذا العار يتضاعف حين يُرتكب بإسم المُقدّس.

إنَّ المُقدّس في نظري على أرض كوكبنا هو حياة الأنسان، فلا شيء أسمى منها. لأنّ الأنسان هو أرقى كائن إجتماعي في العالم الذي ندركه ونتحسسه، وهو الوحيد من بين كل الكائنات له القدرة على صنع المستحيل وتغييّر صورة العالم. وعليه ينبغي إحترام آدميته، وعدم المساس بكرامته، وتحريم قتله إلاّ في حالة الدفاع عن النفس، وتثمين عمله المتقن و إبداعاته وإبتكاراته، التي تصب في خدمة الجميع، و توقه الى صنع الجميل لنفسه وللآخرين .

وفي ختام هذا الجزء أتوجه الى رجال الدين الأفاضل من مختلف المذاهب، وأُناشدهم على عدم التدخل في شؤون العلم والأقتصاد والسياسة، وأن يتركوا هذه المجالات لذوي الأختصاص، وأن ينصرفوا الى واجباتهم الدينية في الوعظ وفي تقويم وتهذيب سلوك الافراد، وخلق مناخ إيجابي للتعايش بين المذاهب والطوائف والأثنيات بما يُرسّخ ويعزّ ز الوحدة الوطنية، و في أبداء النصح والأرشاد. أي أن يَقِرّوا بفصل الدين عن الدولة، كما هو الحال في الدول التي سبقتنا في هذا المضمار، والتي وضعت حدّاً نهائيا للأستبداد، ولحماية ممتلكات الدولة وثروات البلاد وأموال الشعب من الحكام الفاسدين، والذين يتربعون على العرش تارة بأسم الدين والمقدس، وتارة بأسم القومية والوطنية، ولكن من دون أيّةِ آليات للعقاب والمحاسبة. هذا هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمات التي أحاطت بالبلد من كل الجهات، والطريق الوحيد الذي يفضي الى الأسقرار السياسي، والذي هو أساس التنمية الأقتصادية وتحقيق الرفاهية وأنجاز حلم السعادة لدى البشر.


الدانمارك
18.06.2015



 



 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter