|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  22  / 4  / 2024                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



الفيتو الأمريكي الظالم

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

ليست هي المرّة الأولى التي تستخدم فيها الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو على قرار مُقدّم في مجلس الأمن بشأن فلسطين, وكانت هذه المرة هي قبول دولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الهيئة العامة للأمم المتحدة. فقد سبقها دون شك سجلّ واسع من هذه الاعتراضات على أي قرار في مجلس الأمن به جانب بسيط يصب في مصلحة قضية الشعب الفلسطيني المشروعة. ولعل الجميع تابع محاولة المجلس في عدّة دورات استصدار قرار بوقف إطلاق النار في الحرب الدائر رحاها منذ 7 أكتوبر 2023م بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزّة وبين جحافل الجيش الصهيوني الذي زُعمَ زوراً وبهتاناً بأنه الجيش الذي لا يُقهر. فقد خاض هذا الجيش عدّة حروب مع الجانب العربي وربما كلها كانت حروباً خاطفة وقصيرة الأمد وغادرة انتصر في معظم جولاتها ما عدا حرب 6 أكتوبر 1973م التي بذلت فيها جيوش مصر وسورية بلاء حسناً في بداياتها واستثمرت نهاياتها في تسويات سلمية برعاية من قبل الإدارة الأمريكية نفسها, ومن عجائب الأقدار أنني كنت قريباً جداً من ساحات تلك المعارك ما عدا بطبيعة الحال حرب النكبة وحرب 1956م, إذ كنتُ في مرحلة الطفولة. ورغم إعجابي الشديد بنظام التعليم العالي في أمريكا وبجامعاتها التي تتربّع على قائمة أفضل الجامعات ترتيباً في العالم حتى تكاد تكون ضمن أفضل 100 جامعة في العالم كل سنة من الجامعات الأمريكية, وساعدتني الظروف أن أذهب إلي الولايات المتحدة الأمريكية مرة واحدة فقط في عام 1986م أثناء فترة عمل الدكتوراه في فرنسا في مدينة تولوز الوردية والجميلة وذلك للمشاركة نيابة عن أساتذتي بالمعهد القومي للعلوم التطبيقية بتولوز بورقة بحثية في مؤتمر الخريف لجمعية مواد البناء الأمريكية في مدينة بوسطن شمال مدينة نيويورك. كان انعقاد المؤتمر العلمي في مدينة بوسطن بولاية ماتشوسيتس والتي بها جامعة هارفارد ومعهد ماتشوسيتس للتكنولوجيا وهما على قمة الترتيب الدولي للجامعات على مستوى جامعات العالم كلها. لا غرابة أن لا تبدي أمريكا تعاطفا مع قضايا الشعب الفلسطيني الذي شُرّد من أرضه منذ نكبة 1948م, وما مخيّمات اللاجئين في قطاع غزة إلا نتيجة لتلك الهجرة القسرية لهذا الشعب الفلسطيني المنكوب خارج أراضيه في غزة ولبنان وسورية والأردن وباقي مناطق الشتات. وربما تولّدت تراكمات نفسية سلبية لدى مواطني بلادنا الشرفاء جرّاء علاقة الإدارة الأمريكية بقضايا أمتنا وعدم إيلائها الاهتمام الإنساني العادل, وربما يقف التاريخ الدموي لهذه الدولة العظمى حاجزاً نفسياً قاتماً, وهي التي بنت أركان دولتها على سلسلة من الجرائم البشعة وحملات الإبادة الجماعية المُمنهجة للسكان الأصليين من قبائل الهنود الحمر المسالمين. والأمر كذلك فلا غرابة على الإطلاق أن تقف الولايات المتحدة موقفاً مسانداً للنظام الصهيوني الظالم في أرض فلسطين التاريخية وأن تمدّه بمختلف الأسلحة الذكية والفتّاكة التي حصدت أرواح الأبرياء من النساء والأطفال تجاوزت الحصيلة النهائية حتى اليوم أكثر من 110 ألف ما بين شهيد وجريح ومفقود. أما على المستوى الشخصي ورغم زيارتي القصيرة لمدينة نيويورك وبوسطن, فقد آلمتني هناك مظاهر سلبية جمّة ظلّت عالقة في ذهني حتى اليوم. ورغم أني كنت أحمل آلة تصوير شخصية إلا إني لم التقط بها أي صورة للتذكار من أمريكا, ولكن صور الذاكرة كانت كثيرة منها أني عندما وصلتُ الأراضي الأمريكية ودلفتُ مع المسافرين مطار جون كنيدي في نيويورك كانت هناك لوحتان, واحدة خضراء للذين ليست لديهم أي أشياء للتصريح بها, ولائحة أخرى حمراء لمن لديهم ما يصرّحون به لسلطات المطار. طبيعياً سلكتُ الخط الأخضر ولكني اُستدعيت بإشارة مستفزّة من قبل موظفة سوداء قصيرة وبدينة بشكل ملفت لتسألني: لماذا قدمتُ؟ وماهي وجهتك؟ وأين ستسكن؟ وكانت لدي الأجوبة الصريحة والواضحة. وفي موقفٍ آخر دخلتُ مكتب بريد نيويورك وفتحتُ إحدى كابينات الهاتف لإجراء اتصال هاتفي بالأهل, ففوجئتُ بشيخٍ كبير يغطُّ في نومٍ عميق مقوساً جسمه بمساحة الكابينة. وفي محطة المترو التي لا يمكن مقارنتها على الإطلاق بمحطات مترو باريس الأنيقة, شاهدتُ طفلاً صغيراً مشرّداً أسفل سلّم إحدى عربات المترو يعدُّ في راحة يده نقوداً معدنية يبدو إنه كسبها من التسوّل. وفي أحد شوارع نيويورك المكتظّة بالمحلات التجارية دخلتُ إحداها لشراء شيء كنت أحتاجه لأكتشف إن البائع يهودي عرّفني هو بنفسه. وفي ناصية أخرى, كان هناك من نَصَبَ كرتوناً مجسّماً لصورة الرئيس وقتها ريجان بالمقاس الطبيعي مبتسماً, وينادي هذا الرجل المارّة "من يريد أن يتصوّر مع الرئيس؟" ولا أريد أن أكون متطرّفا لآخر الشوط في الحكم على أمريكا من خلال زيارة في مهمة بحثية لم تستغرق الأسبوع الواحد وعرفتُ فيها مدينتين فقط بما تحملانه من سلبيات وإيجابيات. ففي نيويورك تمثال الحرية الشامخ في خليجها الجميل وبها المتحف البحري الرائع الذي يمكنك أن تشاهد عبر الزجاج الشفاف أسماك القرش المفزعة وبقية الحيوانات البحرية وبها مبنى الأمم المتحدة الذي يفتح أبوابه للسواح والزائرين لتشاهد صور ونماذج من مخلّفات الدمار في هوريشيما ونجازاكي اليابانيتين إثر إلقاء القنبلتين الذريتين عليهما, وحتى هذه تُعد إدانة بالغة لسياسة أمريكا ولفهم لماذا يجفل الكثير منها رغم رفعها لشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟



المكلا في 20 أبريل 2024م


* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter