|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  30 / 6 / 2021                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



الدين والسياسة في أمريكا
صعود المسيحيين الإنجيليين وأثرهم

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

هذا عنوان كتاب يناقش موضوع صعود اليمين الديني المحافظ في الولايات المتحدة الأمريكية مستعرضاً الخلفية التاريخية للتدين البروتستانتي وبروز الأصولية المسيحية بعد الحرب العالمية الثانية ويسلّط الضوء على كيفية تنظيم الأصوليين المسيحيين أنفسهم ليشكلوا قوة مؤثرة في صناعة السياسة الأمريكية. وكيف طوروا هذا التأثير في عهد ريجان إلى أن وصلوا إلى قمة نفوذهم في عهد جورج بوش الابن. ويتميز الكتاب بأنه دراسة أكاديمية موثّقة حتى أواخر سنة 2006م.

مؤلف الكتاب الدكتور عارف زكاء الله خبير اقتصادي باكستاني يعمل حاليا أستاذاً مشاركاً في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا, وممّن لهم اهتمام بارز في الشؤون السياسية الأمريكية وعملية صناعة القرار فيها.

بدأ المؤلف كتابه في الفصل الأول ببديهية تقول أنه من المتعارف عليه تقليديا في الليبراليات الديمقراطية الغربية أن الحظوظ السياسية المستقبلية للحزب الذي يمسك بزمام السلطة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالوضع الاقتصادي, فإذا شهد الاقتصاد ثباتاً في معدلات النمو العالية واستقراراً في سعر النقد وتوفر فرص العمل للجميع وعاش المواطن في حالة من السلام العام والازدهار خلال فترة حكم الحزب فإنه من المرجح أن يصوّت الناس لصالح بقائه في السلطة في نهاية ولايته. ومن الناحية التاريخية فإن هذه العلاقة السببية بين الاقتصاد والسياسة تنطبق على الولايات المتحدة, ولكن نتائج الانتخابات الرئاسية لعامي 2000 و2004 حملت عكس ما هو متعارف عليه. إذ شهد اقتصاد الولايات المتحدة خلال ثمان سنوات من إدارة كلينتون – جور (1992- 2000) وبشكل ثابت معدلات نمو مرتفعة وغياباً للبطالة واستقراراً في سعر النقد, في وقت أصبحت فيه الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم ومع ذلك وخلافاً لما هو متعارف عليه تقليدياً, لم يستطع أل جور أن يشق طريقه إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية عام 2000, إذ كان الفوز حليف جورج بوش الابن.

طوال الحملة الانتخابية حاول أل جور بشكل ثابت أن يجعل الاقتصاد قضية أساسية على عكس بوش الذي استطاع بذكاء أن يحوّل الأنظار باتجاه الخلاف القائم حول أخلاقيّات الحكم. كما إن الناخبين الذين اختاروا أن يتجاهلوا سجل الأداء الممتاز للاقتصاد الأمريكي يتركّزون بشكل أساسي في المناطق الجنوبية من الولايات المتحدة التي تُعرف ب" حزام الكتاب المقدّس" بسبب كونها مركز الأصولية المسيحية وتوصّل المؤلّف إلى نتيجة مفادها أن القِيَم والاتجاهات الأخلاقية ذات الأُسس الدينية وليس الأداء الاقتصادي هي ما دفع حزام الكتاب المقدس إلى التصويت لصالح بوش, وتكرر السيناريو في الانتخابات الرئاسية عام 2004, حيث لم يكترث الناخب الأمريكي لأمر الاقتصاد بل صوَت على أساس أجندة الأصولية المسيحية التي يناصرها بوش. فلو أن الاقتصاد كان المعيار لمُنيَ بوش بالهزيمة بكل تأكيد, وهذه الحقيقة يؤكدها التدهور الذي شهده الاقتصاد الأمريكي خلال ولاية بوش الأولى (2000- 2004) إذ ارتفع معدل البطالة بعد توليه مقاليد الرئاسة عام 2000 إلى 4% ليصل 5,5% عام 2004. كما اتّسعت رقعة الفقر بشكل واسع أيضا خلال ولايته الأولى ولكن مع ذلك فاز جورج دبليو بوش بولاية ثانية بأغلبية مقنعة مقارنة بالنتيجة المتزعزعة التي حققها في انتخابات عام 2000 , وتشكّل إعادة انتخاب الشعب الأمريكي لبوش لولاية ثانية بناءً على معتقداتهم الأصولية المسيحية رغم الأوضاع الاقتصادية المتردّية ظاهرة مهمة, إذ يشعر الكاتب من منطلق قلقه من التداعيات الحضارية المتبادلة والمتداخلة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وفي إطار البناء المتبادل للجسور الحضارية بأن فهم كيف تدار الأمور في الولايات المتحدة هو حاجة ذات أولوية كبيرة.

ويؤكد المؤلف بأن الولايات المتحدة هي ليبرالية ديموقراطية ذات توازنات دستورية ثابتة , ولكن ليس لأحد أن ينكر بأنه في الليبراليات الديموقراطية تخضع إرادة القادة في نهاية الأمر لإملاءات الناخبين واتجاهات الرأي العام. وبالتالي فإذا كانت الأصولية المسيحية هي القوّة المسيطرة على المجتمع والسياسة في أمريكا عشيّة القرن الحادي والعشرين فمن الجدير بمواطني العالم المهتمّين أن يفهموا ويحلّلوا دورها في الإدارة الأمريكية وفي البنية السلطوية للبلد.

وتناول في الفصل الثاني باختصار المسيحية في أمريكا وخلفيتها التاريخية وأوضح أنه بسبب التدفق الهائل للبروتستانت على أمريكا تميز أول مجتمع أمريكي أبيض حديث بأنه أغلبية بروتستانتية ساحقة وسيطرة البروتستانتية المحافظة. ومع انتشار المشاكل الاجتماعية وظهور النزعة العقلية وسيطرة منهجية التفكير العلمي التي أدَت إلى ظهور أفكار جديدة مثل الداروينية, واجهت البروتستانتية التي قدَمت شروحها للأمور في إطار تقليدي تحدّيات خطيرة. ونظرا لمكانة رجال الدين البروتستانت في المجتمع فقد كانوا المجموعة الأولى التي واجهت هذه التحدّيات الفكرية, وبما أن العديد من المشاكل كان جديدا , فإن التقاليد لم توفر مواقف محدّدة منها , ولذلك طوّر رجال الدين استجابتهم لها بشكل تدريجي في إطار ما أصبح يُعرف فيما بعد ب(المسيحية الجديدة) أو (علم اللاهوت الجديد) وقد اعتمد علم اللاهوت الجديد بشكل كبير على حركتين مرتبطتين ببعضهما هما:
- الانجيلية الاجتماعية
- والمسيحية التعاونية

حمل أتباع الإنجيلية الاجتماعية لواء الإصلاح الاجتماعي الذي وضعت مسوغاته بناء على ما ورد في الإنجيل. وكان ينظر إلى التدفق المتزايد للمهاجرين غير البروتستانت على أنه تهديد للبروتستانت وبناء على ذلك تأسست حركة (المسيحية التعاونية) لمواجهة هذا التهديد, وكانت هذه الحركة تهدف إلى توحيد الكنائس البروتستانتية على نطاق واسع. ولأن البروتستانتية المحافظة قابلت الأفكار العلمية والفلسفية الجديدة مثل الداروينية وغيرها بالريبة والرفض, فقد حاولت الحركة الدينية الجديدة أن تؤلف بين الدين والعلم, مما خلق تخوفا من خطر تخلّي رجال الدين عن الأفكار الدينية التي تعود جذورها إلى الإيمان بالخوارق الطبيعية أو بالفوق طبيعية والتي لم يكن التكيف معها في إطار العقلانية والاكتشافات العلمية.

من ناحية أخرى قادت المقاربة العقلانية للدين إلى فهم جديد للعديد من المعتقدات الانجيلية ناصرته مدرسة فكرية جديدة دُعي أتباعها ب(الربوبيين). وكان الربوبيون ينظرون إلى المسيح على أنه معلَم أخلاقي وليس على أنه ابن الله. وكانوا يرون أن الأخلاق وليس الإيمان هي جوهر الدين, فكانوا يقولون إن الناس العقلانيين يعبدون الله على أكمل وجه حين يعاملون إخوانهم في الإنسانية بالعدل. وبالإضافة إلى إنكارهم كون المسيح ابن الله, كانوا يطالبون بالمعاملة العادلة لإخوانهم في البشرية, حيث كانوا يرون أن الناس إذا ما شرعت في تطبيق العدالة على اعتبارها أكمل وجه من وجوه العبادة فإنهم لن يكونوا قادرين بعد ذلك على مصادرة الأراضي الخصبة التي امتلكها وحرثها السكان الأصليون من الهنود الأمريكيين لقرون عديدة سبقت وصول الأوروبيين إلى العالم الجديد في القرن الخامس عشر. ولهذا رأى البروتستانت في المسيحية الجديدة تهديدا لهم لأنها نجحت في تطوير عقيدة بديلة أكثر قبولا وقابلية للاستمرار في إطار إنجيلي مبني على العقل وقادر على إيجاد حل للمشاكل من خلال الإصلاح ولكن الإصلاح كان تهديدا للتقاليد لأنه سيؤدي إلى قلب الوضع القائم رأسا على عقب.

ثم تحدث المؤلف حول انقسام البروتستانتية الأمريكية وولادة الأصولية. ويعود الفضل في بقائها كفلسفة إلى الأصوليين المسيحيين البروتستانت المتشددين. ومن أهم الأصول المتفق عليها عموما:

1- تنزيه النصوص عن الخطأ
2- ألوهية المسيح
3- ولادة المسيح من البتول مريم
4- الكفارة: افتداء المسيح للجنس البشري من خلال الموت صلبا تكفيرا عن خطايا البشر وآثامهم
5- القيامة: الاعتقاد بقيام المسيح من الموت, فالاعتقاد بأن المسيح قد مات ودفن ثم قام مرة أخرى إلى الحياة جزء أساس من الإيمان المسيحي
6- العودة الوشيكة للمسيح أو المجيء الثاني للمسيح: الاعتقاد بأن المسيح سيرجع ويحكم العالم ويعرف بالإيمان بالعصر الألفي السعيد.

ثم واصل المؤلف في الفصل الثالث في صعود الأصولية المسيحية بعد الحرب العالمية الثانية. فمن خلال الاستفادة من حرية التعبير وحرية الأديان التي يضمنها دستور الولايات المتحدة العلماني الديموقراطي أسس القادة المحافظون شبكاتهم التلفزيونية والإذاعية الخاصة والمكرسة للبرامج الدينية, وغذا ملايين المحافظين والأصوليين مستمعين ومشاهدين ومتبرعين لهذه البرامج.

وفي عام 1952 عرض الحزب الجمهوري على أيزنهاور ترشيحه للانتخابات الرئاسية, وتمّ إقناعه بقبول العرض والانخراط في المعركة. وخلال رئاسة أيزنهاور زيدت عبارة " أقسم بالله" على قسم الولاء لعلم الولايات المتحدة الأمريكية إذ كان النص قبل التعديل:
" أقسم بالولاء لعلم الولايات المتحدة الأمريكية وللجمهورية التي يمثلها: أمة واحدة غير قابلة للتقسيم ذات حرية وعدالة للجميع"
وايزنهاور لديه أصلاً فهمه الخاص الواسع جدا عن مكانة الدين في المجتمع والحكومة حيث أعلن:
" إن حكومتنا لا تعني شيئا ما لم تتشكّل على أساس إحساس عميق بالإيمان الديني ولا يهمّني كُنه هذا الإحساس "
وهكذا أصبح السياسيون يسعون للحصول على بركات الأصوليين, ولم تُفتح لهم أروقة السلطة فحسب بل أنهم كانوا يُدعون إليها لمنح البركة للممسكين بزمام السلطة.

وبين المؤلف في الفصل الرابع والخامس العلاقة بين الدين والسياسة والتحدّي الفكري والاستجابة له. ففي الانتخابات الرئاسية عام 1976 تحدَى حاكم جورجيا الأسبق جيمي كارتر الرئيس الجمهوري فورد بشعار أنه قادم لإصلاح الأمور داخل البيت الأبيض كما أعلن أيضا أنه " مسيحي وُلد من جديد " وقال أحد كبار الإنجيليين إن أمريكا تشهد " اشتياقاً قومياً أكبر إلى الأخلاق وتحولاً باتجاه الروحانية, إذ يتطلع الأمريكيون هذا العام إلى الميزات الروحية في رئيسهم أكثر من أي شيء آخر" وكان الحماس تجاهه قوياً بين الانجيليين لدرجة أن أحد قساوستهم قال أن البلاد تحتاج لوجود "رجل ولد من جديد في البيت الأبيض....والأحرف الأولى من اسمه هي نفسها الأحرف الأولى من اسم ربنا. وأعلنت مجلة نيوز ويك عام 1976 " عام الانجيليين".

وفي نفس الفصل تطرق المؤلف للتزاوج بين الأصولية الاقتصادية والأصولية المسيحية, واستند على نفس المصطلح الانجيلي في عبارة حزب جمهوري " ولد من جديد " ولإعطاء فكرة عن الهوية الدينية لمجموع التعداد السكاني الأمريكي فإن 57% من التعداد السكاني من البروتستانت و28% كاثوليك و2% يهود و13% من طوائف أخرى مختلفة أو لا دينيين وذلك حسب المسح الذي أجرته مؤسسة جالوب سنة 1985 .

ومع اقتراب موعد الانتخابات عام 1980 أخذ الاستراتيجيون الجمهوريون يعملون على وضع أوسع أجندة محافظة ممكنة لتنال إعجاب قطاع عريض من الجماعات اليمينية. وأدركوا أن توحيد جميع اليمينيين على اختلاف مشاربهم يقتضي أن تشتمل هذه الأجندة على قضايا اقتصادية وأخلاقية مناصرة للأسرة بالإضافة إلى إعلان معارضتهم للمثلية الجنسية والإجهاض والطلاق والعلمانية الإنسانية والدعم القومي القوي لإسرائيل. وكانوا يدركون تمام الإدراك أنه بسبب كون الإنجيليين جزءا من مجموع البروتستانت في الولايات المتحدة, فإنه لم يكن هناك من سبيل للنجاح إلا بتوحيد كل الأصوليين من كل الطوائف والتجمّعات الدينية.

وتحدث المؤلف في الفصل السادس حول تأسيس منظمة باسم " الأغلبية الأخلاقية " وحدّد هدفها بالتأثير بقوة على التوجهات الروحية والأخلاقية للأمّة من خلال تعبئة قواعد الأخلاقيين الأمريكيين ليكونوا صوتاً واحداً واضحاً وفعالاً وإعلام الأغلبية الأخلاقية بما يجري من وراء ظهورهم في واشنطن ومجالس الولايات التشريعية وتكثيف الضغط في الكونجرس من أجل إلحاق الهزيمة باليسار.

أثبتت نتائج الانتخابات عام 1980 نجاح سياسة " شراكة الحرب " والأجندة الأصولية بانتصار ريجان, وكان التضخم الركودي أحد أهم الأسباب التي أدت إلى خسارة كارتر والتضخم الركودي هو حالة يشهد فيها الاقتصاد معدّلات بطالة عالية ومعدل تضخّم عالٍ في الوقت نفسه.

كانت فترة رئاسة ريجان وبوش التي امتدَت 12 عاما (1980- 1992) فترة تعلَم بالنسبة للأصوليين, إذ أدركوا بأن الاقتصار على إيصال الرئيس إلى البيت الأبيض ليس كافياً إذ يجب فهم الطريقة التي يعمل بها الكونجرس, فأعضاء الكونجرس هم الذين يصوتون على القوانين , فإذا لم يحظ مشروع قانون ما بموافقة أغلبية الأصوات فإنه لا طائل منه. كما تعلموا أن أعضاء الكونجرس لا يصوتون على قاعدة " الصح والخطأ " بل إن معاييرهم هي في الفوز في الانتخابات التالية, وبالتالي فهم يصوتون لما يرضى أكبر قسم من الناخبين الناشطين حتى لو أدَى ذلك إلى التصويت إلى أمور غير مقبولة من الناحية الأخلاقية.

وفي عام 1992 انتخب بيل كلينتون الليبرالي رئيساً لأن الانتخابات في ذلك الوقت تزامنت مع حالة ركود أضرَت بالاقتصاد الأمريكي. فعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي التي أُجريت عام 1991 كانت تشير إلى أن جورج بوش كان في الطليعة شعبيا بعد أن هزم صدام حسين, إلا أن حالة الركود استفحلت في زمن الانتخابات, ورغبة الناس في التغيير أدَتا إلى فوز كلينتون.

تناول المؤلف في فصل كامل رئاسة جورج دبليو بوش عام 2000 بعد سنوات ثمان من إدارة كلينتون- جور (1992- 2000) والتي كانت فترة مميزة من ناحية الاستقرار الاقتصادي والنمو وانخفاض نسبة البطالة والتضخم في الاقتصاد الأمريكي إلى جانب السلام الداخلي, وما عرفته الولايات المتحدة من قوة لا يمكن تحدّيها على الصعيد العالمي. والسؤال لماذا لم يعط الناخبون تقدماً حاسماً لآل جور على بوش رغم ما شهدته البلاد من زخم اقتصادي وغياب كامل للبطالة وازدهار عام؟ والجواب يكمن في الخريطة الأيديولوجية الجديدة للولايات المتحدة. لقد استحوذ بوش على معظم الجنوب الذي يشكل حزام الكتاب المقدس في البلاد ومركز الانجيلية. فالجنوب هو أرض الأصولية المسيحية المركزية. ومن المثير للدهشة أن يُهزم آل جور في مسقط رأسه في ولاية تنيسي, ولكن هذه الولاية تدعى ب " الإبزيم القديم في حزام الكتاب المقدس " نظرا لميلها إلى أقصى اليمين الإيديولوجي, كما إنها مسقط رأس إد ماك أتير مؤسس الطاولة الدينية المستديرة. لاحظ في عام 1992 صوَت أصوليو الجنوب لكلينتون لأن بوش الأب لم يكتف فقط بالحنث بوعده وزيادة الضرائب, بل إنه فشل أيضا في تحفيز الاقتصاد الذي كان يعاني من الركود. وفي عام 2000 كان الاقتصاد الأمريكي يبلي بلاءً حسناً, ولكن سمعة كلينتون كانت قد تلطخت في قضايا أخلاقية وفضائح مالية عرفت بعد ذلك ب " قضية وايت ووتر " . وتفاقمت كل تلك الاتهامات لتدفع بالإنجيليين المتمسكين بالقيم الدينية والأخلاقية إلى التصويت لجورج بوش الابن, ومعظم هؤلاء الناخبين كانوا متمركزين في الجنوب وامتداداته. وفي نهاية الأمر شكَل حزام الكتاب المقدس (أي الجنوب وامتداداته ) بنك أصوات قوي مؤيد لبوش في الانتخابات الرئاسية عام 2000 وأسس نفسه كمركز قوة سياسية في الولايات المتحدة. وفي الانتخابات الرئاسية عام 2004 كرر الإنجيليون المشهد نفسه موجهين رسالة قوية إلى السياسيين مفادها أنهم إذا لم يحترموا آراءهم فإنهم لن يصلوا إلى أي مكان.

وكان لابد لإدارة بوش أن تُنفّذ أجندة الحركة الأصولية المسيحية وهي طويلة اشتملت على أجندة اجتماعية محلية بالإضافة إلى أهداف في السياسة الخارجية ومن أبرز ما تضمنته الأجندة المحلية من قضايا: حظر الإجهاض, إحياء قراءة الإنجيل وإقامة الصلوات في المدارس العامة, تعيين القضاة المناهضين للإجهاض ...وغيرها, أما أجندة السياسة الخارجية فهي مبنية على أساس إيمانهم الإنجيلي بأن نهاية العالم ستكون قريبة, وأن الشرق الأوسط سيدخل في سلسلة من الحروب الكبيرة والطويلة تمهيدا لمعركة (هرمجدون) بين العرب وإسرائيل, والتي يجب أن تفوز إسرائيل فيها. ولذلك كان من أهم ما اشتملت عليه أجندة السياسة الخارجية: زيادة الإنفاق العسكري والسيطرة على الشرق الأوسط لتأكيد تفوق إسرائيل في المنطقة وإيجاد الظروف المُفضية إلى اندلاع معركة هرمجدون ليسهلوا على المسيح بناء مملكة الله على أرض إسرائيل عند مجيئه الثاني. يؤمن الإنجيليون إيماناً عميقاً بقصة نهاية العالم كما وردت في سفر الرؤيا في الإنجيل. وهم ينتظرون بفارغ الصبر المجيء الثاني للمسيح الذي يتمنّون الدخول معه حسياً بأجسادهم إلى مملكة الله التي ستقام على أرض إسرائيل وتنتشر منها إلى العالم كله لتجلب السلام للمسيحية والإنسانية جمعاء خلال فترة حكمه التي ستمتد 1000 سنة أو ما يعرف أيضا ب " العصر الألفي السعيد " وهو عنوان الفصل الأخير الأساس من الكتاب.

في هذا الفصل بيَن المؤلف بأن الانجيليين يؤمنون بالمجيء الثاني للمسيح, فوفقاً لمعتقداتهم فإن المسيح سوف يعود إلى هذا العالم ليؤسس مملكة الله التي سيسلَم لها كلُّ من على الأرض بأعمالهم ومعتقداتهم. وتستمر مملكة الله ألف عام من السلام والازدهار ولذلك تسمى الألفية السعيدة أو العصر الألفي السعيد. ولكن هناك ثلاثة تفسيرات مختلفة للعصر الألفي السعيد:

1- مجيء المسيح قبل العصر الألفي السعيد. يرى هذا التفسير أنه يمكن تقسيم التاريخ إلى عصور دينية محددة سيكون آخرها العصر الألفي السعيد أو الألف سنة من السلام على الأرض. ولكن قبلها سوف يشهد العالم عصرا من الأحداث الكارثية يسمى (آخر الزمان) ويتميز بالزلازل والثورات والحروب, وينتهي بمعركة (هرمجدون) وهي عبارة عن صراع عالمي يتمركز في الشرق الأوسط وتحديداً في فلسطين حيث تقع هذه المعركة. هذه الأحداث الرهيبة سوف تشكل عوامل تسرَع المجيء الثاني للمسيح, الذي سيعود ليحكم الأرض في بداية (العصر الألفي السعيد).
2- مجيء المسيح بعد العصر الألفي السعيد
3- إنكار العصر الألفي السعيد, تؤمن أقلية صغيرة بهذا التفسير

دفع الصراع العربي الإسرائيلي الدائر في الشرق الأوسط معظم الإنجيليين إلى الاعتقاد بمجيء المسيح قبل العصر الألفي السعيد, ويرى المؤمنون بهذا الاعتقاد بأن حدوث معركة (هرمجدون) أمر لا مفر منه, إذ ستكون العلامة الكبرى على مجيء المسيح وبالتالي فإنه في السياق العقدي والتاريخي الإنجيلي " تعتبر إسرائيل العامل المسرَع لأحداث نهاية الزمان, وهذا ما يزيد في حماس الأصوليين المسيحيين تجاه دعم إسرائيل حتى تكون قادرة على هزيمة الأعداء من أجل أن يكون ذلك مقدمة لسلام العصر الألفي السعيد, ولهذه الأسباب حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية فإن دعم إسرائيل من الثوابت بالنسبة لليمين المسيحي الجديد.

هذا ملخّص ما جاء في الكتاب, ونحن دون شك قد نختلف في جوانب مختلفة ممّا ورد فيه سيما تلك المتعلّقة بالنواحي العقدية والتفسيرات الخاصة بظواهر التاريخ.
 


المكلّا في 28 يونيو 2021م


*
نائب رئيس جامعة حكومية سابق
ورئيس جامعة أهلية سابق


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter