|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  8 / 7 / 2017                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



بعيداً عن السياسة

د. سالم رموضه
(موقع الناس)

ليس من السهل على غير المتخصص في علوم السياسة والتاريخ أن يحلل تجربة نظام الحكم في جنوب اليمن ما بعد الاستقلال عن بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م, فللتجربة إيجابياتها التي لن ينكرها منصف, ومنها توحيد أكثر من عشرين سلطنة ومشيخة في دولة واحدة ولها كذلك من السلبيات والمنعطفات السياسية والاجتماعية تجاوزت في بعضها حد المعقول, ورجال التاريخ هم وحدهم المعنيون بتفنيد كل ذلك بموضوعية وتجرد. كما إن من إيجابياتها تثبيت دولة القانون واحترام النظام وزرع هيبة الدولة لدى الجميع فلا يتجاوز محدداتها أيٌ كان.

فرئيس الدولة يتجول بسيارته المتواضعة مع سائقه فقط وربما يكون هو حارسه الشخصي. وإن كنت قد شاهدت بعض الأحداث الصغيرة وسجلت لبعض رموزها مواقف بسيطة فهي من باب سرد وقائع لا غير, ولا يقصد بها أو بذكر الأشخاص أي مغزى سياسي أو تلميح دعائي.

ومن ذلك الطريقة التي توظفت بها ضمن الكادر الوظيفي للدولة فيما يعرف سابقاً باليمن الديمقراطي الشعبي رغم أنني لست منضوياً تحت مظلة أي مستوى من مستوياته الحزبية, جعلتني أذكر الرجل الذي كان سبباً في استكمال إجراءات توظيفي في صيف 1975م في زمن قياسي للغاية مقارنة بما يحصل اليوم من إجراءات منهكة ومتابعات مضنية ومتطلبات كثيرة وانتظار طويل ومرير قد يستغرق سنوات, هذا الرجل هو الأخ الرئيس علي ناصر محمد وكان وقتها عندما توظفت رئيسا للوزراء في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

فقد تقابلت معه صدفة عام 1975م, وكنت قد تخرجت من كلية الهندسة, جامعة طرابلس بشهادة بكالوريوس في الهندسة المدنية. وصلت مدينة عدن قادماً من طرابلس ووجهني أحد الأصدقاء لوزارة العمل والخدمة المدنية للتوظيف. كانت الوزارة تشغل الطابق الأخير من مبنى مصرف اليمن, البنك المركزي اليمني, فرع عدن حالياً والطلوع إليه من باب خلفي وشارع جانبي. قابلت المختص وهو الأستاذ سعيد محمد سعيد الذي يقوم بمهام وكيل الوزارة في قضايا التوظيف, ولم أسلم له إلا صورة من بيان درجات التخرج لا غير, ويبدو أنه أمهلني يوماً أو بعض يوم لاستكمال إجراءات التوظيف ولكن والحق يقال ويحسب للرجل الطيب إنه لم يسألني عن القائمة المطولة من الطلبات التي تطلب هذه الأيام ولا حتى طلب مني أية صور شخصية.

ونزلت من مبنى الوزارة مهموماً, فبلدتي ما زالت بعيدة والوصول إليها يأخذ يومين على الأقل في ذلك الوقت, وأثناء نزولي في سلم الوزارة إذا بالأخ علي ناصر محمد رئيس الوزراء طالعاً إليها وخلفه فقط حارس واحد بسلاح آلي, وعندما تجاوزته وقد تبينت لي شخصيته عدت أدراجي بصوت محتج وبكلمات لا أدري كيف وافتني الشجاعة أن أتلفظ بها :
" أنظر يا أخ علي, نحن كوادر ومهندسين, نأتي من آخر الدنيا للعمل في الوطن ويقال لنا الآن تعال غداً أو بعد غد". أبتسم الرجل ومد لي يده واصطحبني مرة ثانية للوزارة, ودخلنا مكتب الوكيل الذي غادرته منذ دقائق فقط وخاطبه بهدوء :
"رتب عمل للمهندس يا أخ سعيد" وذهب لمكتب الوزير, وكان من عادته تفقّد الوزارات والنزول الميداني إليها. نظر إلي الأخ سعيد معاتباً "هكذا تحرجنا يا أخ سالم" وتمتمت برد خفيف, ولكن به نبرة المنتصر. وكتب الأخ سعيد محمد سعيد أطال الله عمره قرار التوظيف ساعتها في 3 أغسطس 1975م بخطاب موجه لوكيل وزارة الأشغال العامة, المرحوم فيصل العطاس المشهور بفيصل النعيري :
" يعين المذكور أعلاه بوظيفة مهندس مدني بدرجة ك 2-5 وبراتب سنوي قدره 534 ديناراً" أي قرابة 1200 ريال في الشهر, ولكنها في ذلك الوقت كانت تكفي موظفا مبتدئا, وهكذا ما بين عشية وضحاها توظفت, فطوبى للرجل الذي سهل إجراءات التوظيف وأي رجل؟

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter