| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سمير طبله

 

 

 

 

الخميس 21/6/ 2007

 

 


لمحات من تاريخ حركة أنصار الحزب الشيوعي العراقي


اعداد: سمير طبلة

إثر الجرائم البشعة، التي ارتكبها انقلابيو 8 شباط 1963 الأسود، ضد أبناء وبنات الشعب العراقي، بادر أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي الى الالتحاق بحركة التحرّر الكردية في جبال كردستان، وحملوا السلاح تصدياً للنهج الفاشي للسلطة، معتمدين على امكانياتهم الذاتية بالتعاون مع "بيشمه ركَه" الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وسجل أؤلئك الرواد ملاحم من البطولة والتصدي، اثناء قتالهم في صفوف الحركة الكردية، ضد اعتداءات السلطات الدكتاتورية المتعاقبة على حكم العراق. وسجّلت معركة جبل هندرين في عام 1966 صفحة مشرفة للأنصار الشيوعيين، مما أهلهم لشغل مراكز هامة في الحركة التحررية الكردية.
ارتبط تواجد الأنصار الشيوعيين في جبال كردستان العراق، أساساً، بالقرارات السياسية للحزب الشيوعي العراقي، انطلاقاً من الايمان المبدئي للحزب بالحقوق العادلة لشعب كردستان، ولتوفير تلك الجبال الشماء ملجأ آمناً للعديد من كوادر الحزب وأعضائه. فالحزب الشيوعي العراقي كان من أوائل من طالب بالحقوق المشروعة العادلة للشعب الكردي، انطلاقاً من مبدأ حق الشعوب بتقرير مصيرها. وكان المبادر لرفع شعار "السلم في كردستان" في عام 1961، إثر انفجار العنف، آنذاك. وقبلها طالب بالحكم الذاتي لكردستان في كونفرنسه الثاني عام 1956. وكان أيضاً أول قوة سياسية عراقية تطرح، عام 1989، فكرة الفيديرالية لكردستان العراق.
ومع اشتداد حملة السلطة الدكتاتورية المقبورة، في عام 1978، ضد الحزب الشيوعي وكوادره وأعضائه ومؤازريه، بادرت أعداد غير قليلة منهم للالتحاق، بشكل فردي وجماعي، بقواعد بيشمه ركَه الحركة التحررية الكردستانية. وعملت على تشكيل نواتات لحركة أنصار الحزب، ابتدأت في تموز من العام نفسه في نوزنك، وهي قرية في اقصى شرق السليمانية، على الحدود العراقية – الايرانية.
وسرعان ما التحق بالحركة المئات من الشيوعيين وأصدقائهم، ومن كل بقاع الوطن، ومن خارجه أيضاً. وتحدّوا الصعوبات الجمّة، ناشرين قواعدهم في كل ربوع كردستان. فتأسست قواعد حلبجة وبهدينان وهركي وكوسته عام 1979، وأرتبط ذلك بتحول الحزب الشيوعي العراقي الى معارضة النظام الدكتاتوري المقبور، بعد تنصل الاخير من ميثاق الجبهة الوطنية، الذي وقّع في 16 تموز 1973، وشنه الحملة الفاشية لتصفية الحزب الشيوعي منذ عام 1977، وربما أبكر حسب الوثائق المكتشفة بعد انهيار النظام.
وكان لقرار قيادة الحزب، وبتأثير ضغط قاعدته، بتبني الكفاح المسلح في عام 1980، تأثير كبير على حماسة آلاف الشيوعيين وأصدقائهم بالالتحاق في كردستان. فتوافدوا من كل أنحاء الوطن ومن أركان العالم، بعد اضطرار الكثير منهم للخروج من الوطن إبان اشتداد الهجمة الفاشية.
ولم تخل بقعة في كردستان من تواجد الأنصار الشيوعيين، بل ومشاركتهم الفعالة في عمليات عسكرية نوعية امتدت من جنوب خانقين، مروراً بكَرميان فالسليمانية وأربيل والعمادية ودهوك وزاخو في أقصى شمال الوطن.
خاض الأنصار الشيوعيون، منفردين او متعاونين مع بيشمه ركَه القوى الكردستانية الأخرى، المئات من المعارك البطولية. وتصدّوا بشجاعة مشهودة لاعتداءات قوات السلطة الغاشمة على القرى الكردستانية، وأنزلوا القصاص العادل بالعديد من مجرمي ذلك النظام، ممن أوغلوا بدماء الشعب العراقي. اضافة لحملات التوعية السياسية وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والمشورة لسكان المناطق، التي كانوا يتجولون بها. فيما احتضن الأهالي أنصارهم وأكرموهم. وكانوا عوناً لهم في التصدي للمعتدين. عدا التحاق المئات منهم بحركة الأنصار.
وأصبحت حركة الانصار، في ثمانينات القرن الماضي، قوة أعادت هيبة الحزب، ليس فقط عند أصدقائه وأشقائه، بل أيضاً لدى الاحزاب والقوى المعارضة الأخرى، التي تعاملت مع الحزب، الى حد بعيد، من خلال تلمس قوة حركته الأنصارية المسلحة. كما عزّزت هيبة الحزب لدى جماهير الشعب، ورفعت من معنويات رفاقه وجماهيره وبدّدت مشاعر خيبة الأمل والاحباط ومخاطرهما.
وقدم مئات الأنصار والنصيرات الأبطال، من خيرة أبناء وبنات الشعب العراقي، بكل مكوناته الأثنية والدينية والطائفية، حياتهم الغالية، غير هيابين، فداءً لما عاهدوا أنفسهم وشعبهم عليه، في الدفاع عن مصالح العراق وأهله، ضد الدكتاتورية وكل من يعادي مطامحه المشروعة، وتحقيقاً لهدفهم السامي في "وطن حر وشعب سعيد".
ولم يتوان أنصار الحزب الشيوعي في دعم انتفاضات شعب كردستان ضد الحكم الشوفيني، كما حصل في انتفاضات الاعوام 1982 و1984 و1987وغيرها. وكانوا، أحياناً، المبادرين لتلك الانتفاضات المجيدة.
وكانت قواعدهم نقاط انطلاق للمئات من المناضلين والمناضلات الى عمق الوطن، اسهاماً في مقارعة جرائم المقبور صدام وطغمته. وكانت ملجأ آمناً لجنود ومراتب في الجيش العراقي، ممن رفضوا حروب النظام العبثية. اضافة لكونها مراكز خدمات هامة لأهالي القرى المحيطة بهم، خصوصاً بالجانب الطبي، عدا الحماية، اضافة لقيامهم بالعديد من النشاطات الثقافية والفنية والرياضية، لتنوع اختصاصات الانصار الشيوعيين. إذ كان بينهم الطبيب والمهندس والمحامي والمعلم والعسكري والرياضي والاعلامي والكاتب والفنان والطالب والعامل والفلاح، وكل شرائح المجتمع العراقي ومكوناته.
وشهدت الحركة الأنصارية تواجداً متميزاً للمرأة العراقية المقاتلة، ممثلة بالنصيرة الشيوعية، التي كانت بواكير مشاركتها في الحركة منذ عام 1963. وساهمت النصيرة بالعديد من المعارك البطولية، ومنها معركة بامرني في عام 1982. وأستشهد العديد منهن، إبان تصديهن البطولي لأزلام النظام المقبور. وبلغ عدد النصيرات الشيوعيات المشاركات في الحركة قرابة المائة نصيرة، من كل القوميات والأديان والطوائف العراقية. وسجلن بذلك مكانة مرموقة للمرأة العراقية الباسلة.
وإثر جرائم الضربات الكيماوية المتلاحقة، التي اقترفها النظام المنهار، عامي 1987 و1988 تقلص تواجد الأنصار الشيوعيين ونشاطهم، خصوصاً بعد قصف المئات من القرى الكردستانية وافراغها من سكانها، باجبارهم على النزوح الى خارج الأراضي العراقية، هرباً من الموت المحقّق، مما أضطر عدد من الأنصار الى النزوح خارج الوطن، فحاضنتهم الأساسية في نضالهم المشرف كانت جماهير المناطق، التي تواجدوا فيها، استناداً لحقيقة دفاعهم المستميت عن مصالح كل مكونات الشعب العراقي، خصوصاً الطبقات والفئات الكادحة فيه.
إلا ان دور الأنصار الشيوعيين سرعان ما عاد بارزاً بمشاركتهم فصائل بيشمه ركَه القوى الكردستانية، في تحرير أراضي كردستان العراق من رجس النظام المنهار إبان انتفاضة ربيع 1991 الشجاعة، بل ووصلوا الى مشارف محافظة ديالى. وبرز في هذا الجانب الدور القيادي للجبهة الكردستانية، التي تأسست في عام 1988 من جميع القوى السياسية الكردستانية، اضافة الى الحزب الشيوعي العراقي، عبر منظمة أقليم كردستان، قبل تشكيل الحزب الشيوعي الكردستاني – العراق في عام 1992، والتي وقع ميثاقها في مقر الحزب الشيوعي العراقي في خواكورك، في الأراضي العراقية قرب المثلث العراقي – التركي – الايراني. ومما له دلالة كبيرة، اليوم، ان تلك الجبهة الكردستانية اختارت أول منسق لنشاطها الفقيد الدكتور رحيم عجينة، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، حينها، وهو العربي القومية.
ومنذ منتصف تسعينات القرن الماضي بذلت مساع غير قليلة لتنسيق جهود الأنصار الشيوعيين العراقيين القدامى، والذين اُضطر أغلبهم الى اللجوء في عدة قارات من العالم. وتكلّلت تلك المساعي بالنجاح، فأنعقد المؤتمر الأول لرابطة الأنصار الشيوعيين العراقيين في آب 2004 في جنوب السويد، الذي أعلن فيه عن تشكيل الرابطة. ولحقه المؤتمر الثاني في شهر تشرين الاول 2005، الذي كرس تحويل الرابطة الى منظمة مجتمع مدني، تدافع عن حقوق أعضائها، وتتواصل مع نضالهم المشرف في الدفاع عن مصالح الشعب العراقي، بجميع مكوناته.
واعتزازاً بالتجربة الكردستانية العراقية عقد المؤتمر الثالث للرابطة في بداية تموز 2006، اثر مهرجان ثقافي وفني، في قلب أربيل، عاصمة أقليم كردستان، وبحماية حكومتها. وعبّر جميع الرسميين والشعبيين، الذين التقوا الأنصار الشيوعيين العراقيين، عن اعتزازهم بالتضحيات المشتركة وأثرها في ما تشهده كردستان العراق اليوم من استقرار قياساً لباقي أجزاء العراق الأخرى.
وأتخذ المؤتمر الثالث قرارات عدة، كان من أهمها التأكيد على دور الأنصار في تعزيز التيار الديمقراطي، ودعم تجربة شعب كردستان، والمطالبة باعتبار نضالات الأنصار الشيوعيين العراقيين، جزءاً من نضالات شعبنا ضد الدكتاتورية، واعتبار شهداء الحركة الأنصارية شهداء للوطن والشعب. وهي قرارات بحاجة لتفعيل وتنفيذ احقاقاً للحق وإنصافاً لمناضلين مخلصين.
وللرابطة، اليوم، غرفة محادثة على برنامج بالتوك الانترنيت، باسم "ينابيع العراق"، بدأت منذ عام 2005، ويحضرها العشرات، من الوطن وكل بقاع العالم، مساء كل يوم. وتشهد مناقشاتها حواراً ديمقراطياً حضارياً، يطرح فيه الرأي والرأي الآخر، وهدفه الأول الدفاع عن مصالح الشعب العراقي، بكل مكوناته. اضافة لتقديمها عشرات الأماسي السياسية والثقافية والفنية والأدبية لأسماء لامعة من خيرة مبدعي العراق. فيما بدأت هذا العام صفحتها الالكترونية على الانترنيت بالاسم نفسه.
وإذ تؤرق الكارثة الحالية، التي يمر بها العراق وشعبه الأبي، قدامى الأنصار الشيوعيين العراقيين، فهم لا زالوا يواصلون نضالهم، وكل من موقعه، سوية مع القوى السياسية المخلصة، من أجل تحقيق مطامح الشعب في عراق حر آمن ديمقراطي فيديرالي موحد، تعلى فيه قيم الانسان وتحترم حياته وكرامته، وتطبق العدالة والقانون، وتتحقق فيه المطامح العادلة لكل مكوناته السياسية والقومية والدينية. ولهذا الهدف النبيل ينبغي ان تتوحد جهود كل المخلصين، ممن يضعون مصلحة العراق وشعبه فوق أي اعتبار آخر.


20/6/2007

ملاحظة: لمزيد من المعلومات يمكن قراءة وثيقة تقييم حركة الانصار، التي أقرها المؤتمر الوطني السادس للحزب الشيوعي العراقي، الذي عقد في عام 1997 على الرابط التالي:
http://al-nnas.com/BIBLTEK/ANSAR.htm