|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  19 / 1  / 2022                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



هل يجب السكوت على هذا؟

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

لقد كان أمراً مؤلماً للغاية أن تنقل وسائل التواصل الاجتماعي هُتافات بعض المتعصبين الصهاينة في القدس وبعضها تجاوز الحد الأخلاقي والديني ناهيكم عن الاعتبارات الإنسانية. إنه من المؤسف بمكان أن تتناهش فلول مغتصبة لأرض أناس كانوا في يوم من الأيام هم أصحاب الأرض وهم سادتها فتُلقى عليهم سهام الغدر من كل زاوية وللأسف حتى من الأقارب والجيران. دعونا نستعرض في ألم ومرارة بعض من هذه الهتافات وهي بلسان عربي فصيح:

" النبي محمد مات"
" الموت للعرب. السعودية معنا, لبنان معنا, المغرب معنا"
" العربي الجيّد هو العربي في القبر"
" العربي ابن الزنا. اليهودي المحبوب"
" فلسطين ميّتة"
وعندما تصدّت لهم فلسطينية حرة صارخة:
" فلسطين موجودة غصباً عنكم"
انبرى لها أحد الوقحين زاعقاً:
" روحي من هنا. موتي. اسكتي ليس هناك فلسطين"
" النكبة الثانية على الطريق. ستنتهون في مخيّمات اللاجئين"
وانطلقت أهازيج الحقد المتأصّلة فيهم:
" ليت قريتك تحترق. هذا بيتنا أذهبوا لتايلاند"
" فاهم علي؟ هذا بيتنا"
ولا أدري ما هو السر في اختيار تايلاند بالذات؟

وفي المقابل:
كم هي لقطات مؤثرة ومأساوية تلك التي نُقلت على الهواء مباشرة بالصوت والصورة عبر وكالات الصحافة العالمية والمحلية وهي لحظات استشهاد الوزير الفلسطيني زياد أبو عين على يد عصابات وقوات الاحتلال الصهيوني في قرية تر مسعيا شمال مدينة رام الله وهو يشارك أبناء القرية التصدي لسياسات الجدار العازل وبناء المستوطنات ومصادرة أراضي فلسطين وهي سياسة درج عليها العدو المحتل منذ اغتصاب الأرض في عام 1948م وتلاه عام 1967م , لا بل قبل ذاك العام المشؤوم والذي أطلق عليه عام النكبة, والعام الآخر الذي أطلق عليه عام النكسة. و شُيّعت جنازة الشهيد أبو عين في مراسيم رسمية وعسكرية وشعبية من مقر رئاسة السلطة الفلسطينية إلى مقبرة مدينة البيرة المتاخمة لرام الله. والملفت للنظر أن الوزير الشهيد وهو حامل ملف الجدار الفاصل وسياسات الاستيطان في السلطة الوطنية الفلسطينية, كان يقود بنفسه مظاهرة احتجاجية تعامل معها جنود الاحتلال كعادتهم بالعنف وعدم احترام آدمية الإنسان, فسقط الشهيد بهدوء على ظهره موليا وجهه صوب السماء ضارعا إلى الذي لا تنام عينه أن ينصر قضيته ويدحر الصهاينة المحتلين. ألف تحية سلام وألف طلقة مدفع لذلك الوزير الراحل إلى رحاب ربه ونحسبه بإذن الله شهيدا شهيدا, وهي العبارة التي كان يرددها الشهيد ورمز المقاومة الفلسطينية أبو عمّار. لقد كان الوزير يقود مجموعة من النشطاء لزرع أشتال الزيتون في أرض مهددة بالمصادرة الصهيونية للحيلولة دون مصادرتها, وهو الذي يشغل منصب رئيس هيئة مناهضة الجدار والاستيطان بدرجة وزير, ولكنه بخلاف غيره لم يعقه منصبه الرسمي عن استمرارية النضال على الأرض وربط برنامج هيئته بالممارسة والتطبيق والتنفيذ, لا كما هو حاصل لدينا أن يكون الوزير في وادي وتخصص وزارته في واد آخر. لقد شاهد العالم أجمع كيف أن الوزير أبو عين كان يجادل بسلمية شرذمة من جيش الاحتلال الصهيوني والتي قتلته بدم بارد لأنه لم يتراجع عن هدفه بل سقط مدافعا دونه وسقطت معه أغصان الزيتون التي كان يحملها بيده لغرسها في تراب أرض فلسطين الطاهر موطن الأنبياء والصدّيقين, لكنه أبقى على كوفية المقاومة الفلسطينية فوق كتفه حتى آخر لحظة في حياته. وتشاء مشيئة الله سبحانه وتعالى أن يأتي استشهاد الوزير أبو عين غداة الذكرى 27 للانتفاضة الفلسطينية الأولى, التي لولاها ما كان أن تقوم سلطة فلسطينية أصلا. ألف رحمة تتغشّى روح الشهيد الصاعدة إلى بارئها في علّيين ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
 


المكلا في 15 يناير 2022م


*
نائب رئيس جامعة حكومية سابق
ورئيس جامعة أهلية سابق


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter