|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  5 / 1 / 2020                                 صبيح الزهيري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

 الميليشيات او الداء الذي يدمر الدولة و السلم الاجتماعي

صبيح الزهيري
(موقع الناس)

مما لاشك فيه ان القوات المسلحة (الجيش النظامي و الشرطة الوطنية) اهم جهازين من احهزة الدولة الحديثة . فالجيش هو لحماية حدود الوطن من الاعتداء الاجنبي . اما الشرطة فهي لتوفير السلم الاجتماعي و تطبيق القانون اي انها الذراع المنفذ لفعاليات السلطة التشريعية . فرجل الشرطة رجل قانون مدني بلباس عسكري.

الا ان هناك ظاهرة الرديف المسلح للقوات المسلحة الرسمية و التي بطلق عليها الميليشيات المسلحة برزت بقوة في العصر الحديث عند بعض الدول فما هي اسباب ذلك ؟

كما هو معروف في ظروف معينة كالكوارث الطبعية (الفيضانات و الزلازل و الحرائق و غيرها) او لاسباب سياسية كالحروب او تعرض الدولة لعدوان خارجي قد تحتاج الدولة احيانا الى قوات عسكرية اضافية. و في كلا الحالتين تعلن الدولة حالة النفير الجزئي او العام لدعم القوات المسلحة . و لكن عندما تنهي الحالة الضاغطة يعود المتطوعون الى اعمالهم الاعتيادية .

لكن تاريخ الشعوب يخبرنا بان النظم الدكتاتورية و الفاشية و الشمولية تلجأ الى انشاء تنظيمات شبه عسكرية موازية للجيش و الشرطة كي تعتمد عليها في تثبيت سلطتها .

بل و احيانا تمنحها دورا يفوق ما تعطية للقوات المسلحة الرسمية وقد يصل الحال الى جعلها بديلا عن القوات المسلحة الرسمية .

هذا التنظيم يكون عادة مرتبط برأس هرم السلطة فقط وفي اغلب الحالات لا يكون مرتبط بالقوات المسلحة او قد يكون ارتباطه شكليا لا غير, وفي اغلب الحالات يكون غير معني بتطبيق انظمة الدولة و قوانينها.

اما السبب الرئيس لانشائه هو عدم ثقة الحاكم بشعبه بل و الخوف الدائم منه لانه اما ان هذا الحاكم مغتصب للحكم او مشبع بايديولوجية ارادوية تريد حرق المراحل التاريخية او مغامر مصاب بداء العظمة او حاملا لافكار رجعية مغايرة لعملية التطور الطبيعي او لانه حامل لاجندات دول اجنبية ..

وقد اخبرنا تاريخ الشعوب الحديث عن نماذج عديده لهذه الممارسات لعل ابرزها :
ما قام به لويس بونابرت في الربع الاول من القرن التاسع عشر حين اسقط الجمهورية الفرنسية الاولى بواسطة ميليشيا جمعها من ما اطلق عليه ماركس (حثالة البروليتاريا) اي نزلاء السجون و المجرمين و قطاع الطرق و المهمشين طبقيا و المرتزقة و البغايا حيث جمعهم من شتى بقاع المستعمرات الفرنسية . كذلك ما قام به هتلر في ثلاثينات القرن العشرين عندما اسس فرق الاس اس النازية . وكذلك ما عمله موسوليني في نفس الفترة (الفرق الفاشية) ثم ما عمله فرانكو ابان الحرب الاسبانية و ما عمله بنوشيت في اسقاط حكومة سلفادور الليندي في شيلي في سبعينات القرن الماضي . وكذلك ما عمله نظام الملالي في ايران بعد الثورة الايرانية و المسمى (الحرس الثوري) و اخيرا ما عمله عمر البشير في السودان (فرق الجنجويد و ما عمله نظام بشار السد في سوريا (قوات الشبيحة)

اما في العراق فقد ظهرت هذه التنظيمات الفاشية بعد ثورة 14 تموز اي بعد انقلاب شباط 1963 و تحت اسم الحرس القومي ثم ظهرت ثانية تحت اسم الجيش الشعبي طيلة سلطة البعث الصدامي .

بعد سقوط نظام البعث الفاشي على يد المحتلين عام 2003 و بعد ان سلم المحتلون السلطة الى التيار الاسلاموي الطائفي المتخلف . استنسخ هذا التيار تجربة النظام الصدامي و تجربة النظام الايراني (الحرس الثوري) واسس ما يعرف بالحشد الشعبي كرديف طائفي للقوات المسلحة العراقية و باتجاه ان يحل محلها مستقبلا كضمانة لا ستمرار وجوده بالسلطة .

اما اغلب افراده فهم اجمالا من اسفل قاعدة المجتمع العراقي المهمشة اي من العاطلين عن العمل و المهمشين اجتماعيا و المشبعين بالافكار الطائفية و الاميين و الفاشلين في الدراسة و نزلاء السجون السابقين و محترفي التهريب و الجريمة ومروجي المخدرات و الدعارة و المشتغلين بتجارة السلاح واخيرا المرتبطين بشبكات التجسس العالمية و الاقليمية.وخاصة الايرانية ، مع وجود اعداد غير قليلة من حسني النية ولكن ضعيفي الوعي و التأثير .

هؤلاء بالعموم مدفوعون بالحاجة المادية و العوز و انخفاض الوعي و التي هي افرازات ما عاناه العراق من حروب و دكتاتورية و انهيار شبه تام لقطاعي الزراعة و الصناعة و تدهور العملية التربوية و عسكرة المجتمع لاكثر من ستة عقود حيث شاعت افكار العنف و اليأس و اللاابالية و الافكار الغيبية و الطائفية و الاثنية و يرجع تاريخ بدايات ظهورها للفترة الصدامية و ما قبلها .

هذه الشريحة الاجتماعية التي اطلق عليها ماركس لقب (حثالة البروليتاريا) هي التي وفرت الفرصة للانظمة الدكتاورية و الفاشية - في مختلف دول العالم و منها العراق - لان تجهض طموحات الشعوب نحو الديمقراطية و التقدم و التحديث. اي انها كانت الوقود المجاني الذي اسعملته الانظمة الدكتاتورية و الرجعية لقهر القوى الوطنية و الديمقراطية .

فهذه الفئأت - متخلفة الوعي كانت و ما زالت تناضل ضد نفسها حيث تسخر طاقاتها كادوات لقمع و تخريب شعوبها وقواه الوطنية .

لقد شخصت القوى المعادية للشعوب اهمية هذه الميزة لدى هذة الشرائح و عملت على تنميتها بواسطة النظرية القائلة (جوع كلبك يتبعك) فكان التجويع و البطالة و الفكر الغيبي و التعصب الديني و الطائفي و زرع ايديولوجية الياس اللاابالية و احتقار العلم و المعرفة اسلحة فعالة في بلورت ظهورها ولعل تدهور الصناعة الوطنية و الزراعة سببا رئيسا في نمو و توسع هذه الشريحة.

نستطيع القول باختصار شديد ان افعال هذه الميليشات اضاعت نضال الشعب العراق لقرن كامل من الزمن بدءاً بالحرس القومي البعثي و الجيش الشعبي الصدامي و الحشد الشعبي الاسلاموي الحالي  و لعل جريمة حل الجيش العراقي كان من الاسباب الرئيسية لظهور هذه الميليشيات حيث اصبحت اسلحته و معداته مباحة لهذه التنظيمات  .

اعتقد لا حاجة لتعداد الكوارث و المشاكل التي خلقتها الميليشبات الاسلاموية للشعب العراقي بدءاً من فقدان الامن المجتمعي و انتشار الفوضى و مرورا بايقاد الشحن الطائفي و المجازر التي احدثها بحق المدنيين الابرياء, و انتشار الحريمة المنظمة و تهريب العملة و انتشار الفساد المالي و الاداري وبيع وشراء الوظائف الحكومية و تمدد الصراعات العشائرية وانتهاءً بحلول ما يعرف بالحشد الشعبي محل الدولة ومؤسساتها الرسمية وخاصة الجيش و الشرطة الوطنية و العلاقات الخارجية للدولة العراقية .

لكن علينا ان نبحث في كيفية لجم هذه الكارثة المحدقة بشعبنا من جراء وجود هذه الميليشيات .
باعتقادي الشخصي ان الاسلوب الامني و الاداري غير كافيين لانهاء هذا المرض السرطاني رغم اهميتهما . بل لابد من وضع خطط علمية مدروسة تعمل وفق جدول زمني محدد. بعد تشخيص اسباب انتشارها و تغولها الى الحد الذي بات يهدد وجود الدولة ككيان ناهيك عن فقدان السلم المجتمعي بالكامل .

اعتقد ان الخطة يجب ان تعتمد على ثلاثة محاور رئيسة هي :

المحور الاقتصادي
المحور القانوني
المحور التربوي

فالمحور الاقتصادي يخص امتصاص البطالة من شريحة الشباب عن طريق خطط اقتصادية مدروسة تنهض بالقطاعين الصناعي و الزراعي بشكل اساسي و تتكون من ذات ثلاثة ابعاد :
البعد الزمني القصير و المتمثل في سن قانون جديد للتقاعد يخفض سن التقاعد الى الستين لكلا الجنسين كي يفسح المجال لاستيعاب الشباب العاطل وخاصة المتعلم . وكذلك تنشيط دور القطاع الخاص في الاقتصاد وربط هذا القطاع بقانون الخدمة المدنية العامة للدولة اي الضمان الاجتماعي و التقاعد مع تنشيط دور النقابات العمالية و المهنية واشراكها في رسم السياسة الاقتصادية لكل مشروع .مع سن قانون يجبر الشركات الاجنبية بتفضيل العنصر العراقي على الاجنبي في الحصول على الوظيفة., على ان تحصر جميع الوظائف بمجلس الخدمة العامة .

اما المحور القانوني فيتمثل في سن القوانين التي تنظم العلاقة بين العامل او الموظف و رب العمل . وكذلك ضمان حق من يعمل في اي قطاع اقتصادي بالحصول على التقاعد و مكافآت نهاية الخدمة و حق التمتع بالاجازات المرضية و الاعتيادية متى شاء صاحبها. و سن قانون حماية المرأة العاملة ومنحها حق اجازة الامومة و الحمل المدفوعة الاجر . كذلك سن قانون العلاج المجاني للعمال القليلي الدخل مع تثبيت حق النقل المجاني للعمال من والى مراكز العمل وغيرها من التشريعات و القوانين الموجدودة في الدول المتحضرة.

المحور الثالث هو المحور التربوي و الذي يتلخص في:
اولا: فصل الدين عن المنهج المدرسي الرسمي واستبدال مادة التربية الدينية بمادة تخص لائحة حقوق الانسان و الاتقاقيات الدولية الصادرة من منظمة اليونسيف و اليونسكو بسبب كون العراق متعدد الاديان و الطوائف مما يولد ظاهرة التناحر و التخندق عند الشباب .

ثانيا: اعادة النظر في المناهج المدرسية بدءاً من المدرسة الابتدائية و حتى الجامعة و تخليصها من كل الشوائب التي تعيق البحث العلمي و التفكير الحر و الابداع .

كذلك وضع البرامج التعليمية التي تتطلبها التنمية المستدامة و التي يحتاجها البلد في كل فترة معينة .

هذا اضافة لما هو معروف لكم من ضرورة حل الميليشبات رسميا وحصر السلاح بيد الدولة وتقليص النفوذ العشائري مع وضع مغريات مادية لمن يسلم سلاحه للدولة اي شراء السلاح من الذي يمتلكه ولو بسعر اعلى من سعره الرسمي و لمدة محدودة فقط كي لا يصبح مهنة يعتاش عليها البعض مع ضرورة ضبط الحدود وسن قوانين صارمة ضد التهريب , مع ضرورة تشريع قانون الخدمة العسكرية الاجبارية لخلق جيش وطني متماسك لكل العراق.
 


29/12/ 2019

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter