|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  2  / 1  / 2023                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



هل هناك وجود لأمة عربية واحدة؟

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

يشهد العام الميلادي الجديد 2023 مؤشرات جديدة في فضاء الأمة العربية وقضيتها المركزية أرض وشعب فلسطين التي يُفترض أن يكون لها وجود جغرافي على الأقل في عالم اليوم. فهناك فيه أيضاً الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة وهي مجموعة الشنجن التي تتباين في لغاتها وأعراقها وربما في طوائفها الدينية, وتجمعها فقط مصالحها المشتركة. إن لهجة من يعلنون موت أسطورة الأمة العربية أصبحوا يقولونها دون تحفّظ أو خجل, ومع ذلك يظل محاولة حل هذا اللغز المحير: هل هناك وجود لأمة عربية واحدة يستدعي من أجلها ضرورة استنباط حوادث التاريخ المتلاحقة؟ محور التحدّي وأساسه في موضوع الأمة العربية الواحدة هو قضية فلسطين, فإذا كانت اسرائيل يُراد لها اليوم أن تعيش في سلام, فإن الفلسطينيين من باب أولى وهم أصحاب حقوق تاريخية اُغتصبت منهم الأرض وتم التعامل مع قضيتهم بعنف في محاولات لسحق أي صوت معارض لسياسة التوسع والتمدد غير المشروع في أراضيهم ولطمس هويتهم الوطنية وانتهاج سياسة القمع الهمجي والوحشي لأي انتفاضة لهم والقتل بدم بارد لأي مقاومة حتى إن كانت بشكل فردي وهم الذين يستحقون العيش بكرامة فوق تراب أرضهم الطاهر. قبل عدّة عقود مضت, كانت آخر المستجدات في هذه القضية الشائكة إجماع العرب على حل المسألة الفلسطينية بمبادلة الأراضي المحتلة بالسلام وحق الفلسطينيين الممثلين بمنظمة التحرير الفلسطينية في تقرير مصيرهم. واليوم وقبل يوم واحد فقط من بزوغ العام الجديد, عام 2023م, صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار إحالة تقرير المصير لشعب فلسطين لمحكمة العدل الدولية بأغلبية 87 صوت واعتراض 26 صوت وامتناع 53 عن التصويت. وهذا دليل على وقوف الأمم المتحدة مع حق شعب فلسطين, ممّا يفتح حقبة جديدة لمساءلة اسرائيل, الأمر الذي جعل رئيس وزراء الكيان الصهيوني يُصرّح على الفور أن قرار الأمم المتحدة هذا حقير ولن يكون ملزماً لإسرائيل. إن الرأي العام القائل بأن الأمة العربية لم تعد موجودة يستند إلى التأثيرات السلبية للثروة النفطية في بعض أقطار هذه الأمة, وربما من منظور متشائم في استحالة حل المشكلات المجتمعية القائمة وانتكاسة كل محاولات الوحدة بما في ذلك الوحدة الوطنية وفي الأخير العجز عن تحرير أرض فلسطين المغتصبة الأمر الذي أصاب هذه الأسطورة في مقتل ولكنه ليس بالأمر النهائي. وفي المقابل هناك من ينظر لهذه الأمة لا سيما من الغرب بأنها تُمثّل حضارة الشرق وروحانياته الآسرة المختلفة عن مادية الغرب القاسية, فيقرّون لها بأن فيها عبقرية اللسان والعرق الذي أعطى فلسفة عظيمة وعلماً زاهراً للغرب, وأن جوهر الاسلام دين العرب أعطى وما زال يُعطي مثالاً للتسامح ويؤكد على وجود كيان لأمة عربية واحدة رغم أن الرأي المخالف لا يرى فيه إلا انقساماً وتفكّكاً. إن كلمة أمة كانت تعني قديماً جماعة من البشر يُفترض أن يكون بينهم وجود أصل مشترك, وفي مفهومها الحديث يمكن للأمة أن تتحدّد بوصفها جماعة بشرية واسعة جدا متميزة بوعي وحدتها وبإرادة العيش المشترك. وهناك آراء لكثير من الباحثين طُرحت في مضمون كلمة الأمة ومن ذلك مقولة الباحث الفرنسي (فاليري) الذي يعترف بأن فكرة الأمة يصعب إدراكها والإلمام بها, فطبيعة الروابط بين الأفراد والأجيال يمكنها أن تتباين من أمة إلى أخرى: إن العرق تارة واللغة تارة والأرض تارة, وتارة الذكريات والمصالح هي التي تؤسس الوحدة الوطنية لكتلة بشرية منظّمة.

وعلى أساس هذا المفهوم في جانب الجغرافيا, هل يمكن للأمة العربية أن تتكون من الدول الواحدة والعشرين ومن ضمنها دولة فلسطين؟ وعلى الفور يتراءى لنا أن الحدود الخارجية لهذا الكيان الجغرافي وكذلك تقسيم حدوده الداخلية لا تعتبر حدوداً نهائية. ومع كل ذلك فإن الأغلبية العظمى من سكان الإحدى وعشرين دولة ترغب في أن تكون دولة عربية واحدة حتى ولو كانوا أمازيغ بشرف الانتماء إلى خير الأمم والأمة الوسط والشعب المصطفى الذي أنعم الله عليه حين اختار لغته للتنزيل الأخير على النبي العربي محمد بن عبدالله صلّى الله عليه وسلّم وحين أنعم عليه مؤخراً كذلك بالثروة النفطية كعامل مساعد لاسترداد مكانته القديمة.

أما فيما يتعلق باللغة, فقد حُفظ الإرث المشترك لهذه الأمة بفضل هذه اللغة الصامدة على مدى عصور الانحطاط الثقافي والسياسي. فبينما كان العالم العربي يتفكك ويتجزأ إلى أقاليم وأمصار تكاد تقع كلها تحت الوصاية الأجنبية التي كانت تُشجّع تلك الانقسامات, كانت هناك شبكة منشآت متواضعة جداً كالمساجد ومدارس الحي والقرى تقوم بالحفاظ على اللغة المأثورة من خلال تعليم القرآن الكريم والحديث الشريف, وقد أنشأت هذه الوحدة اللسانية ثقافة منسجمة تجمع مجمل السكان.

وهناك عنصر آخر يسهم في الوعي القومي وهو الإسلام, رغم أن العالم العربي لا يُمثّل سوى ربع العالم الإسلامي, إلا أنه يبقى الجانب الأهم نظراً لأصول الإسلام وللدور الذي لعبه القرآن الكريم ومشاعر الحج ومناسكه وغيرها من المشاعر في تثبيت قواعد هذا الدور. لقد سهّل التآلف اللغوي والديني للشعب العربي قيام موجات من الهجرة الداخلية تسهم بدورها في التقارب بين سكان هذه الدول.

وعنصر التاريخ المشترك عامل أساس في كيان الأمة العربية, فتاريخها طويل بمعناه الواسع, إذ يمكن إرجاعه إلى فترات النبي محمد صلى الله عليه وسلّم, وهو كذلك قصير إذا جرى التوقف عند المفهوم الحديث للكلمة, بمعنى أن التاريخ العربي في مفهومه الحديث لا يكاد يبلغ قرناً واحداً من الزمان.

وعلى درب الأمل في قيام هذا الكيان الاستراتيجي المهم على سطح الكرة الأرضية, أصبحت الأفكار التوحيدية تعتلج في الساحة العربية دون توقف خاصة من البلدان العروبية كسورية والعراق ومصر وهي مراكز العصور العربية العظمى حتى أقطار الأطراف في مغرب العالم العربي وفي مشرقه, مرّت به تجارب لم تصمد ولكن هناك تجارب أخرى كُتب لها النجاح إلى حدٍّ مقبول.



المكلا في 1يناير 2023م


* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق
ورئيس جامعة الأوائل الحديثة حالياً
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter