| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأحد 25 / 8 / 2024 سعد السعيدي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
دعوى قضائية دولية ضد الحكومة الامريكية عن جرائم سجن ابو غريب - 15
سعد السعيدي
(موقع الناس)تنويه: لن نأتي على كل التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع لكثرتها وتشابكها مما لا يتسع له المجال هنا. إذ ان ثمة الكثير مما كشف منذ عشرين عاما. لذلك سنكتفي بالموضوع الرئيسي ونترك الباقي لوقت آخر.
في ايار العام 2004 كشف الصحفي الامريكي سيمور هيرش في مقالة في صحيفة النيويوركر عن حالات تعذيب تجرى بحق معتقلين في سجن بغداد المركزي الواقع في منطقة ابي غريب غرب العاصمة بغداد. وكان هذا الكشف الصحفي قد ارتقى لاحقا ليصبح فضيحة هائلة لطخت سمعة الحكومة الامريكية. وسجن ابو غريب كان سجنا مدنيا عراقيا حكوميا جرى تحويله في فترة الاحتلال الامريكي الى سجن عسكري امريكي. ولم تكن هذه الاوضاع التي كشف عنها الصحفي الآنف حكرا على هذا السجن فقط بل انها كانت شائعة في كل السجون العسكرية الامريكية ال 15 في العراق. وعلى الرغم من مرور عشرين عاما على هذه الاحداث لم يعلن للآن عن اي تحقيق حكومي عراقي مستقل حولها.
وكان هيرش قد اعتمد في معلوماته حول الانتهاكات في ذلك السجن على تقرير الجنرال الامريكي تاغوبا الذي اوكل اليه التحقيق في الانتهاكات. وجرى هذا بعد تسرب معلومات عنها الى الاعلام الامريكي المرئي ادت الى اطلاق تحقيق تاغوبا. لقد كشف هيرش عن ممارسات مستمرة من التعذيب الجسدي والنفسي لمئات من المدنيين العراقيين ممن اعتقلوا في ظروف غير قانونية وغير انسانية. وكانوا قد منعوا بعد اعتقالهم من الاتصال بذويهم ووضعوا في عزلة تامة. وقد ذكر هيرش بان معظم هؤلاء المعتقلين كانوا من المدنيين من النساء والمراهقين ممن اوقفوا خلال الاعتقالات العشوائية وعند نقاط التفتيش على الطرق. وكانوا ينقسمون بشكل عام الى ثلاثة مجاميع: المجرمين العاديين، والمحتجزين الامنيين المتهمين بما سمي بالجرائم ضد قوات التحالف، وعدد قليل من المشتبه من كونهم من قادة التمرد ضد هذه القوات. وكان عدد المعتقلين في تلك الفترة يناهز العدة الوف.
وقد اشتملت اساليب التعذيب حسب تقرير تاغوبا امورا مثل سكب فوسفور المصابيح الكيميائية على المعتقلين، سكب الماء البارد على العراة من المعتقلين، ضرب المعتقلين بالعصي والكراسي، تهديد المعتقلين بالاغتصاب، الاعتداء على اعراض السجينات من النساء والاعتداء الجنسي على المراهقين، استخدام الكلاب البوليسية لتخويف وارعاب المعتقلين مع التهديد باطلاقها عليهم حيث في احدى المرات قام احد الكلاب بعضّ احد المعتقلين.
وهناك صورا ملتقطة تصور اساليبا اخرى استخدمت للتعذيب حاطة للكرامة الانسانية. احد هذه هي تلك التي كانت تصور اثنين من حراس السجن وهما يقفان باسمين خلف مجموعة من السجناء العراة ممن اجبروا على التكدس فوق معتقلين آخرين لتشكيل ما سمي بالهرم. ولم يجري بالطبع السماح بنشر كل الصور التي التقطت في السجن والتي تصور اشكال التعذيب الممارس ضد المعتقلين هناك. لكن ما سمح بنشره وما زال موجودا على الشبكة مما انتشر في الصحافة الدولية بعد انكشاف الفضيحة، ربما لا يكفي لادانة مرتكبي التعذيب. إذ كانت هناك تأكيدات بان ما نشر من الصور لم يكشف الا جزءا يسيرا مما كان يجري هناك من اعمال منافية لحقوق الانسان.
وقد وجد في رسائل وايميلات احد المشتبه بهم واسمه ايفان فريدريك موجهة الى عائلته تكراره القول بان فرق الاستخبارات العسكرية التي كانت تتضمن مسؤولي المخابرات الامريكية والمترجمين واختصاصيي الاستجواب من شركات الامن الخاصة المتعاقدة مع وزارة الدفاع الامريكية كانوا هم القوة المهيمنة في سجن ابو غريب.
وقد اشار تقرير تاغوبا بانه كان يجري باستمرار خرق اتفاقيات جنيف. تلزم هذه الاتفاقيات دولة الاحتلال على الحفاظ على امن السكان المدنيين وحمايتهم. لكن مما لم يشر اليه التقرير مما وجدناه من خلال البحث هو ان هذه الاتفاقيات لا تذكر اية عقوبات في حال الاخلال بها. بيد انها يمكن ان تدفع مجلس الامن الى اتخاذ قرارات، وهو ما كان يجب ان يحدث، لكنه لم يحدث مما يثلم مصداقية هذا المجلس. وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد اشتكت الى وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفلد بانه كان يجري الابقاء على المدنيين في العراق رهن الاعتقال شهرا بعد آخر دون اية اتهامات لهم. وإن سجن ابو غريب قد اصبح فعليا غوانتانامو آخر. وهو السجن الذي اصبح معروفا وقتها باساليبه الوحشية مع معتقليه. وامر الاعتقال الكيفي من دون اتهامات هو مما اعاد ذكره هيرش بقوله بان المعتقلين كانوا في معظمهم ابرياء وان اعتقالهم كان بالتالي غير مبرر.
سنتجاوز امر التفاصيل المتعلقة بالعقوبات البسيطة التي طالت فقط صغار العاملين والحراس من الجنود ومسؤولي السجن. فهي ليست مما يهم هنا. إذ ان الاخبار التي خرجت واطّرت الفضيحة تشير الى ان العملية كانت في حقيقتها تصرفات ممنهجة صدرت اوامرها من اعلى التسلسل القيادي في الادارة الامريكية. وهو مما يفهم بشكل واضح من تقرير الصحفي هيرش.
استنادا إلى ما تقدم وإلى ما افضى اليه الكشف عن هذه الفضيحة لابد من اطلاق دعوى قضائية دولية ضد الحكومة الامريكية لقيامها بالتجاوز على امن وسلامة العراقيين اثناء احتلالها لبلدهم ولممارستها بعد ايداعها للكثيرين منهم السجون اعمالا ممنهجة حاطة بالكرامة الانسانية متجاهلة اتفاقية جنيف وبانتهاك واضح لاتفاقيات حقوق الانسان. ولابد من مطالبة الامريكيين في الدعوى بدفع التعويضات المالية للضحايا العراقيين عن المعاملة المهينة والتجاوزات الواضحة.