|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  27  / 4  / 2023                                 سعد السعيدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تنمية مصالح تجار العتبات الدينية من خلال الدستور

سعد السعيدي
(موقع الناس)

تقول المادة (10) من الدستور بان العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق هي كيانات دينية وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها.

هذه المادة تتعارض مع الاخرى المادة (14) في الدستور القائلة بسواسية العراقيين فيما بينهم في جميع الحقوق والحريات. اي ان الدستور يمنع منعا باتا التفريق بين العراقيين او منح الامتيازات لفئة منهم على حساب الآخرين. ما يثير استغرابنا هو عدم ابداء مشرعي الدستور اهتمامهم بالمصلحة العامة قدر اهتمامهم بمصالح جهاتهم. اي انهم تلاعبوا بالدستور حيث استخدموه كوسيلة لخدمة جهات معينة على حساب الجميع مما سنراه ادناه.

اننا يمكن ان نفهم التزام الدولة بتأكيد وصيانة وضمان حرمة العتبات المقدسة والمقامات الدينية. لكن عندما يكون لنا ايضا الحق في تدقيق كل جملة ونقطة في الدستور خصوصا مما نعرفه الآن من قيام بعض المشرعين بادراجهم امورا فيه دون ان يتجشموا حرصا على المصلحة العامة واحتراما لعموم المواطنين عناء توضيح اسباب ايرادها، يكون لنا كامل الحق بالشك في ما يجري وطرح الاسئلة بالتالي. لهذه الاسباب نرى في الشكل المبتسر في صياغة هذه المادة إن المراد وكما في امر مادة العشائر التي عالجناها في المقالة السابقة، ليس إلا اطلاق يد هذه الجهات وعدم التدخل مطلقا في ما تفعله.

لقد صيغت المادة الآنفة بهذا الشكل المبتسر لتعني ادارات العتبات المرتبطة بمرجعية النجف. وايرادها في الدستور هو بهدف منح الامتيازات للمرتبطين بها من دون الجميع. فبعض الجمل في دستورنا توضع بشكل مقتضب لتبدو وكأنها واضحة لكن يمكن تفسيرها باي شكل واتجاه. واننا نرى انه من غير الصحيح فرض المرجعية جمل مبهمة في الدستور دون المبادرة الى توضيح معناها واسباب ايرادها فيه.

وقد اكد علاقة المرجعية بالدستور ما ذكره ضياء الشكرجي العضو في حزب الدعوة وقتها والكاتب المعروف في مقابلة على القناة العراقية بتاريخ 16 حزيران 2020 موجودة على اليوتوب. فقد ذكر بانه في لجنة كتابة الدستور التي كان مقررا فيها كان احمد الصافي ممثل المرجعية يضغط عليه كي يدرج في التقارير والمحاضر ما لم يقر في اللجنة. ايضا ذكر بان الصافي مع همام حمودي رئيس اللجنة قد سربا صيغة للدستور غير متفق عليها الى جريدة الصباح مدعين بانها ما جرى الاتفاق عليها. وقد مرت هذه المقابلة مرور الكرام فلم يقم الاعلام باستضافة هذين الشخصين لسؤالهما حول الامر.

إن طبقة تجار العتبات والمقامات الدينية هي المستفيدة من مادة الدستور هذه. فهي تهدف لمنح الاستقلالية مع امكانية النمو لهذه الطبقة والاثراء. وغير واضح لدينا إن كان لهذا علاقة مع الزكاة والخمس غير التبرعات الاخرى. فهذا الخمس غير المتفق عليه بين اولياء الدين انفسهم وما شابهه من الاحكام هو ضريبة نراها غير مشروعة كونها تتعارض مع قوانين الدولة. فالدولة هي الجهة الوحيدة المخولة استيفاء الضرائب من المواطنين حسب القانون. وكان يجب اعادة تأكيد هذا الامر منذ العام 2003 لا التراجع عنه. وترك المرجعيات استيفاء هذه الضرائب من الناس مع الامتياز الآخر الذي هو الاعفاء من دفع الضرائب للدولة هو تجاوز على الاخيرة وسرقة لمواردها. فهذه الاموال تمنح المرجعية وعتباتها استقلالية مالية عن الدولة وهو ما لا نراه صحيحا في دولة يفترض بها فصل الدين عن السياسة. لذلك نكرر بان منح الامتيازات للعتبات ومعها المرجعيات وتجارهم بهذا الشكل في الدستور يتعارض مع المادة (14) منه. نذكّر بان المرجعيات الدينية هي جهات غير منتخبة من قبل الشعب العراقي. فلا ندري على هذا اية صلاحيات قانونية تكون لديهم لاستيفاء اية ضرائب. وهو امر كان يجب ان يكون متفقا عليه مع الجميع في مجلس النواب مثلا، لا مع فئة واحدة فقط من الشعب بعيدا عن المجلس.

ولما كان ايراد مادة خاصة بالعتبات الدينية في الدستور ترتبط بالمال ولما كانت المرجعية في الحقيقة تهدف الى خلق طبقة من التجار الاثرياء المرتبطة بها، ولما كان النفوذ السياسي يجلس ويرتكز على المال، فاننا نشك برغبة البعض ممن يعمل تحت غطاء العتبات في ممارسته ربما اسوة بما يحدث في اماكن اخرى.

ولسنا الوحيدين الذين يرون بان الاستناد الى التأثير الديني لتحويله الى رافعة للاثراء الشخصي امرا معيبا. إذ يشك الكثير من المواطنين بان مصادر اموال شركات العتبات تأتي اصلا من التبرعات الواصلة اليها في المزارات والمقامات الدينية والاضرحة. وقد صاروا يصفون العتبات ومرجعية النجف بكونهم يهدفون الى انشاء دولة داخل الدولة الرسمية. وقد بلغ الامر بالعتبات قبل سنوات الى منح نفسها لوحات سيارات تحمل اسم هذه العتبة وتلك. وهو تصرف قد عرضها للمساءلة الشعبية. فالعتبات تستظل بالمرجعية وهما مترابطتان. لذلك نقول إن كان مآل التبرعات ينتهي فعلا الى هذا الشكل فيتوجب توجيه ديوان الرقابة المالية لتدقيق موارد العتبات والتي اهمها ضريبة الخمس والتي لا نعرف ما تكون وكم تكون نسبتها ولا اهدافها وكذلك اوجه صرفها. وامور تتعلق بالاموال مثل هذه كان يجب ان تؤطر بقانون مشرع في مجلس النواب يوضح اهدافها وكيفية التصرف بها. وربما يجب ادراج هذه الموارد التجارية في قانون الضريبة. إن تركها عالقة بهذا الشكل يحولها الى وسيلة للفساد.

وكان يجب ان تكون مادة العتبات في الدستور واضحة والاهم انهائها بجملة (وتشرع بقانون) كي تلزم المجالس النيابية بامر تشريعها بشكل مفصل لاحقا. لكن يبدو ان ثمة من لم يكن يريد هذا التوضيح والتفصيل. بل الابهام بجمل بسيطة وغير كاملة لضمان نمو المصالح المالية والطموح السياسي.

من شركات العتبات هذه شركة الكفيل التجارية المعروفة. والكفيل هو رمز ديني شيعي معروف لا نعرف ما تكون علاقته بالتجارة. شركة الكفيل هذه هي شركة متعددة الفروع لها استثمارات في مجال المنتوجات الحيوانية والمجازر، وإنتاج المواد الغذائية كالدجاج واللحوم المعلبة والألبان ومساحيق الغسيل والزيوت والعصائر وغيرها. وإنتاج المياه الصحية واستثمار الأراضي الزراعية والإنتاج الزراعي. ولها ايضا شركة في مجال الاتصالات، واستثمارات في مجال التعليم والمعاهد، فضلًا عن الابنية والمجمعات التابعة للعتبتين الحسينية والعباسية خاصة في كربلاء والنجف. إن كان مصدر اموال الاستثمارات هذه هي اموال تجار العتبات، يكون من حقنا السؤال عن سبب استخدام الرموز الدينية كواجهة لهذه الاستثمارات.

إن عمل العتبات بهذا الشكل هو تهميش للدولة. بينما كان يجب ان يحصل العكس اي العمل لكن تحت سلطتها. فهل تحولت العتبات من جهة تنظم الشعائر الدينية الى جهة استثمارات تجارية بعيدا عن الدولة ومتجاوزة عليها ؟ اليس معيبا استغلال العتبات لرموزها ولمواردها الهائلة في نشاطات ليست من مهامها ولا من اهدافها ؟

إن تجيير الدين لخدمة اهداف ومصالح دنيوية وتنمية المصالح الخاصة وفي نفس الوقت تخدير الآخرين بالغيبيات يحول اصحابها الى تجار حتى وإن لبسوا العمامة. لقد استفاد اولياء العتبات والمقامات الدينية هم ايضا من انهيار الدولة، فانتهزوا الفرصة للتحول الى التجارة. والمرجعية كانت قد تحالفت مع الاحزاب الدينية وحكومات 2003، فاستفادت من عدم التعرض لاموالها ولا اثارة الامر بمعية مجلس نواب متواطيء. وهي بالمقابل قامت بتوفير الغطاء السياسي لهم وهو مما لا يكون إلا تخادما.

اننا والحال هذا احوج ما نكون الى قانون يحدد المرجعية ووظيفتها وما يجوز لها وما لا يجوز. لذلك يجب تعديل مادة العتبات في الدستور وإلغاء استثنائها وتوضيحها فيما يراد منها والاهم تأطيرها بقانون.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter