|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء   1  / 3  / 2023                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



البناء بالطين
أسس عامة للتنفيذ والتأهيل للعمارة الطينية

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

هذا عنوان كتاب حول موضوع التربة او بأكثر دقّة الطين كمادة بناء أساسية في اليمن وربما في بعض البلدان العربية الأخرى للباحث الدكتور ثابت سالم العزب الأستاذ المشارك بقسم الهندسة المدنية بكلية الهندسة جامعة عدن, استند فيه بدرجة كبيرة على أطروحة الدكتوراه التي أجيزت بامتياز في كلية الهندسة المدنية ومواد البناء في جامعة بولوجرود الحكومية, روسيا الاتحادية عام 2010م, وكان عنوان رسالة الدكتوراه (الخواص الإنشائية للطين في اليمن). كان لي شرف أن أكون المشرف المحلّي لتلك الرسالة, أما المشرف الأساسي فكان بطبيعة الحال من روسيا الاتحادية وهو الأستاذ الدكتور ف. س. ليسوفيك عضو المجمع الأكاديمي الروسي وأستاذ المواد وتقنياتها في جامعة بولوجرود الحكومية وكذلك بعض الجامعات الروسية الأخرى. لم يكن موضوع الرسالة محصوراً كما هو واضح من بنود محتوياتها في جانبها النظري البحت وهو دون شك شائك ومتشعّب ولكن الباحث استطاع أيضاً أن يربط النظريات العلمية والدراسات المخبرية المصاحبة لها ونتائجها المتحصّل عليها بالتطبيقات المتعلّقة بصناعة وبناء الجدران الطينية في المباني الطينية وسقوفها.

فالكتاب الذي بين أيدينا إذن يمكن اعتباره ضمن إطار المنهاج الدراسي الشامل لمقرر مواد البناء التقليدية التي تُدرّس بشكل نمطي لطلاب أقسام الهندسة المدنية والهندسة المعمارية في الجامعات اليمنية الحكومية منها والأهلية, وإن كنتُ أطمحُ باعتباره إضافة علمية بارزة بأن يُفرد له موقعاً مستقلّاً في الخطط الدراسية لتلك الجامعات وذلك لعدة أسباب ومنها:

- إن الباحث في كتابه هذا قد وظّف كل خبراته السابقة في مجال العمل الموقعي والإشرافي في بناء المنشآت الطينية في الجمهورية اليمنية وبالذات في مدينة شبام حضرموت, وربما كذلك من خلال تدريسه مواد البناء وإنشاء المباني في كلية الهندسة بجامعة عدن.

- لم تظهر في المكتبات المحلية ناهيكم في المكتبات العربية إي إصدارات علمية مشابهة أو مناظرة في هذا الموضوع وبهذا الشمول النظري والمختبري واستقصاء مواد التربة وما يتعلّق بها في أكثر من محافظة وعلى وجه الخصوص في لحج وصنعاء وحضرموت, وقد تم نقل عيّنات منها لمختبرات مواد البناء لتجُرى عليها فحوصات دقيقة وبأجهزة فنية حديثة خاصة فيما يتعلّق بالتركيبات الذرية لمختلف الأكاسيد المكونة لأنواع الأطيان المختلفة.

- لعل الجميع يدرك بأن بلادنا تزخر بموروث حضاري وتراث معماري مُميّز في مجال العمارة الطينية والدليل على ذلك أن هنالك شواهد حيّة بارزة في مدن طينية عدّة تبنتها منظمة اليونسكو كمدن تقع ضمن دائرة الاهتمام والرعاية من قبلها ومنها مدينة صنعاء القديمة وزبيد وشبام حضرموت والهجرين. ومدينة شبام على سبيل المثال تكفيها شهادة هذه المنظمة التي تعني بالتربية والعلوم والثقافة (بأنها من أكمل الشواهد على ما بلغه الفن والهندسة المعمارية).

- أوصت كل المؤتمرات والندوات العلمية التي عُقدت في الجامعات اليمنية وبالذات في جامعة عدن وجامعة حضرموت بالاهتمام بمواضيع العمارة الطينية والمواد الطينية المرتكزة عليها منذ الندوة الأولى في جامعة عدن حول صيانة مدينة شبام وآثار وادي حضرموت عام 1988م حتى الندوة العلمية حول العمارة اليمنية وتحديات العصر عام 2008م مروراً بالمؤتمر العالمي حول العمارة اليمنية, التطور والآفاق عام 1991م. وفي جامعة حضرموت منذ المؤتمر العلمي الأول, العمارة الطينية على بوابة القرن 21 في عام 2000م وحتى المؤتمر العلمي الثاني العمارة الطينية وتطلعات الألفية الثالثة للحداثة والاستدامة والذي كان مقرراً له الانعقاد في عام 2011م.

وبناء على ذلك فإني لا استغرب الحماس المنقطع النظير الذي يدفع المؤلف بكتابه للذين بيدهم القرار العلمي والأكاديمي والإداري في الجامعات اليمنية بأن يولوا هذا الأمر بالغ اهتمامهم, فالمؤلف قد رتّب محتويات كتابه في شكل منهجي تسلسلي سليم بدءاً من الفصل الأول الذي خصّصه لتعريف الطين كمادة بنائية عريقة وتعرّض فيه لبعض المفاهيم العامة لخصائص التربة الطينية. وفي الفصل الثاني بيّن بوضوح التجارب الموقعية للتربة الصالحة للبناء ومواد البناء المساعدة وهي تجارب عدّة وضرورية لاختيار نوعية التربة الصالحة مع تحسينها وتقوية نقاط الضعف فيها ببعض الإضافات العضوية كالألياف الزراعية أو المواد الكيميائية الصناعية. وفي الفصل الثالث تتطرّق للبناء بطوب اللبن وهو النموذج الأبرز في التقنية الشعبية الموروثة لهذا النمط من البناء في مدن وادي حضرموت خاصة وبقية مدن حضرموت على وجه العموم. واختتم المؤلف دراسته الضافية هذه في الفصل الرابع بالبحث في موضوع مهم وأساسي وهو صيانة المباني الطينية, والهدف المُتوخّى من هذه الدراسة هو المحافظة على المدن التاريخية وهو أمر يستدعي الإشادة به وحث السلطات المعنية على المستوى الرسمي والشعبي وعلى المستوى الوطني والقومي على تبنّي مواضيع الحفاظ على المدن والمباني الطينية التاريخية وهي كثير بما يساعد على الحد من التجاوزات والمخالفات المنتشرة, بمعنى ضرورة الحد من ظاهرة البناء العشوائي في المراكز المدينية وسن التشريعات اللازمة والالتزام بتنفيذها بما يضمن الحفاظ على البيئة من التلوث والتشوّه المعماري, وبث الوعي البيئي لدى الناس على أهمية هذه الإجراءات وأثرها البالغ في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدولة وبلاد تمتلك ما تفتخر به من تراث حضاري زاهر وموروث ثقافي عامر ضارب أطنابه في جذور التاريخ.



المكلا في 1 مارس 2023


* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق
ورئيس جامعة الأوائل الحديثة حالياً
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter