|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  5  / 6  / 2022                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



وحدة اليمن كوحدة العرب

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

تكاد تشترك جميع المجتمعات العربية وأنظمتها في معادلة صعبة الحل ما بين الدولة المدنية ودولة القبيلة, فلم تنجح كثير من محاولات التوحّد والتقريب بينها عدا حالات استثنائية وإن اعتراها أيضا عوارض التعثر والانكماش. لقد طُعنت في مقتل أول محاولة للوحدة العربية في العصر الحديث في 28 سبتمبر 1961م, رغم أنه قد تم الاستفتاء على هذه الوحدة بين مصر وسوريا يوم 21 فبراير 1958م باستفتاء شعبي وبرضاء كامل من شعبي القطرين, في حين أن الانفصال تم باستخدام القوة وبالرشوة والمال ولم يتم أي استفتاء على الوضع الجديد. وقطعاً كانت هناك جملة من الممارسات السياسية الخاطئة في إدارة شؤون دولة الوحدة ما بين مصر وسوريا الأمر الذي هيأ مناخاً محفزاً لنجاح حركة ذلك الانفصال الغادر. لقد اختار العالم المعاصر اتجاه التوحد في تكتلات اقتصادية وسياسية وعسكرية كبرى, بينما اختار عالمنا الواسع الممتد والمتقاطع في دوائره الثلاثة الوطنية والقومية والإسلامية خطوات نحو التشرذم بين أجزائه وفصم عرى الوشائج التاريخية بينها بفعل عوامل التخلف والأنانية والذاتية وغياب الرؤى الاستراتيجية والمصيرية. وليس هناك من دليلٍ أبلغ من هذا التكتّل الذي حصل اليوم في الحرب الدائرة رحاها ما بين الدولتين روسيا وأوكرانيا, فقد اصطفّت معظم دول الغرب ودول حلف شمال الأطلسي بقيادة أمريكا وراء أوكرانيا وتوريطهم لها في مناطحة الدب الروسي الذي لم يعر تكتلهم إي قيمة واعتبار مدافعاً عن أمنه القومي ومصالحه الاقتصادية مستنداً على قاعدة عسكرية ضخمة أخطرها ردعاً الترسانة النووية. وكان الجميع يتمنّى أن يكون تكتل مجلس التعاون الخليجي كتف الأمة العربية وسدّها المنيع في الناحية الشرقية, إلا إن مبادرات بعض دوله بعمليات التطبيع المتعجّلة مع دولة الكيان المحتل في أرض فلسطين أسّس لشرخ مؤلم في مسيرة المشروع العربي المتعثّر. وأنه من الأمور المحزنة والمخجلة معا ألا تتمكن رئيسة مجلس النواب البحريني من نطق كلمة انتمائنا العربي في خطابها أمام أعضاء مجلس النواب الموقرين رغم تكرارها المحاولة عدة مرّات, وهل كان ذلك عفويا أو عن قصد ودولتها من ضمن المطبّعين الأوائل. واليوم على مستوى الساحة اليمنية, فقد تغربلت على عجل وحدة سياسية هلّل لها الناس واستبشروا فرحاً بتحقيقها وتفاءلوا خيراً بأن تحقق لهم الحاضر الجميل والغد الأجمل في يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م. إذ لم يكن قطعاً الرئيس الجنوبي علي سالم البيض القادم من عدن قليل الخبرة السياسية بل كان يستند كذلك على سجل نضالي أثناء حرب التحرير من بريطانيا العظمى التي كان يقال أنها لا تغرب عنها الشمس. وعليه فلم يكن بالأمر المستغرب أن يرتجل خطاباً تاريخيا وربما عاطفياً في ميدان السبعين في عاصمة دولة الوحدة مدينة صنعاء التاريخية ثاني أيام الوحدة الاندماجية أمام الجموع الشعبية المحتشدة مستشهدا بأبيات البحتري:

إذا احتربت يوماً فسالت دماؤها......تذكّرت القربى ففاضت دموعها

لقد صاحب قيام هذه الوحدة كثيرٌ من التجاوزات الخاطئة ومنها عدم أخذ رأي الناس عليها والاستفتاء على قيامها وأخطاء أخرى فارقة تقع على عاتق القائمين علي تسيير شؤون دولة الوحدة, ظهرت بعد فترة وجيزة من قيامها منها تفشي ظواهر الفساد ونهب مؤسسات القطاع العام في الجنوب والبسط على أراضي الدولة في الجنوب كذلك وانفلات الأمن وغلاء الحياة المعيشية على شرائح واسعة في المجتمع وغياب العدالة الاقتصادية في توزيع ثروات البلاد والعدالة الاجتماعية في توزيع الوظائف المدنية والسياسية والأدهى من كل ذلك غياب هيبة الدولة المدنية التي كانت سمة اساسية وواضحة في دولة الجنوب ضمن منظومة سمات أخرى سبق ذكرها ومنها كذلك استقرار صرف العملة الوطنية وثبات الأسعار وتأمين قوت المواطن والأمن الغذائي ودعم الخدمات التعليمية والصحية وترسيخ الأمن والأمان بشكل ملحوظ. لقد كانت سانحة تاريخية أن قُدّر لقيام دولة الوحدة في هذه الأرض المباركة, وكانت فلتة تاريخية لو تم التعاطي معها بفهم ومسؤولية تاريخية من وقّع على اتفاقيات الوحدة لكان بالإمكان إخراج الوطن من شماله لجنوبه من النفق المظلم الذي وقع فيه دون الحاجة إلى الدخول في متاهات التعريفات المتعدّدة حول ما هو اليمن أو ما هو الجنوب العربي؟ ناهيكم عن الدخول في أتون دورات الصراعات الدموية المتكرّرة التي قضت على خيرة رجال الثورة اليمنية ومناضليها إضافة إلى أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين والجرحى والمشرّدين في ساحات الحروب الجائرة, الأمر الذي جعل البلاد اليوم مسرحا لاجتهادات إقليمية ودولية وحسابات مصلحية لأطراف دخلت في أتون هذه اللعبة غير مستوعبة أن هذه الأرض هي مقبرة للغزاة والطامعين. فقد دخلت مصر عبد الناصر إثر قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م لنصرة ونجدة تلك الثورة الوليدة ولكن كلّفها ذلك التدخل الكثير من الشهداء الذين سقطوا في أرضٍ لم يتبيّنوا تماما ظروفها وتضاريسها وطبيعة أهلها, الأمر الذي جعل الرئيس الخالد أن يفضّل الانسحاب بتسوية معروفة مع العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز ضمن ما عُرف باتفاقية جدّة.

إن حل المسألة اليمنية ونظام الحكم فيها وإن بدا شائكاً وربما كان الحل الأخير التوافقي في الرياض تحت مظلّة مجلس التعاون الخليجي وذلك بإنشاء مجلس القيادة الرئاسي كان مخرجا أولياً لإيقاف الحرب التي دامت قرابة ثمان سنوات وإعطاء هدنة للأطراف المتحاربة لإسكات أصوات الطائرات الحربية ودوي المدافع في كافة الجبهات وخطوط التماس ومن ثم الجلوس حول مائدة المفاوضات السياسية وإشراك كافة الأطراف السياسية والفصائل الوطنية في الحوار مع ضرورة الاسترشاد والاستفادة من تجارب الأمم والشعوب الأخرى فيما يتعلق بأنظمة الحكم, كالأخذ بالنظام الاتحادي أو الفدرالي. وربما يدرك الجميع أيضاً أن عدد الدول الاتحادية أو الفدرالية كبير في عالمنا المعاصر, فالاتحاد يمكّن الجماعات من العيش في ظل دولة واحدة, فالاتحاد هو الذي قامت على أساسه الولايات المتحدة والأمة الأمريكية, وبالاتحاد أمكن في سويسرا لقوميات تتباين في اللغة والعرق والدين أن تتعايش في دولة واحدة. وهناك أمثلة كثيرة في عالمنا اليوم لدول اتحادية مثل ألمانيا الاتحادية وكندا واستراليا والهند وماليزيا وروسيا الاتحادية والبرازيل والأرجنتين والمكسيك ودولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها.

إن المواطن اليوم يعاني الأمرين جرّاء نتائج تلك الحرب العبثية من تردّي كبير في خدمات البنية التحتية وضعف شديد في الخطوط الكهربائية والمياه والصرف الصحي. أليس من المخجل أن يكون في عام 1926 افتتاح أول محطة كهربائية في الجزيرة العربية لمدينة عدن وفي عام 2022كل الجزيرة العربية فيها كهرباء إلا عدن؟



*
نائب رئيس جامعة حكومية سابق
ورئيس جامعة أهلية سابق


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter