|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  10 / 9 / 2020                                 صبيح الزهيري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

خطر يهدد مسقبل انتفاضة تشرين يجب تحاشيه

صبيح الزهيري
(موقع الناس)

تمثل انتفاضة تشرين الترجمة العملية لمسارات الصراع الطبقي و الفرز الاجتماعي في العراق الاخذ بالتزايد بعد 2003 .

اي بعد حدوث الاحتلال الامريكي للعراق و تسليمه السلطة للاسلام السياسي والذي تم وفق ستراتيجية امبريالية مدروسة هدفها منع قيام دولة ديمقراطية في العراق لعدة اهداف منها تلبية رغبات دول الجوار الرجعية. ومنها جعل القضية العراقية ورقة مساومة تبتز بها دول المنطقة عموما .

وقد تجلى ذلك المسعى بحل الجيش العراقي بعد الاحتلال مباشرة و تشريع دستور (دولة المكونات و نظام الحكم البرلماني و ما سمي بالديمقراطية التوافقية) و الذي تم على عجل وصار هو السبب الاساسي الذي انتج المحاصصة فيما بعد.

وكانت نتيجة هذا الشكل المشوه للدولة هو الفوضى الاجتماعية والتناحر الاجتماعي وتمزق اللحمة الوطنية و بروز الطائفية السياسية والاجتماعية وافرازاتها المتنوعة (الميليشيات المسلحة و انتشار السلاح في الشارع والفساد المالي والاداري و نهب الثروة الاجتماعية و ظهور (طبقة اجتماعية) بيروقراطية طفيلية رثة و عميلة) . اضافة الى تراجع مفهوم المواطنة لصالح الولاءات الفرعية.

فخلال مرور قرابة العقدين من الزمن دخل الى خزينة العراق اكثر من ترليون دولار من مبيعات النفط . و لكن لم يظهر لها اي اثر يذكر على حياة كادحي و فقراء العراق و مثقفيه .

بل زاد وضعهم سوءاً ، الامر الذي حفز الملايين من كادحي الشعب العراقي الى رفع اصواتهم للمطالبة بالعدالة الاجتماعية وبوجوب اقامة دولة المواطنة الديمقراطية .

ولذلك لم تكن انتفاضة تشرين عملا احتجاجيا و سياسيا مفاجئا .

بل حراك شعبي متواصل بدأ منذ عام 2008 و برز بشكل واضح في عام 2011 و استمر بالنمو والتطور حتى بلغ مدياته في  الاول من اكتوبر 2019. فكانت انتفاضة تشرين السلمية والتي كانت اطول واعمق اتنفاضة شعبية نقية وعفوية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 . والتي قلبت موازين الوعي في الشارع العراقي لصالح الاصلاح والدولة المدنية الحديثة . وذلك بصمودها المنقطع النظير اتجاة العنف الذي واجهته من قبل سراق قوت الشعب.

فقد واجهت قطعان الهمجية والتخلف من ميليشيات مسلحة واجهرة السلطة الطائفية بشجاعة نادرة وقدمت قرابة 700 شهيد و اكثر من 27 الف جريح و معوق و مفقود و مختطف.

وافرزت وعيا طبقيا واجتماعيا تجاوز حدود العراق, و أمتد حتى الى بعض الدول المحيطة به كايران و لبنان . وبذلك منحها العالم صفة ايقونة الشرق الاوسط  .

لكن رغم هذا الشموخ فالانتفاضة ما زالت في خطر و تعاني من عيوب بنيوية تحتاج لعلاج سريع لا يقبل التأجيل .

ترى ما هي هذه العيوب ؟
اولا - لم تستطع الانتفاضة ان تتحول الى كتلة اجتماعية سياسية ثورية متراصة وموحدة و لديها برنامج اجتماعي وسياسي واضحان ومحددان ، تمتلك قيادة واحدة تمتلك ستراتيجية واضحة و تستطيع ادارة الصراع من خلال تكتيكات تتلائم مع متطلبات الطروف السياسية المتحركة  ، الا ان كل الذي انجزته الانتفاضة خلال شهور عمرها الستة هو مجرد تنسيقيات هشة ذات نفس مناطقي على الاغلب ونهج سياسي و فكري متردد و متناقض احيانا .

ثانيا - انها بالغت في طرح مفهوم العفوية و الحياد ومعاداة الحياة الحزبية و الاحزاب السياسية بشكل عام . ولعل اخطر هفوة وقعت فيها نتيجة هذا النهج الفكري هي (وضع كل الاحزاب السياسية في سلة واحدة) متناسية ان هناك احزابا سياسية ظهرت قبل هذه الانتفاضة بعقود من الزمن وناضلت من اجل نفس الاهداف التي تناضل هي لان من اجلها ، وقدمت قوافل من الشهداء من اجل انجاز تلك الاهداف .

و انصافا للحقيقة التاريخية فان الحزب الشيوعي العراقي يكاد يكون هو الحزب الوحيد الذي رفع راية النضال الضاري من اجل تلك الاهداف منذ ثلاثينات القرن العشرين و ما زال ، كونه حزبا للعمال و الفلاحين و الكاحين و الشبيبة المتعلمة . وقد شهد له التاريخ والعدو قبل الصديق بهذه الميزة .

تشكيل الحزب السياسي يا سادة ليس هدفا بحد ذاته بل هو آلية لتنفيذ برنامج وتحقيق هدف ليس الا ..
فما بالك بالحزب الذي يمتلك نظرية علمية و يسترشد بتجارب الشعوب الثورية ويجعل من نفسه دائما درعا متصديا للهجوم الرجعي على قوت الفقراء و الكادحين و العابثين بالعدالة الاجتماعية . الا يستحق هذا الحزب الثناء و الاحتضان و الدعم من شرفاء الشعب العراقي و من كادحية خصوصا ؟

لقد علمنا التاريخ و تجارب الشعوب المناضلة ان من يعادي قوى اليسار و الديمقراطية و يخلط و يساوي بين اليسار و اليمين و بين العلمي و غير العلمي وبين المنظم و غير المنظم انما هو واهم جدا  ، فالثورة الكوبية لم تنجح و لم تصمد الا بعد ان احتضنها الحزب الشيوعي الكوبي.

والثورة الفيتنامية بقيادة (الفيت كونك) لم تستطع ان تهزم الامبريالية الامريكية الا بعد اندماجها بحزب العمال الفيتنامي .

و جبهة التحرير الجزائرية لم تنتصر الا بعد ان رمى الحزب الشيوعي الفرنسي وكل قوى اليسار في العالم كامل ثقلهم من اجل نصرة الثورة .

كما يجب ان نعترف امام التاريخ بتعثر نضال الشعب الفلسطيني البطل كان بسبب مواقف منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة منظمة فتح عندما مسكت العصا من الوسط و ساوت بين اليمين العربي الرجعي وبين اليسار الفلسطيني و العربي و الامثلة تطول ولكن تبقى حقيقة واحدة غير قابلة للنقاش هي (ان اليسار نصير الشعوب و المهمشين كونه يمتلك ايديولوجية و نظرية علمية من جهة و خبرة نضالية على المستوى العالمي من جهة اخرى).

ثالثا - تواجة الانتفاضة عدوا شرسا هذه الايام يمتلك ادوات تخريب لا حصر لها . فبالاضافة للقمع و القتل الذي تمارسه السلطة و اذنابها هناك اساليب اكثر خطورة من هذا الاسلوب منها :

أ - الحرب النفسية بواسطة زرع روح اليأس و الخوف داخل المنتفضين .
ب - زرع روح الفرقة بين المنتفضين ، مرة على اساس المناطقية ومرة على اساس المذهبية ومرة على اساس الزعاماتية ومرة على اساس تجزئة المطالب ، ومرة على تقزيم الانتفاضة و تحويلها لمجرد مطاليب نفعية و توظيفية ظرفية ، والعمل بكل قوة ومكر لابعادها عن ذراعها السياسي وتوجهاتها الديمقراطية و الحداثوية .

ولعل من اخطر الاسلحة التي قد تدمر الانتفاضة هو اسلوب شراء ذمم ضعفاء النفوس من السذج الطامحين للشهرة و المال المتواجدين ضمن جمهور الانتفاضة ، كذلك من الاساليب القذرة الاخرى هو اسلوب دس عناصر مشبوهة داحل جسم الانتفاضة لتؤدي ادوارا تخريبية مدروسة لا تمت لهدف الانتفاضة بصلة كالاعتداء على الممتلكات العامة و الاعراف الاجتماعية وغير ذلك .

ج - ولعل هذا هو اخطر ما يمكن ان يحدث مستقبلا وهو تجزئة الانتفاضة الى احزاب سياسية عديدة تنوي دخول الانتخابات البرلمانية اما بدوافع ذاتية او بدفع من جهات مشبوهتة ، واذا حدث ذلك فلنقرأ السلام على الانتفاضة ذلك ان احزاب السلطة ومافيات المال و الفساد و احزاب الاسلام السياسي ستبتلعها حتما و تستعملها (كارت عبور) الى ضفة السلطة من خلال استثمار سمعتها النضالية ثم تنقلب عليها بعد ذلك . لذلك حذاري ثم حذاري من الوقوع في هذا الفخ .

ولغرض تحاشيه لدي مقترحان:

الاول : السعي للتحالف مع القوى الديمقراطية و اليسارية في قائمة انتخابية واحدة وهو المفضل لدى كل الوطنيين من اصحاب الخبرة السياسية ـ لكونه الاكثر ضمانا في مسيرة تحقيق النصر.

الثاني : ان تؤسس الانتفاضة حزبا سياسيا واحدا خاصا بها يكون جامعا لكل فصائلها لكي تدخل به الانتخابات بشكل مستقل وفق برنامج سياسي و اجتماعي تقدمي و ديمقراطي محدد ..

و بذلك تستطيع قطع الطريق على ديماغوجية الاسلام السياسي و مافياته المتنوعة
 



 8/9/2020

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter