|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  7  / 2  / 2023                                 سعد السعيدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

عودة الى قرار تعديل النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية قبل ستة اشهر

سعد السعيدي
(موقع الناس)

يتذكر الجميع ما جرى في تموز الصيف الماضي لدى قيام المحكمة الاتحادية بتعديل نظامها الداخلي واضافة بنودا اليه. وهو ما استدرج قيامنا من جهتنا بنشر مقالة حول الموضوع وقتها بعنوان (تعديل النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية تجاوز غير مشروع). في تلك المقالة كنا قد ذكرنا مادة التعديل التي اضيفت مع ايضاحنا مخالفتها لحريات المواطنين المكفولة في الدستور.

هذه الايام وبعد مرور ستة اشهر على هذا التعديل ما زلنا نرى صمتا عجيبا غريبا وغير مريح حول الامر. وذلك من لدن نواب تشرين الذين وصلوا الى مجلس النواب حيث يوجد من بينهم حقوقيون. فلا من اعتراض حوله ولا من مبادرة لاعادة النصاب الى مكانه. إذ يبدو على هؤلاء النواب عدم الاكتراث لما جرى من تعد صارخ على حقوق الشعب والمواطنين الذين اوصلوهم الى مجلس النواب وهو امر غير مفهوم بالمطلق. لماذا اهمل هؤلاء يا ترى امر التجاوز على حق المواطنين في التمتع بحقوقهم المكفولة في الدستور ؟

لهذه الاسباب نرى ان من واجبنا اعادة التذكير بالامر.

نضع هنا ادناه المادة المضافة الى النظام الداخلي المذكورة آنفا:

المادة (20) : لأي من الاشخاص الطبيعية أو المعنوية الخاصة أو منظمات المجتمع المدني المعترف بها قانونا، الحق في إقامة الدعوى المباشرة أمام المحكمة الاتحادية العليا، للبت بدستورية نص في قانون أو نظام، على أن تكون الدعوى مستوفية لكافة الشروط المنصوص عليها في المواد (٤٤،٤٥،٤٦،٤٧) من قانون المرافعات المدنية رقم (٨٣) لسنة ١٩٦٩ المعدل ، وأن تقدم الدعوى من المدعي بالذات أو وكيله على أن يكون محاميا ذا صلاحية مطلقة ، فضلا عن توافر الشروط الآتية:

أولا: أن يكون للمدعي في موضوع الدعوى مصلحة حالة ومباشرة ومؤثرة في مركزه القانوني أو المالي أو الاجتماعي ، على أن تتوافر ابتداء من إقامة الدعوى وحتى صدور الحكم فيها .

ثانيا:ً أن يكون النص المطعون فيه قد طبق على المدعي فعلا.

ثالثا: أن لا يكون المدعي قد استفاد من النص المطعون فيه كلا أو جزءًا.

ما يجب الانتباه اليه في مادة التعديل هذه هو ما ذكر في البند اولا فيها. وهو البند الاهم هنا.

من الواضح لدى قراءة هذا التعديل انه قد ابتكر خصيصا بهدف حصر الدعاوى القضائية فيمن يحق له اطلاقها لتقليص امكانية التصدي لقضايا الشأن العام. اي انه لن يحق لايا كان من لحظة نشر التعديل رفع الدعاوى ضد نهب المال العام والتجاوز على القانون... ما لم يثبت ضرره الشخصي المباشر منها ! وهو سابقة هنا في مجال التشريعات القانونية. إن هذا التقييد للحريات العامة هو تصرف غير مشروع، وما قامت به المحكمة هو نفسه تعدّ على الحق العام. وهو لا يكون إلا حرف لدورها في القيام من بين امور اخرى بحماية هذا الحق.

بالمقابل توجد في الدستور في فصل الحقوق المدنية والسياسية المواد (14) و (19) و (20). هذه المواد تكفل حقوق افراد الشعب العراقي ازاء اية تجاوزات يمكن ان تحدث لحرياته الاساسية. فالمادة (14) من الدستور تقول بتساوي العراقيين في الحقوق، والمادة (20) تقول بحق المواطنين رجالاً ونساءً المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية. اما المادة (19) فقد اجاز الدستور فيها حق التقاضي لكل شخص ضد اية جهة لانصافه عن اعمال فيها اعتداء على حقوقه المكفولة في نفس الدستور.

هذه المواد الدستورية تبطل مادة التعديل التي اضيفت الى النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية، هذه المادة المتجاوزة على الدستور في مواده في فصل الحقوق اعلاه الضامن لحقوق العراقيين. ومع كون هذه المادة متعارضة مع الدستور، تكون بالتالي غير مشروعة وغير قابلة للتطبيق ويتوجب على هذا الغائها فورا. نكرر مرة اخرى عجبنا من صمت نواب تشرين التام عن هذا التجاوز وكأن الامر لا يعنيهم. بينما الآن وعلى ضوء المواد الدستورية اعلاه يكون لاي مواطن الحق في الاعتراض لدى الاتحادية على هذا التعديل الذي خرق الدستور، حاله كحال اي نائب في المجلس مما حاولت مادة التعديل تقييده. وكان يتوجب اصلا على هؤلاء النواب مراجعة الدستور بانفسهم لتدقيق ما كنا قد اشرنا اليه في مقالتنا الآنفة حول الحقوق الدستورية ومن ثم اتخاذ اللازم. إذ اننا لا نشير الى مثل هذه الامور هكذا جزافا. إلا انهم ما شاء الله لم يفعلوا ولم يبادروا للقيام باي شيء للحفاظ على حقوق الشعب. ولانهم لم يقوموا باية مبادرة للدفاع عن الحقوق المكفولة في الدستور لنا ان نتساءل إن كانوا فعلا يمثلون منتفضي تشرين ؟

إن النظام الداخلي لاية جهة هو ليس المكان الذي تحدد فيه الحريات العامة للمواطنين. فهذا النظام هو قانون تحديد عمل تلك الجهة مع اعضائها وتنظيم الطرق الادارية في تقديم الدعاوى للمحكمة. فالمكان الذي تحدد فيه علاقة المواطنين بالدولة وسلطاتها هو الدستور. وحتى مع فرض مثل هذا التحديد في اي نظام مثل هذا، يكون من الواجب ولانه يتدخل في امر الحريات العامة وحتى يمكن ان يعتبر تعديلا دستوريا ان يؤطر بمصادقة السلطة التنفيذية الاخرى التي هي رئاسة الجمهورية. وهذا التوقيع ليس تشريفي، إنما للتدليل بتأكيد تأييد هذا الرئيس له وتأييد مطابقته للدستور كونه حاميه وذلك بوضع ختمه السياسي عليه. فموافقة هذه السلطة ضرورية لضمان تطبيق القانون في البلد. وسواء كان بالتوقيع الرئاسي عليه ام لا فالامر برمته مرفوض بالمطلق كونه تجاوز على الحريات العامة ولا يمكن العمل به باي شكل من الاشكال. كذلك فإن تضمين بنودا تمس الحريات الاساسية في اي مكان خارج الدستور هو تجاوز على صلاحيات السلطة التشريعية في خرق لمبدأ فصل السلطات الواجب مراعاته والمذكور في المادة (47) من الدستور.

لنا ان نتساءل عما كان يدور بخلد رئيس المحكمة الاتحادية القاضي جاسم عبود لدى قيامه بتعديل النظام الداخلي للمحكمة التي يرأسها بهذا الشكل بحيث بدا وكأنه يقوم بتعديل دستوري. لا نعتقد بجهله بالاخير لدى قيامه بتعديل نظام المحكمة. بل نقول بانه كان على علم كامل بمواده الضامنة لتلك الحقوق مع تجاوزه عليه. اي انه قد تعمد خرق الدستور مع علمه الكامل بما كان يقوم به. إن قيام رئيس المحكمة بالتجاوز على الدستور دون اية اعتراض من باقي قضاة المحكمة يشير الى اننا هنا ازاء انحراف خطر عن الدستور وربما حتى مقدمة للانقلاب عليه. ان الصمت على هذا التجاوز سيفتح الباب امام تجاوزات اخرى على الدستور مستقبلا بهدف افراغه من محتواه في فصل الحريات العامة. ان القاضي عبود بهذا العمل يتجاوز سلفه الآخر القاضي مدحت المحمود الشهير بالتجاوزات على القانون لدى انتحاله للصفة لسنوات مما فضحه بها احد اعضاء مجلس النواب. وهذا غير خدماته لزميله فائق زيدان في تجاوزات اخرى مما ذكرناه في مقالة سابقة.

ننتظر قيام رئيس المحكمة الاتحادية القاضي جاسم عبود بسحب وإلغاء تعديله للنظام الداخلي موضوع المقالة. بخلافه تطلق شكوى او دعوى قضائية سواء لدى الاتحادية نفسها او باية طريقة اخرى لالغاء هذا التعديل الذي يخرق الدستور ويتجاوز على الحريات العامة.

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter