|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  27 / 8 / 2019                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



ما بين الدولة المدنية ودولة القبيلة

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

ما هو ذنب الجيل الذي ننتمي إليه إذا كان قد تربي معظمه على إن الأمة العربية أمة واحدة من المحيط إلى الخليج ؟ وإن الذاكرة ما زالت تحتفظ بروايات بطولية وأناشيد وأهازيج جميلة مثل: أنا واقف فوق الأهرام وقدامي بساتين الشام ؟ أو أنشودة :علم العروبة يا غالي يا منور فوق في العالي ؟ تكاد تشترك جميع المجتمعات العربية في هذه المعادلة صعبة الحل ما بين الدولة المدنية ودولة القبيلة, فلم تنجح كثير من محاولات التوحّد والتقريب بينها عدا حالات استثنائية وإن اعتراها أيضا التعثر والانكماش.

لقد طُعنت في مقتل أول محاولة للوحدة العربية في العصر الحديث في 28 سبتمبر 1961م رغم أنه قد تم الاستفتاء على هذه الوحدة بين مصر وسوريا يوم 21 فبراير 1958م, باستفتاء شعبي وبرضاء كامل من شعبي القطرين, في حين أن الانفصال تم باستخدام القوة وبالرشوة والمال ولم يتم أي استفتاء على الوضع الجديد.

وقطعاً كانت هناك جملة من الممارسات السياسية الخاطئة في إدارة شؤون دولة الوحدة ما بين مصر وسوريا الأمر الذي هيأ مناخاً محفزاً لنجاح حركة ذلك الانفصال الغادر.

لقد اختار العالم المعاصر اتجاه التوحد في تكتلات اقتصادية وسياسية وعسكرية كبرى, بينما اختار عالمنا الواسع الممتد والمتقاطع في دوائره الثلاثة الوطنية والقومية والإسلامية خطوات نحو التشرذم بين أجزائه وفصم عرى الوشائج التاريخية بينها بفعل عوامل التخلف والأنانية والذاتية وغياب الرؤى الإستراتيجية والمصيرية.

واليوم على مستوى الساحة اليمنية, فبعد وحدة هلل لها الناس واستبشروا فرحاً بتحقيقها وتفاءلوا خيراً بأن تحقق لهم الحاضر الجميل والغد الأجمل في بلد مبارك ذكر في تراثنا وارتبط بإيماننا وعقيدتنا, ودخل صانعوها التاريخ من أوسع أبوابه في يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م, بالرغم مما صاحب قيام هذه الوحدة بعض التجاوزات الخاطئة ومنها عدم أخذ رأي الناس والاستفتاء على قيامها وأخطاء أخرى قاتلة تقع على عاتق القائمين علي تسيير دولة الوحدة, منها تفشي ظواهر الفساد ونهب المال العام والظلم وانفلات الأمن وغلاء الحياة المعيشية على شرائح واسعة من المجتمع والقهر الاقتصادي وانعدام مفاهيم الضمان الاجتماعي وغياب العدالة الاقتصادية في توزيع ثروات البلاد والعدالة الاجتماعية في توزيع الوظائف المدنية والسياسية والأدهى من كل ذلك غياب هيبة الدولة المدنية.

لقد كانت سانحة تاريخية ربما لن تتكرر أن قدر لقيام دولة الوحدة في هذه الأرض المباركة, وكانت فلتة تاريخية لو اقتنصها بفهم ومسؤولية تاريخية من وقّع على اتفاقيات الوحدة لكان بالإمكان إخراج الوطن من النفق المظلم الذي وقع فيه دون الحاجة إلى الدخول في متاهات التعريفات المتعدّدة حول ما هو اليمن أو ما هو الجنوب العربي؟ ناهيكم عن الدخول في أتون دورات الصراعات الدموية المتكرّرة التي قضت على خيرة رجال الثورة اليمنية ومناضليها.

أما الوضع المأساوي الذي تعيشه الأرض اليمنية اليوم جرّاء حرب عبثية توشك أن تكمل عامها الخامس دون التوصل لنتائج حاسمة سواء المزيد من تدمير البُني التحتية لوطن وشعب فقير أفقرته تلك الحرب وشرّدت أبنائه وتفشّت في كثير من مناطقه الأوبئة الفتّاكة والمجاعات وأصبح مسرحا لاجتهادات إقليمية ودولية وحسابات مصلحية لأطراف دخلت في أتون هذه اللعبة غير مستوعبة أن هذه الأرض هي مقبرة للغزاة والطامعين. وقد دخلت مصر عبد الناصر إثر قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م لنصرة ونجدة تلك الثورة الخالدة ولكن كلّفها ذلك التدخل الكثير من الشهداء الذين سقطوا في أرض لم يتبيّنوا تماما ظروفها وتضاريسها, الأمر الذي جعله أن يفضّل الانسحاب بتسوية معروفة مع العاهل السعودي الملك فيصل بن عبد العزيز.

إن حل المسألة اليمنية ونظام الحكم فيها يبدو اليوم شائكاً ولكن لا بأس من الاسترشاد والاستفادة من تجارب الأمم والشعوب الأخرى فيما يتعلق بأنظمة الحكم, كالأخذ بالنظام الاتحادي أو الفدرالي. ولعل الجميع يدرك أن عدد الدول الاتحادية أو الفدرالية كبير في عالمنا الحاضر, فالاتحاد يمكّن الجماعات من العيش في ظل دولة واحدة, فالاتحاد هو الذي قامت على أساسه الولايات المتحدة والأمة الأمريكية, وبالاتحاد أمكن في سويسرا لقوميات تتباين في اللغة والعرق والدين أن تتعايش في دولة واحدة.

وهناك أمثلة كثيرة في عالمنا المعاصر لدول اتحادية مثل ألمانيا الاتحادية وكندا واستراليا والهند وماليزيا وروسيا الاتحادية والبرازيل والأرجنتين والمكسيك ودولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها.

وعلى الجميع أن يحرص في يمن الحكمة والإيمان أن يظل التوجه تحت مظلة ثوابت الأمة و قيمها ومبادئ الاختيار الشعبي والخيار السلمي الديمقراطي واحترام الرأي والرأي الآخر وكفالة حقوق الإنسان وحرية التعبير واحترام وتطبيق مبادئ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات ورد المظالم لأهلها ورد ما نهب من حق الدولة والناس تحت أي مبرر كان وعدم التعرض للحقوق العامة والخاصة في ظل دولة مدنية وحديثة باسطة سلطانها بالحق وهيبتها على الجميع مع عدم انتقاص أو غمط حقوق أي منطقة أو ولاية أو إقليم في الثروة والسلطة وسط مناخ سياسي حر وتعددي ودون الإخلال بعلامات الجغرافيا وحقائق التاريخ.



* نائب رئيس جامعة حكومية سابق
ورئيس جامعة أهلية سابق


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter