|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  11  / 3 / 2015                                 د. شابا أيوب                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

جنس الدواعش
الجزء الأول

د. شابا أيوب
(موقع الناس) 
 
في العاشر من حزيران الماضي غزا الدواعش مدينة الموصل، إحدى أقدم وأهم مدن العراق التاريخية وعاصمة الدولة الآشورية، وثاني أكبر مدن العراق حاليا. تم غزوها من دون أية مقاومة تذكر، لا بل تركتْ قوات الجيش والشرطة وعناصر الأمن في المحافظة مُعِدّاتها وأسلحتها الثقيلة والخفيفة لها، وهربت بزيّها المدني تاركة مصير أهل الموصل وسكان الضواحي، وكل عراقي يرفض عقيدتهم التكفيرية وأفعالهم البشعة، بيد الأرهابيين وا لتكفيريين، الذين لا تعرف قلوبهم لا الرحمة ولا الشفقة، ولا تراعي أبسط قواعد السلوك الأنساني المتعارف عليها على مر العصور.

ليس عتبي على ما فَعَله ويفعله الدواعش بالموصل وغيرها من الأماكن، لأنهم أصحاب عقيدة ومشروع سياسي يستندان الى نص مقدس من وجهة نظرهم يبرر أفعالهم، رغم إني أرى أن مثل هذه الأفعال ليس فقط لا تنسجم مع روح العصر، حيث تتطور مفاهيم حقوق الأنسان وحقوق المرأة والطفل، وحتى حقوق الحيوان، بل ترقى الى جرائم حرب وجرائم إبادة. لكن عتبي على من مَكّن داعش من إحتلال الموصل ومدن وبلدات أخرى مهمة. وسأعود الى هذا الموضوع لاحقا.

ففي الوقت الذي تترسخ فيه مفاهيم حرية التعبير والفكر، وحرية العقائد السياسية والدينية، وتُثبّت في دساتير الدول المتحضرة وتصبح من بديهيات الحياة اليومية في المجتمع، نرى داعش تضع مخالفيها أمام خيارات كلها مرة، إما أعتناق الأسلام وفق مذهبهم، وإما دفع الجزية، وإما الطرد من بيوتهم وتهجيرهم، وإلا الموت بكل أشكاله. ليس هذا فقط بل أعادت الى الأذهان أقذر جرائم البشر، وهو قتل الرجال، وسبي النساء وبيعهم في سوق النخاسة. وايغالا منهم في الجريمة وزيادة في ترويع المواطنين تراهم يعدون ويفبركون مشاهد فيديو مروعة لا تتحمل عين الأنسان مواصلة رؤيتها، كحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة ، ونحر 21 قبطيا من مصر، وقبل ذلك قطع رؤوس صحفيون أجانب وعمال في وكالات الأغاثة الدولية.

لقد تمادى الدواعش في حقدهم ليس على شيعة العراق ومسيحييه، وعلى اليزيديين والشبك والصابئة، وعلى الكثير من أهل السنة أنفسهم، بل واعتدوا على الأنسانية، وتراثها الغني وكنز من كنوزها، وذلك بحرق الآلاف من الكتب الثمينة والمجلدات والمخطوطات القديمة، ومن مختلف العصور، من مكتبة الموصل، في الهواء الطلق، في مشهد يتسم بالظلامية والجهل المطلق بأهمية هذه الكتب والمخطوطات في دراسة تطور المجتمعات البشرية، وتلاقح الحضارات، والأرتقاء بالمعارف الأنسانية الى مستويات أرقى. إنها لخسارة فادحة ليس للعراقيين وحدهم بل للأنسانية جمعاء، لأن التراث الثقافي العراقي هو جزء لا يتجزأ من الثراث الأنساني.

كما قام الدواعش بتكسير وتحطيم التماثيل واللقى الأثرية في متحف الموصل في منظر يوصف بالروح التخريبية والهمجية والحقد على الحضارة، وعلى كل ما أبدعته يد الأنسان وعقله، كما دمّروا آثار مدينة خُرسباد، والتي يعود تاريخها الى 1000 سنة قبل الميلاد، وسوّوا مدينة نمرود الأثرية بالارض.

صدقوا أم لا تصدقوا بأن كل ضربة من معولهم ومطرقتهم على التمثال كانت بمثابة خنجر يُغرس في قلبي، وقد ضاقت نفسي في تلك اللحظات اللعينة من الزمن العراقي الردئ، وفقدت توازني وعقلي من شدة غضبي، ولكن سرعان ما تداركت بان العراق وتاريخه وحضارته أشمخ من هذه العقيدة الفاسدة والمدمرة، وأن تحطيم تمثال لا يغير من حقيقة ان كل شبر من أرض العراق تحكي قصة مجد عظيم وعطاء مذهل، فأنتم أيها الدواعش الى مزبلة التاريخ ماضون والعراق با قٍ بمسلته، وزقورة أوره، وبثور مجنحه، وبشهرزاده وشهرياره و...

ويا أيها الأوغاد، أنتم تعلمون جيدا بأن لا أحدا من العراقيين في القرن الواحد والعشرين يعبد صنما أو تمثالا، كما كان العرب يفعلون في الجاهلية، وأن هذه القطع الأثرية هي من بقايا شعب عاش على هذه الأرض وترك لنا بعضا من إنجازاته ليخلد ذكراه، وهي أشياء لا تؤذي أحدا بما في ذلك عقيدتكم الأسلامية، والتي ظهرت بعد عشرات القرون. فلماذا تخرجون عن المألوف؟ وكيف تقبلون بأفغانيا أوشيشانيا يدمر حضارة بلدكم؟ والى أي مستنقع قذر أنتم ذاهبون؟

فاذا كان هدف بث الرعب والفزع في قلوب العراقيين والسوريين وغيرهم، هو في توسيع رقعة أماكن تسلطكم، فأن هذه الأفعال البشعة سوف تقلص من مساحتها، وتخلق ردود فعل قوية وسريعة من جانب باقي فئات الشعب الراغبة في العيش بحرية وأمان، وستقاوم وتجابه مشروعكم المتخلف.

وإذا كان هدفكم نشر الأسلام في المنطقة والعالم فأن هذه الأفعا ل المنافية للقيم الأنسانية ستبعد أفواجا من المسلمين عن دينهم أو تدفعهم الى إعتناق ديانات ومذاهب أخرى تنبذ مثل هذا العنف المفرط.

لا أدري إن كانت هذه هي قناعتكم فعلا، أم أنتم تنفذون أجندات خارجية، لأني وكثيرون من أمثالي نعلم جيدا، من يُموّلكم ،ومن يدربّكم، ومن يسلحكم، ومن يسمح بتدفق المقاتلين الى مناطق نفوذكم. لكنني أجزم بأن أفعالكم هذه لاتخدم إلا المشروع الصهيوني في المنطقة، وتثلج صدور الصهاينة وكل أعداء الشعب العراقي، في فصل ساخن يهب على منطقة الشرق الأوسط.

وإستنادا الى ما تم وصفه فأني أستطيع أن أوصفكم بأنكم نوع جديد من الجنس البشري، وأقترح تسميتكم ب (كارهي الحياة) وأتمنى من علماء النفس والبيولوجيا تبني هذا المقترح، وتثبيته في قاموس علم النفس البشري.

 



 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter