|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  27 / 11 / 2016                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



من الاحتفال في صنعاء إلى العصيان في المكلا

د. سالم رموضه
(موقع الناس)

كنت في زيارة عمل لمدينة صنعاء التاريخية لمتابعة مهمة إدارية لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لا تستغرق أكثر من يوم. غادرت مطار المكلا الدولي عصر يوم الثلاثاء على متن إحدى الطائرات الأنيقة من طراز الإيرباص التابعة للخطوط الجوية اليمنية على أمل أن أخلص من مهمتي اليوم التالي أي الأربعاء وأعود مباشرة يوم الخميس إلى المكلا. ولكن للأسف عندما ذهبت إلى الوزارة حسب الموعد المحدد لي سلفا قيل لي أن الموعد تأجل ليوم الخميس, وبالتالي لم يكن لي بد من حجز العودة يوم السبت لأنه لم تكن هنالك رحلة للمكلا يوم الجمعة.

وأثناء الذهاب صباح السبت إلى مطار صنعاء الدولي كانت الشوارع الرئيسية المؤدية للمطار مغلقة ولم تسمح لنا مجاميع مسلّحة من ميليشيات الحوثي من الدخول إلى شارع الستين وهو أحد الشوارع الرئيسية المؤدية للمطار الذي أغلق تماما أمام حركة السيارات في ذلك اليوم المصادف لذكرى مولد الرسول الأعظم سيد ولد عدنان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. ويبدو أن احتفالا رسميا كبيرا أقيم في صباح ذلك اليوم لهذه المناسبة الدينية حضره جمع من كبار القوم بمن فيهم قادة أنصار الله الحوثية.

وكان ذلك الترتيب ضمن إجراءات أمنية مشددة بدأت تتخذها القوات المسيطرة على صنعاء خشية حدوث اختراقات أمنية وتفجيرات كما حصل قبلها في عرض عسكري, ذهب ضحيته أكثر من مئتين من الجنود. حاول سائق التكسي أن يتجاوز شارع الستين بالصعود في تلال ترابية موازية لشارع الستين مرورا بمنطقة عشوائية التخطيط يقال لها السنينة ولكن كلما أراد الولوج إلى شارع الستين نفاجأ مرة أخرى بمسلّحي الحوثيين عند التقاطع مدججين بالأسلحة ومغلقين الطريق أمام أي عبور. حاول السائق أن يواصل الصعود في الجبل عبر طرق ترابية متعرجة في منطقة أخرى يقال لها مذبح وتكررت نفس المأساة لا دخول للشارع المؤدي للمطار والوقت يمر وموعد إقلاع الطائرة يقترب.

ذلك كان الحال في عاصمة بلاد أغلقت تماماً للاحتفال بمولد سيد البشرية, تمهيدا كما يبدو لإغلاق البلاد برمتها عن الخارج كما قد حصل للأسف فيما بعد. ومرة أخرى يعدّل الحجز للمكلا إلى يوم الاثنين, ومن حسن الحظ أن الطائرة قد أقلعت في موعدها صباح يوم الاثنين. غير إننا فوجئنا هذه المرة أن مداخل مدينة المكلا وهي عاصمة محافظة حضرموت مسدودة تماماً ليس من قبل مجاميع مسلّحة كما هو حاصل في صنعاء ولكن من قبل الإطارات المشتعلة بعرض الشوارع تحت مبرر أن ذلك هو معنى العصيان المدني الذي دعت إليه بعض المكونات السياسية في حضرموت, بل وفي الجنوب قاطبة.

وبدت الحركة في المدينة متوقفة وخالية من المارة إلا من بعض الشباب الذي اصطف على جوانب الطريق بل إن معظمهم أطفال معبؤون بحشد عاطفي من نوع آخر تحت ذريعة تنفيذ برامج العصيان المدني, وكان من الصعب التفاهم معهم. حاولت أن أقنع بعض من أولئك الشباب المرابطين بأني أستاذ جامعي قادم للتو من المطار وذاهب لبيتي في منطقة فوة إحدى الضواحي الغربية لمدينة المكلا, والعبور إليها كان لابد من وسط المدينة المليئة بالشباب الغاضب والإطارات المحترقة والمشتعلة التي لا تسمح بأي عبور للمركبات, ولكن لا جدوى من أي محاولة للإقناع فالرؤوس مغلقة على فهم خاطئ لمفهوم العصيان المدني. وكان على السائق الجديد هذه المرة أن يعود أدراجه ويختار بعض الأزقة الفرعية, متجاوزا قواعد المرور وعلاماتها التي للأسف لا تحترم أصلا في بلادنا. وبعد معاناة مرّة وبشق الأنفس وصلت لبيتي منهكا متعبا وكان يجب أن أجازي صاحب التاكسي بالأجر الذي يطلبه, فقد كان له كل الحق أن لا يغامر معي في هذا المشوار المكوكي فضلا عن المجازفة بتهشيم زجاج سيارته وهي مصدر رزقه من قبل أبطال العصيان.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter