|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس  23 / 5 / 2013                            صادق محمد عبد الكريم الدبش                     كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

سوريا والديمقراطية الامريكية

صادق محمد عبد الكريم الدبش

لا غرابة ان نرى ما لم تراه عين ولا سمعته اذن، في عالم يسترخص الدماء ويمشي على اشلاء الابرياء ويزيد من بؤس المحرومين والجياع !...اصبح اسياد القوم وحكمائهم هم سماسرة السياسة وامراء الحرب والطائفيين وتجار السلاح والمخدرات ، وسارقي المال العام وقوت الملايين لهذه الشعوب المقهورة والمستعبدة ، المحرومة من العيش الرغيد والامن الذي يليق بالبشر .

انظمتنا العربية المتخلفة والجاهلة والممانعة لارادة شعوبها وتطلعاتها وآمالها ، ممعنين بأذلالها وتجويعها وحرمانها من ابسط الحقوق ، ارادوهم عبيداً يقومون على خدمتهم ، وسلموا مقدرات هذه البلدان للمستعمرين ونظامهم الرأسمالي الجشع ، دون ان تلتفت هذه الانظمة لشعوبها وتفكر في مصالحها وترفع من مستواها المعاشي وتعمل على اسعادها وتأمين مستقبل اطفالها ، متصورة ان هذه الشعوب سوف تبقى خانعة وذليلة .

جاء يوم الحساب من قبل هذه الشعوب ، لتضع هؤلاء الحكام امام التاريخ ، ومن اجل الانعتاق والخلاص لعقود من الظلم والقمع والجوع وضنك العيش و التبعية والاستغلال الرأسمالي وهيمنته .

ان الدول الاستعمارية التي دعمت هذه الانظمة الرجعية واللاديمقراطية ، التي فقدت شرعيتها من زمن بعيد ، ان الدول الاستعمارية والمستغلة لثروات هذه الشعوب ، كانت متنبهة الى ان هذه الانظمة اصبحت شئ من الماضي ويجب البحث عن البدائل لهذه الانظمة ، بما يخدم مصالحها ويؤمن لها استمرار الهيمنة و باساليب جديدة ووفق اجندات وبرامج جديدة .

النظام الرأسمالي لا يتعامل مع ما يدور في العالم من احداث بمنطق الفعل ورد الفعل ، بل من خلال مراكز للبحوث متخصصة يقوم عليها باحثون ذوو خبرة ودراية وحنكة لوضع الخطط الاستراتيجية للمراحل القادمة ، لتأمين مصالحه القريبة والمتوسطة والبعيدة ، من خلال دراسة التاريخ بعناية وتمعن في مراحله ومحطاته المختلفة، واستخلاص التجارب لوضع الخطط الملائمة والمنسجمة مع اهدافه ومراميه .

ان الانظمة العربية جميعها لم تتمكن ولاسباب عديدة من مواكبة حركة التاريخ ومتغيراته ، ولم تتمكن من مواكبة التطور الحضاري ، الفكري والسياسي والثقافي ، ولا مع حوار الحضارات ومقارباتها ومزاوجاتها ، وبقيت اسيرة الماضي السحيق ، والذي ادى الى تخلفنا وغياب الاسهام الفاعل و المحسوس في الانتاج المعرفي الانساني ، ولم نتمكن من الاستفادة من التقدم العلمي والتقني الا بحدوده الدنيا لذلك اضحى زوال هذه الانظمة حتمياً من خلال الثورات الاجتماعية او ما يطلق عليه اليوم ( الربيع العربي ) المحرك الاساسي لحركة التأريخ ،ومن خلال فلسفة جديدة وبرامج واهداف جديدة ، تصوغها وتضعها هذه الثورات و تكون منسجمة مع تركيبة المجتمع الطبقية والثقافية ، ومتوافقة مع الوعي الأجتماعي.

بدأت الشرارة الاولى للحراك الجماهيري في تونس ، واحرقت السهل باشعال (بوعزيزي) النار في جسده الطاهر، فالهبت المشاعر والاحاسيس وهيجت المعاناة المتراكمة من عقود خلت لشعوب بلداننا العربية ،لتنتفض على حكامها ، فتهاوت عروش الجبابرة والطغاة في تونس ومصر واليمن، واسقط نظام العقيد معمر القذافي بعدوان سافر للسيادة الليبية وهو انتهاك لقواعد القانون الدولي حتى وان كان نظام القذافي لا يلبي آمال الشعب الليبي . وجرت محاولات حثيثة من قبل النظام الرأسمالي بتكرار ما حصل للنظام الليبي في سوريا ، ولكن سوريا تختلف اختلافا بينا في الزمان والمكان وفي اصطفاف القوى .

النظام الرأسمالي القائم على الاستغلال والتوسع والهيمنة ، يحتاج لتأمين مصالحه الاستراتيجية وتأمين هيمنته على هذه البلدان،وعلى ثرواتها والحاقها تحت وصايته من خلال اخضاع هذه الانظمة لارادته ، ومن المسّلم به بان قيام اي نظام ديمقراطي في اي من هذه البلدان، لا يلبي مصالح الرأسمالية الاحتكارية ، لان الانظمة الديمقراطية تعمل وفق منظومة الدستور والقانون والتداول السلمي للسلطة والمواطنة هي المعيار ، فلا يمكن لمثل هكذا نظام ان يكون تابعا او يفرط بثرواته وباستقلاله الوطني .

ان انهيار الاتحاد السوفيتي وغيابه كقوة توازن دولية ، اخل بهذا النظام، مما ادى لتفرد الولايات المتحدة الامريكية كقطب وحيد ، وانصياع حلف الناتو للارادة الامريكية بشكل كامل ، دفع بالرأسمالية المتوحشة بحروبها العدوانية على كثير من البلدان وبالضد من مصالح هذه الشعوب وامنها ورفاهيتها .

في مقابلة في فضائية روسيا اليوم مع رئيس اكاديمية الجيوسياسية الروسية (ليونيد ايفاشوف) وجنرال في الجيش الروسي يقول (استلمت ادارتنا معلومات مفادها ..... ان مجلس الامن القومي ووزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات الامريكية ، وافقة على التحضير للحرب على يوغسلافيا السابقة ، بدعوى التطهير العرقي من قبل الصرب) ويقول ان هذه الاستفزازات التي قامت بها في الفترات الماضية لا تزال قيد الاستعمال من قبل الولايات المتحدة حتى يومنا هذا ، وان تدخل سافر يجري في الشؤون الداخلية لأي دولة يراد القضاء عليها وعلى نظامها ، بمعنى اننا امام محاولات تدمير اسس القانون الدولي من خلال استخدام القوة ضد الدول المستقلة ، ودون كوابح وفي كل مكان، وستطال القانون الدولي ونظام الامن العالمي .

المال يرسم سلوك الناس ، وسلوك الدول، وسلوك القوى السياسية ، كل شئ يتوقف على المال ،ان اصحاب الرساميل العالمية ومالكي الشركات العابرة للقارات يتحكمون بامريكا وبالكثير من العمليات السياسية الدولية . الارهاب الذي بني بمهارة ، وتموله الدوائر المعنية، وتجارة المخدرات ، هي اداة فاعلة وقوية في الشأن الجيوسياسي وفي سير تغيير العمليات الدولية . المال هو الذي يحكم العالم .

عند احتلال الولايات المتحدة لافغانستان ازدادت كميات المخدرات حسب بعض المصادر بعشرات المرات ، واجتاحت اغلب دول العالم .

يقول ليونيد ايفاشوف (ان مصالح القاعدة والمخابرات المركزية ومافيا المخدرات تتوافق في كثير من الاحيان ) .
ان سيناريو التدخل في يوغسلافيا قابل لتكراره اليوم في العالم من قبل النظام الرأسمالي ، ولكي نتصدى لمثل هكذا سيناريوهات حسب رأي (ليونيد) لا بد من تشكيل قوة لمعادلة ميزان القوى المختل والذي تميل كفته لصالح النظام الرأسمالي، وليس على تفوق احدى الحضارات واحدى الدول ، واذا لم يحصل هذا التوازن فان الكوارث سوف تستمر وتزداد النوائب والملمات .

ان ذريعة الانتصار لقضية الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان وعن الاقليات والتي تتبجح بها الرأسمالية ، هي ذرائع واهية وكاذبة ومضللة ، وهناك من الادلة الدامغة والتي تفضح النوايا العدوانية للرأسمالية ، ان التعامل بمعايير مزدوجة ، والانحياز لمصالحها العدوانية واضح وجلي ، هذا مثال الاحتلال الاسرائيلي وما يرتكبه ضد الشعب الفلسطيني من قمع وارهاب ومصادرة للاراضي والتنكر لنضاله المشروع لاستعادة حقوقه المغتصبة لاكثر من نصف قرن ، وخرق اسرائيل لكل القرارات الدولية ، بالرغم من كل ذلك تحصل اسرائيل من الدعم والاسناد اللامحدود من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو ، والدعم اللامحدود للانظمة الرجعية والمعادية للديمقراطية ولابسط الحقوق ، لماذا لا تقف بوجهها وتطالبها بمنح شعوبها الحرية والديمقراطية والعيش الكريم ، لماذا تتعامل مع حلفائها على انهم تابعين ، لماذا تستخف بارادة الشعوب المضطهدة ولا تنتصر لها .

ان النزعة العدوانية للامبريالية واشعالها الحروب على امتداد ما يزيد على عقدين من الزمن واحتلالها للعراق وافغانستان وليبيا وتدمير هذه البلدان لبناها التحتية واشاعة الفوضى والخراب ، وترك هذه الدول تتقاذفها الصراعات الاثنية والطائفية ويهاجمها الارهاب والارهابيين القادمين من كل بقاع العالم ، واعادة هذه البلدان لعقود الى الوراء ، وما زالت الامبريالية مصرة في عنادها وسياساتها ، مستخدمة ماكنتها العسكرية الجبارة واعلامها المحرض والمضلل والكاذب وقدراتها المالية واستخدام عملائها والمتواطئين والخانعين من الحكام العرب ، للهيمنة على هذه الشعوب وعلى ثرواتهم مستخدمة الترغيب والمغازلة والترهيب لهذه الانظمة الوليدة ، محاولة تطويع وجر الاسلاميين على حساب القوى الديمقراطية ومحاولة حرف مسار هذه الانتفاضات والهبات في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا .

ان ما يجري على الساحة السورية وما لحق بها من دمار وخراب وتشريد للملايين من الشعب السوري داخل وخارج سوريا ، وتأليب دول الجوار لزيادة الحريق ودعما للقوى الاسلامية المتطرفة والمرتبطة بالقاعدة وخدمة للمشروع الشرق اوسطي الجديد سيئ الصيت ، وتحت نفس الذرائع المكشوفة والخائبة . ان مصلحة سوريا وشعبها والمنطقة هي في ايقاف التدخل السافر بشؤونها فورا قبل ان ينتقل الحريق المدمر الى مناطق اخرى ، وعلائمه بدت تلوح في الافق .

ان الاذعان لمنطق العقل والذهاب الى الحل السلمي ، وابعاد خيار التصعيد والوعيد ،والابتعاد عن منطق الحرب ، وحذفه من القاموس السياسي وفي سوريا بالتحديد ،هي مصلحة سورية اقليمية ودولية .

ان الطاولة المستديرة او المربعة او المستطيلة هي الحل الوحيد ولا شئ بديل عنه سوى الدمار والخراب ، وقبل البدء بالحوار يجب ان يكون هناك حدود دنيا لهذه الطاولة والجلوس حولها وعلى وجه الخصوص :
1- الوقف الفوري لكل العمليات العسكرية ، ووقف دعم المجموعات المسلحة بالسلاح ووفق ضوابط مشددة ومراقبة الحدود وباشراف دولي مباشر من قبل مجلس الامن .
2- المحافظة على سورية ووحدة اراضيها واحترام استقلالها وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية .
3- اعتبار الارهاب والعنف جريمة يجب لجمها وادانتها ، وادانة كل اشكال الارهاب وتحت اي مسمى .
4 - الاقرار الصريح والواضح ومن قبل جميع الاطراف بقيام دولة مدنية ديمقراطية مستقلة وتكون المواطنة هي المعيار ، والقانون والدستور هو الفيصل .
5 - تحديد فترة انتقالية ومحددة بفترة زمنية يتوافق عليها الجميع .
6 - يتم الاتفاق على تأليف حكومة انتقالية ولها صلاحيات محددة وبالتوافق ولها مهمات محددة .
7 - اعلان عفو عام وتسويق ثقافة المصالحة والتعايش المشترك بين جميع الملل والطوائف .
8 - يتم تشكيل مجلس انتقالي من الاختصاصيين والخبراء لكتابة مسودة الدستور وعرضه للاستفتاء العام ، والعمل على اجراء انتخابات عامة وبأشراف دولي .
9 - الدعوة لمؤتمر دولي لاعادة اعمار سوريا وعودة النازحين والمشردين وتعويضهم عن الحيف الذي لحق بهم .

هذا وحده الكفيل بدرء الزلزال والحيلولة من وقوعه ، والذي سيتأثر في حال حدوثه العالم بأسره ، وعلى المجتمع الدولي ان يتحرك فورا بارغام جميع الاطراف للانصياع لمنطق الحكمة والتعقل والمساهمة المباشرة والسريعة ومن منطلق الحرص على حاضر سوريا ومستقبلها ومستقبل اجيالها ، وليساهم الجميع ، معارضة ونظام لايقاف هذا التدمير الممنهج .... أيقاف الحرب وكوارثها من اقدس المقدسات وهي ضرورة وطنية وانسانية عادلة ، كل الوفاء والمحبة لسوريا وشعبها .


22/5/2013

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter