|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  11  / 3 / 2015                                 د. شابا أيوب                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

جنس الدواعش
الجزء الثاني

د. شابا أيوب
(موقع الناس) 
 
يعلم الجميع ان التاريخ أصبح علماً، ويُكتب بطريقة علمية، أي من دون تشويه أو تحريف للوقائع والأحداث، ومن دون أية مبالغات أو تجميل للصورة، ومن حق الأجيال القادمة أن تعرف بصدق، ماذا فعل الآباء والأجداد والسلف؟ ماذا أنجزوا، وبماذا أخفقوا؟ ما هي إنتصاراتهم ؟ وما هي هزائمهم ؟

فلماذا تعملون على طمس تاريخ شعبكم وتسعون الى تغييب جزءاً من التراث الثقافي لبلدكم. إن النظرة الى التاريخ يجب أن لا تكون إنتقائية، وعلينا النظر اليه من جميع جوانبه، أي بأيجابياته وسلبياته.

خذ على سبيل المثال لا للحصر تاريخ الدانمارك
يقر الدانماركيون بأنّهم قبل 6 - 7 قرون خلت، كانوا قراصنة البحار وشعب غير متحضر، ويوعزون سبب ذلك الى العاملين الجغرافي والأقتصادي، أي بسبب قسوة الظروف المناخية، وضعف الأنتاج الزراعي والحيواني آنذاك، ناهيك عن غياب الأنتاج الصناعي، ولكنّهم لم يشعروا قط بالحرج عن هذا الماضي التعيس، بل بالعكس فأنّهم يشعرون بالفخر كونهم صنعوا تاريخهم الحديث بأيديهم، حتى باتوا من أسعد شعوب العالم، وهذا ليس تقييمي الشخصي، بل بأقرار المنظمات المختصة التابعة للامم المتحدة.

أمّا تاريخنا فهو مليئ بالمغالطات والتشويهات ولكنّكم مع ذلك تريدونه أن يكتب بلون ناصع البياض، أي من دون أخطاء أو خطايا، وبشكل يصعب على المرء أنتقاد جوانبه السلبية، وقد تمت ملاحقة وعزل ونفي كل من حاول كتابة هذا التاريخ بنظرة نقدية. ولو تعمقنا كثيراً في دراسته سنرى بأن جذور العنف الدموي المفرط في عراقنا اليوم تعود إلى هؤلاء البدو، القادمين من الصحراء. حيث لم يستطع بعضاً من هؤلاء البدو إستيعاب الحضارة بالرغم من مرور أكثر من 14 قرناً من الزمان، ولهذا السبب ما زال هذا البعض يحلم بالغزوات وسبي النساء، ولهذا السبب لم يفقه حتى اللحظة قيمة الحضارة وكنوزها.

إنّ داعش بقدر ما هي وحشية وهمجية، وأنّ ما إرتكبته بحق العراقيين والسوريين من بشاعات وحماقات لا تقل عن تلك البشاعات التي إرتكبها هولاكو وجنكيز خان وتيمورلنك من قبل. إلاّ أنّه كان من ورائها فائدة عظيمة للأسباب التالية :

1 إذْ وحّدت ولاول مرّة منذ سقوط النظام السابق، الشعب العراقي بكل أطيافه، للقضاء على الأرهاب والتطرّف، والذود عن الوطن من خلال قتال الغرباء من شراذم الأفغان والشيشانيين والسعوديين ومن لفّ لفهم، وستغيّر أفعال داعش القبيحة بوصلة السياسيين العراقيين من النهج الطائفي المقيت الى نهج أكثر قربا للوطنية العراقية ، نهجاً نأمل منه أن يتسم بالوطنية الصادقة وبروح التآخي القومي والتسامح الديني والمذهبي.

2 إذْ كشفت على العلن عيوب وأخطاء وخطايا القادة السياسيين المتنفذين منذ سقوط النظام السابق ولحد يومنا هذا، كشفت أنانيتهم الشخصية وحزبيتهم الضيّقة وطائفيتهم المقيته وغباءَهم وخواءَهم السياسي.

تلك الأنانية المتمثلة بحرصهم الشديد للأحتفاظ بأمتيازاتهم سواء بالرواتب الخيالية التي يتقاضونها كوزراء في الحكومة أو كأعضاء في البرلمان أو مدراء عامون في مؤسسات الدولة، أم بتكاليف أفراد حماياتهم الباهضة، أم بأستغلال مناصبهم في توظيف أفراد من عوائلهم وأقاربهم من دون توفٌر المؤهلات والشروط الضرورية، أضف الى ذلك تقاضي بعضهم رشاوى، وغض النظر عن إنتشار الفساد، ونخره لمؤسسات الدولة والمجتمع.

أمّا حزبيتهم الضيّقة فتتمثل في تغليب مصلحة فئة قليلة أو كثيرة على مصلحة الشعب العراقي والدولة العراقية، راعية الجميع.

فقد أَسست هذه الأحزاب وبالتعاون مع المحتل الأمريكي دولة فاشلة من كل النواحي، دستور توافقي ملغوم، وجيش ولائُه للطوائف وليس للوطن، وأكبر دليل على ذلك هو خذلانه أمام داعش الأرهابية، وعدم قدرته على حماية حدود البلد. وحكومات تُقسّم وزاراتها الى حصص طائفية وإثنية، وتعمل كل وزارة من هذه الوزارات لمصلحة الحزب وأبناء الطائفة أو العشيرة التي ينتمي إليها الوزير. و حتى أكون منصفاً في قولي، لا بد من أن أستثني عدداً محدودا من الوزراء، الذين خدموا بمهنيه عالية ونزاهة، وبعيدا عن الحزبية والتخندق الطائفي. أمّا القضاء فلم يكن محايداً وكان في أغلب الأحيان منحازاً لجهة رئيس الوزراء، وبرلمان يفتقر الى الكفاءة، وعدم إرتقائه إلى مستوى التحديات الجسيمة، حيث أحد أعضائه يَجرُّ بالطول والآخر بالعرض.

والى جانب الحزبية الضيّقة شكّلت الطائفية السياسية وَبالاً خطيراً على العراق وشعبه، هدّد ومازال يُهدّد النسيج الأجتماعي العراقي. وقد سعى بعض القادة السياسيين والمسؤولين في الحكومة والبرلمان، وخاصة في فترة حكم نوري المالكي، الى تأجيج الصراع الطائفي، والى زيادة درجة الأحتقان الى حد القتل بالجملة على الهوية، كما حصل في عامي 2006 و 2007 كلّ ذلك من أجل ضمان مقعد إضافي لهم في البرلمان او ضمان كرسي إضافي في أحدى الوزارات. ولم يكتفوا بهذا القدر، بل راحوا يستقوون بحلفائهم الطائفيين في المنطقة من إيران وتركيا والسعودية وباقي دول الخليج، معرّضين أمن بلادنا للتدخلات الخارجية وعبث مخابراتها. وقد شلّت هذه السياسة العقيمة، القائمة على إقصاء وتهميش الآخر، قدرات الشعب العراقي في البناء والأعمار وفي التنمية الأقتصادية، وفي ظل هذه الأجواء المشحونة والتوترات بين الفرقاء السياسيين، غابت الرقابة على أموال الدولة، ولم تجرِ أية مراقبة أومحاسبة للفاسدين والمفسدين، مما أدى إلى سرقة مليارات الدولارات من خزينة الدولة العراقية، ذهبت أغلبها الى جيوب المسؤولين الكبار وسماسرتهم، وها هي اليوم خزينة دولتنا شبه خاوية .

إنّ الخطيئة الكبرى لهؤلاء الساسة، الذين إبتلى العراقيون بهم، تكمن في غباِئهم وخوائِهم السياسي، المتمثل بضعف التجربة السياسية في بناء الدولة، وفقدان البصيرة، وغياب الأرادة السياسية الحازمة، والافتقار الى الوطنية الصادقة، والسلوك الأنفعالي المتمثل بردود الأفعال السريعة.

فمن المعروف أنّنا كعراقيين كُلّنا نبحر في زورق واحد إسمه العراق. وما حصل في العاشر من حزيران ، وحتى قبل ذلك بكثير، أنّ المياه بدأت تتسرّب الى الزورق من خلال بعض الثغور، وأصبحت كمية هذه المياه تشكل خطراً علينا وعلى الزورق نفسه، ولكن لا أحداً من قبطان الزورق إنتبه الى خطورة هذه المياه، بسبب تخاصمهم وجدلهم حول من هو الأجدر والأحق في قيادة دفة الزورق، وفجأة رأى الجميع أنفسهم والزورق معا في البحر. هذا هو بالضبط ما مكّن داعش من العبث بنا وبعراقنا. لأنّنا لم نتعاون ولم تتوحد سواعدنا لنصل بهذا الزورق الى شاطئ الأمان.

والسؤال الذي يطرح نفسه بألحاح هو؛ من تسبب في سيطرة داعش على الموصل وغيرها من المدن؟ وفي إراقة دماء العراقيين الأبرياء ومنها دماء شبابنا في مجزرة سبايكر؟ وفي نزوح مئات الآلاف من العوائل العراقية الى المناطق الآمنة، تاركين خلفهم وظائفهم ومزارعهم ومصادر رزقهم والتي أصبحت عرضة للسلب والنهب، وتعرّض النساء الأيزيديات والمسيحيات الى الأغتصاب والسبي، وبيعهن في سوق النخاسة، مما يشكل كارثة إقتصادية وإجتماعية ونفسية لأبناء هذه العوائل وعموم البلد.
يتحمّل الأسلام السياسي بشقّيه السني والشيعي ممثلا بأحزابهما السياسية وميليشياتهما المسلحة، مسؤولية إراقة دماء الكثير من العراقيين الأبرياء، على خلفية الصراع الطائفي والمذهبي، وتغافلهم للمشروع الوطني الديمقراطي المدني، كما تتحمّل الكتل المتنفذة في البرلمان العراقي السابق والمسؤولين الأكراد، ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي مسؤولية كل ما جرى ويجري من خراب ودمار، بسبب خروقاتهم للدستور، والتنصل عن التفاهمات التي وقعوا عليها، واتباع سياسة الأقصاء والتهميش، واستخدام القوة في حل الخلافات القائمة بدلاً من الحوار البناء، وغياب التنسيق الأمني، مما أضعف قدرات ومعنويات الجيش العراقي في التصدي للأرهابيين من داعش ومثيلاتها ومن الميليشيات المنتشرة في بغداد والمدن الأخرى.

ما هو الحل؟
لحسن الحظ أن الأُمور تغيّرت كثيراً بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور حيدر العبادي، حيث يعمل بأتجاه حل الأزمات المتراكمة في فترة حكم نوري المالكي، والتخفيف من تبعاتها، وهناك الآن إجماع بين كل أطراف العملية السياسية على وضع الخلافات جانباً، والتركيز على دحر داعش وطردها من المدن والأراضي التي تسيطرعليها. وهو أمر في غاية الأهمية.
ونشاهد على شاشات التلفزة يومياً بأرتياح كبير، الأنتصارات المتواصلة التي يحققها الجيش العراقي ، بعد إجراء تغيير في قياداته، وقُوّات الشرطة والأمن، وقوّات الحشد الشعبي وأبناء العشائر على الدواعش الأرهابيين. ولدي ثقة عظيمة في ظل الأجواء السائدة بأنّ مدينة تكريت سوف تتحرر من قبضة الدواعش في غضون أيام قليلة، وتبقى أنظارنا متوجهة نحو معركة الموصل الحاسمة، لكي نطوي صفحة الأرهاب والتطرّف، ونتقدم نحو البناء والأعمار.

 

كوبنهاكن في 8 آذار 2015

 



 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter