|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  12  / 12  / 2023                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



هل هي الجولة الأخيرة بعد هُدن مؤقّتة؟

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

ربما من تصاريف القدر أن تكون حياة أبناء الجيل الذي انتمي إليه تنحصر بين اتفاقيات الهدنة عقب حروب وجولات ضاربة في تاريخ الأمة الحديث وبالذات في أرض فلسطين وهي اتفاقيات الهدنة عام 1949م بعد حرب عام 1948 والتي سُمّيت حرب النكبة وحرب غزة في 7 أكتوبر 2023 والتي سُمّيت معركة طوفان الأقصى.

واتفاقيات الهدنة عام 1949م هي مجموعة من الاتفاقيات الموقعة بين دولة الكيان الصهيوني والدول المجاورة لها وهي بالتحديد مصر ولبنان والأردن وسورية وذلك بغية وضع حد رسميا للأعمال العدائية الرسمية للحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948م وتحديد خطوط الهدنة بين القوات الإسرائيلية والقوات الأردنية – العراقية والمعروفة أيضاً باسم الخط الأخضر. ولكن اتفاقيات الهُدن المؤقّتة هذه المرّة في نهايات العام الحالي الذي نحن على وشك طي صفحاته جاءت على أبشع جرائم في التاريخ وعلى مجازر وحشية اقترفتها وتقترفها دولة الكيان الصهيوني في حق شعب غزة المحاصر في أرضه بأسلحة فتّاكة من أحدث ما أنتجته الترسانة الأمريكية, بل وصل الأمر بالإدارة الأمريكية أن تستخدم الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار وقف إطلاق النار وافق عليه كل الأعضاء الآخرين في المجلس لإيقاف الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الجيش الإسرائيلي في غزة وهو أمرٌ لا أخلاقي ولا إنساني وهو بمثابة إصدار حكم بالإعدام في حق الأبرياء في غزّة.

إن نكبة فلسطين الأولى لم تبدأ يوم 15 مايو 1948م, بل بدأت في مطلع القرن العشرين, وسبقها عشرات السنين من التهيئة اليهودية الصهيونية لهذا اليوم الذي أسماه العرب والفلسطينيون بيوم النكبة, وكان خلف هذه التهيئة منظمة صهيونية عالمية تعمل منذ تأسيسها في عام 1897م على كل الجبهات, حتى حصلت من بريطانيا على وعد " بلفور" الشهير في 2 نوفمبر 1917م ونظّمت هجرة يهودية كبيرة للأراضي الفلسطينية على مدار أكثر من أربعة عقود. ووعد آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا ذلك ينص دون مواربة بما يلي: "تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين, وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يُفهم جليّاً أنه لن يُؤتى بعملٍ من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتّع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين, ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتّع به اليهود في أي بلد...." وكم هو مصاغ هذا التصريح بطريقة ماكرة ومخادعة ولسان حال الجهة التي وراءه " إعطاء شعب بلا وطن أو أرض لأرض بلا شعب". وهكذا قامت الدولة الصهيونية الإرهابية على أنقاض قرى وأراضي شعب فلسطين الأعزل في موجات من المجازر الوحشية من دير ياسين وكفر قاسم وغيرها, الأمر الذي تسبب في عمليات تهجير قسري لأكثر من 750 ألف فلسطيني بعد حرب النكبة المشؤومة في عام 1948م, تشتّتوا في البلدان المجاورة والضفة الغربية وقطاع غزة. وما يحصل في غزة اليوم بعد معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م ينذر بنكبة جديدة سوف يتم تجنبها بصمود شعب غزة وتمسكهم بأرضهم وضربات المقاومة الفلسطينية وتماسكها. ولكن لا يجب نسيان مخططات هذا الكيان الصهيوني الدخيل وساسته, فقد ذهب بهم الشطط أن يعتقدوا أن العالم العربي ما هو إلاّ قصراً من الورق بنته القوى الخارجية في العشرينات من القرن الماضي, وأنه قُسّمَ عشوائياً إلى أكثر من عشرين دولة تتكون كلها من مجموعات عرقية مختلفة ومن أقليات يسودها العداء لبعضها البعض وأن فترة الثمانينات من ذلك القرن هي الوقت المناسب لدولة إسرائيل أن تستفيد من الضعف والتمزّق في هذه المنطقة لتحقيق أهدافها باحتلال أجزاء واسعة من الأراضي المجاورة لها وتقسيم البعض الآخر إلى دويلات على أساس عرقي وطائفي وهو المخطط المنظور لنا اليوم للأسف الشديد.

وفي نفس هذا السياق الخبيث من التآمر على المنطقة العربية, انعقد في وقت مسبق في ذلك القرن أيضاً وبدعوة سرّية من حزب المحافظين البريطانيين مؤتمر في لندن عام 1905م سُمّيَ مؤتمر كامبل بنارمان, استمرّت جلساته حتى عام 1907م, هَدَفَ إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوّق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن, وقد قُدّمت فكرة المشروع لحزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت. ضمَّ المؤتمر الدول الاستعمارية حينها وهي بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا, وقد خرج المؤتمرون بوثيقة سرّية سمّوها "وثيقة كمبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كمبل بنريمان وهو أخطر مؤتمر حصل على مدار التاريخ لتدمير الأمة العربية خاصة والإسلامية عامة وكان هدفه إسقاط النهضة في هذه المنطقة وعدم استقرارها. وفي المؤتمر استعرضت الأخطار التي يمكن أن تنطلق من المستعمرات في كل من الهند والشرق الأقصى وأفريقيا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادي مع التقليل من شأنها واستبعاد خطرها, بينما رأى المؤتمر أن مصدر الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية إنما يكمن في المناطق العربية من الدولة العثمانية لا سيما بعد أن أظهرت شعوب هذه المناطق يقظة سياسية ووعياً قومياً ضد التدخّل الأجنبي والهجرة اليهودية. كما يرى المؤتمرون بتمام اليقين إن خطورة الشعب العربي الكامنة فيه تأتي من عوامل عدّة يمتلكها مثل وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال وتزايد السكّان. واتفق المؤتمرون على ضرورة العمل على استمرار وضع المنطقة العربية في وضع متأخر وغير مستقر وعلى إيجاد حالات من التفكّك والتجزئة والانقسام بين شعوبها وذلك بإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها. ولهذا فقد أكّدوا على فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي بإقامة جسم غريب ودولة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الاستعمارية, وكانت أطماع الجماعات اليهودية والصهيونية تترقب هذه الفرصة السانحة واقتنصتها على الفور وتعهّدت بأن تقوم بذلك الدور الخبيث, وهكذا قامت دولة اسرائيل في 15 مايو 1948م.

واليوم يتعرض قطاع غزة في شماله وجنوبه لموجة من حملات الإبادة الجماعية لسكانه ومنع عنهم الغذاء والماء والوقود والدواء وهدم بناه التحتية ودك مبانيه على رؤوس ساكنيها في موجة من الوحشية بغية تهجيرهم القسري إلى خارج القطاع, ولكن ذلك لن يحصل نظراً للمقاومة البطولية التي تبديها فصائلها المختلفة ولصمود الشعب الفلسطيني في غزة وعدم التفريط في أرضه.
 


المكلا في 10 ديسمبر 2023م


* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter