|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  8  / 3  / 2023                                 سعد السعيدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

المشروعية القانونية للقرارات الحكومية حول المحتوى الهابط
ولقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل

سعد السعيدي
(موقع الناس)

خرجت علينا وزارة الداخلية قبل شهرين بقرار غريب في استعادة لابتكاراتها السابقة التي عودتنا عليها يتعلق هذه المرة بما سمته بحملة المحتوى الهابط.

لن نأتي الى الاعتراضات الشعبية على هذا القرار المقيد للحريات والتحليلات بشأنه. لكن نبدي عجبنا من عدم ورود اي شيء من المنظمات الحقوقية المدنية والناشطين في الاعلام عن الاجراءات الواجب اتباعها لمعالجة الامر وهي واردة في الدستور. لذلك بسبب هذا السهو وربما التقاعس نقوم نحن هنا بهذا العمل.

بشأن حملة المحتوى الهابط هذه نقول بانه لا يجوز للحكومة اطلاق قوانين او حتى قرارات خارج مجلس النواب وبعيدا عن الدستور وقانون العقوبات المعدل لعام 1969 وفرض تطبيقها على الناس. فمجلس النواب هو الجهة الوحيدة المخولة دستوريا بتشريع القوانين لا الحكومة. والاخيرة وظيفتها نفس حسب الدستور ارسال مقترحات ومشاريع القوانين الى مجلس النواب فقط لا تشريعها. وقيام الحكومة لوحدها باطلاق القرارات وفرضها كقانون واجب التطبيق، اي قرار غير مؤطر بقانون مشرع نيابيا وتحت اي مسمى هو عمل غير مشروع وينتهك الدستور. وهذا علاوة عن كونه ينتهك مبدأ فصل السلطات المقر في المادة (47) منه. لذلك فلكي يصبح اي قرار مشروعا ومعترفا به ونافذا كان لابد من مروره تحت قبة البرلمان. وهذه هي ليست اول مرة تسعى بها حكومات 2003 الى اطلاق قرارات تعسفية وغير قانونية غالبا ما تكون موجهة ضد المجتمع وتنتهك الحريات. فهي ممارسة واضح انها قد ورثتها من الانظمة الشمولية السابقة. لهذا فقد آن الاوان لوضع حد لهذه التصرفات الحكومية غير القانونية. لذلك فنطالب نحن بشأن اية قرارات متعلقة بالحريات العامة والعقوبات بشأنها بعدم العمل بها عندما لا تكون من ضمن قانون العقوبات النافذ وتتعارض معه ومع الدستور. وهذه هي ليست المرة الاولى التي نتصدى بها الى مثل هذه القرارات الحكومية في التغول على المواطنين ومحاولة التنكيل بهم. الغريب في الامر هو تكرار صمت مجلس النواب على هذا التجاوز الحكومي على صلاحياته حيث انها ليست المرة الاولى. وينطبق كلامنا ايضا على ما اصدرته هيئة الاعلام والاتصالات الشهر الماضي في ما سمته بلائحة تنظيم المحتوى الرقمي.

وقد اورد الدكتور علي البياتي العضو السابق لمفوضية لحقوق الانسان معلومة مفيدة مفادها بان قرار المحتوى الهابط قد استند على احد قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل وقد ذكر نصه. وهي نقطة نراها في غاية الاهمية تأخذنا الى امر قرارات هذا المجلس مما قد تأخر امر معالجته كثيرا. ويكون امر قرارات المحتوى الهابط حاليا شيئا مفيدا لا بد من اغتنام الفرصة لتصحيحه. لذلك فبشأن قرارات المجلس المنحل والتي غالبا ما كانت تتعلق بالحريات العامة وعقوباتها لم يجب الاعتراف بها في بداية هذا العهد خصوصا وانها تتعارض مع قانون العقوبات الذي كتب معظمه خبراء في القانون ومع الدستور. فهي ليست إلا قرارات دكتاتورية وتعسفية تغلب عليها المزاجية شرعها رأس النظام السابق بنفسه. والاعتراف بها كان خطأ كبيرا نرى نتائجه المرة بين الحين والآخر وقد آن الاوان لاعادة النظر بها وإلغائها. وقد انتهى ذاك النظام الشمولي حيث لابد من العمل على ازالة آثاره بازالة هذه القرارات. والسؤال الذي سيطرح نفسه هو لماذا للآن لم تقم المنظمات الحقوقية المدنية بعمل جرد لكل هذه القرارات لاستخراج المفيد منها وإلغاء الباقي ؟ وكان موقع العالم الجديد قد اورد عدد هذه القرارات وهي 3 آلاف قرار نافذ.

نرى من المفيد هنا التذكير ببعض بنود الدستور المتعلقة بالحريات العامة مما ورد من ضمن مخاوف المواطنين والمنظمات المدنية. يقول الدستور في المادة (19) بان (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة). والمادة (20) التي تقول بان (للمواطنين رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية). وكذلك المادة (9) القائلة (بعدم جواز تحويل الاجهزة الامنية الى اداة لقمع الشعب العراقي ولا بتدخلها في الشؤون السياسية). واخيرا المادة (38) منه التي تقول بكفالة الدولة لحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.

نذكّر كذلك بان الدستور في المادة (19) قد اجاز الشكوى لكل شخص ضد الحكومة لانصافه عن اعمال فيها اعتداء على الحقوق الاساسية التي يمنحها له القانون. بناء على ما قدمناه هنا يحق للمتضررين من الممارسات اعلاه من تقديم الطعون لدى المحكمة الاتحادية حول التجاوزات الحكومية بحقهم.

نقول في الختام بضرورة ان تكون هناك ثقافة قانونية عامة مفادها انه لا يمكن لاية حكومة او جهة خارج مجلس النواب ان تشرع القوانين وتفرض تطبيقها على الناس وكأنها قانونا بذاته. وإنها لا يمكن ان تصدر اية قرارات إلا لتسهيل تنفيذ القوانين المشرعة في مجلس النواب. فليس عمل الحكومة التشريع مثلما ذكرنا آنفا. وكان على الحكومة مع النظام الحالي الجديد مغادرة هذه الاساليب الاستبدادية غير الديمقراطية التي ورثتها من النظام الشمولي السابق والتي لا تنم عن الاحترام، وإنما عن الاحتقار والازدراء والتي لا تعكس بالتالي إلا خوف السلطة من المجتمع. بالنتيجة فلابد لهذه الثقافة القانونية ان ترسخ مبدأ وجوب الامتناع عن تطبيق القرارات غير المستندة على قانون نيابي مشرع. بل والتنبيه عليها لا التسابق على تطبيقها. والكلام موجه ايضا للاجهزة الامنية وللقضاة الذين لابد من محاسبتهم ممن اصدروا مذكرات القبض دون وجود قانون صريح يعاقب على الجرم صادر من مجلس النواب. وإن اطلاق قرارات تعسفية تقيد الحريات العامة هو امر غير مشروع كون هذه الحريات مثبتة دستوريا وإن الدستور لا يعلى عليه. فلما يكون باطلا اي قانون يتعارض مع الدستور فكيف بالقرارات ؟ بهذا يمكننا الاستنتاج بان ظهور امر قرارات المحتوى الهابط كان شيئا مفيدا من حيث انه ينبهنا جميعا الى ما سهونا عن معالجته في السابق.

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter