|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  17  / 9  / 2022                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



التربية في حضرموت بين جيلينٍ

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

لا أود أن أتناول مثل هذه المواضيع بتفاصيلها, فربما يعتقد البعض أني اقترب من دوائر لا يجوز الاقتراب منها, ولكني أود أن أشير فقط إلى ثقافة التربية بين جيلين مع صعوبة وضع فواصل محددة بين الأجيال المتعاقبة. ولهذا فأني أضع مقياس الزمن الذي أقصده بجيل الخمسينيات والستينيات من جهة وجيل الحاضر من جانبٍ آخر. هذان الجيلان يفصل بينهما إن جاز هذا الفصل قرابة أكثر من نصف قرن من الزمان. إن ذاك الجيل السابق في ذلك الزمان البديع رغم قساوته وشظف العيش فيه وبساطة حياته إلا إنه كان يُنظر إلى التربية والنجاح بثقافة صافية ومغايرة لما هو حاصل اليوم. تربى الأبناء فيه على حب العمل الخلاق والنجاح المستحق والتنافس الشريف, ولهذا برز منهم الكثير في شتّى مجالات الحياة. كانت منظومة القيم الاجتماعية وقتذاك هي قيم التفوّق والكد والإتقان والوفاء بالوعد والصدق واحترام الوقت, ولكن هذه القيم للأسف الشديد قد تفوّقت عليها في ثقافة اليوم وقطعاً دون تعميم قِيم المظهرية والتواكل والاعتماد على الحظ والفهلوة والتباهي.

إذا وددنا أن نُبيّن أولاً محدّدات النظام التعليمي الأساسي ما قبل الجامعي في ذلك الجيل الأول, فإن ذلك النظام التعليمي الأساسي يبدأ في ذلك الزمان بالتعليم الابتدائي لمدة أربع سنوات ثم يليه التعليم المتوسط لمدة أربع سنوات أخرى وينتهي بالتعليم الثانوي لمدة أربع سنوات كذلك وكل مرحلة من هذه المراحل لها طابعها وخصوصياتها, ولكنها تتفق جميعها بأن احترام المدرس وتوقيره هو الأساس فهو القدوة وهو المرجع التربوي والتعليمي وتتفق كذلك في تهيئة أجواء التنافس الشريف بين التلاميذ والمتابعة التربوية الحريصة من قبل الإدارة التربوية والآباء وأولياء الأمور. هذا النظام التعليمي وبهذا السلّم التعليمي المتجانس والمتوازن كان سائداً أبّان الحقبة التي كانت فيها حضرموت على وجه الخصوص خاضعة لمحميات عدن الشرقية. ثم جاءت فترة الاستقلال عن بريطانيا في منتصف الستينيات لتتشكّل جمهورية في جنوب اليمن سُمّيت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية, ما فتئ أن تبدّل الاسم إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ثم جاءت فترة الوحدة اليمنية الاندماجية في 22مايو 1990م, وما تلاها من فترات عصيبة كان آخرها سوءاً فترة الحرب العبثية الأخيرة التي استمرّت منذ عام 2015م حتى اليوم.

ففي المرحلة الابتدائية كان للمدرس فيها حرمته ووقاره فهو المعلم والمربي وهو إمام المسجد ولا يمكن أن يُجارى المدرس أحد في هذه الألقاب وكان من المستحيل أن يمر المدرس بمكان ما ويصادف أن يكون بذلك المكان تلاميذ دون أن يقفوا له إجلالاً وتوقيراً, بل وصل الأمر حداً أنه إذا مر المدرس بشارع أو زقاق من شوارع وأزقة البلدة أو المدينة فعلى التلميذ أن يمر بواحد آخر حتى لا تقع عينا المدرس عليه. وكان من المستحيل كذلك أن يخرج التلميذ من بيته قبل الساعة الرابعة عصراً, ومن باب أولى ألا يسهر لأوقاتٍ متأخرة في الليل. ومما يُميّز هذه المرحلة كذلك طابور الختم لتلاميذ السنة الرابعة النهائية بالمدرسة الإبتدائية, إذ ينطلق التلاميذ عصراً من مبنى المدرسة بالملابس البيضاء والكوفية البيضاء وسط زغاريد الأمهات حتى المسجد الجامع منشدين:

طلع البدرُ علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكرُ علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوثُ فينا جئت بالأمرِ المطاع
جئت شرّفت المدينة مرحباً يا خير داع

أما المرحلة المتوسطة, فإنها مرحلة متقدمة للغاية, ففيها الثقافة العامة وإتقان اللغة العربية واللغة الانجليزية وبها الأنشطة والمنافسات الثقافية والرياضية المتنوعة من جمعيات علمية وثقافية ورياضية وصحف حائطية وبها حصص التاريخ الجذابة والجغرافيا الشيقة وشتى العلوم الأدبية والعلمية وحصص المكتبة والمطالعة والقراءة المتنوعة. كما ينطبق الأمر على المرحلة الثانوية ولكن بشيء من العمق في المعارف والتفاصيل ولهذا تُطلق على الشهادة المحصلة منها بشهادة الثقافة العامة للتعليم.

فطوبى لأساتذة ذاك الجيل مع حفظ الألقاب من أمثال سعيد عبد الخير النوبان ونصر سالم مرسال ومحمد بن جوهر وأحمد سعيد باحبارة ومحمد مبارك حمران ومحمد سعيد بارفعة ومحمد عتعوت وسعيد مهيري وعلي محفوظ حورة وأحمد عمر بن جميل وعمر محمد بن سهيلان وسالم أحمد بن سلم وسعيد يسلم الرباكي ومحمد عبدالله باشراحيل وسالم عبود العفاري ومحسن حسين الحوثري وحاج سعيد محروس وسعيد عبدالله باعنقود ومحمد أحمد باعباد و(أحمد خوجلي وفيصل هلال) وعبد الحافظ عبد الرب الحوثري و يسلم سند وعمر باباسط ومحمد واتين وسالم عبداللاه الحبشي وأحمد عوض القحوم ومحمد باحشوان وقائمة مديدة وطويلة دعائي للأحياء منهم بطول العمر ومن انتقل لرحاب ربه بالرحمة والمغفرة.


الأسماء بين الأقواس لمدرسين من السودان


المكلا في 17 سبتمبر 2022م
 


* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق
ورئيس جامعة الأوائل الحديثة حالياً
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter