|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  24 / 2 / 2018                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



أوقفوا هذه الحرب

د. سالم رموضه
(موقع الناس)

تُعتبر صلاة الجمعة إضافة لفضلها العظيم لقاءا أسبوعيا للمسلمين في كل ضواحي ونواحي التجمعات المسلمة في بقاع المعمورة. واعتقد يقينا أن من مقاصد الشريعة السمحاء من هذه الفريضة أن يتدارس القوم أحوالهم العامة ومناقشة قضاياهم الملحّة وما أكثرها. ولكني هنا في مسجد الشهيد أحمد ياسين بحي ربوة المهندسين بفوة بمدينة المكلا تنتابني موجة عارمة من الحزن والتألم عقب هذه الصلاة المفروضة نظرا لوقوف الكثير من المحتاجين عقب التسليمة الثانية مباشرة إن لم تكن في بعض الأحيان الأولى في نداءات محمومة لطلب المساعدة إما في علاج مرض مستعصٍ أو لدفع إيجار بيت أو طلب الستر في دواء وغذاء ومأوى, وينطبق الحال دون شك على باقي جوامع مدينة المكلا. يشترك فيها كبار السن والعجزة والنساء والأطفال ومعظمهم من موجات النزوح التي ترد حضرموت الذي تُعد المكان الآمن من أصوات المدافع وأزيز الطائرات.

هذه الحالات نتجت من الحرب الضارية الدائر رحاها قرابة السنوات الثلاث في جبهات القتال التي لم يبد في الأفق أي حسم لصالح أي فريق منها, بل الخاسر الأكبر فيها الإنسان النازح من ميادينها المشتعلة هربا بنفسه وأهله وأطفاله, ناهيكم عن نتائجها المدمرة لذاكرة الأمة وإرثها الحضاري والثقافي. إذا كانت الحرب قد اشتعلت في بلدان عربية أخرى قبلنا وما زالت آثارها مؤلمة وموجعة للقلب, حتى إن كان ذلك في صورة الطفل الغريق إيلان المتزين بلباس العيد والمستلقي بأمان على جنبه في أحد شواطئ اليونان موجها حذاءه الرياضي في وجه الإنسانية الظالمة, أو الشهيدة تفاحة العنتري والشهيدة رهام البدر الناشطة الحقوقية في مدينة تعز وقائمة الشهداء الميامين في ساحات عدن وصنعاء وغيرها من بقاع الوطن الغالي. كما يتألم كل ذي ضمير من قتل الأسرى بدم بارد في ساحات بنغازي ومئات المشاهد المؤثرة في سورية الغالية وكثير من بقاع عالمنا العربي المتشظي.

كنا نحلم أن يتوحّد وينعم هذا العالم العربي الذي يمتلك التاريخ ويمتاز بنقاط الجغرافيا ناهيكم عن ثروة متنوعة متكاملة قلّما توجد مجتمعة في بلاد من بلدان الدنيا. إنه من سوء الطالع ونحن نتحدث عن العرب وعن إمكانية توحدهم, أن تكون أول محاولة للوحدة العربية في العصر الحديث قد طُعنت في مقتل يوم 28 سبتمبر 1961م رغم أنه تم الاستفتاء على هذه الوحدة بين مصر وسوريا يوم 21 فبراير 1958م, باستفتاء شعبي وبرضاء كامل من شعبي القطرين, في حين أن الانفصال تم باستخدام القوة والرشوة ولم يتم أي استفتاء على الوضع الجديد. ولا ريب أن هناك جملة من الممارسات السياسية الخاطئة في إدارة شؤون دولة الوحدة هيأت مناخاً محفزاً لنجاح حركة ذلك الانفصال. ومنذ ذلك التاريخ المؤلم بل منذ ما قبله بحوالي نصف القرن لم يتعاف عالمنا العربي من الهزائم والنكسات والعودة لعصور التفكك والاستعداء وتجارة الحروب. حتى تلك التكتلات المحدودة على نطاق إقليمي وشكّلت نقلة نوعية نحو التكامل والتعاضد يعتريها هاجس الشك في بعضها واستعداء مكوناتها الأمر الذي يعجّل بفشل مثل هذه المشاريع الوحدوية. ومن الملاحظ في الجانب الآخر أن العالم المعاصر قد اختار اتجاه التوحد في تكتلات اقتصادية وسياسية وعسكرية كبرى, بينما اختار عالمنا الواسع الممتد خطوات نحو التشرذم بين أجزائه وفصم عرى الوشائج التاريخية بينها بفعل عوامل عدّة من بينها التخلف والأنانية والذاتية وغياب الرؤى الاستراتيجية والمصيرية.

فاليوم على مستوى الساحة اليمنية كمثال وبعد وحدة هلل لها الناس واستبشروا فرحاً بتحقيقها, ودخل صانعوها التاريخ من أوسع أبوابه في يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م, إلا إن تلك السانحة التاريخية المفصلية صاحبتها بعض التجاوزات الخاطئة ومنها عدم أخذ رأي الناس والاستفتاء على قيامها كما حدث في حالة الوحدة المصرية السورية عام 1958م وشهدت أثناء مسيرتها القصيرة ممارسات غير مسئولة وأخطاء قاتلة تقع على عاتق من كان قائماً علي تسيير دولة الوحدة, منها تفشي ظواهر الفساد ونهب المال العام والظلم الاجتماعي وانفلات الأمن وغلاء الحياة المعيشية على شرائح واسعة من المجتمع والقهر الاقتصادي وانعدام مفاهيم الضمان الاجتماعي وغياب العدالة الاقتصادية في توزيع ثروات البلاد والعدالة الاجتماعية في توزيع الوظائف المدنية والسياسية والأدهى من كل ذلك غياب هيبة الدولة المدنية ومؤسساتها القانونية والدستورية.

ومما زاد من تعقيد الأمور الحرب الدائر رحاها قرابة ثلاث سنوات عجاف, لم يجن منها الناس إلا المزيد من الضحايا الأبرياء وهدم مكتسبات الشعب ومتطلبات حياته الشريفة. كان بالإمكان الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب الأخرى فيما يتعلق بأنظمة الحكم كالأخذ بالنظام الاتحادي أو الفدرالي, وهذا ما تبلور إلى حد كبير في وثيقة مخرجات الحوار الوطني الذي رعته الأمم المتحدة وعُقد في العاصمة صنعاء بين كافة مكونات المجتمع اليمني السياسية والحزبية والمستقلة والذي استمر من 18 مارس 2013م واُختتمت أعماله في 25 يناير 2014م.

ولعل الجميع يدرك أن عدد الدول الاتحادية أو الفدرالية كبير في عالمنا المعاصر, فالاتحاد هو الذي قامت على أساسه الولايات المتحدة والأمة الأمريكية, وبالاتحاد أمكن في سويسرا لقوميات تتباين في اللغة والعرق والدين أن تتعايش في دولة واحدة. وهناك أمثلة كثيرة لدول اتحادية مثل ألمانيا الاتحادية وكندا واستراليا والهند وماليزيا وروسيا الاتحادية والبرازيل والأرجنتين والمكسيك ودولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها. يتضافر كل ذلك مع الحرص على مبادئ الاختيار الشعبي والخيار السلمي الديمقراطي واحترام الرأي والرأي الآخر وكفالة حقوق الإنسان وحرية التعبير واحترام وتطبيق مبادئ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات ورد المظالم لأهلها ورد ما نهب من حق الدولة والناس تحت أي مبرر كان وعدم التعرض للحقوق العامة والخاصة في ظل دولة مدنية وحديثة باسطة سلطانها بالحق وهيبتها على الجميع مع عدم انتقاص أو غمط حقوق أي منطقة أو ولاية أو إقليم في الثروة والسلطة وسط مناخ سياسي حر وتعددي ودون الإخلال بعلامات الجغرافيا وحقائق التاريخ.


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter