|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  24  / 3 / 2020                                 د. شابا أيوب                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

كورونا يكشف عيوب النظام الرأسمالي العالمي

د. شابا أيوب
(موقع الناس) 

بغض النظر عن ماهية وانتشار فايروس كورونا ، وموطن ظهوره، ومن هي الجهات المسؤولة عن هذا الظهور و طريقة انتقاله إلى البشر ، فإن هذا الظهور وهذا الانتشار سيكونان بمثابة إنقلاب في الفكر والمفاهيم والممارسة وإضافة قواعد وقيم إنسانية جديدة بين البشر.

ظلّت الرأسمالية العالمية وفي مقدمتها الأمريكية وسياسة النيوليبرالية التي تبنتها تعمل على الخصخصة و تصفية القطاع العام والقطاع الحكومي لمصلحة القطاع الخاص بما في ذلك القطاع الصحي.

وكان من نتائج هذه السياسة الكارثية توجيه الاستثمارات إلى القطاعات التي تدر الارباح العالية بآجال قصيرة، ومنها صناعة الاسلحة ، والأجهزة الإلكترونية الذكية من موبايلات وآيبادات وإشاعة الإنترنت وإنتشار القنوات الفضائية الإعلامية لغرض غزو عقول الناس وخاصة الشباب منهم ، والاستثمار في مجال الرياضة من خلال تعظيم لعبة كرة القدم وغيرها من الاستثمارات الرياضية (مع الاعتذار لمحبي كرة القدم والرياضة عموماً وأنا واحد منهم) وتحويل الرياضة إلى تجارة مربحة، وإلهاء الشباب بها بدلاً من أن يتوجهوا نحو السياسة ومراقبة ظاهرة استغلالهم من قبل أرباب الاعمال، ومن انعدام العدالة في توزيع الثروات وفرص العمل وغيرها ، وكذلك في الدعاية لقيم الرأسمالية وإعتبارها المنظومة الأصلح و الافضل، وغرسها في عقول الناس وخاصة الشباب منهم وإهمال الإستثمار في القطاع الصحي الذي يُعد من أهم القطاعات الحيوية في حياة الإنسان. بسبب قلة الارباح التي يجنيها مقارنة بالقطاعات الاخرى.

من الواضح أن النقص في عدد المستشفيات والأجهزة الطبية اللازمة وخاصة أجهزة التنفس الإصطناعي وفي عدد الكمامات والبدلات الوقائية وفي توفير اللقاحات الكافية لضمان صحة وسلامة المواطنين جميعاً ومن دون تمييز، والنقص الشديد في الكادر الطبي الحالي هو العائق الأكبر لتطويق الوباء في العديد من الدول الغربية المتطوّرة، فما بالك بالدول النامية والمتخلّفة. وهذا هو عار على تلك الدول الغنية التي تتبجح بإقتصاداتها القوية وبقدراتها العسكرية الفائقة وعيب مكشوف في نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

أن فايروس حديث الظهور مثل كورونا قد كشف و بيّن فشل النظام العالمي القائم على المنافسة الخبيثة (وليس الحرة) كما إدّعى ويدّعي طوال العقود الماضية ، وعلى تمجيد الفردانية على حساب الأسرة والقيم الاجتماعية المشتركة ، وتغليب القيم المادية الصرفة على القيم الروحانية والإنسانية ، كما كشف عن الأنانية المفرطة بين الأفراد والحكومات على حساب التعاون والتضامن بين الأفراد والشعوب.

ها هي إيطاليا العظيمة بلد غاليليو ودافنشي وميكائيل أنجلو وغرامشي وفي فنّها الرفيع وأدبها وعلمها وحضارتها قد خُذلتْ وتُركتْ تئن وتعاني من محنتها ومن قبل أقرب أصدقائها وحليفاتها أمريكا ودول الاتحاد الاوروبي. فقط روسيا والصين وكوبا تحرّكت نحوها وبدافع إنساني لمساعدتها للخروج من هذه المحنة القاسية.

إن الفردانية والانانية التي زرعها النظام الرأسمالي في عقول الشباب ها هي تُعطي اليوم ثمارها المرّة. لم يعد الكثير من الشباب الاوروبي في ظل هذه الأزمة يهمه حياة الكبار في السن والعجزة الذين بنوا بكدحهم بلدانهم وطوّورا إقتصاداتها. وبعض من هؤلاء الشباب مستعد اليوم لقبول فكرة هلاك هؤلاء المسنين على حساب التركيز على بقائهم .

لنعود الآن إلى طرق معالجة الأزمة؛
نظراً لخطورة وسرعة إنتشار الوباء استخدمت الصين إجراءات سريعة وقسرية لمحاصرة الوباء بما في ذلك إصدار الاوامر وعدم الاكتفاء بالارشادات والنصائح ، وإشراك كوادر وأعضاء الحزب الشيوعي وكل أبناء الشعب في هذه المهمة. والهدف هو الحفاظ على حياة المواطن الصيني (رأس المال الحقيقي - التنمية البشرية) غير مبالية بالتداعيات الاقتصادية، بعكس الإجراءات التي اتبعتها أمريكا والدول الأوروبية في البداية والتي اكتفت بالنصائح والارشادات وأهملت إجراءات الحجر الصحي وتعطيل المدارس والجامعات وغلق رياض الاطفال ، وتقليل عدد العاملين في الدوائر الحكومية والمصانع والشركات وكذلك من التنقل والتجمهر، لخوفها من تأثير ذلك على الاقتصاد. أي أنها فضلت إبعاد الضرر عن الاقتصاد على حياة مواطنيها. وحين لم تنفع النصائح والارشادات من إيقاف انتشار الوباء بسبب عدم التزام بعض مواطنيها ، لجأت هذه الدول إلى إسلوب الاوامر الذي اتبعته الصين منذ بداية الأزمة بعد أن كانت قد انتقدت الصين على هذا الأسلوب وإعتبرته إجراءاً قسرياً منافياً لحقوق الانسان.

مدينة نيويورك هي المرشحة بعد إيطاليا بخطورة الوباء ، وليس أمام الاثنتين سوى حجر المصابين ومنع التجوال والسماح له فقط في الحالات القصوى، وحصر التجوال فقط بمسؤولي القطاع الصحي والخدمات الضرورية. بينما تعتزم الصين بالمقابل رفع قيود السفر عن مركز وبؤرة الوباء مدينة ووهان.

ماذا تكشف لنا هذه الجائحة؟
وماذا ينبغي القيام به وعلى وجه السرعة؟
1- ضرورة التعاون والتضامن بين جميع الدول من أجل تطويق انتشار الوباء والاستعانة بقدرات وخبرات وتجارب الدول في هذا المجال بغض النظر عن الاختلاف في النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

2- تحميل المسؤولية للدول والأنظمة التي تسببت في خلق الازمات والحروب وفي صناعة اسلحة الدمار الشامل التي تهدد حياة البشر وفي الإضرار بالبيئة والتغيير المناخي والإضرار بصحة الإنسان وتشويه إنسانيته وتحويله إلى أداة تنفذ رغبات رأس المال ، وضرورة توجيه جانب كبير من الإستثمارات بما يخدم صحة وسلامة الإنسان.

3- تعظيم دور الأمم المتحدة في هذا المجال وانتشالها من حالة العجز التي تعاني منه بسبب هيمنة بعض الدول العظمى على مقرراتها وتفعيل دور منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات التابعة لها.

4- وضع إستراتيجية عالمية جديدة تضع نصب أعينها حماية الجنس البشري من الهلاك تحت اي تهديد مهما كان نوعه، لأن الإنسان سيد الكائنات على الأرض ، ويجب أن يتواصل بهذه المهمة لطالما تميز عن باقي الكائنات الحيّة بميزة العقل والتفكير ، وهى من أكبر النعم التي وهبها الله أو الطبيعة له (وهذا حسب قناعة كل قاريء) وأن يتغلّب التفكير المنطقي والعقلاني على التفكير الأناني وعلى قوى الشر والعدوان.



 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter