|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة   5  / 5  / 2023                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



ألعاب طفولة اليوم

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

كم هو مُحزن ومؤلم أن يلعب ساستنا بالنار والثروة الوطنية في مشاهد دامية, آخرها ما يُحدث في السودان الذي كان من المفترض أن يكون سلّة العالم العربي, والأمر ليس ببعيد عن ما يحصل في اليمن السعيد الذي حوّله تجّار الحروب إلى يمن بائس وهو عبارة عن ساحة حرب أنهت سنتها الثامنة في معارك عبثية يلعب فيها أطراف إقليمية وربما دولية من أجل مصالح وأطماع لم تعد خافية على أحد. وعلى مستوى العالم برمّته ما يحصل اليوم بين روسيا الدولة العظمى ودولة أوكرانيا من حرب سجال دامت أكثر من سنة في سلسلة من المعارك على طول الجبهات أشبه بألعاب مرعبة. لقد قادتني ضغوطات الإحباط والتألم أن أجدّف بعيدا في الذاكرة, علّ ذلك لا يكون هروباً من واقعٍ مرٍّ مثخنٍ بالجراح, فعندما نستعرض اليوم ما في ذاكرتنا من ألعاب الطفولة البريئة والأهازيج المصاحبة لها, نجد أن كثيراً منها ما زال حيّاً في عقولنا, ومنها تلك الألعاب التي لا يعرف عنها جيل اليوم شيئاً. ربما نظراً لوجود القنوات الفضائية المنتشرة في هذا الزمان وما يُعرض فيها من برامج متنوعة ومسلّية للأطفال قضت على ما كان عليه من ألعاب تراثية, وربما اندثرت أو انقرضت في أسوأ الاحتمالات في وجود المحلات الخاصة بألعاب الفيديو والانترنت وما شابهها والذي جذب اهتمام أطفال اليوم والتعلّق بها.

لقد خلّف لنا الآباء والأجداد سجلاً حافلاً من الموروثات الثقافية والتراثية ومنها ما يتعلّق بألعاب الطفولة, وحريُّ بنا القول أن ثقافة الشعوب والأقوام إنما تنبع من ماضيها ومما خلفه لها الأقدمون. ولعلّه من الصعب استعراض كل نوع من هذا التراث الذي أوشكنا أن ننساه وأصبح اليوم مهدّداً بالاندثار من حياتنا وحياة أطفالنا, وخاصة تلك الألعاب الجميلة التي كان الأطفال يمارسونها في ذلك الزمن الماضي الجميل. ومن بديهيات القول إن تلك الألعاب هي عبارة عن سلسلة متنوّعة وطويلة من الألعاب مع ما يصاحبها من أهازيج جميلة ومعبّرة.

إن التطور التقني والمعلوماتي الذي يشهده العالم اليوم والذي تأثرنا به نحن كغيرنا وهو التطور المذهل المبني على التقنيات الرقمية ووسائل الاتصالات والأنظمة الحاسوبية الدقيقة والسريعة جداً وشبكات الانترنت العنكبوتية والقنوات الفضائية المتعددة, كل ذلك طغى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على موروثنا الشعبي وأوشك أن ينسينا ذلك التراث الجميل, والنتيجة إننا لم نعد نرى شيئاً من ألعاب وأهازيج الطفولة تلك تُمارس من قبل أطفال اليوم في بلادنا مثلما كانت تُمارس في الأجيال السابقة. وكما ذكرنا إن اللعب عند أطفال الأمس دائما ما يتزامن مع ترديدهم لبعض الأهازيج المستوحاة من البيئة التي يعيشون فيها, ولذلك تنتشر هذه الأهازيج ويحفظها ويرددها الجميع على اختلاف أعمارهم ناهيكم أن لكل لعبة كلماتها وأهازيجها الخاصة بها.

إن اللعب عند الأطفال متوارث بالفطرة وربما قد يكون ضرورياً لهم في هذه السن, لأنها تعمل على تشكيل وتكوين شخصية الطفل وتعريضها للتكيّف مع حياة المجتمع وتقبلّها. والميل للعب عند الأطفال فطري وتلقائي موروث لدى كل طفل طبيعي يدفعه للتجربة والتقليد واكتشاف طرق جديدة لعمل الأشياء بنشاطات عديدة, ذلك أن الطفل متعدّد الميول متّسع الرغبات والخيال, والطفل في مرحلة نموّه يأخذ أشكالاً مختلفة ومتنوعة من الألعاب. وربما قد نلاحظ أن جميع الألعاب الرياضية بالذات لدى الأطفال في كل العالم قد تتشابه في السن الواحدة دون اتصال بين هؤلاء الأطفال في الأداء ولكنها قد تختلف بطبيعة الحال في التسميات وما يرافقها من أهازيج أو كلام منثور, أما الجوهر فهو متشابه. وقد لاحظ الباحثون في العلوم الاجتماعية وفي منشأ اللعب وطبيعته والسبب في تشابهه وتعدّد أنواعه وانكباب الأطفال على اللعب يعود إلى كثير من النظريات والتفسيرات لعل منها:
- نظرية الطاقة الزائدة
- نظرية الاستجمام والترفيه
- نظرية التمرين والتدريب
- وكثيرٌ غيرها

وواضح من دلالات هذه المصطلحات والتعابير المضمون والمقصود منها, وعلى كلٍّ فإن ما قدمناه إنما ينطلق من تصوّرنا بأن هذا ما هو إلا جزء ضئيل للغاية من سجلات التراث المقصود منه هو أن نأخذ من الماضي ما يصلح للحاضر والمستقبل, مع الاستفادة من تحديات هذا الزمن لاستنهاض ما في تراثنا وتطويعه بما يتلاءم وظروف العصر عملاً بمنهاج الإصالة والحداثة والمعاصرة ومحاولة الابتعاد عن أجواء ألعاب الحروب المهلكة.



المكلا في 3 مايو 2023م
 


* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق
ورئيس جامعة الأوائل الحديثة حالياً
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter