|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  20 / 4 / 2021                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



عمي يا بو شاكوش

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

فُجعت الأوساط الثقافية والشعبية في عدن وفي جنوب اليمن عامة بخبر وفاة الفنان والمُلحّن العراقي جعفر حسن متأثراً بإصابته بفايروس كورونا المستجد بأحد مستشفيات مدينة أربيل صباح يوم الأثنين 19 أبريل. كشباب جيلي في بدايات السبعينات كنا نُعجب بهذا الفنان العراقي الأنيق الذي حلّ مدينة عدن ومكث فيها قرابة عشرين سنة, يتغنّى بأغاني وأناشيد سياسية يمنية ووطنية في منتهى الإتقان, وتتّسق مضامينها مع الاتجاه السياسي العام لنظام الحكم وقتها في جنوب اليمن, وهو نظام تبنّى النهج الاشتراكي بحديّة شديدة في بلد صغير غالبية مواطنيه تعاني من الجهل والفقر والتخلّف.

لا شك أن الفنّان جعفر حسن كان أيقونة واضحة المعالم فرضت حضورها ضمن الأجهزة الثقافية المركزية المسؤولة عن الإعلام الموجّه والتحريض الشعبي في نظام الحكم الشمولي في عدن الذي رسّخ مداميك حكمه بإجراءات صارمة وقاسية. ربما كان من تلك الإجراءات الغريبة في بداية السبعينات خروج الأتباع والمشجعين وللأسف أغلبيتهم من المساكين السُدّج في مسيرات صاخبة جابت العاصمة عدن طوال أسبوع بكامله أطلق عليه مسيرات الأيام السبعة المجيدة. كان أغرب ما في ذك الأسبوع المطالبة بتخفيض الرواتب الحكومية وهو مطلب كان بالإمكان تحقيقه بإجراءات هادئة ونظامية دون الاعتماد على تلك الهبّات التي اتّسمت بالفوضى والتجاوزات الشنيعة, الأمر الذي جعل غالبية القيادات العُليا في الدولة والحزب الحاكم أن تنتقده فيما بعد. وفي ذلك الأسبوع كذلك برزت مسألة تأميم المساكن والبيوتات التجارية أو ما أطلق عليه تأميم كل المرتفعات الاقتصادية في البلاد, وقد تمّت فيما بعد كذلك مراجعة كل تلك الخطوات الارتجالية.

ربما كانت أمام الثوار الشباب الحكّام وقتها مهمة صعبة للغاية تمثّلت في كيفية تحويل المجتمع القديم إلى مجتمع اشتراكي ونشر الأفكار والرؤى المادية نحو الحياة في المجتمع ومحاولات حادة وقاسية لربط النظريات بالتطبيق في مجتمع خرج للتو من ربقة الاستعمار البريطاني الذي دام حكمه قرابة 129 سنة منذ أن غزت بريطانيا عدن صبيحة يوم التاسع عشر من يناير 1839م. ولا شك أنه من الإنصاف القول أن التجربة رغم قصر مدّتها الزمنية التي لا تزيد عن 23 سنة ورغم كثير من التجاوزات والسلبيات التي صاحبتها, إلّا إنها كانت تجربة تفرّدت بكثير من الإيجابيات في المجال الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتعليمي.

كان للفنان الراحل جعفر حسن صاحب الخلفية الثقافية والتعليمية الممتازة من موطنه العراق أثراً بارزاً في تطوير المناهج التعليمية في معهد الفنون الجميلة بعدن والذي سُمّي فيما بعد معهد جميل غانم على اسم موسيقار عدني شهير, فقد عمل فيه أستاذاً وربما عميداً. إن من الأمور الإيجابية والحسنة لهذا الفنّان المهاجر أنه لم يُغنِّ إلا للشعب وللوطن وللعمّال والصيّادين والفلّاحين, وما أغنيته الشهيرة "عمّي يا بو شاكوش" وكذا "هيلا يا صيّاد يا بو السفينة" وكثير غيرها إلّا خير دليل على ذلك. غير أنني شخصياً وأكيد الكثير غيري تشدّني للغاية أغنيته الرائعة والمميّزة " شامة على خدّ الزمن يسعد صباحك يا يمن". فقد غنّاها بصوت شجي صادق وبنبرات عذبة مؤثّرة في لحنٍ جاذبٍ وشيّق. رحم الله الفنّان جعفر حسن وعزاؤنا لأهله ومواطنيه في العراق ولأهل عدن خاصة ولأهل اليمن على وجه العموم.

 


المكلّا في 19 أبريل 2021م


*
نائب رئيس جامعة حكومية سابق
ورئيس جامعة أهلية سابق


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter