|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء  17 / 6 / 2014                                                       صباح كنجي                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هلوسة .. ما قبل خراب الموصل!

صباح كنجي

تعودنا ان نردد مثلاً شائعاً في الكثير من مناسباتنا الدامية اختصاراً للموقف نكرر القول : بعد خراب البصرة !.. أستميح العذر منكم في هلوستي هذه عن الموصل وما يجري فيها لأقول : منبهاً ومحذراً من احتمال اقترانها بالبصرة في هذا الزمن الذي باتت فيه البصرة نائية عن خرابها .. بعد ان غادرها شبح جبريل واختار سماء الموصل وأجوائها ليحلق فيها ناثراً سهام الموت في ارجائها من جديد ..

لعبة القط والفأر تتكرر ، في هذا الزمن المغبر ، بين القائد العام للقوات المسلحة وتشكيلات جيوشه المنتشرة في الرمادي ومدنها التي تخوض حرباً هي الأقرب لقتال الشوارع مع العصابات الهمجية .. لولا امتلاكه للطيران الذي زجّ في المعركة .. ولولا امتلاك الطرف الثاني من المعادلة لسلاح وآليات ومعدات وذخائر تفوق التصور .. تقترب من تسليح الجيوش النظامية .. لا يهم ان كان بينها إرهابيين من داعش وماعش الاسلامية .. ام غيرها من تشكيلات المسلحين المنتسبين للعشائر بقيادة ضباط ورجال مخابرات العهد الدكتاتوري المقبور ..

في هذه الاجواء الحربية .. مع هوس السلطات العسكرية المحاصرة للإرهابيين كما تدعي .. وهي تدك معاقلهم منذ اشهر بعد أنْ صدعوا رؤوسنا بقرب القضاء على الارهاب والإرهابيين في الرمادي والفلوجة ..

تؤكد الانباء الواردة من ساحة الاشتباك المحتدم .. ان قوات داعش / ماعش / جاحش / قاعش .. كما تسمى .. تمكنت من الانسحاب والإفلات من طوق الموت المحكم حولها !.. وهي تتوجه الى الموصل .. الموصل وما فيها من ملابسات وأوضاع وحاضنات تستقبل هذه الارتال لتتجمع فيها ، ليس لتناول كبة الموصل الشهية كما يفعل السواح ، بل لتستجمع قواتها وتتحرك من جديد مع بقية الأطراف المساندة لها والمنسقة معها .. ناهيك عن وجود تجمعات للبعثيين فيها عدد غير قليل من ضباط الجيش السابق يتأهبون لاحتضان داعش والقاعدة التي اصبحت واجهة وقناعاً لهم .. تسلل بعضاً منهم وتغلغل في مفاصل الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية وهم ينسقون ويخططون لتحقيق امانيهم في العودة للسلطة من جديد ..

في الموصل الحالُ .. اكثر من وضع هش .. ادارة ضعيفة متواطئة مع تحشدات وركائز الارهابيين في المدينة وتوابعها .. ابتداء من قضاء الحضر وتواجد معسكرات التدريب العلنية فيه من خمس سنين مضن لليوم .. وانتهاء بربيعة والتواجد العلني للإرهابيين وبقية المسلحين البعثيين .. ناهيك عن الاتاوات التي تجبى من التجار والناس في الموصل واستخدام المواقع الرسمية للدولة .. في المقدمة منها المؤسسات الصحية لإدارة الاعمال التخريبية من قبل حلقات حزب العودة - حزب البعث وضباط سابقين في الجيش والأمن والمخابرات الذين يشكلون مفصل النشاط المعارض لبناء الدولة واستقرار الوضع السياسي واستهداف السلم الاجتماعي .. في مسعى لا يختلف عليه اثنان .. يؤكد:

ان النظام الدكتاتوري سقط لكنه لم ينتهي ..

وان نشاط حزب البعث عادَ للوجود في تسميات جديدة لها مشروع تآمري يستندُ لأرث ماضي ، وتجربة سابقة لها علاقة بالموصل وما جرى فيها من احداث تاريخية سابقة .. سأعود لأذكر بها لمن خبرها وأدركها وعاش تفاصيلها .. هذه الاحداث التي لا يعرف عنها الجيل الجديد شيئاً ولم يسمع بها ..

لن احدثكم عن مؤامرة الشواف .. عام 1959 بالتفاصيل .. ولا اعادة تنظيم الجيش العراقي في الموصل عام 1991 .. سأستميحكم فقط لأختصر القول بحادثة واحدة من كل هذا التأريخ .. التاريخ الأسود .. كهذه الأيام السوداء .. التي اثقلت كاهلنا .. وأدمت قلوبنا .. وجعلتنا نتأسى من جديد .. ونصاب بالحيرة والوجل .. نتساءل عن السبب والمسئول عنها .. ونبحث عن وسائل المواجهة تداركاً للأسوء وتجنباً للأخطر والأفظع ..

في هذا الجو الموبوء .. نشاهد دون التباس .. نرى بوضوح .. نسمع بصفاء .. توجه الفارين من ساحات الحرب في الرمادي نحو الموصل .. الموصل عادت من جديد لتصبح بؤرة جذب واستقطاب تجمع وتتجمع فيها قوى الشر في مفصل من الزمن يؤرخ لكارثة قادمة تتجاوز حدود المدينة وجغرافيتها .. بحكم شواهد التاريخ الدامي وطبيعة الصراعات المتداخلة التي كانت تنطلق منها ..

ها هو التاريخ .. شاهد .. يروي .. يوثق .. أحداث سابقة فيها من الدناءة والخسة والوضاعة ما لا يتصورها العقلُ .. احداث اصبحت مبرراً ودافعاً لارتكاب أشنع الجرائم وأبشعها من قبل ذات الصنف من الذين وغلوا وما زالوا يوغلون في دماء البشر ..

اجل انه التاريخ يروي ما حدث في حينها لأكثر من مرة .. في الموصل ذاتها .. ليس غيرها .. من ممارسات مذلة .. شنيعة .. تؤججٌ الصراع وتدفع بالناس للاقتتال .. ومن مَسهُ الحدث بصعقة تحول لفاتك يبحث عن المزيد من الضحايا لا يهمُ من يكونوا .. بقدر ما يشبع نزواته الاجرامية بالمزيد من الدم المراق .. كما يحدث اليوم .. وسيحدث غداً أن لم نتدارك الموقف ونعجل بالخلاص من حفنة قادة مجرمين يخططون للعودة للسلطة يتخفون خلف واجهات اسلاموية من شراذم القاعدة وشقيقاتها ..

الموصل .. ما ادراك ما الموصل .. تاريخها .. تاريخها الدامي تحديداً .. منعطفات الزمن .. حرث الأرض وإعدادها لزراعة بذور لا تنبتٌ إلا الشرور .. وتثمر بالمزيد من الجرائم .. حتى لو تطلب وضع فضلات بشرية على القرآن ورميه في الشوارع والممرات ومداخل الجسور .. كما فعل البعثيون والقومجية في ذلك العهد ليوهموا الناس في دعاياتهم .. انها من فعل الشيوعيين .. قبل مؤامرة الشواف .. التي انطلقت من الموصل لتكون بؤرة تحرك لإسقاط حكومة عبد الكريم قاسم .. لكنها فشلت بفضل الدور المشرف لأهالي الموصل قبل غيرهم .. وآلت بمخطط التآمر للاندحار .. لكنها تسجل فيما تسجل عمق التأثير القومجي / البعثي في المدينة ودناءة الذين خططوا للمؤامرة ولجوئهم لتلويث القرآن بالفضلات البشرية من اجل تحقيق اهدافهم للوصول لغايتهم في التحكم بالعباد ..

ذات الشيء حدث مع انتفاضة 1991 حينما انهار النظام البعثي وكاد ان يسقط بفعل الانتفاضة الجماهيرية العارمة بعد احتلاله للكويت .. حيث جرت اعادة تأهيل وتنظيم الجيش العراقي المنهار في الموصل .. بعد ان حصل على الضوء الاخضر من الولايات المتحدة الامريكية في حينها التي وقع لها زبانية النظام صك الاستسلام والخنوع بذل وعار .. مع ذلك يدعون قربهم من الله ورعايتهم للدين .. وان مؤسس حزبهم ميشيل عفلق قد أعلن اسلامه قبل ان يغادرنا ..

هو ذات الشيء فعله جرذ العوجة في المحكمة متشبثاً بنسخة قرآن حملها كأي مؤمن .. كأنه ليس هو من وجه جيوشه لقتل الناس في كردستان وتدمير الجوامع والحسينيات في كربلاء والنجف وبقية المدن ..

هاهو التاريخ يعيد نفسه .. الموصل .. البعثيون .. حزب العودة .. الداعشيون .. يجتمعون ويتجمعون في الموصل .. انه اجتماع ما قبل خراب الموصل وليس بعد خراب البصرة .. ارجوكم انتبهوا ..

 

ـ المقال كتب بعد مقال (الحرب تبدأ بأغنية وتنتهي بمهزلة) المنشور قبل احداث الموصل بذات العنوان (هلوسة .. ما قبل خراب الموصل! ) دون أن اغير فيه حرفاً لكن جملة انشغالات حالت دون نشره .. سيعقبه كتابات اخرى في ذات الشأن لسرعة تطور الأحداث التي تمحورت في الموصل



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter