|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  2 / 11 / 2020                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



الردّة المقيتة والتطبيع المهين

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

ضمن الكتيّبات الصغيرة في حجمها والكبيرة في مضامينها التي خَطَر لي أن أعيد قراءتها في فترة العزل الصحي التي تمر بها بلادنا وكل بلدان العالم هذه الأيام جراء جائحة الكورونا, هما فلسفة الثورة لجمال عبدالناصر والميثاق الوطني الذي ووفق عليه في المؤتمر الأول للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل المنعقد في مدينة خمر بمحافظة تعز في الفترة 22- 25 يونيو 1965م. ويشكّل هذان المرجعان علامات فاصلة في مسيرة الجيل الذي أنتمي إليه الذي وُلد في فترة المد القومي العروبي وزخم أحداثه العظام. خلاصة ما ورد في هذين المرجعين من رؤى وأفكار تتمحور في مجملها حول وحدة هذه الرقعة الجغرافية العربية الواسعة التي تمسك بزمام المنافذ الاستراتيجية المهمة في العالم مثل مضيق هرمز ومضيق باب المندب وممر قناة السويس ومضيق جبل طارق. كما تؤكد هذه الوثائق بأن هذا العالم العربي الكبير الممتد من محيطه إلى خليجه يمتلك من الإمكانيات البشرية والمادية والروحية الكثير, وظلّ يشكّل وحدة طبيعية متكاملة تجمع شعوبها روابط وعوامل كثيرة منها وحدة الأرض ووحدة اللغة ووحدة المصلحة ووحدة المصير, ولكنه مع ذلك يعاني حالات من عدم الاستقرار والفوضى في معظم بلدانه. فهل يا ترى إن تلك الأوضاع من عدم التوازن والاستقرار ناتجة عن أحداث طبيعية ومنطقية؟ إذ أنه من الواضح أن معظم دول المنطقة تحتدم فيها الصراعات الأهلية الدموية والاضطرابات الطائفية والجهوية المقيتة, ناهيكم عن خروج بعض الشعوب فيها في مظاهرات واحتجاجات غير منظمة على أنظمة الحكم المتسلّطة عليها, لم يسفر عن معظمها غير تمكّن الدولة العميقة فيها من إعادة تدوير نفسها. إن بؤرة هذا الصراع تتركز في أرض فلسطين وشعبها المشرّد والمنكوب منذ قرابة أثنين وسبعين سنة عجاف, لم ترَ المنطقة فيها فترة سكينة واستقرار. وفي إحدى الدراسات الصهيونية الصادرة عن معهد الدراسات الاستراتيجية تحت عنوان استراتيجية اسرائيل في الثمانينات جاء فيها "إن العالم العربي ليس إلا قصراً من الأوراق بنته القوى الخارجية في العشرينات, فهذه المنطقة قُسّمت عشوائياً إلى 19 دولة تتكون كلّها من مجموعات عرقية مختلفة ومن أقليات يسودها العداء لبعضها. وإن هذا هو الوقت المناسب لدولة اسرائيل لتستفيد من الضعف والتمزّق العربي لتحقيق أهدافها باحتلال أجزاء واسعة من الأراضي المجاورة لها وتقسيم البعض الآخر إلى دويلات على أساس عرقي وطائفي." وذاك لعمري ما حصلَ ويحصُل هذه الأيام على وجه اليقين, فقضية فلسطين وهي قضية العرب والمسلمين المركزية تراجعت كثيراً لتصبح للأسف بقعة ضئيلة وباهتة في محيط الاهتمام العربي والاسلامي ناهيكم عن الاهتمام الدولي والأممي, بل أصبحت ضمن بنود صفقة تجارية عُرفت اليوم بصفقة القرن. وصفقة القرن هذه هي خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للسلام تهدف في ظاهرها إلى حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني, مع دعم دولة فلسطين المستقلّة ذات السيادة وعاصمتها الضواحي الشرقية للقدس والتي ستعتمد على الفلسطينيين لأخذ خطوات جعلها دولة ذاتية الحكم والتي لن تتأسس قبل أربع سنوات من إنفاذ الخطّة. ستكون دولة فلسطين منزوعة السلاح أي بدون قوات مسلّحة وستبقى كذلك. وستبقى مدينة القدس موحّدة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة, وتُضم جميع مستوطنات الضفة الغربية التي يزيد عددها عن 100 مستوطنة بهدف منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي فلسطين المحتلّة. وتعتبر هذه الخطّة الاقتراح الأكثر سخاءً الذي تمّ تقديمه إلى إسرائيل كما إنها تتضمّن إقامة دولة فلسطينية رمزية لا يمكن لأي زعيم فلسطيني أن يقبلها.

قبل 73 سنة اتخذت هيئة الأمم المتّحدة القرار رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947 بشأن تقسيم فلسطين بين العرب واليهود بأغلبية 33 صوت ومعارضة 13 صوت وامتناع 15 صوت. ولكن قبل قرار التقسيم هذا كانت 82% من أرض فلسطين أراضي عربية, وبعد حرب 48 وهو عام النكبة انقلبت الخارطة ليصبح للعرب 22% ولليهود 78%. إن الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67 وهو أساس المبادرة العربية ومعظم قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية يعني إسقاط الشطر الأكبر من مساحة فلسطين عام 48 بنحو 78%, وتمكّنت سلطة الاحتلال عبر سياسة الاستيطان من قضم 80% من مساحة الضفّة الغربية مُبقية 20% فقط للفلسطينيين وهذه تُشكّل 12% فقط من فلسطين التاريخية.

هل هناك إذلال اكثر من هذا الذي حصل في غفلة من التاريخ؟ وهل هناك في نفس الوقت ردّة مقيتة اعترت توجهات المصير العربي أسوأ من هذه الردّة. وزاد الطين بلّة هذه الهرولة المهينة نحو سياسات التطبيع من قبل دول عربية مع عدو غاشم بضغوطات أمريكية في الساعة الأخيرة قبل موعد الانتخابات الفاصلة في 3 نوفمبر
 


المكلا في1 نوفمبر 2020م


*
نائب رئيس جامعة حكومية سابق
ورئيس جامعة أهلية سابق


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter