|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  24 / 9 / 2015                                 صباح راهي العبود                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

النينيو.... والدمار المحتمل.

صباح راهي العبود

تتعرض الكرة الأرضية لتغيرات في كمية الطاقة الحرارية الواصلة من الشمس الى سطح الكرة الأرضية من منطقة لأخرى, ويعزى سبب ذلك الى عدم ثبوت مدارها الإهليجي حول الشمس وتغير زاوية ميلان محورها بمرور الزمن ,الى جانب التغيرات الكهرومغناطيسية في الشمس والذي يتمخض عنها البقع الشمسية . كما أن إقتراب بعض الكواكب وإبتعادها عن الأرض في أثناء حركتها ,والعواصف الشمسية والإنحباس الحراري كلها مجتمعة لها تأثيرها في إرتفاع درجة الحرارة تلك المناطق وبالتالي تأثيرها على عناصر المناخ الأخرى (ضغط ,رطوبة ,سرعة رياح...) , مما يتسبب في ظهور تأثيرات واضحة وكبيرة على الكائنات الحية . كما أنها ستكون المسبب الرئيس لكثير من الظواهر الطبيعية مع إختلاف أنماطها كالأمطار والفيضانات وحوادث إنزلاق التربة وتبدلات في تيارات وأمواج المحيطات وغير ذلك.

ولعل من أهم تلك المظاهر التي يحدثها تغير المناخ هي ظاهرة تسمى (النينيو) التي أعلنت عن قرب حدوثها المنظمة الدولية للأرصاد التابعة للأمم المتحدة وهيئات أخرى للأرصاد في عدد من الدول بعد أن لوحظت مؤشرات مناخية تدل على الإقتراب من المستويات المرتبطة بتشكل هذه الظاهرة المرجح حدوثها باحتمالية عالية في الربع الأخيرمن هذا العام 2015. والتي يرافقها تطرف (سلبي أو إيجابي) في درجات الحرارة وحجم الأمطار والعواصف ,وما تلفظه من مآسي سنأتي على ذكرها لاحقاً.

لقد تعددت النظريات حول أسباب هذه الظاهرة , ولم يتوصل العلماء المختصون الى تفسير نهائي لها ,ويبدو أن لهذه الظاهرة علاقة بهبوب الرياح التجارية الجنوبية الشرقية بقوة ولأكثر من سنة والذي يزيح المياه و يسبب تكدسها في الجهة الغربية الإستوائية من المحيط الهادئ والتي ستصبح دافئة نتيجة لتعامد الشمس على هذه المنطقة خلال أشهر الصيف لهذا الجزء من الكرة الأرضية . وما أن تضعف حركة هذه الرياح حتى تتحرك كتل المسطحات المائية بسرعة شرقاً مما ينجم عنه إرتفاع في مستوى تلك المياه بمعدل نصف متر عند شواطيء أندنوسيا وأمريكا الجنوبية. وفي هذه الأثناء سيسخن الهواء الذي يلامس سطح هذه المياه الدافئة المتحركة فتقل كثافته ويرتفع نحو الأعلى محملاً ببخار الماء , وهذا الإرتفاع يؤدي الى خفض الطاقة الداخلية للهواء المرطوب ,فتتكاثف أبخرته أثناء تقدمه نحو الشرق مسبباً حدوث زوابع رعدية وأمطار تشمل مناطق كثيرة منها المناطق الغربية من أمريكا اللاتينية , في حين تحصل حالات جفاف في أماكن أخرى من الكرة الأرضية. .

إن هذه التغيرات تحصل في كل عام وتستمر لشهر واحد تقريباً وتمر بأقل الخسائر, لكنها تكون ظاهرة كارثية عنيفة تطول مدتها لعدة شهور نتيجة للإرتفاع الملحوظ غير الإعتيادي في درجات الحرارة للمياه السطحية بمنطقة حدوثها (المحيط الهادئ) .وإن هذا التطرف الحراري يحصل في بعض السنوات وهو الذي يسبب ظاهرة النينيو.

إن علماء الأرصاد الجوية يقدرون الفترة الزمنية بين نينيو وآخر يليه ( 4 – 12 ) عام , إذ هي ليست ثابتة ولا تحدث بتوافق محدد. ولا بد لنا أن نذكر بأن كلمة (نينيو) هي إسبانية الأصل وتعني (الطفل المقدس) إشارة الى السيد المسيح لأنها تحدث في فترة الإحتفالات بأعياد الميلاد المجيد خلال الأشهر (نوفمبر, ديسمبر,يناير),وقد أطلق هذه التسمية صيادوا الأسماك من سكنة السواحل الغربية لقارة أمريكا الجنوبية والذين يتكلمون الإسبانية لما سببته لهم هذه الظاهرة من مآسي على مر سنين طوال.

لعل من أهم وأبرز التأثيرات التي ترافق النينيو هي حصول تغيرات في درجات الحرار والضغط الجوي , والتفاوت الكبير في كميات الأمطار المتساقطة في الأماكن المختلفة,وتمتد هذه التغيرات لتشمل حركات الأمواج العليا للغلاف الغازي . كما يزداد إحتمال حدوث أعاصير, يقابله هدوء في مناطق المحيط الأطلسي الإستوائية ,وترتفع درجة الحرارة ويحل الجفاف عند السواحل الإسترالية الشرقية والشمالية (دارون) والفليبين وشمال شرق البرازيل وأندنوسيا وسواحل الهند وجنوب شرق أفريقيا ومناطق أخرى في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية فتصيبها موجات حر وجفاف يضر بالمحاصيل الزراعية والتي ترتفع أسعارها بشكل جنوني , الى جانب نقص في الطاقة الكهربائية نتيجة لتوقف المولدات الكهرومائية , فتعم المجاعة ويزداد عدد الوفيات بين الناس خاصة في الدول الفقيرة. وعلى النقيض من ذلك يحصل إنخفاض في درجات الحرارة وهطول أمطار غزيرة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية شرق آسيا وروسيا وأمريكا الجنوبية (شمال شيلي وجنوب البرازيل وكولومبيا وبنما وكوستاريكا ونيكاراكوا) , كما يزداد إحتمال الأعاصيرالتي يتركز معظمها في المحيط الهادي , يقابله هدوء إستوائي في منطقة المحيط الأطلسي.

لقد إتسمت ظاهرة النينيو في التسبب بتصحر مناطق واسعة من الكرة الأرضية ,وغمرمناطق أخرى بمياه الفيضانات والسيول , مع نقص في المساحات الخضراء ونقص حاد في المواد الغذائية والمحاصيل وخاصة القمح والبقوليات , مما ينتج عنه وفاة الآلاف من البشر بسبب الجوع أو سوء التغذية . مع إنتشار أمراض الملاريا والتيفوئيد والإسهال وبعض أمراض الكبد,وإنتشار الفئران والثعابين وتكاثر الحشرات . كما يؤدي حدوثها الى نفوق عدد هائل من الحيوانات ,وحدوث إنزلاقات أرضية , وتحطم خطوط السكك الحديد وقطع المواصلات, وتلف الشوارع وعزل مدن كثيرة عن العالم,وإنهيار البنايات والمدارس وبعض أنظمة الري والسدود , كما يتعرض للضرر طائرات ومركبات, وسفن في عرض البحار . وقد يؤدي حصول هذه المآسي الى إسقاط أنظمة سياسية كما حدث في أندنوسيا زمن حكم سوهارتو. وفي إحصائية للامم المتحدة عن الخسائر البشرية لنينيو ( 1997 - 1998) قد بلغت (23000) إنسان. فيما تستفيد الأقاليم التي تتصف بالجفاف والتي تجتاحها الأمطار غزيرة على غير المعتاد لتمتلئ خزاناتها الطبيعية بمياه الأمطار فتزدهر المراعي , وتزداد أعداد قطعان الماشية ,وتبرز إمكانية زراعة محاصيل لم تكن تزرع في الظروف الإعتيادية. كما تنخفض درجات الحرارة في تلك الأقاليم بشكل غير معهود.

في سياق الطرق التي سلكها علماء الإرصاد لدراسة أسباب ظاهرة النينيو, تم تحليل سجلات الطقس في الفترة (1981 – 2009) فلوحظ أن هذه الظاهرة تحدث في المحيط الهادي بعد مرور أكثر من سنة من حصول دايبول في مياه المحيط الهندي ,وهذا يعني وجود مياه حارة بمنطقة غرب المحيط ,ومناطق مياه باردة في شرقه وهو عكس الطبيعي المعتاد. والى جانب هذا لوحظ إرتفاع درحة حرارة مياه المحيط السطحية والحركة السريعة لمياهه الدافئة بإتجاه الشرق التي تزيد من إحتمالية حدوث الظاهرة , لذا فإن الملاحظات حدت بالمكتب الأسترالي للأرصاد الجوية وبغيره من مكاتب الأرصاد في العالم لتوقع حصول نينيو هذا العام (2015) ليصل أوجه نهاية ديسمبر(كانون أول) , وهي الأقوى حدة منذ عدة عهود من الزمن . كما لوحظ إرتفاع في درجة الحرارة للمسطحات المائية قبالة سواحل البيرو خلال شهر يوليو( تموز) الماضي ,وحركتها السريعة بإتجاه الشرق,وزيادة الموجات الحارة والإضطرابات المناخية . هذه كلها مؤشرات لإحتمال حصول ظاهرة النينيو .

إن جميع الأنماط المناخية الدولية التي إستعرضها مكتب الإرصاد توضح أنه من المرجح زيادة قوة ظاهرة النينيو وإستمرارها حتى نهاية يناير 2016 .وعادة تصل ذروته أواخر الربيع وبداية الصيف في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ( يعني أواخر الخريف وبداية الشتاء في النصف الشمالي للكرة الأرضية) ,وتبدأ بالضعف التدريجي مع حلول العام الميلادي الجديد.
 

سدني / اكتوبر  2015

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter