| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الجمعة 10 / 7 / 2015 د. سلام يوسف كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
على المكشوف
"تعالوا" نحسبها..!
د. سلام يوسف
أبتلى ذوو الدخل المحدود "ببلاوي" الحياة، فالمتطلبات أكثر وأكبر من قدرتهم المالية المحدودة، بل وأن قدراتهم المالية المحدودة تكون في أغلب الأحيان السد المنيع أمام أمنياتهم وأحلام أطفالهم، وهذا ليس بالأمر الغريب في الأنظمة التي تمتاز بغياب العدالة الاجتماعية.
أمّا مَن ليس لهم دخل، فهؤلاء مصيبتهم أعظم وأوسع، وكلا الفئتين يشكلون السواد الأعظم من أبناء الشعب، والدليل أن ربع سكان العراق يأنّون تحت خط الفقر.
سائق في الدائرة التي أعمل فيها، مرتبه الشهري 612 ألف دينار، أجُريت له عملية قسطرة وزرع شبكة، ووصف له طبيبه مجموعة أدوية، فجاء يشتكي (والشكوى الى الله)، من غلاء الكشفيات وارتفاع أسعار العلاجات، واليكم التفاصيل الشهرية، حيث أن الطبيب أوصاه بالمراجعة الشهرية لغرض (تشييك) الحالة (خوفاً) على صحته، نعم، كل شهر تعاد نفس الإجراءات، وهي :
30 ألف أجور الكشفية.
40 ألف سونار القلب.
40 ألف تحاليل.
المجموع 110 ألف دينار.
أما العلاجات فهي الأخرى أيضاً شهرية، وعليه (أي على المكرود السائق)، أن يشتري العلاج الأصلي من صيدلية (س) كونها هي (الوحيدة !) التي تستورد هذا العلاج ووفق النوعية التي يريدها طبيبه المعالج، وتفاصيلها:
30 ألف .. حبوب بلافيكس
25 ألف .. كبسول دايوفان
5 آلاف .. أسبرين
11 ألف .. مقوي
المجموع 71 ألف دينار
فأصبح مجموع ما يصرفه (صاحبنا) شهرياً، 181 ألف دينار، وبذلك يتبقى من مرتبه 431 ألف دينار فقط، له ولزوجته وثلاث أطفال، ومن حسن حظه أن أخيه تبرع له بغرفة في السطح ليعيشوا فيها!
أي أن 30% من جهد وتعب هذا المسكين، فأنها تذهب الى الطبيب والفحوصات والعلاج، ناهيك عن المخاطر التي يتعرض لها في الطريق، وفيما لو لم يقوم بهذا الأجراء الشهري فأنه ربما لا يتمكن من مواصلة البقاء بوظيفته ذات الدخل الواطئ.
أنه مثال بسيط على حالة بسيطة، فما بالكم مع الحالات المعقدة.
وبنفس الوقت فذلك يعني أن خصخصة القطاع الصحي سيأتي على ما تبقى من الطبقات الوسطى والمعدمة لتزداد أموال القلّة على حساب الكثرة وهذا هو جوهر الاقتصاد الرأسمالي.
رُبّ سائلٍ يسأل، لماذا لا يراجع مستشفى حكومي، نعم هذا كلام منطقي فيما لو كانت المستشفى الحكومي بديلاً جيداً بكل المعاني والمقاييس، فهل بذل الأموال من باب (البطر) ؟
من حق المتمّكن أن يتطبب بأمواله وبالمكان والطريقة التي يختارها، ولكن كم هي نسبة المتمكنين الى غير المتمكنين؟ وهل أن المؤسسات الصحية الحكومية تنافس القطاع الخاص بتقديم الخدمات المطلوبة بحيث تجعل المواطن ينجذب اليها؟
للأسف الشديد فأن الدولة لم تبر بوعودها للشعب حينما أيّد الدستور، فحق الطبابة والتطبيب مكفول للمواطنين من قبل الدولة وفقاً للدستور، والسؤال المنطقي، هل الدولة فعلاً تقدم خدمات صحية وطبية للمواطنين بحيث تجعلهم يستغنون عن مراجعة الأطباء في عياداتهم ويكون لقمة سائغة بين فكي الجشع والأستغلال؟