|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  4 / 3 / 2020                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



حسن البياتي قنديلٌ في ملكوت الظلام

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

يؤكد الأستاذ الدكتور حسن البياتي القاطن حاليا في عاصمة الضباب مدينة لندن على حضوره الفعّال في المشهد الأدبي والثقافي من خلال مشاركته في موقع الناس بقصائد جميلة تتناول الحاضر العراقي وتتبنى هموم وطموحات الجيل الحالي وتطلعاته. كما تسنّى له إصدار ديوان شعر جميل بعنوان" في ملكوت الظلام", صدر عن دار الفارابي في طبعته الأولى عام 2008م. ورغم أنه أهدى إلي نسخة من الديوان حال ظهوره غير أنني لم أتصفح ذلك الديوان المميز إلا عبر نسخته الإلكترونية حال إشعاري بذلك من قبل المؤلف الأخ العزيز الشاعر المرهف الذي ربطتني به منذ عام 1998م صداقة حميمة مذ كان أستاذا للأدب العربي بكلية التربية بسيئون التابعة وقتها لجامعة حضرموت, وكنت حينها كذلك نائباً لرئيس الجامعة. هذه الصداقة ما انفكت عراها رغم تباعد الأمكنة ومسافاتها وتباين الظروف ومستجداتها وتضارب الأهواء السياسية وتقلباتها, وقد شرحت في مقالٍ سابق كيفية نشوء هذه الصداقة التي كان لِحُبّ الشعر دور أساس في ترسيخها.

الديوان في ملكوت الظلام انطلق كما يقول الشاعر نفسه من قبو الظلمة إلى باحة النور في لندن مطلع عام 2008م واستهلّه بقصيدة جميلة مؤثرة ومعبّرة عن محنته ورضائه بقدر الله وقضائه تحت عنوان (سبعة أعوام في ملكوت الظلام) لم أمل من قراءتها عدّة مرات فهي جميلة للغاية فيها من التوق لباحة النور في الغد الآتي وحنين لبلاده العراق بتربته الطاهرة ونسماته العليلة. صوّر الشاعر ذلك الغد كشاعر تجتاح أنغامه وأشعاره أقصى الصعوبات والمعوقات, وكأني بالشاعر المرهف الحس يتصوّر مقدم ذلك الغد الحنون في هديل الحمائم وخرير السواقي وحفيف سعف النخيل وكلها صور جميلة من البيئة العراقية الجميلة كما خاطب فيها دجلة والفرات أيقونتا شعب العراق العظيم ومصدرا خصوبة أرضه المباركة في مشهد عاطفي نبيل.

وفي قصيدة جميلة أخرى من الديوان يصور الشاعر نفسه كالعندليب المنزوي خارج السرب, ولست معه في هذا الوهم فهو العندليب الذي يصدح بأنغامه للسرب كلّه الملتف حوله تقديرا وامتنانا وإعجاباّ. أما قصيدة (الكابوس) رغم عنوانها المخيف فهي رائعة وبديعة صوّر فيها المشهد السياسي في العراق بحكمة وموضوعية. انتقد النفاق السياسي الحاصل في أرض الرافدين وطائفة التكتلات الانتهازية تحت مسميات الائتلاف والتوافق وغيرهما. كما حذّر بكل شجاعة من خطر الخارج المتمثل في طقوس المطبّلين وكهنوت الملالي ومؤامرات اليهود وكيدهم للأمة العربية, كما حذّر كذلك من زرع بذور الفتنة بين طوائف العراق وأثنياته التي عاشت متلاحمة متوائمة قروناّ من التسامح والتعايش السلمي.

تضمن الديوان مجموعة لا بأس بها من القصائد التي كُتبت في سيئون وصنعاء وغلبت عليها الناحية العاطفية وارتباط الشاعر كأب وكجد بأبنائه وأحفاده وأسباطه وظّف فيها القافية ووجهها صوب الدلالات الطفولية ومنها (رسالة أخرى من سيئون) لفلذات أكباده جميلة وعلي وسوسن وتارة في قصيدة أخرى تحت مسمّى (كنوزي الثلاثة) وخصّ سوسن فيها بأنها آخر العنقود وقصيدة (إلى ولدي علي) بثها بحب وشوق من أحد عنابر الجراحة في المستشفى الاسلامي بمدينة عمّان. وقصيدة أخرى في نفس السياق (إلى مريم) حفيدته المريضة في البصرة, التي عمل أستاذا مؤسساً في جامعتها. بيد أن قصيدة ( ثلاثة مزامير من سفر الطفولة) التي اتسمت بصياغة ذات طابع طفولي فرائحي كان لها أثر إضافي يتعلق بي شخصيا ففيها قصيدة جميلة ذات ذكرى أجمل لأبنتي فاطمة التي شاهدها في المكلا في بيتي المتواضع عندما دعوته لتناول الشاهي وكان عمرها وقتذاك لا يتعدّى العامين, إضافة لبقية المزامير الفرائحية حيدوري وحسّوني وزنوبة وزومة ومريومة. كما لم ينس الشاعر الصديق أن يزرع في جنائنه الشعرية المتعدّدة زهرة من جنينة المكلا باسم (جميلة الحضرمية) ضمن (سبع زهرات من جنائن شتّى).

وشمل الديوان كذلك قصيدة رائعة بعنوان (هواجس) أهداها للشاعر اليمني (ع.م.) وأخاله يقينا يقصد الأديب والشاعر اليمني الكبير عبد العزيز المقالح, انتقد فيها عادة مضغ نبتة القات عند اليمنيين ولكن بطريقة مهذبة جداً, فهو يقول أنه لا يخزّن القات حسب المصطلح اليمني أي يمضغه ولكن إن أحرجه صديق ومضغه فهو لا يقول لصاحبه ما أعذبه فما أروع هذا التعبير الآسر.

وإن كنت أجد صعوبة وغصّة في التعليق على بعض القصائد التي يشكو فيها الشاعر حزنه وتوجعه فأنا أشاطره ذاك الحزن الأليم والتوجع القاهر, فهن قصائد نابعة من القلب والعاطفة صدّر هذه المجموعة بقصيدة (التماس) إلى الشاعر العظيم رهين المحبسين أبي العلاء المعرّي وتبعتها قصائد أروع بعناوين ملفتة ومقصودة مثل
(العتمة) و(سارق الأشياء الجميلة) و(المغيّب) و(الحارس) و(استغاثة) و(تعويذة) وغيرها وبطبيعة الحال القصيدة الأم التي وسم بها عنوان الديوان وهي القصيدة التي تصدّرته بعنوان (سبعة أعوام في ملكوت الظلام). وفي الديوان قصائد جميلة أخرى تناولت شتى المواضيع الاجتماعية والسياسية في ربوع العراق تلزمها وقفة أخرى ليس مني ولكن من أصحاب التخصص في الأدب والنقد.

وفي قصائد جميلة اختتم بها الديوان منها (رحلة سمعية) هنّأ فيها كاتباً عراقياً جاداّ كان بالأمس القريب تلميذه, وقصيدة بعنوان (الصبية العمياء) يرجع فيها للزمن الجميل في مطلع خمسينات القرن المنصرم ونُشرت في ديوان له (من شفاه الحياة) صدر في بغداد عام 1956م وكان مسك الختام قصيدة (أبتي حبيبي يا عراق), ما أجمل ما صاغ فيها من تعبيرات الحب والشوق والغيرة على أخلاقيات العراق وأهله الطيبين والذود عن شرفه واستقراره.

أدعو الله تعالى أن يفك أسر الشاعر الصديق الأستاذ الدكتور حسن البياتي وأن يطيل في عمره حتى يتحفنا بديوان قادم "في باحة النور" إنه سميع مجيب.


المكلا في 1مارس 2020

* نائب رئيس جامعة حكومية سابق
ورئيس جامعة أهلية سابق


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter