|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  19 / 3 / 2021                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



بين القصرين

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

استعير هنا عنوان أولى الروايات من ثلاثية الأديب الراحل نجيب محفوظ, التي ربما استندت بشكل أساسي إليها لجنة جائزة نوبل لاختياره المرشح المستحق والجدير بجائزة الآداب لعام 1988م. وربما لدى اللجنة المعنية في جائزة نوبل أو القائمين عليها أمور أخرى خافية علينا غير رواية "بين القصرين" أو أي رواية أخرى من أعمال الأديب الكبير نجيب محفوظ وقد فاق عددها الخمسين رواية. وعلى كل حال فإن ما أتحدث عنه هنا يدور فعلا بين قصرين عتيقين ولكن ليس في مصر المحروسة وليس في قاهرة المعز بأحيائها التي تحمل عبق التاريخ. ولعلي أتذرع بأحقية تاريخية لنا في فسطاط مصر منذ أن فتحت على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص. فالأمير الشبامي قيسبه بن كلثوم السكوني مع رجاله الأشاوس شهد فتح مصر مع القائد عمرو بن العاص ولذلك أقطعه عمرو أرضاً بالفسطاط وهبها قيسبه للمسلمين فأنشئ عليها المسجد المعروف بجامع عمرو بن العاص. ذاك شيء من الماضي يدعو للاعتزاز, ولكن كم يتألم المرء اليوم على الحال الذي آل إليه دار ناصر في مدينة الشحر التاريخية شأنه شأن بقية المعالم الأثرية في هذه المدينة العريقة. فهذا القصر التي نراه اليوم في حالة يرثى لها كان في يوم من الأيام ذا خمسة طوابق أبان عزه وسؤدده, وأول من وضع أساسه و بناه في عام 1768م هو الأمير ناجي بن عمر بن بريك مؤسس الإمارة البريكية في الشحر التي حكمت من عام 1751م حتى عام 1866م, ثم أضاف إليه السلاطين القعطة فيما بعد طابقين آخرين. أصبح هذا القصر في حالة مزرية للغاية بعد أن تحولت واجهاته إلى أكشاك عشوائية ومصاطب سرطانية لا تتناسب على الإطلاق مع مكانة وتاريخ ذلك الأثر التاريخي والمعلم الحضاري. أليس من المؤلم أن تصل حالات الاندثار والتشويهات المستحدثة في هذه الدار حتى تصبح أشبه بالخرائب ومن دورين مهدمين فقط وقد كانت في يوم من الأيام تحفة معمارية بديعة من خمسة أدوار جميلة. إنه من الواجب الوطني بل والإنساني أن تبذل كافة الجهود الحثيثة والمساعي الحميدة من قبل الجهات المختصة وعلى رأسها السلطة المحلية وكذا المنظمات الدولية المعنية بحماية التراث الإنساني لانتشال وضعية هذا القصر من الوضع البائس الذي هو عليه من خلال مبادرات جادة محلية ودولية لصيانته وترميمه وإعادة تأهيله أسوة بمباني أثرية أخرى كجامع ومدرسة العامرية التاريخية في رداع وجامع جبلة وضريح الملكة أروى في إب. والآن يبدو أن الدور سيأتي على قصر تراثي آخر ألا وهو قصر الرناد وما يمثله هذا القصر كأحد الرموز الأثرية والسياحية في مدينة تريم التاريخية, أحد حواضر وادي حضرموت المعطاء. ما أشبه الليلة بالبارحة وما أقسى أن تتحول الآثار الوطنية والموروثات الثقافية مثل قصر الرناد في تريم إلى مجمعات حكومية وأسواق عامة, الأمر الذي يجعلها عرضة للتشويه و التدمير والاندثار كما حصل لقصر ناصر في الشحر الذي أصبح أثراً من بعد عين, وسوف تتكرر المأساة بكل فصولها في قصر الرناد البديع إذا لم يصرف النظر عن مثل تلك الحلول والخيارات غير الصائبة. وحتى يكون مثل هذا الطرح منصفاً فإن هناك جهوداً قد بذلت من قبل الجهات المختصة لترميم قصر الرناد كما قد بذلت جهود شعبية خيرة وطوعية لترميم جزئي لحصن الدولة في الديس الشرقية, إلا إن الحاجة لمزيد من الجهد والاهتمام مطلوبة للحفاظ على هذه المعالم التاريخية ابتداء من حصن الدولة و دار ناصر وحصن بن عياش حتى قصر النعيم وقصر الرناد مروراً بكثير من الحصون والقصور والقلاع الأثرية, لأن ذلك جزء من التراث ومن سجل الماضي وموروثاته الثقافية المحفوظة في ذاكرة الناس وهو قيمة لا تُضاهى بأي ثمن أبداً.
 


المكلا في 19 مارس 2021م
 


*
نائب رئيس جامعة حكومية سابق
ورئيس جامعة أهلية سابق


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter