|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  5 / 9 / 2020                                 صبيح الزهيري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

 المحاصصة احدى افرازات التكوين البنيوي المشوه للدولة العراقية

صبيح الزهيري
(موقع الناس)

لا يخفى على احد ان الدولة العراقية عانت من النظم البنيوية المشوهة طيلة المئة سنة الماضية. وكان ذلك افرازا طبيعيا لظروف تشكيل وصيروة تلك الدولة . .

باعتقادي ترجع اسباب تلك التشوهات الحالية لثلاثة اسباب رئيسية اضافة الى اسباب اقل اهمية اخرى :

السبب الاول :
هو ارث النظام الدكتاتوري الصدامي.وتبعات الاحتلال للعراق عام 2003وتسليم الجكم الى الاسلام السياسي الطائفي .و العيوب الموجودة في الدستور الدائم مما حفز و فعّل النزعة الطائفية و الاثنية للشرائح الاجتماعية و التي كانت (مكبوتة الى حد ما) و جعل مفهوم الدولة الوطنية يتراجع الى الخلف لتحل محله الولاءات و التوجهات الفرعية كالطائفية و الاثنية و العشائرية و المناطقية والتي كانت الحاضنة التي انتجت المحاصصة .

فالثغرات الموجودة في الدستور الدائم لعبت الدور الفاعل في ابراز المحاصصة و الفساد و الفوضى و التناحر الاجتماعي وخاصة في مادتين منه :
الاولى - بتسمية الشعب العراقي بالمكونات العراقية و التي هي (الفايروس او الجرثومة) التي افرزت كل هذه الامراض التي نشاهدها الان ..

و الثانية - (الاسلام دين الدولة) والتي تعني :
اولا : فرض دكتاتورية و اضطهاد اجتماعي ضد غير المسلمين مما افرز كل امراض التنايز و التآمر بين الشرائح الاجتماعية .

ثانيا : اعطى لرجال الدين المسلمين السطوة في تقرير مصير الدولة و المجتمع .

ثالثا : اسس لمبدأ المحاصصة بين الفرق و الطوائف الدينية الاسلامية ذات التوجهات الفكرية الغيبية المختلفة و من مواقع طبقية ومصالحية.

رابعا : اسس لمنضومة تحالف طبقي فاسد يتكون رجال الدين والاقطاعيين والمافيات وعصابات الجريمة المنظمة و انتج المبيليشيات المسلحة الخارجة عن ارادة الدولة وعزز الولاءات للقوى الاجنبية .

خامسا : ساهم مصطلح المكونات في عملية مسخ الوعي الطبقي عند حمهور المكون نفسه و الذي هو كتلة بشرية مقسمة طبقيا وبذلك ارتكب (مصطلح المكونات و مصطلح الاسلام دين الدولة) جريمتين :

الاولى تنكرهما للفروقات الطبقية في المكونات
و الثانية اسس لعملية المحاصصة

مما نتج عنه انهار من الدماء ما زالت تجري في ارض العراق

ولا ادري كيف يكون للدولة دين والتي هي (خيمة معنوية) لكل من يسكن تحتها من اي دين او طائفة او عرق؟

ثم ما علاقة الكثرة و.. او القلة العددية في توصيف الدولة كونها مسلمة او غير مسلمة في حين ان الدين هو مجرد فكر ومعتقد وانتماء قابل للتغيير والتبديل عند الافراد .

السبب الثاني : هو اقتصاد الريع وتدهور القطاع الصناعي والزراعي وفتح الابواب للاستيراد على مصاريعها . مما اضعف وحتى انهى وجود سوق وطنية للعمل والتبادل. وهي المعوّل عليهما في خلق الروابط الاجتماعية وتقوية مبدأ الشعور بالمسؤولية الوطنية والتكافل الاجتماعي وتعزيز الثقة فيما بين افراد الشعب على محتلف اديانهم و افكارهم و مذاهبهم و قومياتهم .

اضافة الى ما ذكرت فان اقتصاد الريع ينعش الميول الدكتاتورية والطفيلية والبروقراطية وكل انواع الفساد المالي والاداري في الدول عموما. وخصوصا في الدول المتخلفة كالعراق . حيث تصبح السلطة هي المالك للمال والثروة والوظيفة والاداة الضاربة . ثم تسخره لاذلال الناس و تحولهم الى قطعان يركضون وراء من يدفع لهم مستلزمات بقاءهم احياء  ، و بذلك تتحول الديمقراطية في الدول ذات الانظمة الريعية الى مجرد مسخ . وهذا ما موجود بالعراق الان .

السبب الثالث : فهو تبني الدولة العراقية للنظام السياسي البرلماني والذي اثبتت الوقائع انه لا يصلح للعراق في هذه المرحلة والذي يجب ان يستبدل بالنظام الرئاسي المقيّد لفترة زمنية تحددها الظروف اللاحقة  .

نعم اتفق مع من يعتقد بأفضلية النظام البرلماني على النظام الرئاسي فهو نظام اكثر تطورا من النظام الرئاسي. حيث يوفر ظروفا مناسبة اكثر لتوسع مفهوم الديمقراطية وعملية تطور القوى المنتجة واليات بناء الدولة الحديثة .

و لكنه يحتاج الى بيئة ووعي اجتماعي وسياسي و بنية اقتصادية متينة تساعد على صيانته و ديمومته . وهذه غير متوفرة في العراق في الوقت الحاضر .

اخيرا اقول ان المحاصصة الموجدودة الان هي نتيجة و ليست سبب و لذلك يجب معالجة السبب كي تعالج النتيجة.
وان تفكيكها يبدأ من تفكيك مواسير البيئة التي اوجدتها و الحاضنة لها والتي اشرت الى ابرز عناصرها.

كما انها تحتاج الى برنامج عمل ثوري وعلمي ستراتيجي قد يستغرق تنفيذه زمن غير قليل. و يناط تنفيذه بكتلة وطنية مدنية ديمقراطية واسعة .

وبدون ذلك ستذهب كل الجهود الخيرة ادراج الرياح و سيستمر الأنزلاق نحو الهاوية يوما بعد اخر .

و سوف لن تنفع كل المسكنات و الترقيعات التي قد تطرح او تمارس بدافع التخفيف من شدة الازمة.

ذلك ان الازمة هي ازمة بنيوية مركبة و لا تحل بالشعارات والامنيات الطيبة والنصائح النبيلة وذلك لان جوهرها طبقي مصالحي يعتاش ويرضع من (ثدي) بيئة متخلفة عمل اعداء الشعب العراقي على ايجادها منذ الاطاحة بثورة 14 تموز المجيدة .



5/9/2020


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter