|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  28 / 7 / 2021                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



صفقة القرن
هل ذهبت مع الريح؟

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

ظلّت قضية فلسطين لعقودٍ مضت, وواضح أنها سوف تستمر لعقودٍ قادمة, الله وحده يعلم مداها وكيفية حلحلة عقدتها. آخر هذه الحلول البائسة ما عُرف بصفقة القرن قدّمها الرئيس السابق دونالد ترامب قبيل نهاية ولايته اليتيمة. ويبدو لي أنه من المفيد أن نتعرف ولو بشكل قراءة أولية تعرضت لها بمختلف أركانها وجوانبها وسائل الأعلام الرقمية المتعدّدة, وبالتالي فإني لم آتِ بشيء جديد.
1- تعريف بالصفقة
هي خطة للسلام تزعم حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني أعدّها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. التي كانت فترة رئاسته من 2017 إلى 2021م. تشمل الخطّة إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصاديات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة, وقد طرح الجانب الاقتصادي من الخطة جاريد كوشنر صهر ترمب خلال مؤتمر في البحرين عُقد يومي 25 و 26 يونيو 2019م.

2- التخطيط للصفقة
عَكفت إدارة الرئيس السابق ترامب منذ 2017 على إعداد خطّة للسلام في الشرق الأوسط لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي على أن يتم تقديمها رسميا مطلع 2018م, ولكن تم تأجيل ذلك عدّة مرات. بعد 18 شهر من التخطيط قام المسؤولون الأمريكيون بتطوير الاقتراح من خلال زيارة أربع عواصم عربية. بناء على الاستطلاع الذي أجرته صحيفة هآرتس أعتقد:
44% من المشاركين أن الصفقة لصالح إسرائيل بينما أعتقد 7% فقط أن الصفقة تحبذ الفلسطينيين

3- بنود الصفقة
يمكن تلخيصها في حل القضية الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية بدون جيش في الضفة الغربية وقطاع غزة وقيام مصر بمنح أراض إضافية للفلسطينيين من أجل إنشاء مطار ومصانع وللتبادل التجاري والزراعة دون السماح للفلسطينيين في العيش فيها وسيتم الاتفاق على حجم الأراضي وثمنها, كما سيتم إنشاء جسر معلّق يربط بين غزة والضفة الغربية لتسهيل الحركة. وبعد عام من الاتفاق تُجرى انتخابات ديموقراطية لحكومة فلسطينية وسيكون بإمكان كل مواطن فلسطيني الترشّح للانتخابات وسيتم فرض عقوبات على جميع الأطراف الرافضة للصفقة بما في ذلك إسرائيل. حتى الآن ترفض إسرائيل تطبيق حل الدولتين وعودة اللاجئين وأنه من الصعب إجلاء المستوطنين من أراضي الضفة الغربية.

4- ورشة البحرين
افتتح كبير مستشاري البيت الأبيض السابق جاريد كوشنر ورشة البحرين بالقول إن أمريكا تريد أن ترى السلام والازدهار والأمن يتحقق للإسرائيليين والفلسطينيين والجميع. وأكّد كوشنر إن انتعاش الاقتصاد الفلسطيني لا يمكن أن يحدث إلا عبر حل الصراع مع إسرائيل. شاركت مجموعة من الدول في مقدّمتها الولايات المتحدة وإسرائيل في مؤتمر البحرين المنعقد في المنامة في 25 يونيو 2019 تحت عنوان:
" السلام من أجل الازدهار"
وشاركت من الدول العربية السعودية والإمارات ومصر والأردن والمغرب.

5- الإعلان عن الصفقة
في 28 يناير 2020 دعا الرئيس الأمريكي ترامب كل من رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو ومنافسه بيني غانتز ولم يدع أي مسؤولين فلسطينيين إلى واشنطن لإطلاق خطته للسلام من أجل حل الصراع القائم منذ عقود, ونصّت صفقة القرن على وجود مرحلة انتقالية من أربعة أعوام وذلك انتظارا لمتغيرات سياسية ستدفع السلطة الفلسطينية إلى التخلّي عن موقفها الرافض للخطّة حاليا, وإعلان سيطرة إسرائيل على 30% من الضفّة الغربية ضمن المناطق التي تُعرف باسم ( ج) وفق تصنيفات اتفاق أوسلو المبرم عام 1993م. وستبقى مدينة القدس موحّدة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة, وتُضم جميع مستوطنات الضفة الغربية التي يزيد عددها عن ( 100) مستوطنة بهدف منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي فلسطين المحتلّة. وتعتبر هذه الخطة " الاقتراح الأكثر سخاء " الذي تم تقديمه إلى إسرائيل كما إنها تتضمن إقامة " دولة فلسطينية رمزية " لا يمكن لأي زعيم فلسطيني أن يقبلها.

6- الإطار العام للصفقة
نشرت إدارة ترمب الجزء الاقتصادي من الخطّة في 22يونيو 2019م والذي يتكوّن من منشورين يتكونان من 40 و 96 صفحة مملوءة بالجداول المالية.
قدّم الجزء الاقتصادي كوشنر أثناء ورشة عمل في المنامة في 25- 26 يونيو 2019م

7- الاستثمار في الصفقة
تعرض الخطّة استثمارات بقيمة (50) مليار دولار من أجل 179 مشروع أعمال وبنية تحتية والتي سيديرها مصرف تطوير متعدّد الأطراف باستثمارات تحميها الشفافية ومحاربة الفساد وضمان الشروط. تتصوّر الإدارة أن الخطة ستموّلها في الغالب دول عربية ومستثمرون أثرياء من القطاع الخاص. ينقسم التمويل إلى (26) مليار دولار قروض و (13,5) مليار منح و(11) مليار دولار في الاستثمار الخاص.
سينفق معظم ال (50) مليار دولار في الضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة إلى إنفاق:
- 9 مليار دولار في مصر
- 7 مليار دولار في الأردن
- 6,3 مليار دولار في لبنان
يتضمن العرض عدداً من المشاريع المحدّدة والتي تشمل:
- بناء معبر سفر يربط بين الضفة الغربية وغزة بطريق سريع وربما سكة حديد
- توسعة هائلة للمعابر الحدودية
- تطوير محطات الطاقة
- تحسين البنية التحتية لتعزيز السياحة
- إعادة بناء وتطوير المستشفيات الفلسطينية
- إنشاء قاعدة بيانات لتسجيل ملكية الأراضي
- تحسين إمدادات المياه القابلة للشرب
- معالجة مياه الصرف الصحي
- إنشاء جامعة فلسطينية جديدة ضمن أول (150) جامعة عالمياً
ربما تكون قيمة الصفقة الحقيقية في حدود 250 مليار دولار وليس 50 مليار دولار كما أُعلن عنها في الوثيقة الأصلية.

8- وضع دولة فلسطين
أعلنت خطّة ترامب دعم دولة فلسطين المستقلّة ذات السيادة وعاصمتها الضواحي الشرقية للقدس ( منطقة أبوديس) والتي ستعتمد على الفلسطينيين لأخذ خطوات جعلها دولة ذاتية الحكم والتي لن تتأسس قبل أربع سنوات من إنفاذ الخطّة. ستكون دولة فلسطين منزوعة السلاح أي بدون قوات مسلّحة وستبقى كذلك

9- معايير الاعتراف
من ضمن بنود كثيرة:
- سينهي الفلسطينيون كل البرامج التي تشمل المناهج الدراسية والكتب التي تحض وتشجّع على الكراهية أو المعاداة لجيرانهم أو التي تشجّع على أعمال العنف.
- سيحقّق الفلسطينيون السيطرة القانونية المدنية الكاملة على كل أراضيهم
- كما سيضمنون نزع سلاح كل مواطنيهم

10- وضع القدس والأماكن المقدّسة
تتناول صفقة القرن موضوع القدس في قسم " رؤية للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين والمنطقة, وفي القسمين تتعامل الصفقة مع القدس من منطلق ديني أساساً, وذلك باعتبارها مدينة مقدّسة للأديان الثلاث ولقسم كبير من البشرية. ولكنها تعطي الأولوية للدين اليهودي من وقت قيام النبي إبراهيم عليه السلام بمحاولة ذبح ابنه إسحاق وذلك بخلاف ما يُعتقد بأن الذبيح هو اسماعيل, إلى أن منعه الله من فعل ذلك وما تبعه من قيام مملكة داود قبل 3 آلاف عام ثم قيام الملك سليمان ببناء الهيكل الأول والذي أودع داخله الوصايا العشر. وبعد تدمير الهيكل مرتين آخرهما في العام 70 ميلادية راح اليهود يحيون ذكرى تدميره في التاسع من أغسطس من كل عام مردّدين " العام القادم في أورشليم".
وحسب الوثيقة فقد جاءت بعد ذلك المسيحية فالإسلام للقدس ولكنها تلت ذلك بكيل المديح لإسرائيل بأنها حافظت على الأماكن المقدّسة لكل الأديان طيلة فترة حكمها للقدس منذ عام 1967م, فيما السابقون لحكم إسرائيل كانوا يقومون بتدمير الأماكن المقدّسة للأديان بحسب الوثيقة.
وبعد ذلك تشير الوثيقة إلى ضرورة إبقاء القدس من دون تقسيم وأن هذا الموقف يعكس رأي كل الإدارات الأمريكية السابقة كما ينعكس في قانون " القدس العاصمة" الذي أقرّه الكونغرس الأمريكي عام 1995م.
تشير الوثيقة إبقاء القدس ضمن حدود جدار الفصل العنصري غير مقسّمة وخاضعة خضوعا تاماً للسيطرة الإسرائيلية. فيما يجرى إخراج مناطق من القدس سبق أن ضمتها إليها والمكوّنة من كتلتين غير متواصلتين جغرافياً.
الكتلة الأولى هي كفر عقب وسميراميس ومخيم قلنديا وقرية قلنديا القريبة من مدينة رام الله, والثانية هي كتلة مخيم شعفاط وضاحية السلام ورأس خميس وأجزاء من عناتا القريبة نسبياً لأبوديس والعيزرية وهما مناطق (ب) حسب تقسيمات اتفاق أوسلو2 في العام 1995م والتي تعني خضوعهما للسلطة الوطنية الفلسطينية في الشؤون المدنية وخضوعهما لإسرائيل فيما يتعلّق بالشؤون العسكرية. وتشمل هذه المناطق 120 إلى 140 ألف مواطن فلسطيني يعادلون أقل بقليل نصف فلسطينيي القدس الشرقية الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة والذي بلغ عددهم زهاء 284926 نسمة في منتصف 2018م بحسب إحصائيات الجهاز الفلسطيني المركزي للإحصاء 2019م ويعني ذلك أنه سيبقى في القدس المضمومة قسراً إلى إسرائيل ما بين 144 و 164 ألفاً من الفلسطينيين فقط مقابل 225335 مستوطناً استعمارياً إسرائيلياً يقيمون في المنطقة ذاتها. أي سيصبح الفلسطينيون أقل سكانية في الجزء المضموم من القدس إلى إسرائيل حسب الصفقة.
تتضمن الصفقة فكرة إقامة عاصمة فلسطينية تسمى (القدس) في كتلتي كفر عقب ومخيم شعفاط غير المتواصلتين جغرافياً بالإضافة إلى أبو ديس. وحيث أن الأخيرة تخضع للسلطة الأمنية الإسرائيلية العليا فإن ذلك يعني أن ما سيُضم إليها من كتلتي كفر عقب ومخيم شعفاط سيخضعان لنفس السلطة العليا الإسرائيلية.
وقد أكّدت صفقة القرن من جهة أخرى أيضاً أن السلطة الأمنية العليا ستبقى بيد إسرائيل على كل المناطق التي ستُحوّل إلى الدولة الفلسطينية. وبذلك فإن الصفقة تعني إلغاء المنطقة (أ) الواردة في اتفاق أوسلو2 بوصفها منطقة تخضع للسيطرة الأمنية والمدنية الفلسطينية في آنٍ معاً.

11- رد الفعل الفلسطيني
أكّد الفلسطينيون بكافة انتماءاتهم التنظيمية على رفضهم المطلق لخطّة ترامب ( صفقة القرن) وألمحوا إلى الانسحاب من اتفاقيات أوسلو بالقول إن الرد على إعلان صفقة القرن يتمثّل بإعلان تنفيذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير وأبرزها إعلان انتهاء المرحلة الانتقالية في اتفاقيات أوسلو لأن إعلان الخطّة سيخلق واقعا جديدا ويحوّل الاحتلال من احتلال مؤقت إلى احتلال دائم. وأشاروا إلى الاعلان عن الرفض القاطع لأي تنازل عن القدس.

12- انكماش فلسطين منذ قرار التقسيم
قبل 73 سنة اتخذت هيئة الأمم المتّحدة القرار رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947م بشأن تقسيم فلسطين بين العرب واليهود بأغلبية 33 صوت ومعارضة 13 صوت وامتناع 15 صوت.
- بمعنى أن اليهود ونسبتهم 33% لهم 56% من الأراضي
- العرب لهم 43% من الأراضي
- تدويل القدس وهي 1% من مساحة فلسطين
قبل قرار التقسيم كانت 82% أراضي عربية ولكن بعد حرب 48 انقلبت الخارطة أصبح للعرب 22% ولليهود 78%
إن الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67 يعني إسقاط الشطر الأكبر من مساحة فلسطين عام 48 بنحو 78%.
تمكنت سلطة الاحتلال عبر سياسة الاستيطان من قضم 80% من مساحة الضفة الغربية مبقية 20% فقط للفلسطينيين تشكّل 12% من فلسطين التاريخية.


المكلا في 27 يوليو 2021م


*
نائب رئيس جامعة حكومية سابق
ورئيس جامعة أهلية سابق

 

 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter