|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  5  / 6  / 2024                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



تجاوز الخطوط الحمراء

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

لقد كان أمراً مؤلماً للغاية أن تنقلَ وسائل التواصل الاجتماعي هُتافات شرذمة من المتعصّبين الصهاينة في القدس وبعضها تجاوز الحد الأخلاقي والديني ناهيكم عن الاعتبارات الإنسانية. إنه من المؤسف بمكان أن تنهشَ فلول مغتصبة أرض أناس كانوا في يومٍ من الأيام هم أصحاب الأرض, فتُلقى عليهم سهام الغدر من كل زاويةٍ وللأسف حتى من الأقارب والجيران. دعونا نستعرض في ألم ومرارة بعض من هذه الهتافات وهي بلسانٍ عربيٍ فصيح:
" النبيُّ محمد مات"
" الموتُ للعرب, السعودية معنا, لبنان معنا, المغرب معنا"
" العربي الجيّد هو العربي في القبر"
" العربي ابن الزنا, اليهودي المحبوب"
" فلسطين ميّتة"
وعندما تصدّت لهم فلسطينية حرة صارخة:
" فلسطين موجودة غصباً عنكم"
انبرى لها أحد الوقحين زاعقاً:
" روحي من هنا, موتي, اسكتي, ليس هناك فلسطين"
" النكبة الثانية على الطريق, ستنتهون في مخيّمات اللاجئين"
وانطلقت أهازيج الحقد والكراهية المتأصّلة فيهم مثل قولهم:
" ليت قريتك تحترق, هذا بيتنا أذهبوا لتايلاند"
ولا أدري ما هو السر في اختيار هذه المرّة بلاد تايلاند بالذات؟
لسنا مع التطرّف الديني بكافة أشكاله ولا التعصّب العرقي أو الاثني أو الطائفي, ولكن حاخامات الكيان الصهيوني هم الذين يحرّضون على ذلك بكل جلاء وجسارة, أنظر ماذا يقول عوفاديا يوسف أحد حاخاماتهم بالنص:
" إن اليهودي عندما يقتل مسلماً فكأنما قتل ثعباناً أو حشرة ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلا من الثعبان أو الحشرة خطر على البشر, لهذا فإن التخلّص من المسلمين مثل التخلّص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث".
وأعاد هذا الحاخام حديثه مع تأصيله من وجهة النظر اليهودية, زاعماً أن الدين اليهودي يحثّ على التخلّص من كل من يسكن فلسطين, وإنه جاء في التلمود:
" إذا دخلتَ المدينة وملكتها فاحرص على أن تجعلَ نساءها سبايا لك ورجالها عبيداً لك أو قتلى مع أطفالهم".

أرأيتم الآن كيف يقترفون في حربهم على غزة أفظع المجازر الوحشية والإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة وقصف الأحياء السكنية والمرافق العامة من المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء ومحطات الصرف الصحي ووحدات تحلية المياه ناهيكم عن سفك دماء الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال بكل خسّة وجبن.

وفي زاوية أخرى من الضفة الغربية والتي تتعرض مدنها وبلداتها لانتهاكات ومداهمات متكرّرة من جيش الاحتلال الصهيوني بحجة القبض على متشدّدين, ولعلنا نتذكر من فترة ليست بالبعيدة تلك اللقطات المؤثرة التي نُقلت على الهواء مباشرة بالصوت والصورة عبر وكالات الصحافة العالمية والمحلية وهي لحظات استشهاد الوزير الفلسطيني زياد أبو عين على يد عصابات وقوات الاحتلال الصهيوني في قرية (تر مسعيا) شمال مدينة رام الله وهو يشارك أبناء القرية التصدي لسياسات الجدار العازل وبناء المستوطنات ومصادرة أراضي فلسطينية وهي سياسة درج عليها العدو المحتل منذ اغتصاب الأرض في عام 1948م وتلاه عام 1967م بل قبل ذاك العام الأول المشؤوم والذي أطلق عليه عام النكبة, والعام الآخر الذي أطلق عليه عام النكسة التي نجترح ذكراها 57 المؤلمة. والمُلفت للنظر أن الوزير الشهيد وهو حامل ملف الجدار الفاصل وسياسات الاستيطان في السلطة الوطنية الفلسطينية, كان يقود بنفسه مظاهرة احتجاجية تعامل معها جنود الاحتلال كعادتهم بالعنف والوحشية, فسقط الشهيد بهدوء على ظهره موليَّا وجهه صوب السماء, فتحيّةٌ لروح ذلك الوزير الراحل إلى رحاب ربه شهيدا شهيدا, وهي العبارة التي كان يردّدها رمز المقاومة الفلسطينية أبو عمّار. فالوزير كان يقود مجموعة من النشطاء لزرع أشتال الزيتون في أرض مهدّدة بالمصادرة الصهيونية للحيلولة دون مصادرتها, وهو الذي يشغل منصب رئيس هيئة مناهضة الجدار والاستيطان, ولكنه بخلاف غيره لم يعقه منصبه الرسمي عن استمرارية النضال على الأرض وربط برنامج هيئته بالممارسة والتطبيق والتنفيذ. لقد شاهد العالم أجمع كيف أن الوزير أبو عين كان يجادل بسلمية واضحة شرذمة من جيش الاحتلال الصهيوني التي قتلته بدمٍ بارد لأنه لم يتراجع عن هدفه بل سقط مدافعا دونه وسقطت معه أغصان الزيتون التي كان يحملها بيده لغرسها في تراب أرض فلسطين الطاهر, لكنه أبقى بإصرار على كوفية المقاومة الفلسطينية فوق كتفه حتى آخر لحظة في حياته. ويأتي استشهاد الوزير أبو عين غداة الذكرى 27 للانتفاضة الفلسطينية الأولى, التي لولاها ما كان أن تقوم سلطة فلسطينية أصلا.

واليوم إثر طوفان الأقصى والمعركة الشرسة غير المتكافئة بين فصائل المقاومة في غزة وجيش الاحتلال الفاشي وسياسة الإبادة الجماعية التي ينتهجها العدو الصهيوني الغاصب انحازت كل القوى الخيّرة في العالم لتناصر القضيّة الفلسطينية في ظاهرة غير مسبوقة. وانتفض شباب الجامعات الكبيرة والعريقة في الولايات المتحدة والعالم الغربي وكندا وأمريكا الجنوبية في مظاهرات عمّت الكثير من عواصم هذه البلدان مناصرين لفلسطين هاتفين " فلسطين حرّة " وذلك يدل على تحول جوهري في الفكر الغربي لدى فئات كبيرة وكثيرة من الطلبة في الغرب ويدل كذلك على تمرّد الأجيال الجديدة على الرأسمالية المتوحّشة الهمجية والصهيونية المتعصّبة الدموية التي طمست عقولهم لسنوات عديدة ونهبت أعمارهم والقيم الإنسانية لديهم طوال العقود الماضية. وفي المحصّلة الأخيرة فإن دولة الكيان الصهيوني لم تحقّق أي هدف من أهداف الحرب التي أعلنتها, فلا هي قضت على حماس ولا هي حّررت أي من أسراها لدى حماس, وتتعقبها منظمات حقوق الإنسان بالتنديد على جرائمها البشعة في حق الأبرياء العزّل من النساء والأطفال والشيوخ, وتتعرض اليوم أيضا للمساءلة القانونية من قبل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي, وما يحدث في العالم اليوم هو ورطة كبيرة جدا لهذه الدولة المارقة التي تعوّدت ألا تكترث لقرارات الشرعية الدولية مستندة على الدعم السياسي للإدارة الأمريكية وإمدادها بالأسلحة الفتاكة التي حصدت أرواح ما يزيد عن 36 ألف شهيد معظمهم من الأطفال.



المكلا في 5 يونيو 2024م


* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter