| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

 



وثيقة تقييم حركة الانصار التابعة للحزب الشيوعي العراقي
في الفترة ما بين 1979 – 1988


اولاً: ظروف انتقال الحزب الى المعارضة
منذ قيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمية 1973 حتى انفراط عقدها عملياً اواخر عام 1978، ارتبط حزبنا الشيوعي العراقي بعلاقات تحالفية رسمية مع حزب البعث العربية الاشتراكي الحاكم في العراق.

وكان ميثاق العمل الوطني للجبهة يجسد هذا التحالف ويحدد الاهداف المشتركة الا ان نهج الحزب الحاكم ونظامه ظل خلال فترة التحالف، وبالضد من محتوى ميثاق العمل الوطني للجبهة، يتسم في الواقع العملي بالارهاب البشع، تماماً كما كان قبلها.

وشهدت البلاد حملات ارهاب وحشي كانت تتركز على القوى القومية العربية حيناً وعلى الشعب الكردي وقواه القومية حيناً اخر. كما شهدت تصفيات جسدية واسعة داخل الحزب نفسه شملت العديد من اعضاء قيادته القطرية والقومية. ولم تخل فترة التحالف من ممارسة مثل هذه الاجراءات ضد حزبنا واحيانا بشكل واسع.

عكست وثائق حزبنا الصادرة عن المؤتمر الوطني الثالث- عام 1976، خاصة التقرير السياسي جوهر نهج الحزب الرسمي تجاه النظام في حينه ولاحقاً في فترة ما بعد المؤتمر والموقف من الحزب الحاكم قبل الانتقال الى المعارضة.

وورد في التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر ما يشير الى إمكانية انتقال حزب البعث الى مواقع الاشتراكية اللمية وطموح الحزب للسير معه جنباً الى جنب صوب الاشتراكية.

وتركت هذه الرؤية تأثيرها في منظمات الحزب خالقة جواً من التفاؤل بمستقبل العلاقة مع الحزب الحاكم وبالنظام وباعثة روح الثقة بهما. وكان من شأن ذلك ان أشاع روح الخدر تجاه الحزب الحاكم واجهزة النظام القمعية ومخططاتها المعادية لحزبنا ولمصالح الشعب.

وانعكس هذا النهج ايضاً في عدم وضع القيادة أية خطة جادة للانتقال الى المعارضة عندما يتطلب الامر ذلك.

وفي حين كانت وثائق حزبنا الشيوعي تعبر عن التفاؤل والطموح لتعزيز العلاقة مع الحزب الحاكم، وراح النهج الارهابي لهذا النظام يتفاقم، ويتطور اكثر فأكثر بأتجاه وتنويع وتعزيز اجهزة القمع وشبكاتها وتشريع العديد من القوانين الفاشية ومحاولات تأطير المجتمع وتبعيثه.

لقد كان منطقياً ان يتم التوصل في حينه الى الاستنتاج بأحتمال الافتراق بين حزبنا وحزب البعث الحاكم – ان لم نقل حتمية الافتراق – واحتمال عدم إمكان صيانة منظمات الحزب واعضائه وبلوغ اهداف حزبنا الاساسية دون اللجوء الى العنف المضاد كأسلوب رئيسي لمواجهة عنف النظام. وكان هذا يستوجب بالتالي وضع صيانة شاملة ودقيقة واستثمار كل فرصة ممكنة لاعداد مستلزمات التغيير في اسلوب الكفاح واتخاذ الاجراءات اللازمة لهذا الغرض.

ان غياب مثل هذه الخطة مكن النظام من توجيه ضربات مؤذية للحزب ومنظماته ابان الهجوةم الغادر عليه في 1977 – 1978 مما اثر سلباً على الكفاح اللاحق وعلى حركة الانصار التي تبناها الحزب ومارسها بعد عام 1978.

لقد واجه الحزب في عامي 1977- 1978 هجوماً عاماً على منظماته، وتحولت المظاهر والاجراءات الارهابية التي كانت تبرز هنا وهناك وفي هذه الفترة او تلك، الى نهج ثابت ضمن مخطط متكامل للقضاء على الحزب ومنظماته، وهو غير مهيأ لمواجهة ذلك ودرئه. ( وقد تبين من الوثائق الامنية التي حصل عليها الحزب بعد انتفاضة اذار 1991 ان الخطط والاجراءات الامنية والسياسية للقضاء على الحزب وضعت منذ ما قبل منتصف السبعينيات).

وكانت الدولة تمتلك امكانيات مالية هائلة واعلامية واسعة واجهزة امنية ومخابراتية متعددة ومتطورة، وقد جمعت اكداساً من المعلومات حول منظمات الحزب واعضائه. ثم ان امر النظام لم يكن قد افتضح بعد وخاصة لدى اصدقاء الحزب في الخارج.

في أيار 1978 اقدمت السلطة على اعدام 31 مواطناً من العسكريين والمدنيين شيوعيين واصدقاء للحزب بحجج واهية، وقامت بحملات ملاحقة واعتقلات واسعة ومتواصلة، ومارست اجهزة النظام القمعية اشكالاً متنوعة من التعذيب والتصفية الجسدية وانتزاع البراءات في مختلف المناطق، واقترن كل ذلك بحملة اعلامية تضليلية واسعة ضد الحرب.

وكانت حملة الارهاب والتضليل ضد الحزب قد تصاعدت في اعقاب اجتماع لجنته المركزية (ل.م.) في آذار 1978، الذي وجه نقداً شديداً للسلطة والحزب الحاكم. وفي حزيران عام 1978 عقد المكتب السياسي (م. س) للحزب اجتماعاً كرس لبحث قضية الصيانة واتخاذ الاجراءات الضرورية لدرء المخاطر عن الحزب. آنذاك كان الهجوم على منظماته قد توسع فيما ضاقت امكانية اتخاذ تدابير الصيانة. وكان ما قرر الاجتماع اتخاذه من الاجراءات دون مستوى تطور الاحداث ودون متطلبات الوضع بكثير، وفوق ذلك فإنه لم ينفذ بالشكل المطلوب.

في خضم هذا الوضع المعقد والصعب، بدأ الحزب بالتراجع الاضطراري وبشكل مرتبك متنقلاً الى العمل السري، وقد احتفظ بمقراته وجريدته العلنية وبوزيريه واعضاء المجلس التشريعي في كردستان، وببقائه الشكلي في الجبهة غطاء للتراجع والانتقال الى المعارضة.

وطبيعي ان السلطة لم تترك للحزب مجالاً للانتقال الى المعارضة العلنية او شبه العلنية بل انها واصلت حملاتها الوحشية الهادفة الى القضاء التام على الحزب ومنظماته.

وتحت تأثير هذه الحملات ساد منظمات الحزب جو من البلبلة الفكرية والارتباك التنظيمي، واصبحت المنظمات تعيش حالة من الضياع والتشتت.

ثانياً: بدايات الحركة الانصارية
في ظل هذه الاجواء برزت فكرة اللجوء الى العمل الانصاري المسلح في كردستان لحماية الكادر والرفاق عموماً وابعادهم عن غدر اجهزة النظام. وانطلقت هذه الفكرة من ادارك باستحالة بقاء كادر الحزب القيادي وجمهرة واسعة من الاعضاء في المدن دون التعرض لخطر التصفية الجسدية والسياسية.

ولم تحسم قيادة الحزب رسمياً قضية الانتقال الى العمل الانصاري في تلك الظروف، نظراً لاستحالة عقد اجتماع ل . م، الا ان عدداً من الرفاق في ل. م ومن الكادر المتقدم الموجودين داخل الوطن آنذاك بادروا الى تقديم المقترحات بأعتماد العمل الانصاري في منطقة كردستان دون تصور متكامل لابعاد هذا الاسلوب وشكل الانتقال اليه.

واتخذت خطوة اولية بوجهتي الانتقال الى العمل السري والانصاري.

ولم يتم اللجوء الى مواقع البيشمركة في الجبال في تموز 1978 بمعزل عن مفاتحة مسبقة لبعض العناصر القيادية المجربة في الحركة الانصارية وتشخيص بعض العناصر المؤهلة في هذا المجال وابعادها عن خطر الوقوع في قبضة السلطة وتحديد بعض المواقع الملائمة للعمل الانصاري في الاقليم وتوفير بعض المستلزمات الاولية البسيطة لهذا العمل.

وقد نشأت النواتات الانصارية الاولى بجهود دؤوبة وشاقة ونكران ذات، من قبل قياديي وكوادر واعضاء الحزب الذين ساهموا في التهيئة وتوفير مستلزمات العمل الانصاري من سلاح وتدريب ومال وجهاز بث اذاعي الى جانب حرص مجموعة الرفاق واخلاصهم للحزب وتفانيهم في سبيل اهدافه. وقامت قيادة الحزب ايضاً بمفاتحة الاشقاء في اكثر من بلد، الذين قدموا دعمهم ومشورتهم للحزب سواء كانوا مع هذا النهج ام ضده.

وكانت الظروف الموضوعية بمجملها ملائمة نسبياً لهذه الانتقالة بالرغم من ان الحزب لم يكن مهيئاً لمثل هذا العمل الكبير.

وكانت ظروف كردستان الجغرافية والقومية ملائمة الى جانب تواجد القوى المسلحة- البشمركة (ب –م) التابعة للقوى الكردستانية وقواعدها في الشريط الحدودي. كما كانت لحزبنا تجارب لا بأس بها في مجال العمل الانصاري في كردستان.

وقد ساهمت التغيرات السياسية الجذرية في الوضع في ايران عام 1978، وسقوط نظام الشاهة _حليف بغداد) اوائل عام 1979، وتحرر مناطق واسعة من كردستان ايران، وسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني الصديق عليها في خلق ظهير جيد لحركتنا الانصارية، بالرغم من انه لا يرتقي الى مستوى امكانيات دولة كقاعدة خلفية.

وهكذا توجهت المجموعات الاولى من الانصار الى الجبل اواخر عام 1978 و اوائل عام 1979، ولكن في اوائل تشرين الثاني عام 1981 فقط تقرر رسمياً تبني الكفاح المسلح كأسلوب رئيسي في النضال من اجل الاطاحة بالنظام الدكتاتوري واحلال البديل الديمقراطي.

ثالثا: المرحلة الاولى من الحركة الانصارية
ان حركة الانصار المسلحة في كردستان هي تجسيد للكفاح المسلح، وهي شأن سائر اشكال واساليب الكفاح الاخرى تخضع لستراتيج الحزب ولنهجه العام، لاهدافه وتحالفاته. ويمكن اعتبار الفترة التي نتناولها، المرحلة الاولى من حركة الكفاح المسلح.

ولقد توجهت المجموعات الانصارية الاولى الى الجبال وهي تفتقر الى المال والسلاح والمؤون، وتعاني من الارتباك وضعف الثقة بقيادة الحزب، ورغم ذلك فإن العمل اخذ يتسع ويتوطد وتزادي الجهد لتوفير المستلزمات المادية والفنية واعداد الكادر المدرب بالاستفادة من الدعم الاممي ومن مساعدة المقاومة الفلسطينية وبعض القوى العربية التقدمية . واتسم هذا العمل بروح جهادية عالية ونكران ذات كبير من قبل الرفاق الذين ثبتوا النواتات الاولى ولعبت مفرزة الطريق دوراً بارزاً وبطولياً في نقل الرفاق والسلاح من الخارج الى الداخل.

لقد اقتصر العمل الانصاري في هذه الفترة على نباء المواقع الانصارية وتعزيزها وتشكيل مكتب عسكري، وتنظيم الانصار المتواجدين في تشكيلات انصارية وتدريبهم على السلاح، استناداً الى تجربة الحزب السابقة. ولم يكن لدى الانصار في بداية تشكيل الحركة سوى بضع قطع من السلاح.

ويعود تأريخ نشاط اول مفرزة شيوعية انصارية الى نيسان 1979. وتم تحريك المزيد من المفارز الانصارية نحو العمق في كردستان بهدف النشاط الاعلامي والتنظيمي وايصال الرفاق الملتحقين الى القواعد، واضطرت المفارز الاولى هذه الى الدخول في معارك غير متكافئة وغير محسوبة مع العدو، مما سبب وقوع ضحايا غالية. وكانت ملحمة قزلر اولى هذه المعارك البطولية.

وفي الايام الاولى وضع الرفاق في حركة الانصارية نظاماً داخلياً اتسم بالتشدد بالطابع العسكري الذي يفقد الحركة.

كما اتسم بالطابع العسكري الذي يفقد الحركة الانصارية المرونة المطلوبة.

وتكونت (3) مراكز انصارية في (3) مناطق اعتمدت اساساً على ابناء المناطق نفسها وعلى الشكل التالي:

أ- قاعدة حلبجة لقيادة منطقة هورامان والسليمانية، تأسست في 31/3/1979.

ب- قاعدة بهدينان لقيادة منطقة دهوك ونينوى، تأسست في 5/10/1979.

ج- القاعدة الاساسية في ناوزنك التي نشأت قبل ذلك، حيث كان مقر القيادة الحزبية، بعد ان توفر بعض مستلزمات العمل من مال وسلاح وكادر.

وتعززت ل. هندرين (التي تشكلت من بعض اعضاء مكتب اقليم كردستان، وهم اعضاء في ل. م، وبينهم رفاق قدامى كانوا يعملون خارج منطقة كردستان، واخذت على عاتقها مهمة قيادة العمل الانصاري) بعناصر قيادية اخرى من اعضاء ل. م، واعيد توزيع العمل اكثر من مرة تبعاً للمهام الاساسية: المكتب العسكري، مكتب اقليم كردستان، الاعلام، العلاقات... الخ.

وجرى الاهتمام بتطوير العمل الاعلامي وبدأ صدور جريدة " ريكاي كوردستان" ونشرات اخبارية وانصارية، كما توفرت اذاعة وبدأت وبدات تبث باللغتين العربية والكردية وصدرت جريدة " نهج الانصار" فيما بعد بالغتين العربية والكردية ايضاً وفي فترة لاحقة تم نقل جريدة الحزب المركزية " طريق الشعب" من الخارج الى كردستان.

ولم تكن جولات المفارز في العمق تهدف الى خوض المعارك مع قوات السلطة ولكنها اضطرت الى خوض معارك مع قوات النظام العسكرية الكبيرة نسبياً والمدعومة بالطائرات. وعزز ذلك معنويات الرفاق والجماهير لما شهدته المعارك من بطولات نادرة، دوت اصداؤها في مناطق واسعة من كردستان ورفعت من هيبة الحزب وبعثت الامل لدى الجماهير.


وبرزت في وقت مبكر من العمل التناقضات بين المسؤولين العسكريين والمستشارين السياسيين في الوحدات الانصارية وكذلك بين العاملين في المجال الانصاري والناشطين في مجال التنظيم المدني. ونجم عن هذه التناقضات التقليل من اهمية العمل التنظيمي المدني والخلل في موازنة وتنسيق العملين الانصاري والتنظيمي بسبب الظروف الموضوعية او لاسباب ذاتية. ولم يتمكن الحزب من حلها وتذليلها لاحقاً.

وتميزت الحركة الانصارية التابعة لحزبنا منذ البدء بتركيب انصارها المتنوع وضمها منتسبين من مختلف القوميات، وبسرعة تطورها التي عكست هيبة الحزب ونفوذه وعلاقاته الاممية. وقد نالت احترام الاحزاب والقوى الاخرى والجماهير.

ولاول مرة في تأريخ نشاط الحزب الانصاري شاركت المراة في الكفاح المسلح، فقد التحقت عشرات من الرفيقات في صفوف الانصار، ومنهن من زوال العمل العسكري ضمن مفارز قتالية وعملت اخريات في مجالات المخابرة والتمريض والاعلام.. الخ ومنهن من استشهدن في طريق الكفاح فجسدن التضحية والفدءا امثال الشهيدتين احلام وانسام.

على صعيد آخر، وفي هذه الفترة من مسيرة الحركة الانصارية وقعت احداث سياسية وعسكرية هامة تركت اثارها على الحركة وعلى مسارها وتقييمها. وظلت هذه التأثيرات ملحوظة طوال فترة الحركة. وكان في المقدمة من تلك الاحداث الاصطدامات المسلحة بين الاطراف الكردية.

وقد انغمر حزبنا في تلك الفترة في التوسط لحل النزاعات بين الفصائل القومية المسلحة: الاتحاد الوطني الكردستاني (اوك) والحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك)، وبين اوك والحزب الاشتراكي (حسك)، وبين حدك والحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني (حدكا).

وادت الخلافات الحادة فيما بين بعض الاطراف الكردستانية الى وقوع اصطدامات مسلحة لاحقاً بين قوات الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود)، فكان ان انجر حزبنا (الذي كان عضواً في جود الى جانب حدك وحسك) لاول مرة الى الدخول طرفاً في الصراع العسكري بين القوى والاحزاب الكردية، وكان لذلك اثره السلبي الكبير الذي استمر لفترة طويلة على حركة الانصار التابعة للحزب.

وتجدر الاشارة من ناحية ثانية الى ان اشعال النظام الحرب على ايران في 22/ايلول/1980 اضعف الى حدما وجود وانتشار قواته في مساحات واسعة من كردستان. وساعد هذا على خلق ظروف موضوعية لصالح توسيع حركة الانصار ونشاطاتها.

رابعاً: الفترة من تشرين الثاني 1981 حتى ايار 1983
في اوائل تشرين الثاني عام 1981 وفي اجتماع ل.م، للحزب تقرر رسمياً تبني اسلوب الكفاح المسلح بإعتباره الاسلوب الرئيسي في الكفاح من اجل اسقاط النظام الدكتاتوري الشوفيني في بغداد واقامة البديل الديمقراطي، وتبني شعار تعريق الكفاح المسلح.

وظل التخطيط لتعريق الكفاح المسلح ضعيفاً واثار تفسيرات متبانية، وقد اخفق الحزب في تحقيقه، لانه كان فوق طاقته، فتنفيذه كان يتطلب تنظيمات حزبية متينة غير جريحة واستعدادات مدروسة وظروفاً ملائمة نسبياً/ هذا الى جانب اندلاع الحرب العراقية – الايرانية التي شملت عملياتها مناطق واسعة في الوسط والجنوب خصوصاً مناطق الاهوار، فضلاً عن ضرورة فهم ان الكفاح المسلح كأسلوب عنفي اشمل من حركة الانصار التي تعبر احد اشكال تجسيده.

وتعرضت محاولات الاتصال بما نشأ في الاهوار وارياف الفرات من تجمعات ومقاومة مسلحة للفشل بفعل اسباب عدة، منها استشهاد بعض الكوادر العاملة في تلك المناطق وضعف تنظيماتنا وتبعثرها واستمرار الضربات الارهابية لها من قبل اجهزة السلطة الامنية، اضافة الى الضعف في تنفيذ هذه الوجبة.

وبالارتباط مع قرارات ل.م في اجتماع تشرين الثاني عام 1981، انتقل مركز عمل م .س الى كردستان العراق حيث مناطق العمليات الانصارية، وحل (أي .م .س) محل ب. هندرين في قيادة العمل الانصاري. واعيد تشكيل المكتب العسكري على نفس الاسس القديمة، كما اعيد توزيع العمل فيه.

وشهدت هذه الفترة التحاق المزيد من اعضاء الحزب بالانصار لا سيما ممن تركوا مناطق البلاد المختلفة ولجاوا الى الخارج وتدربوا على السلاح.

وجرى اثقال قواعد الانصار بغير المحاربين واحياناص بالعوائل التي لم تتحرر القواعد الانصارية منها حتى عندما اقترب خطر استخدام الاسلحة الكيمياوية.

وكان انتقال مركز عمل م. س الى كردستان ذا تأثير ايجابي هام، الا انه في مجرى العمل برزت بعض الجوانب السلبية بسبب اضطراره(م.س) للتدخل في أمور كان يمكن تركها لهيئات أخرى.

ومن جانب آخر فإن المكتب العسكري الذي تكون عام 1981، لم يتشكل اساساً حتى بعد تغيير تركيبه لقيادة العمليات العسكرية الميدانية او التخطيط لها، وان تركيب الهيئات القيادية للقطاعات الانصارية الثلاثة اخذ بنظر الاعتبار هذا النقص وسمعى الى معالجته ولو بصورة محدودة.

كما ان الاحداث والتطورات لم تسمح بتطور دور المكتب العسكري عددياً ونوعياً وتكوين التشكيلات المساعدة له لكي يبلغ مستوى امكانية التخطيط العسكري للعمليات العامة والخاصة واصدار التوجيهات المركزية في القضايا المختلفة. فلم يعقد غير اجتماع عسكري مركزي عام واحدة، وظل دوره يقتصر على اصدار التوجيهات الادارية والقيام بالقليل من الاشرافات واصدار جريدة " نهج الانصار".

وخلال هذه الفترة تعززت الحركة الانصارية بشكل محسوس وتطورت عدديا، وبالدرجة الاساسية اعتماداً على مجيء الرفاق من الخارج، وبدرجة اقل من الالتحاقات من الداخل والمنطقة. وتطورت امكانيات الحركة من حيث المال والسلاح ومن الناحية النوعية والتكتيكات الانصارية، وخاضت المعارك بمعنويات ومستويات جيدة وبروح جهادية عالية وحققت بعض الانتصارات في مجال العمل الانصاري. وتوسيع نطاق الفعاليات الانصارية التي وصلت حتى الى داخل بعض المدن الكردستانية، واقترن ذلك بنشاطات لمفارز انصارية داخل المدن نفسها (مدينة اربيل، بعض مراكز الاقضية، المجمعات السكنية القسرية) واصبحت حركة الانصار قوة اعادت هيبة الحزب ليس فقط عند الاصدقاء والاشقاء، بل ايضاً لدى الاحزاب والقوى المعارضة الاخرى التي تتعامل مع الحزب الى حد بعيد من خلال تلمس قوة حركته الانصارية المسلحة، كما عززت هيبة الحزب لدى جماهير الشعب، ورفعت من معنويات الرفاق والجماهير وبددت مشاعر خيبة الامل والاحباط ومخاطرهما. ومن الامثلة العديدة على الفعاليات المذكورة عملية الطريق الدولي في منطقة بهدينان عام 1981.

ولعبت حركة الانصار ايضاً، الى جانب قوى ب زم الاحزاب الكردستانية دوراً بارزاً في استهاض الجماهير في المنطقة وفي انتفاضها اعوام 1982 و1984 و1978.

واصبحت مناطق الحركة المسلحة ملاجىء للرفاق والمواطنين وحتى الجنود الهاربين ممن تهدد المخاطر حياتهم.

والى جانب هذا وفرت الحركة الانصارية امكانية افضل لممارسة النشاط الاعلامي وبشكل جيد نسبياً باللغتين العربية والكردية (الاذاعة اوالجريدة والبيانات "ومناضل الحزب" و" نهج الانصار" .. الخ) واعلام الداخل بمواقف وسياسة الحزب وبشكل سريع نسبياً.

وشهدت قواعد الانصار ومفارزهم، التي كان كثيرون من مقاتليها طلبة جامعيين وخريجين ومثقفين ومتعلمين اخرين، نشاطاً اعلامياً وثقافياً مرموقاً، تمثل في اصدار عشرات المجلات الدفترية، والنشرات الجدارية، وتنظيم الندوات والامسيات القصصية والشعرية، واقامة المعارض الفنية، والعروض المسرحية. الخ وتتوج هذا النشاط بتأسيس فرع لرابطة المثقفين الديمقراطيين العراقيين باسم "رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين الانصار في كردستان". الذي اصدر مجلته " ثقافة الانصار" بمساعدة اعلام الحزب.

كما لعبت دوراص في ايجاد الصلة مع الخطوط التنظيمية الحزبية المنفصلة بعضها عن البعض في الداخل، وفي مركزتها بعيداً عن مناطق نفوذ السلطة وتحكمها، وبعيداً عن مخاطر ضرباتها الشاملة. ومكنت الحركة هذا المركز من تزويد الداخل بالمال والتوجيات والادبيات واحياناً بالكادر، فيما كان المركز يستلم في المقابل الاخبار والمعلومات المختلفة والمساعدات الطبية والملتحقين الجدد (ولو بحدود معينة). وساهم ذلك ايضاً وبشكل واضح في رفع معنويات الرفاق في الداخل وحفزهم على اعادة بناء التنظيم.

الا انه بجانب هذه الجوانب الايجابية كانت هناك جوانب سلبية في حركتنا الانصارية.

فاذ لا يمكن للكفاح بصيغة العمل الانصاري ان يستمر ويتصاعد دون تقديم الضحايا والشهداء، ويتوجب القول ان الحزب قدم ضحايا كبيرة ليس بسبب اعتماد هذا الاسلوب في الكفاح، وانما لاسباب اخرى ابرزها:

أ‌-وقوع اصطدامات مسلحة مع قوات الاتحاد الوطني الكردستاني مما كان يجب ان تقع بصرف النظر عن مسؤوليةالاتحاد الوطني الكردستاني الاساسية في وقوعها.

ب-وقوع اخطاء في ممارسة العمل الانصاري نفسه جراء عدم الالتزام بقواعده ومبادئه، ذهبت جراءها ضحايا في عدد من المعارك دون مبرر. مثال ذلك المعارك في سنكاو، بولقاميش، دربندخان، كرميان، سفين، ما حصل لمفرزة الطريق ومجموعة اربيل وغيرها.

وبشكل عام فإن ما تكرس من جهد ومال وكادر في مجال العمل الانصاري كان اكبر مما هو ضروري بالمقارنة مع متطلبات اعادة بناء التنظيم في الداخل.

وبالرغم من تطور الحركة الانصارية عددياً ونوعياً وتوسعها في فترة زمنية قصيرة، الا انها اخفقت في التحول الى حركة جماهيرية حقيقية تضم اكثرية من الجماهير اللا حزبية، مع الاقرار بوجود تباينات في هذا الميدان بين قاطع واخر.

وكان من اسباب ذلك قيام النظام في وقت مبكر، بعد انتكاسة الحركة الكردية المسلحة عام 1975، بإنشاء حزام امني في المناطق الحدودية وعزل اية حركة جديدة وذلك بتدمير القرى واتلاف بساتينها ومزارعها وتهجير سكانها الى مجمعات قسرية وتشريدهم واغراء جمهرة واسعة من اكثريتهم ذات الاصول العشائرية (خاصة تلك التي التزمت جانب السلطة بسبب عداوتها مع بعض اوساط الحركة المسلحة) وتجنيدها في " افواج الدفاع الوطني" وتوفير الامتيازات المادية لها مع اعتبار خدمتها في هذه الافواج مجزية للخدمة العسكرية. هذا الى جانب انعدام التأكتيكات المرنة في التعامل مع هذه التشكيلات من جانب العديد من وحداتنا الانصارية.

واخفقت حركتنا الانصارية في كردستان في احتواء جمهرة الجنود الهاربين وخاصة من المناطق العربية. والسبب يعود الى ضعف تنظيماتنا الحزبية في مناطق السلطة، وبالتالي ضعف دورها في توعية الجماهير وكسب هؤلاء الجنود، وبعد مناطقها عن مواقع الانصار في كردستان ومصاعب الظرف السياسي وقساوة الارهاب في بقية انحاء العراق.

خامساً: احداث بشت اشان
1- وقعت في كردستان العراق اواخر السبعينيات وفي عقد الثمانينيات اصطدامات دموية عديدة بين الفصائل الكردستانية المسلحة، انجر الى بعضها حزبنا ايضاً. والتي وقع من جرائها ضحايا بلغت اعدادهم اضعاف ضحايا القتال مع القوات المسلحة للنظام. والحق ذلك اضراراً جسيمة بالنضال ضد النظام الدكتاتوري وترك اثاراً سلبية على الصعيدين الداخلي والعالمي. وكانت احداث بشت اشان من اعنفها واكثرها –مأساوية.

لقد شهدت حركة الانصار عام 1982 تطوراً بارزاً وملحوظاً كان من ابرز مؤشراته:

أ‌- نمو الحركة عددياً وتشكيل ثلاثة قواطع عسكرية.

ب‌- انتشار فصائل الانصار في عموم المناطق المحررة (في سوران وبهدينان) وهو ما لم يتوفر للفصائل الاخرى بسبب الاحتراب فيما بينهما.

ج- تطور الخبرة العسكرية واستخدام بعض التكتيكات العسكرية الناجحة والحصول على نوعيات جيدة من الاسلحة، وعقد الموسعات السنوية في القواطع لمناقشة النساط ورسم خطته العامة.

د- مشاركة عدد كبير من الشباب في الحركة بينهم ضباط يملتلكون المعارف والعلوم العسكرية، واخرون من ذوي الكفاءات الفكرية والسياسية.

2- توسيع نشاط الحركة الانصارية التابعة لحزبنا الى جانب نشاط الفصائل المسلحة لـ(ب.م) اطراف (جود) الاخرى وامتد الى داخل المدن الرئيسة.

وفي شباط 1983 دخلت مفرزة كبيرة نسبياً من مفازر حزبنا الانصارية ضمت اكثر من 90 مقاتلاً الى مدينة اربيل. وبعد ان اكملت مهمتها الانصارية وانسحبت من المدينة، وقعت طلائعها في كمين نصبه مقاتلو (اوك) وكانت علاقات حزبنا جيدة انذاك مع (اوك) ولم يكن قد مضى غير ايام على توقيع اتفاقية بيننا حول العمل المشترك ضد النظام.

وكان هذا الحادث بداية المعارك مع (اوك) في منطقة اربيل والتي تطورتبشكل مفتعل مع اطراف (جود) حتى ادت الى احداث (بشت اشان).

وفي الواقع لم تكن احداث اربيل مجرد عمليات عسكرية بين مسلحي (اوك) ومسلحي سائر اطراف (جود) وانما كانت في جوهرها عملية سياسية، اذ سبق ان رفضت احزاب (جود) الدخول في مفاوضات مع قادة النظام الدكتاتوري عام 1982 بينما دخل (اوك) وحده في علاقات تفاوضية، استغلتها سلطة صدام.

وتطورت الاصطدامات المسلحة حتى بلغت قمتها في احداث بشت اشان، بالتنسيق مع النظام وانتهت هذه الاحداث بإنتقال (اوك) الى خندق النظام. واستمر هذا التحالف الجديد فترة زمنية حتى انتهى عند عقد اتفاقية بين (اوك) و(حدك) في طهران وبرعاية ايران.

لم تكن منطقة بشت آشان موقعاً عسكرياً ملائماً. كانت فيها ثغرات جدية، وقد تم انسحاب المركز القيادي اليها اضطراراً بعد هجوم ايران نهاية عام 1982 على مواقع (نوكان)، التي كانت قاعدة للاعلام والطباعة والعمل القيادي الحزبي والعسكري وكانت القوات الحامية لهذه القاعدة (نوكان) قليلة.

وحشد (اوك) كل ما امكنه قبل البدء بالهجوم على بشت آشان في أوائل ايار.

وسبق الهجوم جولة تحليق طيران استطلاعي وتخويفي وعملية قصف مدفعي حكومي لاول مرة على المنقطة، فيما تم تحسيد قوات مرتزقة النظام الى جانب تحشيدات (اوك).

ودافع الانصار عن القاعدة ببطولة نادرة وهم يعانون من الجوع والبرد القارص والثلوج الكثيفة وقلة العتاد وترامي اطراف المنطقة، قبل ان ينسحبوا منها.

لقد شكل الهجوم على بشت آشان ضربة عنيفة للحركة الانصارية، ادت الى خسائر بشرية كبيرة، تمثلت في استشهاد العشرات من الرفاق، والى خسائر حسمية في المال والسلاح والاجهزة الاعلامية والفنية.

وكشفت هذه الضربة الخلل السياسي والفكري لدينا وضعف تحليلنا لطبيعة الاحزاب القومية وعدم كفاية اداركنا سرعة انقالها من موقع لاخر. كما أكدت الخلل في الجانب العسكري والثغرات في موقع بشت آشان عسكرياً وضعف التحكم بحركة القواطع وتجميع قواها عند الضرورة.

وفي تقدير خاطىء بعد معركة بشت آشنان الاولى خاض الانصار اعمالاً عسكرية اخرى غير مبررة مع الحلفاء في جود (مع حدك خاصة) ادت الى خسائر اضافية بشرية ومعنوية وذلك في معارك بشت اشنان الثانية صيف عام 1983 نفسه.

وافضت جسامة الخسائر البشرية والمادية والخلل في الجانب السياسي والعسكري الى اشاعة مشاعر خيبة الامل والاحباط في صفوف الانصار، وتسرب المئات منهم خارج كردستان، ولم ينج بقية الانصار من الاثار السلبية التي تركتها الاحداث.

وسعى الحزب والهيئات المسؤولة والكوادر والاعضاء بحرص كبير لا يقاف التدهور، وجرى العمل بكل الامكانيات لاعادة الامور الى مجراها الطبيعي وتجاوز اثار تلك الاحداث. وشكلت محاولات اعادة مفارز الانصار الى مناطق اربيل وقلعة دزه بعد الاحداث بصيغة مفارز صغيرة متحكرة، شكلت رغم الخسائر التي قدمتها جزءاً من الجهود المتميزة لرفع معنويات الانصار وتعزيز لحمتهم واعادة عدد من الصلات الحزبيو المقطوعة والاتصال بالجماهير بمساعدة الكادر المحلي. علماً ان قسماً من مفارز انصارنا كان قد بقى في قرداغ وكرميان وبهدينان بعد الاحداث واجترح البطولات في المنطقة.

في هذه المرحلة ايضاً برزت جملة ظواهر اثرت سلباً على حركتنا الانصارية. فقد اخذت تظهر عواقب احداث بشت اشان بالاقتران مع انتقال (اوك) الى خندق النظام الدكتاتوري، في الخلافات وتصاعد الصراع داخل قيادة الحزب، وبدأت نشاطات مؤذية من جانب تكتلات معينة، انسلخت في وقت لاحق: (بهاء ومجموعته) و ( باقر ابراهيم ومجموعته).

كما ازداد نشاط القوات الايرانية داخل كردستان العراق وترك كل ذلك اثاراً سلبية على حركتنا الانصارية.

سادساً: الفترة ما بعد احداث بشت آشان 1984-1985
بعد الانتكاسة التي اصابت الحركة الانصارية في بشت اشان الاولى والثانية، حلت فترة مؤقتة قصية نسبياً من التراجع والارتباك جراء الاضرار الجسيمة التي لحقت بالحركة مادياً ومعنوياً، بدأ الانصار خلالها باعادة تنظيم انفسهم وحركتهم من جديد بما توفر لديهم من امكانات مادية وبشرية قليلة وبنكران ذات منقطع النظير وايمان بعدالة القضية التي حملوا من اجلها السلاح. وتواصل نشاطهم رغم همجية النظام والحصار المضروب حول مناطق الانصارحتى بدات الحركة بالانتعاش من جديد، فساهم الانصار في دعم واسناد الانتفاضة الطلابية في اربيل والسليمانية عام 1984 ولعبوا دورهم في حماية المؤتمر الوطني الرابع للحزب عام 1985 وقاموا بنشاطات واسعة وسطروا صفحات بطولية مجيدة في معارك شهرزور وقرداغ وكرميان وقلعة دزة ودربنديخان وكفري وطوزخرماتو والعمادية عام 1984-1985 وساهموا في تحرير مانكيش وسيطروا على مطار بامرلي قثلاث مرات وضربوا مواقع السلطة في القوش. كما ساهموا في معارك نريكين عام 1986 وقاموا بتحرير ناحية نوجول واقتحام فوج سوتكي وقائمقامية شقلاوة ودخول جامعة صلاح الدين وخاضوا عشرات المواجهات والمعارك الاخرى، وتوجوا هذه المعارك بالالتحام بالانتفاضات والهبات الجماهيرية في مدن وقصبات كردستان ربيع عام 1987. وشدهت مناطق اربيل معارك بطولية واسعة مع قوات النظام من ابرزها معارك: حسن بك في دشت اربيل ، وقرجوغ، وهيلوه، وبستانه، وهنارة، و....الخ، واستطاعت فيها المفارز الانصارية احتلال العديد من الرباية والسراية والحصول على كمايات من السلاح والعتاد ةاجهزة الاتصالات والسيارات. ووصل الامر حد خوض معارك جبهوية ضد قوات النظام، كما حصل في معارك( بنباوي ودول سماقولي) التي استمرت 11 يوما. وحدث ذلك بعد رجوع اوك الى خندق المعارضة، والذي ترك اثرا ايجابيا على مجمل الوضع والنضال الذي تخوضه حركة الانصارية.


ونجحت مفارزنا الانصارية في مناطق اربيل وكرميان خلال ذلك في مقاومة احباط الضغوط العسكرية الرامية الى اجبارها على ترك تلك المناطق، والتي كانت تتعرض لها ليس فقط من جانب قوات السلطة بل ايضا من طرف قوات(اوك). علما انها لم تكن تعمل الا على مقاتلة قوات السلطة، باعتبار ان(ارك) طرف من اطراف المعارضة.

وقد ساهمت بكفاحها البطولي سابق الذكر وصمودها في مناطق نشاطها في تقوية موقف الحزب خلال مفاوضاته اللاحقة مع (اوك) التي تتوجت بأحلال السلام.

وقد واجهت حركة الانصار الالة العسكرية الجهنمية للنظام الدكتاتوري في هجماتها قبل فترة ايقاف الحرب العراقية – الايرانية وبعدها في مواجهات باسلة وفي معارك مختلفة شملت كافة اجزاء كردستان في مناطق سوران وبهدينان رغم عدم التكافؤ في ميزان القوى واستخدام النظام الاسلحة الفتاكة الكيمياوية والجرثومية والفسفورية ضد الجماهير والحركة الانصارية. وكان من اخطر الضربات التي وجهت انذاك ضربة الطيران الحربي الكيماوية لمقر قاطع بهدينان يوم 5 حزيران 1987 والتي اصيب فيها ما يقارب 150 نصيراً.

سابعاً: العلاقات التحالفية
ما ان وصلت الطلائع الاولى لانصار حزبنا الشيوعي العراقي الى المواقع الجبلية حيث قواعد القوات المسلحة (ب، م) للاحزاب الكردستانية، حتى وبجد الرفاق الترحيب الحار منها. ولكنهم وجدوا في ذات الوقت، مع الاسف الشديد، الصراعات الدموية فيما بينها، مما دفع الحزب الى رفع شعار وقف اقتتال الاخوة، الى جانب الدموية فيما بينها، مما دفع الحزب الى رفع شعار وقف اقتتال الاخوة، الى جانب تكوين الجبهة كخطوة اولى نحو اقامة التحالفات الجديدة. الا ان تلك الصراعات عرقلت عقد أي شكل من اشكال التحالفات والجبهات المرجوة، وحالت دون عقد الاتفاق الرباعي بين (اوك) و_حسك) و( حدك) و( حشع/ منظمة اقليم كردستان)، هذا الاتفاق الذي اقترحه ل. هندرين عام 1980 على الاطراف المذكورة في لقاءات ثنائية، وقدمت بصدده صيغة مكثفة لمسودة برنامج الجبهة الوطنية الديمقراطية التي كان يمكن تحويلها الى الجبهة الكردستانية منذ ذلك الحين.

وجراء هذه الصراعات انبثقت الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية (جوقد) دون السماح لحدك بالمشاركة فيها رغم مطالبة حزبنا وحسك بذلك، مما دفعهما لاقامة جود، بالتعاون مع حدك، ورافت ذلك ملابسات ومشاكل لم يجر حلها بمرونة ومن منطلق الحرص على توحيد القوى الكردستانية والمعارضة العراقية. وانجر الحزب بالتالي الى الاصطدادمات مع (اوك) كطرف في (جود): في قرية ورتيه عام 1981، احداث بشت اشان الاولى ثم الثانية عام 1983 ومعارك سفين عام 1984 وبعض المعارك المتفرقة الاخرى، وقدم خلال ذلك ضحايا غالية غير قليلة واثرت هذه الاحداث سلباً على حركتنا الانصارية التي لم تنبثق الا لمحاربة النظام الدكتاتوري في بغداد وللمساهمة في الاطاحة به.

ان الانقسام الذي شهدته القوى المسلحة في كردستان والصراعات الدموية التي امتدت، لسنوات، حتى عقد الجبهة الكردستانية عام 1988 بين ذات الاطراف المتصارعة بالامس، الحقت اضاراراً جسيمة بحركة المعارضة العراقية وخاصة بحركة التحرر القومي الكردي وبسمعتها، واثرت سلباً على دعم الرأي العام لها وعلى مزاج الجماهير وبعثت اليأس في اوساطها.

وكان النظام الدكتاتوري في بغداد قد سعى وكرس كل جهده طوال سنوات من اجل الوقعية بين احزاب وقوى المعارضة، ومن خلال المناورات والمفاوضات، ومن خلال الاندساس والتضليل ونجح في ذلك الى حد بعيد اكثر من مرة، مع الاسف الشديد. ولا بد من الاشارة الى الدعم الكبير والتعاون المشترك مع الاطراف الكردية المناضلة في كل من ايران وتركيا، التي نسج الحزب وحركته الانصارية علاقات نضالية جيدة ومتينة مع العديد منها.

ثامناً: الحرب العراقية – الايرانية
من الاحداث البارزة والمؤثرة على الحركة الانصارية اندلاع واستمرار الحرب العراقية – الايرانية التي كانت لها تأثيرات متناقضة ومتباينة.

في 22 ايلول عام 1980 اعلن النظام الحرب على ايران وبذلك كشف بصورة ملموسة عن عدوانيته.

وجراء الحرب اضطر النظام الدكتاتوري الى تكريس القسط الرئيسي من امكانيته المالية والدعائية والعسكرية ضد ايران، ولم يعد يمكنه الانفراد بالحركة الانصارية. وقد اضطر الى سحب الكثير من الربايا المزروعة في كردستان العراق، مما سهل تغلغل القوات المسلحة الكردية (ب.م) وقوى الحركة الانصارية التابعة لحزبنا الى العمق في كردستان، واصبح نشاطها يمتد الى الكثير من المجمعات القسرية وحتى مدينة اربيل.

لقد وضعت الحرب بعض اطراف المعارضة العراقيةفي مواقع متقاربة واحياناً متطابقة، مع ايران رغم تناقض اهداف ايران مع اهدافها ولو بدرجات متباينة، ومن هنا اصبحت ايران تتعامل مع القوى المسلحة للاحزاب الكردستانية كقوى حليفة لها موضوعياً، واخذت تعمل على تلبية بعض مطاليبها في مداواة الجرحى وشراء المؤون واحياناً نقل السلاح عبر اراضيها وتقديم بعض المساعدات المادية لبعضها. وكانت ايران تستهدف من وراء ذلك احتواء القوى الكردستانية وفرض شروطها عليها، الى جانب الاستفادة من محاربتها لنظام صدام حسين.

وفي مرحلة معينة دخلت القوات الايرانية ارض كردستان العراق، وتداخلت تحركاتها مع تحركات بعض القوى المسلحة للاحزاب الكردستانية وتجاوز الامر احياناً مجرد التداخل، مما اساء الى سمعة الحركة التحريرية الكردية. وتمكنت البلاد واخرى عربية وتقدمية اجنبية حتى تقبل بعض الاصدقاء الزعم بأن استخدام الاسلحة الكيمياوية والعمليات البربرية على بعد مئات الكيلومترات من الحدود ومن القوات الايرانية مرده تعاون القوى الكردستانية مع ايران.

وتطورت علاقات بعض هذه القوى مع ايران الى حد التعويل على الحرب وعلى استمارارها في اسقاط النظام بعيداً عن التقدير بأن سقوط النظام على ادي القوات الايرانية لن يوصلنا الى اهدافنا الاساسية في اقامة نظام ديمقراطي يقر بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي.

ان هذا الوضع لعب دوراً مخدراً ادى الى عدم التهيؤ لاتخاذ اية اجراءات من قبل بعض القوى الناشطة في كردستان في حالة توقف الحرب. وانتهى الامر الى مباغتتها بوقف الحرب، والى الحاق اضرار جسيمة بحركتنا المسلحة.

ان موقف الحزب من الحرب العراقية – الايرانية وادانته لها ومطالبته بوقفها الفوري ظل ثابتاً في مختلف مراحلها، ولم يعتمد الحزب على هذه الحرب لتحقيق اهدافه. فقد سبق له ان رفع شعار اسقاط السلطة قبل اندلاعها.

وارتباطاً بذلك وبموقف ايران المعادي للشيوعية لم تتطور علاقتنا معها، كما لم تستفد حركتنا الانصارية منها، بل ساءت العلاقات اكثر مع دخول القوات الايرانية وبعض القوى الموالية لها اراضي كردستان، حيث اضطررنا الى الانسحاب من تلك المناطق، مما ترك اثاراً سلبية على حركتنا الانصارية.

وفيما يتعلق بتركيا، فقد كانت لها مصالحها مع النظام واتفاقاتها الامنية لحماية الحدود، كما كانت لها مخاوفها من تطور الحركة القومية الكردية وتحقيقها اهدافاً قومية ديمقراطية ولذا استمر تأثيرها السلبي على الحركة الانصارية واداد في فترات معينة، وخاصة ابان التدخل العسكري (التركي) في ايار 1983 في بهدينان.

تاسعاً: انتكاسة الحركة الانصارية
يبد لاول وهلة ان الحركة الانصارية اخفقت في النهوض بدورها في الاطاحة بالنظام الدكتاتوري بسبب من توقف الحرب العراقية – الايرانية واستخدام الاسلحة الكيمياوية.

ولكن الحقيقة هي انه لم يكن بمقدور الحركة الانصارية في كردستان العراق ولا الكفاح الممكنة الاخرى فالحركة الانصارية رغم اهميتها ليس الا جبهة من جبهات النضال، تصب جهودها الكفاحية في مجرى الكفاح التأريخي العام للشعب بمختلف الاشكال والاساليب في سبيل الاطاحة عاجلاً او اجلاً.

لقد قامت الحركة الانصارية وبدأ الكفاح المسلح في كردستان قبل ان تنشب الحرب. ولم تكن الحركة تستند الى هذه الحرب في ظهورها وتطورها، كما انها ظلت تتواصل في نشاط مستمر محسوس لاكثر من عام ورغم استخدام الاسلحة الكيمياوية في اكثر من موقع وبنطاق واسع نسبياً.

لقد اختل توازن القوى في الحرب العراقية – الايرانية لصالح العراق جراء الموقف الدولي، وتعززت امكانياته العسكرية واسلحته الكيمايوية بدعم دولي، مما ادى الى اجبار ايران على الموافقة على وقف الحرب.

وهيأ ايقاف الحرب نفسه ظرفاً ملائماً داخلياً ودولياً للتركيز على كردستان، وقد استغل النظام ظروف تلك الحرب وتوقفها فأستخدم الاسلحة الكيماوية واقدم على عمليات الانفال، مما اثر على الكفاح المسلح معنوياً وعملياً.

وقد فوجئت بعض القوى التي كانت تعول على ايران بموقفها عندما قبلت بوقف الحرب، ولم تحسب حساباً لمثل هذا اليوم. اما حزبنا فقد قصر في عدم وضع خطة لمجابهة مثل هذه الحالة.

ان الصراعات المسلحة طيلة سنوات بين القوى الكردستانية حالت دون تطور امكانياتها لتكون بمستوى الاحداث ودون تعاونها في وضع خطة مجابهة سليمة، وتدبير وسائل الوقاية ووسائل الدعاية لنشاطها. ومع هذا لعبت الجبهة الكردستانية (التي انبثقت عام 1988 باتفاق هو اول من نوعه، بين جميع الاحزاب الكردستانية وحزبنا الشيوعي العراقي، الذي تم التوقيع على اتفاق في مقر قيادته في منطقة خواكورك) دوراً هاماً في تقليص عدد الضحايا ودرء مخاطر روح الاحباط.

لقد انتكست الحركة المسلحة في كردستان العراق وانسحبت الوحدات الانصارية مع سائر قوان ب.م من سائر مناطق كردستان بأستثناء (خواركوك) حيق مقر م. س، وظلت الوحدات الانصارية تخوض معارك ضاية في خواركوك الى جانب قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني وبفضل الوجود الكبير لها، ضد الحشود الضخمة للقوات المسلحة للنظام ولاكثر من خمسين يوماً وكان اخرها معارك (قبر ظاهر).

وانسحبت وحداتنا الانصارية وبعد ذلك في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد الى الشريط الحدودي في دولة كوكا ونوكان وناوزنك.

وكانت كل التوقعات تؤكد ان امكانيات الحركة الانصارية لم تستفد، هذا ما جاء في استنتاج تقرير ل. الاقليم عام 1988.

وكان النظام قد استبق هجومه الواسع على مناطق كردستان باللجوء الى اسلوب المناورة والخداع وذلك بتسريب احاديث عن التفاوض مع اطراف الحركة بهدف احداث البلبلة في صفوف الانصار مما اثر سلباً على استعداداتها.

ورغم الانتكاسة التي اصابت الحركة بعد عمليات الانفال السيئة الصيت وتوقف الحرب العراقية الايرانية واضطرار وحدات الانصار و(ب،م) الاطراف الكردستانية الاخرى الى الانسحاب نحو الشريط الحدودي مع ايران وتركيا فإن النشاط الانصاري لم يتوقف. اذ استطاعت مفارز انصارية اختراق خطوط قوات النظام ونزلت الى العمق في مناطق اربيل وكفري ورانية وقامت بنشاطات انصارية.

وفيما بعد لعب الانصار الى جانب بيشمركة القوى الكردستانية الاخرى دورهم، سواء من كانوا داخل المدن او الذين نزلوا من الشريط الحدودي، في انتفاضة اذار البطولية.

عاشراً: نقل مسؤولية الحركة الانصارية الى ل. الاقليم
كانت مسألة قيادة الحركة الانصارية التي انيطت بمنظمة اقليم كردستان عام 1988 من القضايا الشائكة، منذ تشكيل فصائل وازدياد عددها. وكان ينمو بشانها اتجاهان:

الاتجاه الاول بعتبر التنظيم الحزبي هو الاساس سواء كان خارج او داخل هذه الفصائل وما الحركة الانصارية الا الساعد القوي لدى التنظيم.

الاتجاه الثاني يعتبر التشكيل العسكري هو الاساس، وهو المعني بمختلف النشاطات في هذه المرحلة.

وبنتيجة ذلك نشأ الخلاف ليس فقط بين العمل العسكري والتنظيم، وانما بين المستشار السياسي والامر العسكري داخل الفصائل، وحول من هو المسؤول الاول:

المستشار السياسي ام الآمر العسكري؟

وللأسف لم يحسم هذا الصراع وفق المبادىء والاصول الحزبية، وانما اخذ يتعمق مع تمسك كل طرف برأيه. والحق هذا الصراع ضرراً غير قليل بالحركة الانصارية.

وحينما اقرت ل.م في اجتماع حزيران – تموز 1988 ربط الحركة الانصارية بمنظمة الاقاليم مجدداً، جاء هذا القرار متأخراً وترافق مع الهجوم الواسع الذي قامت به السلطة على المناطق المحررة في كردستان، وبالتالي لم تتح الفرصة الكافية لامتحان هذا القرار على ارض الواقع وخاصة في تلك الظروف الصعبة، مما كلفنا خسائر كبيرة.

الخلاصة
شكلت حركتنا الانصارية في الثمانينيات صفحة مشرقة في مسيرة حزبنا ونضاله واعادت له هيبته في اوساط الحركة الوطنية العراقية والقوى التقدمية والعالمية، ومكنته من البقاء على ارض الوطن ومواصلة نشاطه السياسي والتنظيمي والاعلامي والعسكري، ولعبت دوراً في الحيلولة دون تشتت قوى الحزب في المنفى، ورفعت معنويات اعضائه الذين قدموا التضحيات بنكران ذات عال دفاعاً عن قضيةالشعب وعن الحزب وسمعته وعززت ارتباط الحزب بالشعب والوطن بالرغم من صعوبة الظروف الموضوعية والذاتية ورغم الاخطاء والخسائر التي كان من الممكن تجنب الكثير منها.

ان انتقال الحزب الى المعارضة ورفعه شعار اسقاط الدكتاتورية وانتهاجه اسلوب الكفاح المسلح كأسلوب رئيسي للنضال، كل ذلك حتمه الواقع الموضوعي وطبيعة السلطة في البلد ونهجها القمعي الدكتاتوري المعادي لمصالح الشعب، والهادف اساساً الى تصفية القوى السياسية في البلد.

وعلى اساس هذا الواقع رسم الحزب سياسته في مجابهة العنف الرجعي الشامل للدكتاتورية وبالصيغة التي تم اقراروها في اجتماع ل.م في تشرين الثاني 1981.

وكان الشكل الملموس لتجلي هذا الاسلوب في كردستان تشكيل فصائل الانصار وفقاً للظروف الملائمة وامكانية تحقيقه . وعلى الرغم من النواقص والتقصيرات التي رافقت نشوء وتطوير الحركة ووجود خلافات في الرأي من اعلى الهيئات الى ادناه حول محتوى هذه الحركة وطبيعة نشاطها واشكال اداريتها، يمكن القول ان النشاط العسكري الذي مارسه الانصار كان عاملاً ومؤثراً في بقية اشكال النضال التي مارستها منظمات الحزب سواء في المناطق المحررة او المدن الكردستانية، وحتى على التنظيم في مختلف مدن العراق.

الا انه جرى في الممارسة العلمية فهم خاطىء لتطبيق اسلوب الكفاح المسلح كأسلوب رئيسي للنضال، حيث تم التعامل معه بصورة مبالغ فيها وصار وكانه الاسلوب الوحيد.

كذلك جرى زج حركة الانصار في معارك كبيرة غير مبررة) (رغم بطولة الانصار واستبسالهم في هذه المعارك) الا انه كان يمكن تجنبها وتفادي الخسائر الجسيمة التي تحملها الحزب، وكان ذلك احياناً بسبب اخطاء في تقدير الموقف السياسي من قبل قيادة الحزب، كما حصل بشكل واضح عند دخول الحزب كطرف في الصراع بين القوى الكردية، وما نتج عنه في انتكاسة بشت آشان عام 1983.

لقد كان للخلافات بشأن حركة الانصار وضرورتها وطابعها في النضال، داخل قيادة الحزب، الاثر السلبي على الحركة وتطويرها ويرز اتجاهان خاطئان تمثل الاول في التقليل من شأن الحركة الانصارية والثاني في المبالغة بدورها واهدافها والتقليل من شأن الاساليب الكفاحية الاخرى. وكان لذلك تأثيره السلبي على مجمل الحركة.

ولم تستطع الحركة الانصارية لحزبنا التحول الى حركة جماهيرية تشمل الريف والمدينة (رغم توسع تأثيرها على الجماهير في بعض الفترات وخاصة في 82و84و87)، باستثناء اربيل ونجم ذلك عن عدة عوامل ،منها ما هو ذاتي يتعلق امكانيات الحزب واستمرا الضربات لمنظماته واثار ذلك على مجمل نشاطه، ومنها الصراعات غير المبدئية التي نشأت بين التنظيم المدني وكوادر الحركة الانصارية، وتأثرنا بأساليب القوى الاخرى، واكتساب بعض رفاقنا عادات وسلوكيات غريبة عن الروح الشيوعية هذا الى جانب الاثار السلبية للقتال بين القوى الكردية وما خلفه من روح الاحباط واليأس بين الجماهير، والاثار السلبية على الحزب بعد دخوله كطرف في هذا الصراع.

وهناك من ناحية اخرى عوامل موضوعية منها نجاح السلطة – الى حد معين – في عزل الحركة عن الجماهير عبر اجراءات مختلفة (سياسة الارض المحروقة، تشكيل الافواج الخفيفة، وقرارات العفو، الاجراءات الامنية، تسليح سكان العديد من القوى، ملاحقة عوائل الانصار..).

ولقد استخدمت السلطة كل امكانياتها وخبرة اجهزتها في العمل المضاد للانصار والسعي الى اختراق الحركة والعملاء، مما ادى الى وقوع ضحايا وخسائر وفي نفس الوقت كانت خبرة الحركة في هذا المجال واجراءاتها المقابلة دون المستوى المناسب.

ولم تستطع الحركة الانصارية لحزبنا تجاوز الاساليب العسكرية المتوارثة تماماً.

وكان من السلبيات الاخرى حرمان الانصار من فترات استراحة ضرورية لتجديد وقاهم، واكساب الحركة سمات التجنيد الالزامي بهذا الشكل او ذاك.

لكن وجود حركة الانصار وتوسع عملها وتأثيرها ، لعب دوره في خدمة عملية اعادة بناء التنظيم في عمق الوطن، حيث اصبحت مناطق الانصار خير موقع للقيادة ومتابعة الخطوط التنظيمية.

كما وفرت الحركة الانصارية الامكانية لانتقال مركز قيادة الحزب الى كردستان.

وشكل وجود الحركة الانصارية المسلحة وفعالياتها قوة معنوية للرفاق في مختلف ارجاء العراق ودافعاً لمواصلة النضال واعادة بناء التنظيم، الا ان اخطاء وقعت في هذا المجال ايضاً، حيث تحشد الكادر الحزبي المعني باعادة بناء التنظيم في عمق الوطن، وبشكل علني، في مواقع الانصار. وهو ما يتناقض وسرية العمل والصيانة، وقد ترك كذلك انعكاساً سلبياً على حركة الانصار. مما اضطرت قيادة الحزب الى توزيع الكادر على القواطع الانصارية بهدف اخفاء مهماتهم وصيانة تحركاتهم ومن اجل استثمار امكانياتهم الفكرية والسياسية.

الا ان التناقضات والصراعات برزت بين العاملين في المجالين المدني والعسكري، وخلقت بعض المتابع سواء للعمل الانصاري او لاعادة بناء التنظيم في العمق، وادت الى استشهاد بعض الكوادر المكلفة بإعادة البناء في خضم العمل الانصاري.

وبالرغم من قرار الحزب العمل على اعادة بناء التنظيم في عمق البلاد باعتباره المهمة رقم واحد، وهو ما اكدته اجتماعات ل. م ووثائق الحزب، الا ان التوجه نحو هذه المهمة رافقه التقصير فيما يتعلق بالمساعدة المالية واعداد الكادر وتسهيل مهمة الاتصالات وتعزيز الاحترام المتبادل والتعاون بين الرفاق العاملين في المجالين العسكري والمدني.

لقد انتكست الحركة الانصارية عام 1988 لاسباب ذاتية وموضوعية بعد ان تركت دروساص غنية للحزب ومسيرته، ولعموم الحركة الوطنية في بلادنا.

وقد بينت لجنة اقليم كردستان في اجتماعها بعد الانتكاسة، ان الحركة الانصارية في كردستان لم تستنفد طاقاتها رغم ما اصابها من ضعف وانتكاس.

واشارت الى احتمال بروز اهميتها من جديد، رغم ان المرحلة الجديدة تتسم بازدياد اهمية ودور اساليب الكفاح الاخرى بالمقارنة مع دور حركة الانصار.

وبينت احداث انتفاضة اذار المجدية عام 1991 من جانبها اهمية الدور الذي لعبته خبرة سنوات في الحركة الانصارية. وفي نشاط الرفاق الانصار في الانتفاضة حيث لعب رفاقنا الانصار بالتلاحم مع رفاق التنظيمات دوراً فعالاً في قيادة معارك الانتفاضة.

ويتوجب التوقف بكل اجلال واحترام امام ذكرى العديد من الانصار، رفاقاً واصدقاء، الذين سقطوا شهداء وغذت دماؤهم روح العطاء والمواصلة واعطت للحركة الانصارية معان في البطولة ستبقى خالدة ابد الدهر.

وختاماً لابد من الاشارة الى ان تقييم الحركة الانصارية هذا تقييم اولي لا يشمل الا جوانبها العامة ودروسها الهامة.

اما التقييم التأريخي الشامل والعسكري للحركة، فيحتاج الى دراسات تفصيلية مستقبلية مبرمجة تعتمد من الوقائع والشواهد والمصادر الموثوقة ما هو اكثر بكثير، لكي تأتي اكثر دقة وشمولية.