|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  1 / 2 / 2020                                 صبيح الزهيري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الم يحن الوقت للخروج من هذه الديماغوجية
(2)

صبيح الزهيري
(موقع الناس)

الديماغوجية كلمة يونانية معناها خداع الناس و اغراءهم و تشتيت افكارهم بواسطة التلاعب بالالفاظ اللغوية و العواطف الملتهبة عند الناس لغرض طمس الحقائق العلمية و استبدالها اما بشعارات جوفاء او ممارسات بعيدة عن الحقيقة  .

لعل هذا التعريف ينطبق على ما نراه اليوم في العراق . وللاسف فقد رصدت مجموعة كبيرة من انواع الديماغوجية و لكني سأتناول بعضها فقط لضيق الوقت .

الحلقة الثانية / خطاب الاسلام السياسي الشيعي
الاعلام علم اجتماعي (سوسولوجي بامتياز) و يعتبر من اهم وسائل الترويج للفكر السياسي في العصر الحديث. ولذلك وضعت له شروط دقيقة و قاسية وان الخروج عنها او تهميشها تعتبر من اهم اسباب فشل اي مشروع سياسي . ولعل ابرز هذه الشروط هي :

اولا : تعيين و جمهرة الهدف الاستراتيجي الذي يريدون الوصول اليه .

ثانيا : تثبيت مبدأ المصداقية و الترابط بين القول و الفعل .

ثالثا :  ربط الخاص بالعام في معالجة الظواهر و الحالات و الابتعاد عن المبالغة في القدرة الذاتية في حل المشاكل و معالجتها .

و اخيرا:  التواضع و الاعتراف بالخطا او الفشل و بصعوبة المعوقات الكابحة و مصارحة الجمهور بها و بطرق معالجتها مع اشراك الجمهور في حل المشكلة للااستفادة من خبرته في العلاج و التشخيص

و الان نسأل هل لدى خطاب الاسلام السياسي مثل هذه المواصفات ؟ الجواب لنرى :

اولا: ما هو المشروع الاستراتيجي الذي يريد الاسلام السياسي الشيعي الوصول اليه : هل هو مشروع بناء دولة حديثة اي دولة ديمقراطية و دولة مؤسسات – هل هو اقامة نظام العدالة الاجتماعية و اعادة توزيع الثروة على المنتجين الحقيقيين او اقامة نظاما اشتراكيا او السير على طريق الوصول اليه ؟ هل هو السعي لتحرير الوطن من المحتل ؟ هل هو السعي لتصنيع البلد وتطوير منتجه الزراعي و الخدماتي و السياحي ؟ هل هو لحماية الثروة الوطنية من النهب الاجنبي و الفساد الاداري و المالي ؟

هذه الامور هي التي تهم الانسان العراقي في القرن الحادي و العشرين . اما اقامة نظام ديني او طائفي فقد تجاوزه الزمن منذ الثورة الصناعية قبل اكثر من ثلاثة قرون فالانسان العراقي يريد ان يتمتع بحياة كريمة مستقرة متماشية مع قطار الحضارة السائر الى الامام و ان (معدة الانسان) هي التي تقرر شكل المسيرة و ليست معتقاته الميثولوجية التي ولى زمانها و التي دخلت التاريخ كتراث يحترم كونه ارث حضاري للامة .

بقدر اطلاعي على برامج الاحزاب الاسلاموية لم اعثر على شيئ مما ذكرت فمثلا مشروع دولة المؤسسات و الدولة الحديثة غير مطروح ابدا رغم الادعاء الكاذب و المراوغ باعتبار ان مشروع الدولة الحديثة يتناقض مع معتقداتهم الدينية (تحريم الديمقراطية و عدم الاعتراف بالوطن) وكل ما يفهمونه من الديديمقراطية هي الانتخابات التي توصلهم للسلطة فقط . وامامنا النموذج الايراني فسلطة الولي الفقيه تعلو سلطة البرلمان و الحكومة و السلطة القضائية وكل ما هو موجود من (مؤسسات) لا تعدو كونها (ديكور) فقط .وكذلك ما حدث في مصر على يد الاخوان المسلمين السنة .

اما العدالة الاجتماعية ففي ايران نسبة الفقر قد تجاوزت مستويات عالية و لعل الهبات الجماهيرية و اخرها هبة ديسمبر 2019 و التي شارك فيها اكثر من مئة مدينة دليل واحد من الادلة الكثيرة .

اما في العراق فحدث و لاحرج. فنسبة الفقر العام وصلت الى ما يقرب من 40% و الفقر المتقع تجاوز 30% . اما نسبة تفشي الامية - و التي لم تكن موجودة في العهد السابق - فقد وصلت الى اكثر من 40% وخاصة في الريف و المدينة .امانسبة التفاوت الطبقي فقط بلغت ارقاما خيالية بعد امتلكت مافيات الفساد و السرقة و النصب و الاحتيال و المشاريع الوهمية و الكومشنات و غير ذلك ما يقدر باكثر من 90% من الثروة و التي هربت الى خارج البلد. علما ان الخبراء الاقتصاديون يقدرون ما دخل الى العراق من مال منذ سنة 2003 و لغاية نهاية 2019 باكثر من بترليون دولار في حين وصل مستوى تدهور الحالة المعيشية لغالبية السكان وحاصة المناطق الشيعية الى ما يقترب من مستوى سنة 1921 . ولعل ثوار الانتفاضة التشريتية الشيعية يجيبونك على ذلك اكثر مما ذكرت .

فبيوت الصفيح و العيش في المزابل و الشرب من المياه الاسنة و المدارس الطينية و انتشار الاويئة و الامراض الفتاكة و المتوطنة و طرق المواصلات المتهالكة و انعدام الطاقة الكهربائية او ندرتها وتهالك المؤسسات الصحية و المستشفيات و قتل الاطباء و تشريدهم و بطالة الشبيبة المتعلمة و اصحاب الكفاءات العلمية و الادبية و الفنية و الرياضية و القائمة تطول حتى وصل الامران تضع المؤسسات الدولية المتخصصة العراق في اسفل قائمة الدول الاكثر فسادا و تخلفا في العالم.

لكن اعلام  السلطة الاسلاموية لم يعترف يوما بهذه الماساة و لا باسبابها وكل ما يفعله هو الدعوة الى مزيد من مواكب اللطم و العزاوات ونشر الخرافات و الاساطير و التباهي بالزيارات المليونية الى الاماكن المقدسة حتى وصل بهم الامر الى الدعوة لتاسيس وزارة للزيارت الدينية .

اما ممارسة الدجل العلمي و التزوير في الشهادات العلمية و الانتخابات البرلمانية و تزوير المستمسكات و الوثائق الشخصية و العملة وطرق تهريبها و تهريب النفط و الاثار التاريخية وخلق (الوظائف الفضائية) فقد اصبحت ظاهرة طبيعية يطلقون عليها مصطلح الشطارة .

اما بيع وشراء الوظائف الحكومية - المدنية و العسكرية - فقد اصبحت من مفردات السلع المعروضة للبيع في المزاد العلني حيث وصلت اسعار الوظائف الى ارقام خيالية و كل وطيفة لها سعر معلوم ..

ومع كل هذا لم نجد اعتراف بفشل او خطاٌ من قبل ازلام النظام و ان كل ما يقال من فشل يعزونه الى دعاية من اعداء الشيعة .. اما الدعوة القائلة بضرورة بناء علاقات انسانية محلية و دولية سليمة و اللحاق بقطار التطور الحضاري – سيما و نحن في القرن الحادي و العشرين عصر التكنولوجيا الفائقة و الاكتشافات المذهلة و علوم النانو و الكوارتز و الكوانتيم و الروبوتات الفائقة فهذا غير موجود في ذهن الاسلامويين وهو ممنوع الحديث به لانه (يؤدي الى الكفر و الشك وضياع التشيع).

ان المشكلة الفكرية التي يعاني منها الفكر الشيعي طيلة اربعة عشر قرنا والى يومنا هذا هي (التقية) و التي تعني الانحناء للعاصفة و التزلف للعدو و النفاق في سبل معالجة الامور المستجدة و العيش بين الناس بلسانين ظاهري و باطني بحيث لا تستطيع ان تفهم ماذا يريدون و ماذا يرفعون من شعارات. و ما درجة مصداقية ما يطرحون.

فمثلا يرفعون شعارا بمجاربة الامبريالية و خروج الامريكان و محاربة الصهيونية بالعلن في حين يبنون جسورا التفاهم معهم بالسر و يتكلمون ضد الفساد و الرشوة علنا و يمارسونها سرا. وقد يصرح احد قادتهم بالاشادة بالانتفاضة و مساندتها و الدعوة لحماية المتظاهرين و لكنهم يرسلون عصابات القتل و الاختطاف للشباب المنتفضين المطالبين بوطن لا غير . ولعل من ديماغوجيتهم الغبية انهم يدعون علنا لتشكيل حكومة كفاءات من المستقلين و ينتقدون الفساد لكنهم بالسر يستميتون في تثبيت مبدأُ المحاصصة. و لا تستغرب اخي القارئ الكريم انهم عندما يوقعون عهدا او ميثاقا مع قوى وطنية او اجتماعية . سرعان ما يتبرأون منه او ينكرون وجوده في اليوم التالي وقد يخولون احدهم ان يصرح او يطرح موضوعة او مقترحا ما او يدلي بتصريح ما صباحا, و لكن في المساء يوعزون الى شخص اخر بتكذيب ما صدر من ذلك الشخص او يتبرأون من علاقتهم به . .

و قد سمعت من احد قادتهم مرة ان يوصي اتباعة باستعمال الديماغوجية و عدم الوضوح حيث قال (نريد منكم العمل هكذا بحيث لا يستطيع احد غيرنا ان يعرف نوايانا الحقيقة)

وكدليل على جهل الاسلامويين الشيعة باهمية الاعلام فانهم يطرحون في اعلامهم و ادبياتهم من انهم اتباع اهل بيت الرسول و شيعته ويريدون احياء افكاره و منهجه . و نسوا او تناسوا بشكل غبي ان اهل بيت الرسول اتصفوا بالنزاهة و العفة و الموت في سبيل المبادئ و لم يكونوا يوما سراقا او ظالمين او مجرمين .
فمثلا كما جاء بالاحاديث ان الرسول محمد قال (لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وكذك رفض ابو ذر الغفاري الكفن الذي تبرع به الامويين له لانه جاء من مال حكومة سارقة و مغتصبة . وكذك جاء عن علي بن ابي طالب قوله (لو كان الفقر رجلا لقتلته) وكذلك قوله (ما رأيت قصرا منيفا الا وبجانبه اكواخ الفقراء) ورغم كونه خليفة الدولة و تحت يده مال الدولة لكنه لم ياخذ منه شيا. بل كان يعيش من عرق جبينه. وعندما اراد الزواج من فاطمة بنت النبي محمد كان لا يملك مهرا لها الامر الذي جعله يبيع درعه كي يوفر مستلزمات الزواج . اما النبي فلم تذكر المصادر التاريخية انه ترك ارثا ماليا بعد وفاته . كما ان هؤلاء الصالحين كانوا على درجة عالية من العقلانية و التسامح و كبح سفك الدماء كما امنوا بالتعددية الفكرية و الدينية . كما جاء في وصية الامام علي الى عامله على مصر مالك بن نويرة (واعلم ان الناس نوعان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) وكذلك موقف علي في حرب صفين عندما فضل التفاوض على الحرب كبحا لسفك الدماء . وكذلك موقف ابنه الحسن عندما تنازل عن حقه بالخلافة حقنا لدماء المسلمين ..

هذه شذرات من تراث ال البيت . فاي صفة او خصلة تنطبق على الاسلامويين الحاليين و الذين يسمون انفسهم (بالشيعة) في العراق او في ايران او غيرها .

لذلك فقد الناس الثقة بهم به و خاصة اتباعهم و لذلك اطلقوا على اعلامهم صفة الهراء و الدجل .

انتهى


 27/01 /2020


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter