| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الثلاثاء 2 / 1 / 2018 د. سالم رموضه كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
توتال 25 عاماً في اليمند. سالم رموضه
(موقع الناس)بدأت شركة توتال عملها منذ عام 1987م في القطاع النفطي رقم 10 في منطقة خرير بمديرية ساه محافظة حضرموت وأعلنت في عام 1995م اكتشافها للنفط بكميات تجارية. حفزني لكتابة هذا الموضوع أن توتال يمن وجهت لي دعوة بصفتي عميد كلية الهندسة بجامعة حضرموت خلال الفترة 2009 – 2012م لحضور فعاليات الملتقى العلمي حول الطاقة والتعليم والذي انعقد في باريس من 30 يناير حتى 4 فبراير 2011م. ضم الملتقى 54 شخصية علمية ما بين رؤساء جامعات وعمداء كليات ورؤساء أقسام علمية ومراكز بحثية, موزعين على جنسيات ودول مختلفة منها الجزائر والعراق وليبيا واليمن واندونيسيا وبوركينافاسو وألمانيا والهند والأرجنتين وكندا وجنوب أفريقيا ونيجيريا وروسيا والنرويج وبريطانيا والصين والكمرون وأنجولا وفنزويلا والولايات المتحدة وأسبانيا.
لقد كان برنامج الندوة مرتبا بمنتهى الدقة. تذاكر السفر أرسلت لنا مع حجوزات الذهاب والعودة بالخطوط القطرية ذات اللون العنابي الآسر والضيافة الراقية, وقد وصلنا مطار شارل ديجول الجميل في فجر شتوي تتناثر خارج صالاته ذرات الثلج التي تحط على أرضيات المطار والمسطحات الخضراء حواليه كأنها لؤلؤ منثور. عندما اقتربنا من بوابات الخروج وكنا من اليمن أثنين يشاركني في الرحلة عميد كلية العلوم من جامعة صنعاء, لمحنا بين حشود المستقبلين سيداً متدثراً بمعطف صوفي غليظ يتدلى لركبتيه ويحمل علما مطبوعاً عليه اسم رفيقي واسمي. كان ذلك الأمر أول انطباع جميل يقابلنا, أبعد عنا برودة الجو القارس وأشعرنا بدفء الأمان في عاصمة الثقافة على مستوى العالم دون منازع. سارت بنا سيارة توتال الأنيقة في ذلك الفجر البديع في شارع المطار الاوتوستراد المغسول برذاذ الثلج والمطر وفوجئنا بغبطة الذي استقبلنا وكنا قبل ركوبنا السيارة نرثي لحاله أن جاء في هذا التوقيت المزعج وأكيد أنه لم ينم طيلة ليلته تلك. ولكن سبب فرحته كما شرح لنا أن شارع المطار وشوارع باريس في هذا الوقت بعد الفجر لا تكون مزدحمة بالسيارات والمسافة التي قطعها الآن من المطار حتى فندق ماريوت الجميل في وسط باريس والتي لم تتجاوز الساعة سوف تستغرق أكثر من ساعتين لو تأخرنا ساعة أو ساعتين عن موعد وصولنا.
في عصر ذلك اليوم, وكان يوم أحد الساعة الخامسة, بدأت مراسم افتتاح الندوة وسلم لكل مشارك منا دليل جميل بعنوان "كتاب الطريق" بطباعة فاخرة مكتوب عليه اسم المشارك وصورته مع بقية صور المشاركين. ويحتوي هذا الدليل على برامج الندوة يوماً بيوم وساعة بساعة. وتم بعد ذلك عملية التعارف بين المشاركين و أعضاء اللجان المنظمة في حضور قيادات إدارية من توتال, تلاه كوكتيل ترحيبي جميل وعشاء فاخر.
بدأت في قاعات الفندق ذي الخمسة نجوم المجهزة بوسائل العرض والإيضاح الحديثة محاضرات نوعية من يوم الاثنين الساعة الثامنة والربع تماماً حتى الساعة الحادية عشرة ثم فترة بوفيه لنصف ساعة بالضبط بعدها فترة أخرى من المحاضرات حتى الساعة الواحدة ظهراً. واستؤنفت في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر فترة ثالثة من المحاضرات وورش عمل يشترك فيها المشاركون في شكل مجموعات حسب اهتمامات المشارك في المواضيع العلمية المطروحة للنقاش. بعدها انتقل المشاركون في الساعة الخامسة عصراً للكلية الفرنسية بباريس للاستماع لمحاضرة قيمة حول التغير المناخي ألقاها بشكل راقي أحد أساتذة الكلية المتعاقدين مع شركة توتال. في مساء ذلك اليوم نظمت لنا جولة سياحية في نهر السين على متن قارب نهري كبير وجميل استمرت ثلاث ساعات لمشاهدة مدينة باريس مع عشاء على متن القارب.
انتقلت فعاليات الندوة يوم الثلاثاء من الفندق إلى مقر الشركة الرئيسي في حي الدفاع الراقي في أحد ضواحي باريس, وهو عبارة عن برج تجاري يعد من أعلى الأبراج في الحي. وقد أنشئت في هذا الحي كذلك أبراج تجارية وسكنية متعددة منها أبراج ضخمة مترابطة في شكل قوس يحاكي قوس النصر الشهير في أول شارع الشانزيليزيه المشهور. وقد دعينا لتناول طعام غذاء عمل في الطابق الأخير الذي تجاوز المائة من البرج في استضافة السيد فيليب بواسو رئيس قسم الغاز والقوى في توتال, الذي عرفنا عن نشاط الشركة وأعمالها المنتشرة في أنحاء العالم.
خصص يوم الأربعاء بكامله لزيارة مركز توتال العلمي والتقني في مدينة بو في جنوب فرنسا, حيث غادرنا الفندق الساعة السادسة صباحاً في حافلتين أنيقتين لمطار أورلي و كانت زيارة المركز ممتعة للغاية. فقد تم توزيع المشاركين إلى أربع مجموعات وكل أفراد مجموعة معها شارة وبطاقة تعريفية بلون معين لزيارة أقسام المركز الأربعة, مدة زيارة كل قسم 45 دقيقة. بعد زيارة كل أقسام المركز تخللها فترات القهوة والغذاء عدنا لمطار بو في طريق العودة لباريس التي وصلناها في الساعة التاسعة مساء.
أما يوم الخميس فقد تم توزيع المشاركين على أربعة مجموعات للإطلاع على أربعة مشاريع عملاقة لتوتال منها مشروع الغاز المسال في اليمن ومشروع بناء مصفاة بترول جديدة في الجبيل في السعودية. وفي الساعة الخامسة والنصف عصراً توجهنا لزيارة متحف اللوفر الشهير في باريس وخصص لكل مجموعة منا دليل سياحي وقف بالشرح كثيراً عند لوحة الموناليزا الشهيرة ثم نظم على شرف المشاركين حفل عشاء توديعي في إحدى صالات المتحف. أما يوم الجمعة فقد كان يوماً للترفيه, وقد خير المشاركون إما زيارة برج ايفل أو جولة بالحافلة لمناطق مشهورة في مدينة باريس. ورغم أنني درست في فرنسا خمس سنوات, إلا إني لم أتمكن من زيارة البرج الذي عادة ما يكتظ بطوابير السائحين وأفواج طلبة المدارس من داخل فرنسا وخارجها, والبرج كما هو معروف يعد من عجائب الدنيا السبع فكانت مناسبة جدا أن أختار زيارة البرج وقد سمح لنا نحن ضيوف توتال وبمرافقة مرشدين سياحيين أن نصعد لمستويات عليا في البرج لا يسمح فيها عادة للزائرين الآخرين, وأن نطلع على أنفاق عسكرية تحت أرضية البرج, مداخلها ليست واضحة للعيان كانت تستخدم في الحرب العالمية الثانية و بها أجهزة اتصالات قديمة استخدمت الآن كمتحف عسكري.
ونظراً لدقة المواعيد واحترام الوقت والتقيد بالبرنامج فإني لم استطع زيارة زملائي وأساتذتي في تولوز, المدينة التي درست فيها منذ أكثر من ثلث قرن. ولفت انتباهي نوعية المحاضرات المقدمة والمحاضرون الذين اتسم أداؤهم بمهنية عالية جداً وتمكن من المادة المحضرة تحضيراً راقياً جداً من استرسال منهجي ومنظم طوال المحاضرة التي لا تقل عن ساعة وربع. من هذه المحاضرات البترول والغاز التحديات والبيئة الجيوسياسية ومحاضرة حول تحليل المواد الخام وتذبذب الأسعار العالمية وأخرى حول سياسة توتال وأخرى حول توتال ومستقبل الطاقة ومحاضرة حول توتال والتعليم. أما على هامش هذه الزيارة فقد لاحظنا ضمن أشياء أخرى, احترام إشارات المرور حتى في عدم وجود رجال المرور, وهي من الأشياء الملفتة في باريس فعندما كنا في طريقنا لمطار أورلي فجراً, توقف سائق الحافلة في شارع جانبي ليس به أي مارة أو سيارات لأن إشارة المرور كانت حمراء ولم يتحرك إلا عندما تحولت إلى خضراء. فشكراً توتال, ونتمنى أن نصل يوماً ما في بلادنا العربية لما وصلتم إليه.
Since 17/01/05.
web counter
