|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  22 / 6 / 2020                                 صبيح الزهيري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

شيئ عن البرلمانية البرجوازية
نظرة تاريخية عابرة

صبيح الزهيري
(موقع الناس)

بعد التحول التاريخي من مرحلة ما قبل الصناعة الى مرحلة الصناعة و صعود البرجوازية الى منصة الحكم احتاحت البرجوازية الصاعدة في القرنين السابع عشر و الثامن عشر الى غطاء ايديولوجي و قاتوتي يمكتها من تمسكها بالسلطة و ادارة ماكمنتها وتسهيل عملية تفكيك بقايا النظام الاقطاعي و نظام القنانة و هيمنة الكنيسة ,

وكانت الوسيلة المتوفرة انذاك هي ما عرف بـ (حركة احياء العلوم القديمة) وخاصة احياء فكرة الديمقراطية و البرلمانية التي كانت موجودة عند الاغريق . وخاصة افكار سقراط و افلاطون و ارسطو.

وقد تطوع لهذه المهمة مجموعة كبيرة من المفكرين لعل ابرز هؤلاء جون لوك1632-1704 م وديكارت 1596-1650م وهو صاحب نظرية الشك و كذلك مهندس النظام البرجوازي ادم سمث1723-1790م صاحب مقولة (دعه يعمل دعه يمر) في مؤلفه (ثروة الامم) وكذلك مونتسكيو 1684- 1755 و الذي دعى الى فصل السلطات الثلاث عن بعضها , ثم جان جاك روسو 1712-1778 و الذي بشر باللبرالية و جسد افكارة في كتابة (العقد الاجتماعي) حيث دعى الى وجود عقد اجتماعي ما بين الشعب و الحكومة واكد (ان السيادة هي حكم القانون الذي يشرع بشكل مثالي في مجلس ما). لكنه تجاهل الجهة التي ستكتب هذا القانون وهي البرجوازية نفسها .

اما فصل السلطات فهذه خدعة اخرى ذلك لانها - اي السلطات الثلاث - ستنبثق جميعا من رحم الطبقة المالكة لوسائل الانتاج و ما يتفرع عنها في مؤسسات الدولة ونظامها الطبقي .

لقد اعتبروا ان صناديق الانتخابات هي المكان الحقيقي الذي يفرز البرلمان والذي يمثل ارادة الشعب و ليس الطبقة - حسب رأيهم - وهذا البرلمان هو الذي سيوجه و يرسم سياسة الدولة اتجاه المجتمع . و ان من يحصل على اعلى الاصوات من الاحزاب السياسية في الانتخابات يكون هو الذي يمثل ارادة الشعب بدون النظر الى النوع و الكفاءة و التخصص.

المهم ان يكون الكم هو الفيصل و ليس النوع . مما سمح للبرجوازية على مر التاريخ الحديث بالهيمنة على الدولة من خلال سطوتها المالية و الاقتصادية و اجهزة القمع و الاغراء و الترهيب و التزوير و الاعلام و غسل الادمغة كأدوات لتحقيق فوزها و ادامة سلطتها .

كما استعملت جملة من الاساليب الديماغوجية لخداع الناخبين مثل تأسيس احزاب سياسية تسمي نفسها - احيانا - عمالية او اشتراكية او شعبية كي تحصل بها على اصوات العمال و الكادحين غير الواعين

اما على المستوى الاجتماعي فقد عانت الطبقة العاملة ابشع انواع التجويع و الاضطهاد. ومنذ بداية القرن التاسع عشر انفجر الغضب العمالي على سوء المعاملة التي كانت تتلقاها من النظام البرجوازي الحديث النشوء . واجتاحت اوربا ثورات طبقية و انتفاضات عمالية عنيفة للغاية وخاصة انتفاضات عام 1848 و انتفاضة عمال باريس او (كومونة باريس في 15 مارس الى 28 ايار 1871) و التي وصفها ماركس بـ (انها اقتحام السماء) وانتفاضة النساء العاملات في استراليا عام 1856 و انتفاضة عمال شيكاغو عام (1886) حيث امتد الى كاليفورنيا و تورنتو الكندية حيث استشهد عدد كبير من العمال على أيدي الشرطة.

وفي عام 1894 اعلن عيد العمال رسميا و في عام 1889 احيا المؤتمر الاول للاممية الاشتراكية ذكرى الانتفاضة . و عام 1890 اعترفت الاممية الاشتراكية في مؤتمرها الثاني بعيد العمال في الاول من ايار ودعت الى عدم العمل في هذا اليوم من كل عام .

وكانت نضالات العمال في تلك الفترة تتمحور في عدة مطالب اهمها :

- تحديد بوم العمل بثمان ساعات بعد ان كان يمتد بالمعدل الى 14 ساعة
- السماح بالعمل النقابي الذي كان ممنوعا
- توفير الضمان الصحي للعمال .
- مساواة الاجور بين العامل و العاملة ... وجملة مطالب اخرى

لقد كان القرن التاسع عشر قرن صراع طبقي بكل معنى الكلمة و قدمت الطبقة العاملة فيه تضحيات جسيمة و بطولات نادرة بدأت بتكسير و تدمير المصانع و المكائن الصناعية و انتهت بظهور عيد عالمي للعمال .

الا ان هذه المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة وعموم الكادحين بما فيها منح حق التصويت للمرأة و المساواة بالحقوق مع الرجل في عموم الدول الرأسمالية لم تأتي من لدن البرلمانات (المنتخبة ديمقرطيا) بل من النضال اليومي العنيف و المكشوف ضد البرجوازية و برلماناتها . ومن تأثيرات ثورة اكتوبر الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي في بداية القرن العشرين وما بعده . بل ان اغلب تلك البرلمانات وقفت ضد مطالب العمال المشروعة .

و الجدير بالملاحظة ان ابشع الحروب الاستعمارية و الحملات الفاشية نفذتها احزاب تدّعي الاشتراكية و العمالية احيانا مثل الحزب النازي في المانيا (الحزب الاشتراكي الوطني) و الحزب الفاشي في ايطاليا و حزب العمال البريطاني و الحزب الاشتراكي الفرنسي في حرب السويس ضد مصر عام 1956 و وكذلك ما حل بالجزائر من مجازر ابان حرب التحرير حيث فقد الشعب الحزائري اكثر من مليون شهيد . و ما عاناه الشعب الفيتنامي و شعوب جنوب شرق اسيا و الهند الصينية من مجازر على ايدي المحتلين اليابانيين و الفرنسيين و الامريكان . ناهيك عن الحروب و المجازر بحق الشعوب والذي نفذها الحزب الديمقراطي الامريكي في فيتنام و العراق وكوبا و غيرها ، اضافة لتدبير الانقلابات الرجعية في الكثير من البلدان كالأنقلاب ضد حكومة مصدق في ايران عام 1953 و في العراق عام 1963 و في شيلي 1973. و لعل اخرها الحصار المضروب على العراق و من ثم احتلاله عام 2003 وغيرها الكثير الذي لا مجال لذكرها وكلها تمت باسم التفويض من قبل برلمانات تلك الدول و لعل ابرز ما ارتكبته تلك البرلمانات هو جريمة منح المشروعية لحربين عالميتين استعملت فيها كل انواع اسلحة الدمار الشامل بما فيها الاسلحة النووية و التي كانت حصيلتها ابادة اكثر من 60 مليون انسان .

ثم لا ننسى ما تعرضت له النقابات العمالية من تخريب و مجازر و تشريد لاعضائها على يد تلك الحكومات (الديمقراطية) بتفويض من برلماناتها .

و لعل ما تعرض له عمال مناجم الفحم البريطانية في عهد ماركريت تاتشر حيث ضربت بالدبابات بعد ان حوصرت و جوّع اعضاؤها لما يقرب من عام كامل . ناهيك عما تعرضت له شعوب امريكا اللاتينية ودول البلقان من مجازر همجية .

كل هذه المجازر و الفضاعات حدثت ولم يكن للطبقة العاملة رأي فيها وانما كانت وقودا لتلك الحروب فقط .

والجدير بالذكر ان اغلب الجرائم الكبرى التي ارتكبتها الرأسمالية بحق الانسانية حدثت بعد تحول الرأسمالية الكلاسيكية الى امبريالية منذ بداية القرن العشرين .

و على الرغم من تحفظ ماركس وسخريته على البرلمانية البرجوازية الخداعة الا انه اعتبرها خطوة في طريق نضال طويل ستخوضه الطبقة العاملة و الكادحين عموما سيساهم في رفع الوعي الاجتماعي الطبقي و الانساني بشكل عام بسبب:

ان مرحلة النظام الرأسمالي هي مرحلة التناقضات الطبقية الحادة و الازمات الاقتصادية و الاجتماعية الحادة و المركبة و الحروب الكونية و الاقليمية و الطفرات العلمية الهائلة والتي ستكون في نهاية المطاف احد معاول هدم النظام الرأسمالي و المقدمات الضرورية للانتقال لمرحلة المجتمع العالمي اللاطبقي او الاشتراكي و من ثم الشيوعي حيث تسود الديمقراطية الحقيقية و يكون (الكومون الشعبي) هو البرلمان الحقيقي .

 

 20/6/2020


المراجع
منشورات google
انجلس - اصل العائلة و الدولة
ماركس - الثامن عشر من برومير
البيان الشيوعي 1848
ماركس - كومونة باريس
لنين - الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter