|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  3 / 5 / 2017                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



شيء من الشجاعة

د. سالم رموضه
(موقع الناس)

بتاريخ 26 أبريل 2014م انتقلت مع أفراد عائلتي إلى البيت الذي أكملت تجهيزه على مدى عقدين من الزمان بربوة المهندسين بمنطقة فوة إحدى ضواحي مدينة المكلا. وبعد هذا الانتقال بأيام تعد على أصابع اليد الواحدة وقع الانفجار العظيم فجر 3 مايو 2014م في مبنى الأمن القومي القريب من البيت والذي أصاب الناس القاطنين في ربوة المهندسين بالخوف والهلع الشديدين فقد تأثرت من جرائه البيوت المجاورة وتهشمت النوافذ الزجاجية من شدة الانفجار. وقبل أكثر من عقدين من الزمان كنت مغادراً من مطار الريان بالمكلا إلى مدينة عدن الجميلة في نفس شهر أبريل وبالتحديد في يوم 28 من عام 1994م. وبعدها بأيام تعد كذلك على أصابع اليد الواحدة انفجرت أحداث 1994 الرهيبة بين الأخوة الأعداء, ومرت علينا وعلى الناس الآمنين في مدينة عدن أيام قاسية وصعبة انتهت على المستوى الشخصي باقتحام الشقة التي اسكنها في حي كريتر العريق من قبل مجموعة مسلّحة مكوّنة من رائد وجنديين وكلهم مدجّجون بالأسلحة الرشاشة. وكان ذلك الاقتحام المشين سببا في تحول حياتي برمتها من حياة معيشية ومهنية في ربوع عدن التي أحببت كل أحيائها إلى انتقال لحياة أخرى في حضرموت مسقط رأسي ومنطقة آبائي وأجدادي. وكما يقال رب ضارة نافعة أو بالأحرى كما تقرر الآية الكريمة " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم".

الشاهد في الأمر أنه في الحالتين رغم الانفجارات والرصاص والاقتحامات برزت مواقف ربما يصنفها البعض أن بها شيء من الشجاعة عوضا عن شيء من الخوف بحسب رواية الكاتب الشهير ثروت أباضه. ففي الحالة الأولى وبعد ذاك الحادث الرهيب في ذلك الفجر المفجع خرجت مع ابني لأداء صلاة الفجر في المسجد القريب وهو مسجد الشيخ أحمد ياسين, وقبل أن أصل إليه تبعتني من الخلف دورية أمن مدججة بالسلاح الخفيف والثقيل وتنبه لحركتها المتوجسة ابني وهمست له أن يتصرف طبيعيا دون ارتباك أو خوف وبعد عدة أسئلة وأجوبة تركتني الدورية وكان بالإمكان احتجازي مع إبني ولن يلومهم أحد في مثل ذلك الموقف الصعب والمتأزم. والغريب في الأمر أن المسجد لم يفتح أبوابه ولا إضاءاته ولم يصلّ فيه أحد الفجر في ذلك اليوم العاصف.

وفي مدينة عدن, ووسط الأجواء المتوترة بين أطراف النزاع في ذلك العام الدامي 1994م, ذهبت للمطار برفقة شقيقي المغادر إلى المكلا قبيل الفجر في سيارة أجرة, فقد كان أمرا طبيعيا أن يكون أستاذ في الجامعة وبخبرة عمل ليست هيّنة مع تقلّد مناصب أكاديمية رفيعة أن لا يمتلك سيارة خاصة. ولا أدري لماذا خطر لي ولمّا يتبين بعد الخيط الأبيض من الخيط الأسود أن أعود راجلا من مطار عدن الدولي إلى منزلي في كريتر؟ ربما لأنه لم توجد وسيلة نقل في ذلك الوقت. وفي منطقة جبل حديد في خور مكسر والشارع خال من كل شيء غير الترقب المتحفز والصمت الرهيب, اعترضتني دورية وبجانب سائقها شخص كان يشغل منصب نائب وزير لأني قابلته مصادفة في مقر وزارته في أحد نهار شهر رمضان المبارك وكان للأسف الشديد مفطراً ومجاهراً بإفطاره دون حياء. وكان من حقه أن يسأل عن سبب وجودي في تلك المنطقة العسكرية التي بها مخازن الأسلحة والصواريخ محفورة داخل أنفاق كما كان معروفا للجميع. ووضحت له السبب, وتركتني الدورية بسلام رغم أنه لم تكن بحوزتي أي أوراق ثبوتية. ووصلت مسجد أبان بكريتر مع قيام صلاة الفجر, ألم يكن في كلا الحالتين شيء من الشجاعة؟

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter