| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
االثلاثاء 1 / 10 / 2024 د. سالم رموضه كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
حول المواقع التراثية والأثرية في اليمند. سالم رموضه *
(موقع الناس)هذا تلخيص لدراسة مسحية شملت أهم المواقع التراثية والأثرية في معظم محافظات اليمن, كنتُ قد تقدمتُ بها لمؤسسة وطنية بحثية وعلمية جادة تعني بالشأن اليمني في جانب العلوم والإنسانيات وخاصة في المجالات التي ترتكز عليها خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وكنتُ قد وضعتُ لها عنواناً مناسباً حسب طلب تلك المؤسسة المعتبرة والذي يختلفُ قليلاً عن عنوان هذا المقال المختصر عن تلك الدراسة, وكان العنوان الأساس هو كالتالي:
"حول الوضع الراهن للمواقع التراثية والأثرية في اليمن"
وحريٌّ القول أن اليمن تمتازُ بأنها كانت مهداً للحضارات القديمة، وساهمت مساهمة فعالة في كل مراحل ومنعطفات الحضارة الإنسانية بما خلّدته من موروثات ثقافية وحضارية، مازال بعضُها ماثلاً للعيان حتى اليوم, وكثيرٌ منها لم تُظهره بعد حملاتُ الاستكشافات التراثية والتنقيبات الأثرية. ويمكن القول كذلك بكل وضوح أن اليمن يزخرُ بالعديد من المدن الأثرية والتاريخية منها ثلاث مدن مسجّلة في قائمة التراث العالمي لليونسكو وهــي:
- مدينة صنعاء القديمة
- مدينة زبيد التاريخية
- مدينة شبام حضرموت
كما إن هناك مجموعة أخرى من المدن والمحميات الطبيعية والمواقع الأثرية والتراثية المؤهلة في اليمن لتصبح ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي, وقُدّمتْ بشأنها ملفات ضافية وهي الآن تحت الطلب والمتابعة الرسمية لعلَّ من هذه المدن والمواقع:
- مدينة الهجرين في وادي دوعن.
- مدينة عدن القديمة أو ما تُسمّى مدينة كريتر.
- المدن التاريخية مأرب والجوف وصعدة و جبلة وشبوة
- أرخبيل سقطرى
إن هذه المدن التاريخية والمعالم التراثية والأثرية فيها والمحميات والمواقع الطبيعية بحاجة ماسة إلى جهود حثيثة ومنهجية في عمليات الحفاظ عليها للتغلّب على التحدّيات الطبيعية والبشرية المختلفة. ومما يُجدر الإشارة إليه بأن اليمن قد حَصُلت في الفترة الأخيرة وبالتحديد في سبتمبر من العام 2007م على جائزتين في حماية التراث الإنساني العالمي :
الأولـى جامع ومدرسة العامرية التاريخية بمدينة رداع بمحافظة البيضـاء، والثانيـة مدينة شبام حضرموت, وهما ضمن جوائز الأغا خان في العمارة الإسلامية التي تُمنح غالباً في مجال الحفاظ والحماية للـتراث . وهذا دليل على أن الأرض اليمنية زاخرة بالعديد من المآثر الإنسانية والحضارية التي تستحق التوثيق والشهرة الدولية والتكريم العالمي. جاء الفوز بهاتين الجائزتين من بين تسع جوائز تم الإعلان عنها ضمن منافسة دولية حادة لحوالي 342 مشروعاً معمارياً من مختلف دول العالم وهذا يدل دلالة أكيدة على إن اليمن بهذا الفوز قد نالت قرابة 25% من اهتمام العالم المتحضّر, وهذه شهادة عالمية لها بأنها مهد الحضارات وموطن الموروثات الثقافية والمعمارية الأصيلة والمتفرّدة. ولعلها مناسبة في هذا الصدد القول بأن اليمن قد فازت كذلك في وقت سابق وبالتحديد في عام 2004م بجائزة الأغا خان هذه, وذلك بفوز مسجد الأسناف بمحافظة صنعاء أو ما يُسمّى مسجد العباس بأسناف خولان. هذا التكريم جاء بعد جهود دولية وحكومية تمثّلت في جهود الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف والهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية, أما في ما يخص الجائزة التي خُصّصت لمدينة شبام حضرموت، فالدور الكبير الذي كان سبباً في هذا الفوز هو لجهود المشروع اليمني الألماني للتنمية الحضرية بشبام وما قام به برنامج المشروع خلال فترة وجوده في تحسين خدمات البنية التحتية في مدينة شبام وتحسين وإعادة تأهيل بعض المرافق فيها. كما إن لدور الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية وفرعها في شبام وكافة المؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية في المديرية أثرٌ فعّال في إنجاز كثير من الأعمال التحسينية, الأمر الذي ساعد على إظهار مدينة شبام في مركز يؤهلها للفوز بالجائزة بجدارة . ولا يمكن بأي حال إغفال دور الإنسان في شبام وإصراره على أن تبقى مدينته هذه عامرة مأهولة وهو في نفس الوقت معتز بفنه المعماري الأصيل وبفن آبائه وأجداده.
ومع كل ذلك فإنه ما زالت الجهود الرسمية والأهلية والدولية مطلوبة وبشكل منهجي و منتظم للحفاظ على كل أصناف الموروثات الحضارية في كل أنحاء اليمن. والسؤال الكبير الذي برز أثناء التخطيط لمنهجية ذلك البحث والدراسة هو: كيف يمكن الكتابة عن المواقع التراثية والأثرية في اليمن؟ خاصة إذا تطلّب الأمر بعض التفصيلات, فإنه من المستحيل استقصاء ذلك ضمن إطار مثل ذلك العنوان, لأن كل منطقة وكل محافظة وكل مديرية بل كل مركز بها من تلك المعالم ما يكفي لدراسة شاملة بأكملها. وللخروج من هذا المأزق, أختار الباحث الجانب العام ولكن بدلالة معبّرة تقترب من أهداف البحث, مع تركيز واختزال بعض الملامح والصور التي تضفي على تلك العمومية لمسات تقترب من أن تكون ذات تجسيد علمي نوعي ومعبر وعرض أكاديمي موضوعي ومجرّد.
وعلى كل حال فهذه كما سلف القول أنها عبارة عن خلاصة دراسة مسحية شاملة لمناطق متعددة من اليمن قام بها الباحث بصورة شخصية وبمبادرة ذاتية لرصد مؤشرات عامة حول الوضع الراهن للمواقع التراثية والأثرية في اليمن بشكل عام, متجنّبة جوانب التفصيل الشامل مع التركيز على جوانب وموضوعات مرتبطة أشبه بدراسة الحالات عن عمليات ترميم والتنبيه عن حالات إندثارات في بعض المواقع التراثية والأثرية, ومؤكد أن هناك حالات كثيرة مشابهة لها في الوطن اليمني الكبير. وبالتالي فإن التطرّق لقائمة طويلة من المواقع التراثية والأثرية في اليمن أمرٌ إن لم يكن مستحيلاً, فهو غير قابل للحصر في بحث محدود وبإمكانيات ذاتية محدودة. ومع ذلك وحتى يتم التقيّد بالمحور المرسوم للبحث وتحت إطار العنوان المحدّد له, أصبح من الضروري التعامل مع هذه الدراسة وتركيزها وبما لا يخل بمضمونها في اتجاهات ثلاثة: أولاها اختيار في المتوسط معلمين أو ثلاثة من كل محافظة كنموذج بارز لمواقع وآثار تلك المحافظة, علماً بأن بعض تلك المواقع حظي باهتمام الجهات المختصة في الدولة كالهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية والهيئة العامة للآثار والمتاحف ووزارة الأوقاف وغيرها من الجهات ذات العلاقة, وساهمت منظمات إقليمية ودولية في الحفاظ عليه وبالتالي فهو في حالة جيدة. أما بعضها الآخر فقد طالته نوائب الدهر وبراثن الإهمال وأيادي العابثين ولا مندوحة نتيجة لذلك في أن يكون في حالة سيئة. والاتجاه الثاني رصد حالة من عمليات الصيانة والترميم كنموذج اطّلع الباحث على كل مراحل تنفيذها والهدف من ذلك التأكيد على إن عمليات من هذا القبيل لا بد أن تكون من أولويات برامج تلك الهيئات المعنية بقضايا التراث والآثار وهي كفيلة بحفظ موروثات الوطن من الطمس والاندثار. أما الاتجاه الثالث والأخير فهو رصد حالات من الاندثارات أشبه بدراسة الحالة تطال في كثير من الأحيان معالم ومواقع تراثية وأثرية مهمة والتنبيه على الجهات المعنية رسمية كانت أم أهلية بأن تُولي هذه المسألة بالغ اهتمامها وتعمل على تشكيل منظومة من الخطط المدروسة ومصفوفة من الإجراءات التنفيذية لمعالجة مثل تلك الاندثارات. وبناء على ذلك سيتم التطرق لمعظم المحافظات اليمنية إن لم يكن كلها باعتبار أن المحافظات التي لم تُذكر هي أقرب لمحافظة مجاورة لها, وبترتيب ليس بالضرورة أن يكون حسب أهمية وحجم الموروثات التراثية والأثرية فيها.
المكلا في 1 أكتوبر 2024م
* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق