| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الثلاثاء 6 / 8 / 2024 د. سالم رموضه كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
تاريخ بني إسرائيل ومزاعم الصهيونية في فلسطيند. سالم رموضه *
(موقع الناس)من خلال متابعة خطاب بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني الغاصب أمام جلسة الكونجرس الأمريكي في واشنطن يوم 24 يوليو 2024م, يتبيّن بكل وضوح ضآلة المنطق وانعدام الحجة, وخاصة في قوله أن فلسطين هي أرض أجدادهم وأنها كلها ملك لهم وهذا أمرٌ فيه كثير من المغالطات التاريخية. فلو تتبّعنا تاريخ بني إسرائيل ونشأتهم الأولى, فإن نبي الله إبراهيم عليه السلام هاجر من العراق إلى الشام وهاجر معه نبي الله لوط عليه السلام في نفس الفترة. بُشّرت سارة زوج إبراهيم بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب كما ورد في القرآن الكريم, ويعقوب عليه السلام هو الذي سمّاه الله في القرآن إسرائيل, فبنو إسرائيل هم بنو يعقوب وعلى هذا فكل من انتهى نسبه إلى نبي الله يعقوب فهو إسرائيلي من بني إسرائيل, وهذا نسب رفيع وشرف عريض دمّره اليهود ونسفوه بضلالاتهم.
نشأ يعقوب" إسرائيل" عليه السلام في فلسطين, ثم حدثت قصة يوسف عليه السلام ابن يعقوب مع أخوته التي استمرت حوالي أربعين سنة, بعدها ترجّاهم يوسف أن يأتوا جميعاً إلى مصر, وانتقلت عائلة إسرائيل بكاملها إلى مصر وأقامت بها ولم يبق في فلسطين أحدٌ منهم وكانوا في ذلك الوقت أشبه بأسرة كبيرة وليس شعباً, وأما سكّان فلسطين الأصليين فهم الكنعانيون. وفي مصر دعا يوسف المصريين إلى التوحيد, وزاد عدد بني إسرائيل في مصر بمرور الزمان حتى وصل في تقدير المؤرخين إلى نصف مليون. قام الفراعنة في مصر بإذلال الإسرائيليين واستعبادهم فترة طويلة من الزمن بعد وفاة يوسف إلى أن نجّاهم الله مع موسى عليه السلام, ولكن فرعون هدّد موسى وبني إسرائيل بالبطش والفتك, عندها أمرهم موسى بالصبر, وكان جوابهم يعبّر عن ذلّة نفوسهم وهزيمة أرواحهم بسبب طول الذل والاضطهاد إذ قالوا لموسى لا أمل فيما تدعوننا إليه, فقد آذانا الفراعنة من قبلك ومن بعدك. وشيّدَ بنو إسرائيل مع موسى بيوتاً لهم في مكان منعزل بمصر بعيداً عن الفراعنة وتجمّعوا فيه وأقاموا الصلاة وهم يبحثون عن أي مخرج ينجّيهم من فرعون وقومه. وبعدها هاجر موسى من مصر ومعه بنو إسرائيل صوب سيناء, وفي ذلك نجاة لهم من الهوان والعبودية ولم يستطيعوا دخول فلسطين التي كان يسكنها العمالقة في ذلك الوقت. وظلّ بنو إسرائيل لمدّة أربعين سنة تائهين في صحراء سيناء, مات خلالها موسى وهارون, وتولّى يوشع بن نون خلافة بني إسرائيل وقاد قومه لقتال العمالقة حتى هزمهم وأخرجهم من فلسطين, ولكن لم يستقروا فترة من الزمن إلا وتسلّط عليهم أهل بابل من العراق بقيادة بختنصر فسلبوهم ونهبوهم وقتلوا منهم الكثير وخرّبوا بيت المقدس وأحرقوا كتابهم المقدّس "التوراة" وأخذوا التابوت إلى بلادهم وهو صندوق فيه بقايا مما ترك آل موسى وآل هارون. واستمر احتلال البابليين لفلسطين مئات السنين عاش خلالها اليهود في ذل وشقاء واضطهاد واستعباد لا يقل كثيراً عما لاقاه آباؤهم على أيدي الفراعنة في مصر. ومع تعاقب الأجيال, نشأ جيل من بني إسرائيل يرغب في الحرية والانعتاق من هذا الاحتلال وقامت مملكة بني إسرائيل في عهد سليمان عليه السلام, إلا إن هذه المملكة لم تدم طويلاً إذ تسلّط عليهم في جولة جديدة الروم. وفي زمن سيطرة الرومان على منطقة فلسطين, بُعث المسيح عليه السلام ووقع بعدها بلاء شديد على اليهود في فلسطين منذ عام 70 ميلادية, فتم استئصالهم والفتك بهم وتهجيرهم ودُمّرَ بيت المقدس ومعبد اليهود ولم يُترك في المدينة يهودياً واحداً, ثم مُنع اليهود من دخول المدينة وسُمح لهم بالمجيء يوماً واحداً فقط في السنة والوقوف على جدار بقى قائماً من سور المعبد وهو الجزء الغربي الذي يُسمّى " حائط المبكى". وقد خلف المسلمون الرومان في القرن الأول الهجري الذي يوافق القرن السابع الميلادي على الشام وفلسطين وجميع ما كان في يد الرومان في هذه المناطق, وبهذا تشتّت اليهود في أنحاء الأرض, ولم يكن يسمح لهم وقتها بالسكنى في بيت المقدس بل كان من بنود المعاهدة بين نصارى بيت المقدس والخليفة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أن لا يسمح لليهود بالسكن في بيت المقدس. واستمر اليهود في تشتّتهم في أنحاء الأرض إلى بداية القرن العشرين.
لم يجد اليهود لهم ملاذاً آمناً في العالم يلجئون إليه فراراً من اضطهاد الروم إلا جزيرة العرب, فهاجروا إليها حيث لم يكن للروم سلطان عليها وسكنوا يثرب وخيبر وغيرها من الأماكن القريبة. وكانت التوراة قد بشّرت بظهور نبي جديد يخرج من مكّة وتكون يثرب عاصمة ملكه ودار هجرته, فسبق اليهود إليها طمعاً في أن يكون هذا النبي من بني إسرائيل فينقذهم من ذل الروم, ولما تبيّن لهم إن هذا النبي من العرب وليس من بني إسرائيل تحرّك الحقد في قلوبهم والحسد في نفوسهم, ونقضوا كل العهود والمواثيق التي أبرموها كتابة مع الرسول صلى الله عليه وسلّم, ولم يصلح لهم سوى حل واحد فقط وهو الجلاء عن المدينة ومن جزيرة العرب. والعجيب أن طرد اليهود وجلاءهم كان هو الحل الوحيد المناسب على مدار التاريخ مع اختلاف الزمان والمكان.
وخلال العصور الوسطى انقسم اليهود إلى مجموعات إقليمية تُعالج بشكل عام اليوم وفقاً لمجموعتين جغرافيتين: اليهود الأشكناز في شمال وشرق أوروبا واليهود السفارديم في شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال) وشمال إفريقيا والشرق الأوسط. تتشارك هذه المجموعات بتاريخ وثقافة دينية متماثلة وسلسلة من الاضطهاد والطرد مثل الطرد من إسبانيا عام 1492م والطرد من إنجلترا عام 1290م والطرد من الدول العربية في عام 1948- 1973م.
إن إحداث دولة يهودية في فلسطين كان بقرار من الأمم المتحدة وهو القرار 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947م ولم يحظ ذلك القرار بقبول الجميع فكانت النتيجة الحرب التي شنتها جيوش الدول العربية المجاورة, ولم يتوقّف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ نشأة دولة إسرائيل في 15 مايو 1948م, حتى معركة طوفان الأقصى التي يستعر أوارها هذه الأيام, وأظهر فيها الكيان الصهيوني الغاصب وجيشه المحتل أبشع أنواع الإبادة الجماعية والمجازر الوحشية في أوساط المدنيين العزّل وخاصة من الأطفال والنساء والشيوخ المسنّين, إذ وصلت حصيلة الشهداء بعد عشرة أشهر من الحرب غير المتكافئة قرابة 40 ألف وعدد المصابين والمفقودين قرابة 100 ألف.
المكلا في 6 أغسطس 2024م
* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق