|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء   24  / 5  / 2023                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



في مفترق الطرق

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

لا ذنبَ لأبناء الجيل الذي أنتمي إليه إذا كان قد تربّي معظمه على إن الأمة العربية أمةٌ واحدةٌ من المحيط إلى الخليج؟ وأن الذاكرة ما زالت تحتفظ بأناشيد وأهازيج جميلة مثل:

(أنا واقف فوق الأهرام.... وقدّامي بساتين الشام )

أو أنشودة :

(علم العروبة يا غالي..... يا منوّر فوق في العالي)

أو ذلك البيت الجميل الذي يقول:

(بلادُ العُربِ أوطاني من الشامِ لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصرَ فتطوانِ)

إنه من سوء الطالع أن تكون أولُ محاولة للوحدة العربية في العصر الحديث قد طُعنت في مقتل يوم 28 سبتمبر 1961م رغم أنه قد تم الاستفتاء على هذه الوحدة بين مصر وسوريا يوم 21 فبراير 1958م, باستفتاء شعبي وبرضاء كامل من شعبي القطرين, في حين أنّ الانفصال تم باستخدام القوة والرشوة ولم يتمْ أي استفتاء على الوضع الجديد. ولا ريبَ أن هناك جملة من الممارسات السياسية الخاطئة في إدارة شؤون دولة الوحدة هيّأت مناخاً محفزاً لنجاح حركة ذلك الانفصال الغادر. ومنذ ذلك التاريخ المؤلم بل وما قبله بحوالي نصف قرن, لم يتعافَ عالمنا العربي من الهزائم والنكسات آخرها ما عايشناه في السنوات الماضية وما زلنا نعايشه على أثر ثورات الربيع العربي من تدمير وخراب وكوارث حلّت به بدء من العراق العظيم أرض الرافدين حتى سورية المثخنة بجراحها وأرض ليبيا موطن شيخ الشهداء عمر المختار, وتونس الخضراء وما يحصلُ اليوم في السودان العزيز من اقتتال بين قواته وميليشياته المسلّحة, وفي اليمن الذي تقطّعت أوصاله وهو يعاني أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة والتعقيد إثر حرب تجاوزت عامها الثامن, تدخّلت فيها جملة من التحالفات الإقليمية والدولية بشكل سافر لدرجة أنها لم تعد تراعي أي قواعد للاشتباك في المدن الآهلة بالسكان ولا تحسب للأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال أي حساب, ناهيكم عن تهجيرهم قسراً وتدمير بيوتهم وممتلكاتهم ومنجزاتهم وبناهم التحتية. إنه لأمرٌ ملفتٌ للنظر أن يختار العالم المعاصر اتجاه التوحد في تكتلات اقتصادية وسياسية وعسكرية كبرى, بينما يختار عالمنا العربي الواسع الممتد على ثلاث قارات, خطوات نحو التشرذم بين أجزائه وفصم عُرى الوشائج التاريخية بينها بفعل عوامل التخلف والأنانية والذاتية وغياب الرؤى الاستراتيجية والمصيرية. فعلى مستوى الساحة اليمنية كمثال وبعد وحدة هلّل لها الناسُ واستبشروا فرحاً بتحقيقها, ودخل صانعوها التاريخ من أوسع أبوابه في يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م, ولكن للأسف صاحبتها كثير من التجاوزات الخاطئة وشهدت مسيرتُها القصيرة ممارسات غير مسؤولة وأخطاء قاتلة تقع على عاتق من كان قائماً علي تسيير دولة الوحدة, منها تفشّي ظواهر الفساد وتوحّشه ونهب المال العام والظلم الاجتماعي وانفلات الأمن وغلاء الحياة المعيشية على شرائح واسعة من المجتمع وانعدام مفاهيم الضمان الاجتماعي وغياب العدالة الاقتصادية في توزيع ثروات البلاد والعدالة الاجتماعية في توزيع الوظائف المدنية والسياسية والأدهى من كل ذلك غياب هيبة الدولة المدنية ومؤسساتها القانونية والدستورية. كان بالإمكان الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب الأخرى فيما يتعلق بأنظمة الحكم كالأخذ بالنظام الاتحادي أو الفدرالي, ولعلّ الجميع يدرك أن عدد الدول الاتحادية أو الفدرالية كبير في عالمنا المعاصر, فالاتحاد هو الذي قامت على أساسه الولايات المتحدة والأمة الأمريكية, وبالاتحاد أمكن في سويسرا لقوميات تتباين في اللغة والعرق والدين أن تتعايش في دولة واحدة. وهناك أمثلة كثيرة لدول اتحادية مثل ألمانيا الاتحادية وكندا واستراليا والهند وماليزيا وروسيا الاتحادية والبرازيل والأرجنتين والمكسيك ودولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها. إن ما يعتمل اليوم في الساحة اليمنية بالذات يتقاطع تماماً مع قناعات أبناء جيلي وليس باليد حيلة, فلم يعد المواطن البسيط راغباً في الانحياز لعلم الوحدة بله النخب السياسية والمكونات الحزبية والنقابية. لقد ضاق الناس ذرعاً من عدم تطبيق مبادئ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وكثرت المظالم ونهب حق الدولة والناس تحت مبررات واهية لا سيما في مناطق الجنوب الذي دخل الوحدة بمساحات وأراضي أكبر وموارد بشرية ومادية أفضل وثروات أوسع من البترول والذهب والثروة السمكية وغيرها. ولكنه هُضم من خيرات أرضه وظل عائشاً على الكفاف, ولم يعرف قبلها مصطلحات دخيلة مثل نهب المال العام والاستحواذ على أراضي الدولة وإقصاء وتهميش الكوادر الوطنية والتسريح القسري من الخدمة المدنية والعسكرية. وكانت النتيجة أن تمر ذكرى الوحدة في محافظة كبيرة مثل حضرموت كأنها لم تكن, بل تنعقد فيها احتفالات إحياء ذكرى فك الارتباط في 21 مايو 1994م.



المكلا في 22 مايو 2023م
 


* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter