| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صباح كنجي

 

 

 

الأحد 10/2/ 2008



آزاد سعيد.. تخرصاتُ باحث ٍ أمْ نفاياتُ إرهاب ٍ !..
(11)

صباح كنجي

الملائكة والموت
(الجزء الاول)

عن الملائكة في عقيدة اليزيديين يقول:
( يعتقد اليزيديون أن اصل الملائكة من نور الله فقد ورد في قول الشيخ ويعقوب هم الملائكة الواقفون خلقوا من نور الله وطعامهم الشكر والحمد لله .
ومن صفاتهم إنهم يَخْلُقون، فقد ورد في كثير من أقوالهم إنهم شاركوا الله في خلق الكون، فخلق دردائيل الشمس وصار مسؤولا ً عنها وخلق الشيخ شمس القمر... ومن صفات الملائكة .. أنهم يديرون أمور هذا الكون ، ولكل واحد منهم وظيفة خاصة به.... ومن صفاتهم إنهم لا يأكلون ولا يشربون.....
بعدما يجري مقارنة بين هذه الصفات التي ذكرت بالعقيدة الإسلامية يقول:

بالنسبة للصفة الأولى للملائكة وهي إنهم يخلقون وقد شاركوا الله في خلق الكون ، فإن ذلك يخالف العقيدة الإسلامية ، فنحن نعتقد أن الله سبحانه وحده الذي خلق الكون ، وإنه لا يحتاج إلى احد من خلقه كي يساعده أو يشاركه، أما بالنسبة للصفات الأخرى مثل تقسيم الوظائف على الملائكة ، و إمتناعهم عن الأكل والشرب ، وكثرة العبادة فيهم ، فهذه الصفات تتفق مع العقيدة الإسلامية )
ص 71-73 .

الملائكة من المخلوقات التي لعبت دورا ًمهما ً، في تركيبة ونشوء الأديان ، وتطور الفكر الديني عموما ً، حُددت لها ادوار، وجُعلت لها مهام ، تبعا ً لتطور مفهوم الدين ، ونظرتْ الناس وحاجتهم له ، وتنامي دوره في المجتمع ، من مرحلة لأخرى .
من الطبيعي أن تختلف الديانات في هذا الأمر، من حيث المحتوى والمنشأ،مع تقدم الزمن ودخول المجتمعات البشرية في تعاقب تطوري،نقلها من حالة الصيد والرعي مرورا ً بالزراعة وما تلاها .
وهي ملازمة لتطور مفهوم الإله ، وتحولاته ، و العلاقة المتبادلة والمتغيرة بين الطرفين ، تحددها طبيعة الإله وتصنيفه في مجمع الآلهة ..
هل هو إله محلي،صغير، محاط بالأعوان ، يشاركونه في تحديد المصير، من خلال المشاركة في عملية الخلق ، وإدارة الكون ؟.
أم إنهم مجرد أتباع ومنفذين للإرادة الإلاهيه يقتصر دورهم على التنفيذ فقط ؟.
ُيحدد عددهم ، حسب حاجة الإله لخدماتهم وأدوارهم ، حسب الديانات التي جعلت لكل منهم وظيفته، فهذا ملاك مهمته نفخ الروح في الكائنات الجديدة لحظة الولادة، وذاك ملاك مهمته قبض وإنتزاع الروح عند الموت ، وثالث للعاصفة،وآخر للمطر، وخامس للزرع ،وسادس لإحصاء أعمال الخير، وسابع لمراقبة أعمال الشر، هكذا بلا حدود .
وحددت بعض الأديان تفاصيل جغرافيتهم ،حيث يجلس قسم منهم على يمين الإله،والآخر على يساره،وثمة من يختص بحمل كرسي العرش في السماء،ويمتلك أكثر من 600جناح يستخدمها في حركته أثناء أدائه للمهمات،التي يتطلب بعضها حركة ً سريعة ًبين السماء ِ والأرض ، وملائكة نسبوا للعمل في الأرض والعالم الأسفل ، ُخصصت ساعات وأوقات أعمالهم،بعضهم في النهار فقط ، أوفي ساعات الفجر تحديدا ً، وآخر في الليل،وثالث عند النصب والتماثيل ،ورابع عند منابع المياه والعيون، كلّف عدد منهم لمتابعة البشر، وكل إنسان يحيط به عشرة ملائكة موزعين بين جبينه وعينيه وشفتيه واثنين أمامه وواحد خلفه وآخر في البلعوم.
وقد طورت الديانات الحديثة مفهوم الملائكة ومنحت الكثير منهم الأسماء المعروفة جبرائيل ودردائيل وهاروت وماروت ومنكر و نكير ورضوان،موزعة بين الآرامية / البابلية وتفرعاتها و العبرية والعربية والفارسية ، حسب لغة مؤسس الدين وأتباعه أو منتسبيه ، وجعلتهم طبقات ودرجات ،وضعت عليهم قائدا ًًهو رئيس الملائكة،جعلته بعض الديانات خاضعا ً لإرادة الله ومكملا ً لها ، بينما وصفته الأديان الحديثة بالمتمرد والعاصي للإرادة الإلاهية . إستحق المعاقبة وبررتْ إبعاده وطرده من الفردوس ...

لذلك ترى في الديانات القديمة ، (من بينها الإيزيدية )، إنّ الملائكة يشاركون الإله في عملية الخلق،كونهم منبثقين من نوره ، والعلاقة هنا تكاملية لا تنتقص من قدرة الله،الذي يستجيب لأرادته الملائكة،من دون إشكالات،وهو لذلك لا يُستفز أو يَهابُ من توسيع صلاحياتهم،التي تصل حد مشاركته في عملية الخلق،من خلال مجمع الآلهة الكبير، الكثير العدد، وصل عددهم (في اليونان لألف إله) (1)  ، قبل فيه البعض منهم ، برضا وقناعة ، أنْ يكون ملاكا ً لحَجَرة ٍ أو شجرة ٍ .
يقول حسين العودات :
( آمن سكان الرافدين بتعدد الآلهة ، فكان لكل مدينة ولكل منطقة إله خاص بها . وآمنوا بوجود إله لكل نوع من أنواع النشاط البشري . فهناك آلهة ذات مهمات محدودة ، وأخرى ذات مهمات متعددة الجوانب ، وبعض الآلهة" قومي " وبعضها الآخر محلي . وتختلف الآلهة عن بعضها بالمهمات والاختصاصات . فضلا ً عن السطوة والنفوذ ، حسب المدن والمناطق التي تؤمن بها ) (2)
ويمكن أن نوصف نمط العلاقة هذه بالديمقراطية ، التي غيّرت من سياقها ومَسارها الأديان الحديثة ، لتحصره في ثالوث متداخل التكوين ، مُتفق عليه بداية ً، كما في بعض الديانات الوثنية والمسيحية .
أمّا في الإسلام ،الذي جاء تعبيرا ً حقيقيا ً لتلاقح الثقافة البدوية مع الصحراء القاحلة،الذي يستمد مفاهيمه وعناصره الفكرية،من قسوة الصحراء ومبدأ القوة وإرهاصاتها ، فقد مَنح الله الدور المهيمن والمطلق،وجعله الخالق الوحيد الذي لا يقبل شريكا ً له،فقلصَ من صلاحيات الملائكة وحجّم أدوارهم و إختزله ، وحولهم إلى أتباع منفذين فقط ، معرضين لغضب الله وجبروته الطاغي ، في حالة مشابهة لسياق أوامر الجهاز العسكري ذات الطبيعة الدكتاتورية المطلقة..
في الوقت الذي تنفي الجائينية والبودية عملية الخلق ولا تقيم لها أيّ إعتبار ...
( فالعالم عندها كان موجودا ً دوما ً، وهو خالد ، أما فكرة الخلق التي تريد أن ينشأ كل شيء من العدم،فإنها غير مقبولة في العقل . وما من خالق.وما من كائن كامل،في أصل الأشياء . فالكمال ليس إلا الغاية المثالية للجهود الإنسانية . والجائية كالبوذية، تقبل فكرة التقمص .وكالبوذية نراها تقدم أخلاقا ًسامية المستوى، والقاعدة الأولى، هي أن لا يقوم الإنسان بأذى لأي كائن حي . ) (3)

عن الخلق والنشوء يقول :
أيدت الأخبار انه كان لديهم كتب فقه وتفاسير كثيرة منذ عهدهم بالإسلام
ص81 .

وعن موقفهم تجاه كتب الأديان الثلاثة يقول:
يؤمن اليزيدية عموما ًبجميع الكتب المقدسة المنزلة من عند الله وللقرآن الكريم مكانة كبيرة عندهم ولا زال الكثير منهم يحتفظ به في بيته للتبرك ، والكثير منهم يقرؤونه ويعلمونه لأولادهم ... وتقدس اليزيدية سورا ً وآيات خاصة من القرآن الكريم ويولونها اهتماما ً خاصا ً مثل سورة: يسن والفاتحة، والإخلاص ، وآية الكرسي ، وقد شاهدت آية الكرسي على حجر قديم في مرقد لالش ... هذا وقد ورد ذكر سورة الفاتحة ويس وآية الكرسي في كثير من أقوالهم وأدعيتهم .... ولكن مع تقديسهم للكتب المقدسة " القرآن والتوراة والإنجيل " إلا أنهم يعتقدون أن أصحاب هذه الكتب قد حرفوها وغيروا فيها أشياء كثيرة )
ص80-89 .
لست ادري كيف يمكن لباحث محترم ، أن يطلق العنان لنفسه لهذا الحد، ُيسطرُ في بحثه هكذا جُمل،من الوزن الثقيل،ويستسهلُ ترديدها،من دون سند تاريخي،أو أية إشارة لمصدر معلوماته،بمثل هذه البساطة ؟!
هل هي مغالطة غير مقصودة ؟
أم هو استغفال واستصغار بعقول القراء والمتابعين للكتب الميثولوجية ؟!!
حقيقة لم اسمع،ولم اقرأ، لحد اليوم ،في أي مصدر، من المصادر، بما فيها تلك التي سَعَت لتشويه الحقائق عن الأيزيدية ، عن وجود كتب فقه وتفاسير لديهم، فكيف إذا كانت هذه الكتب (كثيرة) ؟!! كما يدعي السيد آزاد .
عشتُ وتجولت منذ طفولتي في مناطق بعشيقة و بحزاني وسنجار والشيخان و باعذرة وبوزان وسينا وشيخ خدرة وشاريا ومجمع خانك،أستطيع أن أعدد العشرات من أسماء القرى الأيزيدية،التي مررتُ بها ، في فترة تواجدي في صفوف الأنصار، ولدي علاقات مع الكثير من أبناء الأيزيدية،من الشيوخ والبيرة والمريدين،من العراق وسوريا وتركيا وجمهوريات الأتحاد السوفييتي السابق بينهم مثقفون وأكاديميون ، وعدد من شباب عائلة المير الطيبين .
لكني لم اسمع بوجود كتاب ٍ واحد ٍ ، أو حتى كتيّبٍ صغير، أو إنْ شئت َورَيْقة،لها علاقة بالفقه ِ والتفسير،وهما مصطلحين إسلاميين خاصين بتفسير القرآن والأحاديث التي تنسب لمحمد .
أدعو الكاتب ، أو من استند إليه ، إنْ كان هناك مصدر قد استند عليه ، أن يذكر لنا،ولو واحدا ً من أسماء الكتب التي ذكرها،ووصفها بالكثير!! ، أو مجرد ذكر مؤلفيها أو عناوين تلك الكتب ،عن الفقه والتفسير، التي إدعى إنها كانت لديهم منذ "عهدهم بالأسلام" !!! ..

وبخصوص ما أورده:
( وللقرآن الكريم مكانة كبيرة عندهم ولا زال الكثير منهم يحتفظ به في بيته للتبرك ، والكثير منهم يقرؤونه ويعلمونه لأولادهم ... وتقدس اليزيدية سورا ً وآيات خاصة من القرآن الكريم ويولونها اهتماما ً خاصا ً مثل سورة: يسن والفاتحة، والإخلاص ، وآية الكرسي ، وقد شاهدت آية الكرسي على حجر قديم في مرقد لالش... هذا وقد ورد ذكر سورة الفاتحة ويس وآية الكرسي في كثير من أقوالهم وأدعيتهم .... ولكن مع تقديسهم للكتب المقدسة " القرآن والتوراة والإنجيل " إلا أنهم يعتقدون أن أصحاب هذه الكتب قد حرفوها وغيروا فيها أشياء كثيرة )
ص80-89 .

بأسف اقول :
إن الباحث قد ساق جملة من التخرصات عن اليزيدية ، في هذا المقتطف،بدأها بإدعائه (وللقرآن الكريم مكانة كبيرة عندهم) .
حيث لا شأن للأيزيدية بالقرآن ... هذا لا يعنيهم ..لا من بعيد،ولا من قريب ، وإحترامهم لكتاب المسلمين القرآن،يأتي في سياق نظرتهم السمحة لمعتقدات بقية الديانات ، التي لا يتدخلون في شأنها إطلاقا ً، ويتركون المجال لأتباعها في قول ما يقولونه عن ديانتهم . علما ً كان الايزيديون الى بداية القرن العشرين محرومين من الذهاب الى المدارس،وكانت الغالبية العظمى منهم لا تتمكن من القراءة باللغة العربية ولا التحدث بها شفاها ً، فكيف يحتفظون بالقرآن ويقرأونه ؟ !!

لأن فكرة الكتاب المنزل من السماء ،أو من عند الله ، غير واردة في الفكر الديني الإيزيدي التي تترددُ في أقوالهم تسميات (اللوح والقلم) وهي مصطلحات قديمة تعود للعصر السومري .
لذلك لنْ تجدَ بيتا ً إيزيديا ًواحدا ً يحتفظ ُ بالقرآن للتبرك كما يدعي الكاتب ، أمّا القول أنّ الكثير منهم يقرؤونه ويعلمونه لأولادهم فهو مجرد أكذوبة من خيال الباحث ..
أو إن :
(تقدس اليزيدية سورا ً وآيات خاصة من القرآن الكريم ويولونها اهتماما ً خاصا ً مثل سورة: يسن والفاتحة، والإخلاص ، وآية الكرسي) .
هل إختار الباحث هذه الآيات بالصدفة ؟
لا اعتقد ..
لأنني في بحثي ، عن هذه الآيات،وجدتُ...
إنّ سورة يسن مثلا ً ، ُتقرأ من قبل المسلمين على الميت أثناء ما يعرف بالتلقين، مع ذكر الشهادة الإسلاية بشقيها ، و يريد بذلك أنْ يُوحي أنّ الإيزيديين يمارسون قراءة القرآن على موتاهم أثناء شعائر الدفن .
أمّا سورة الفاتحة..
[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ].. فتعتبر من السور التي لا يمكن أن تستقم صلاة المسلمين من دونها.

أمّا سورة الأخلاص...
[ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4) ] ... فقد إختارها لأن المسلمين يعتقدون أن هذه الآية قد نزلت في الرد على الثالوث المسيحي والمشركين .
أما أية الكرسي ...
تُسمى الآية ( 255 ) من سورة البقرة بآية الكُرسي لإشتمالها على كلمة " كُرْسِيُّهُ " و الآية هي :
( اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) .
لكن هناك قول آخر يقول بأن آية الكرسي هي مجموع هذه الآية مع الآيتين التي تليها ، و هما :
( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
لست ُ مدركا ً لسبب إختياره لها ، فمعلوماتي المحدودة عن المسلمين لا تساعدني في إستنباط المغزى منها ، وأدع تفسير ذلك للباحث ، لأني عجزت من العثور بين الأيزيدية من يفهم شيئا ًعن هذا الادعاء ، والذين إستفسرت منهم ، من الأيزيديين ، كانوا أعجز منْ أنْ يدركوا،(رغم توضيحي لهم )،معنى آية الكرسي وتفاصيلها ، أو أن ْ يستوعبوا غاية الباحث ومغزاهُ ، من حشره لهذه الآيات ، في نطاق إدعاءاته ، التي إحتواها كتابه العتيد ..
 

الملائكة والموت
(الجزء الثاني)

وعن الأنبياء والرسل يقول :
يؤمن اليزيدية عموما بجميع الأنبياء والرسل ، ولهم مكانة خاصة في عقيدة اليزيديين ، فهم يعتقدون أن جميع الأنبياء والرسل مرسلون من عند الله ولا فرق بين احد منهم، وكثيرا ً ما يسمي اليزيديون ابناؤهم بأسماء الرسل... ولكن مع ذلك فإن هناك البعض من اليزيديين الذين يحملون في أنفسهم الكره تجاه رسول الله محمد، والسبب في ذلك هو ما لاقاه اليزيديون من البطش والتنكيل على يد المسلمين في القرن الماضي وبدايات القرن ،... أمّا اليزيديون عموما ً فيؤمنون بمحمد أيضا ً مثل إيمانهم بسائر الأنبياء والرسل الآخرين... ولا يعتقد اليزيدية أن الله أرسل إليهم رسولا ً خاصا ً بهم.... ولليزيدية بعض الأقوال تحتوي على قصص الأنبياء والرسل والذي يطلع عليها يتبين له مدى موافقتها للنصوص الإسلامية، بيد أن بعض الأخبار الإسرائيلية وكذلك بعض الخرافات والأساطير القديمة قد دخلت فيها، ولكن عموما ً فإن قصص الأنبياء التي يتناقلها اليزيدية متشابهة إلى حد بعيد مع المصادر الإسلامية)
ص 90 .

إن القول :
( يؤمن اليزيدية عموما بجميع الأنبياء والرسل) ، فيه مغالطة مقصودة من قبل الباحث آزاد ، الغاية منها التأكيد على وجود فكرة الرسل والأنبياء في الديانة الأيزيدية بحكم تكوين الديانة الأيزيدية المبني على علاقة مباشرة بين الله وأتباعه التي لا تستند على رسول أو نبي فهي ليست بحاجة للأنبياء ، بحكم قدم هذه الديانة ،وعراقتها ، شأنها شأن كافة الديانات القديمة ،التي تخلوا من فكرة أو عنصر النبوة والرسل ...
لكن من المؤكد إنها كدين غير تبشيري تحترم بقية الديانات وخياراتها،من هنا جاء عدم المساس بمشاعر الآخرين،أو التدخل في شؤونهم الدينية .
لكن هذا شيء والأيمان بالأنبياء ، أو كما جاء في قول الباحث (بجميع الأنبياء والرسل) شيء آخر،غير منطقي ، حيث لا توجد مجموعة دينية في كل العالم تؤمن بجميع الأنبياء والرسل ..
أمّا خَصّهُ إن الأيزيدية تؤمن بنبوة محمد ، هذا هو بيت القصيد في، قوله المقتطف في هذا المجال ، فهذا هراء ما بعده هراء ، وقد أورد الكاتب ، بعض نتائج مخلفات العلاقة بين الطرفين في الوعي الأيزيدي
(.... والسبب في ذلك هو ما لاقاه اليزيديون من البطش والتنكيل على يد المسلمين في القرن الماضي وبدايات القرن) وهو على حق ، لكني أضيف ، ليس في القرن الماضي وبدايات القرن العشرين فقط ، بل منذ ُ أنْ وطأت جيوش الإسلام أراضي كردستان ومناطق تواجد الإيزيدية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ..
يقول محمد شمس الدين البريفكاني ، في مقال له على موقع حكومة إقليم كردستان بعنوان (الأنفال من صدر الإسلام ... إلى زمن صدام ) :
(أول من إستخدم كلمة الأنفال كان محمد رسول الله (ص) وحتى قبل نزول سورة الأنفال ، فبعد سنتين من هجرته الى المدينة وبعد أن أصبح لديه جيش من المهاجرين والأنصار بدأ يتربص بقريش ويتتبع أخبارها، وعندما علم بأن قافلة تجارية فيها أموال قريش يقودها أبو سفيان قادمة من الشام متجهة الى مكة، ندب اليه رجاله أي جمعهم وقال لهم: هذه عير قريش " بكسر العين " فيها أموالهم وتجارتهم هلموا اليها لعل الله أن ينفلكموها أي يجعلها " أنفالا " غنائم لكم .

وبعد أن إنتهت المعركة بإنتصار جيش المسلمين على جيش الكافرين من رجال قريش وهربوا تاركين ورائهم سبعون قتيلا وسبعون أسيرا والكثير من الأسلحة والعدد الحربية، بدأ المسلمون بجمع كل ما وقعت عليه أيديهم من مخلفات العدو المهزوم فأمر رسول الله بإحضارها بين يديه لغرض توزيعها وكان قد قال (ص) قبل بدأ المعركة بالنص ( من يقتل قتيلا فله كذا وكذا، ومن يأسر أسيرا فله كذا وكذا )، وعندما بدأت المعركة إندفع الشباب الى القتال أما كبار السن فقد بقوا مع رسول الله أحاطوا به من أجل حمايته، وبما أنهم لم يشاركوا فعليا في القتال فقد رأى المقاتلون الشباب بأن الشيوخ بالرغم من إنهم هم الذين جمعوا الغنائم غير مشمولين بهذه المكرمة النبوية، وقالوا نحن قاتلنا ودفعنا عنكم العدو فتمكنتم من جمعها، أما الشيوخ فقالوا شاركونا في الغنائم فنحن أحق بها منكم مما أدى الى حدوث خلافات حادة كادت أن تؤدي الى إقتتال بين الصحابة أنفسهم من أجل الغنائم "الأنفال" لولا أن الله تدخل من عليائه ليعلمهم كيفية توزيع الأنفال، حيث أنزل في الوقت المناسب سورة الأنفال.
( ويسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فإتقوا الله وإصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين )
الأنفال 1
وقال الصحابي عبدالله بن الصامت نزلت هذه الآية فينا أصحاب بدر حين إختلفنا وساءت أخلاقنا فنزع الله الأنفال من أيدينا وجعلها لرسول الله فقسمها على السواء .

لم تكن غزوة بدر هي أولى غزوات محمد (ص) بل كانت الغزوة الخامسة من حيث تسلسل غزواته التي بلغ عددها سبعة وعشرين غزوة، قاتل بنفسه في تسع منها وقال البعض إنه قاتل في أحدى عشرة غزوة، هذا بالإضافة الى الكثير من الغزوات التي قامت بها بعوثه وسراياه التي بلغ عددها خمسة وثلاثين بعثا وسرية منذ دخوله الى المدينة والى أن توفاه الله.
ولأن الأسلام كان في بداية إنتشاره فقد إنحصرت الغزوات كلها في منطقة الجزيرة العربية، وبسبب البعد الجغرافي لم تتمكن تلك السرايا من الوصول الى المناطق التي كان يسكنها الأكراد آنذاك من أجل غزوها وأنفلتها، لذلك لم يتعرض الأكراد الى أية عمليات أنفال من قبل محمد (ص) لكن الأنفال الأولى حدثت في عهد ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب (رض) عندما أرسل جيشا من المؤمنين على رأسهم سلمة بن قيس الأشجعي وقال له سر بسم الله، قاتل في سبيل الله من كفر بالله، فإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم الى الإسلام فإن أبوا فادعوهم إلى الخراج أي الجزية فإن أبوا فقاتلوهم فإن الله ناصركم عليهم.
قال سلمة فسرنا حتى لقينا عدونا من المشركين فدعوناهم الى ما أمرنا به أمير المؤمنين فأبوا الإسلام وأبوا الخراج فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم، فقتلنا مقاتلتهم أي رجالهم القادرين على القتال وسبينا ذراريهم أي نسائهم وأطفالهم وجمعنا الرثة أي أمواله.

هنا سأتوقف عن الكتابة لبضعة دقائق وألوذ بالصمت، وأتمنى أن يشاركني القارئ الكريم بأن نغمض أعيننا قليلا ونعود بخيالنا الى زمن الأشجعي وهجومه على الكرد، ونحاول أن نرى بعيون العقل ومن خلال نظرة إنسانية ما كان يجري هناك، وأن نرسم صورة للواقع الأليم الذي كان يعيشه الكرد المؤنفلون في ذلك اليوم الرهيب. بالتأكيد سنرى صورة مأساوية وعملية قتل وإبادة جماعية لاتقل في وحشيتها وبشاعتها ودمويتها عما حدث في مدينة حلبجة في زمننا المعاصر. صراخ وعويل وأنين، جثث القتلى متناثرة في كل مكان، جرحى مخضبون بدمائهم يئنون من الألم يبكون كنمور جريحة حزنا على النساء والصبايا والفتيان الذين يجرجرهم مؤمنوا الأشجعي ويسوقوهم كسبايا ليباعوا في أسواق النخاسة والعبيد. الفرق بين العمليتين هو إن الأولى وأستطيع أن أسميها غزوة الأشجعي كانت باسم الله ومن أجل نشر الدين الإسلامي أو فرض الجزية الخراج الذي كان يملأ بيت مال المسلمين والذي كان يشكل العامل الأقتصادي الرئيسي لحياة وديمومة الدولة الإسلامية الناشئة. هنا أتسائل هل كانت هذه هي الطريقة الوحيدة أو المثلى لنشر الدين الإسلامي في ذلك الزمان؟ ألم يكن من الأفضل إعطاءهم فرصة لفهم وإستيعاب الدين الجديد خاصة وهم لم يكونوا عربا وبالتأكيد لم يكونوا يعرفوا اللغة العربية،.... قبل أن أضع نهاية لمقالي هذا سأذكر بعض الحالات التي تخللت عمليات الأنفال في صدر الإسلام من خلال بعض الغزوات وليس جميعها وسأنظر اليها من الناحية الإنسانية والإجتماعية مستخدما نظرية العقل والمنطق وليس نظرية العاطفة والإيمان، وإن كل ماسأذكره هي معلومات عامة موجودة وموثقة في جميع كتب السيرة النبوية والتي هي أمهات الكتب وتعتبر مصادر رئيسية للتأريخ الإسلامي يستطيع كل من يريد معرفة الحقيقة أن يطلع عليها ..

ففي غزوة بدر وبعد تقسيم الأنفال أمر رسول الله بالنظر في أمر الأسرى فقال أبو بكر يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإني أرى أن تأخذ الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضدا، أما عمر بن الخطاب فقال لا والله ما أرى الذي رأى أبو بكر بل أرى أن تمكنني من فلان فأضرب عنقه وتمكن حمزة من أخ له فيضرب عنقه وتمكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه، حتى يعلم الله إن ليس في قلوبنا هوادة للكفار. أما عبدالله بن رواحة فكان أكثرهم قسوة حيث قال: يا رسول الله أنظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم نارا. أخذ الرسول برأي أبو بكر وقال لايفلت من الأسرى أحد إلا بفدية أو ضرب عنق، وجعل ثمن الأسير أربعة آلاف درهم، وبعضهم أمروا بأن يعلموا المسلمين القراءة والكتابة ثمنا لحريتهم. وكان بين الأسرى العباس بن عبدالمطلب عم النبي فقال له يا عباس إفد نفسك وإبني أخيك عقيل ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال، وكان رسول الله قد أخذ منه عشرين أوقية من ذهب كانت معه فقال العباس يا رسول الله إحسبها في فدائي، فقال لا ذاك شئ أعطاناه الله عز وجل. وأمر رسول الله بقتل أحد الأسرى وهو عقبة بن أبي معيط فقال الرجل قبل أن يقتل فمن للصبية يا محمد أي من يهتم بأطفالي ويعيلهم بعد قتلي فقال الرسول ألنار، هذه هي نصوص قليلة ومختصرة مما حدث في غزوة بدر ولا تعليق لي عليها، لكن سؤالا واحدا يراود ذهني وهو إذا كانت هذه طريقة تعاملهم مع إخوتهم وأبناءعمومتهم وقوميتهم فكيف سيكون تعاملهم مع الآخرين؟ .

في غزوة يهود بني قينقاع حاصرهم الرسول خمسة عشر ليلة لايطلع منهم أحد، الى أن إستسلموا ونزلوا عند حكم رسول الله فكتفوهم وهو يريد قتلهم، فقام اليه عبدالله بن أبي بن سلول وكان من الخزرج وقال يا محمد أحسن في موالي أي أحسن إليهم فهم حلفائي فلم يرد عليه الرسول، فأدخل يده في جيب رسول الله فقال الرسول أرسلني أي أتركني وغضب الرسول حتى رأوا في وجهه ضلالا أي تلونا ثم قال ويحك أرسلني قال لا ولله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الأسود والأحمر تريد أن تحصدهم أي تقتلهم في غداة واحدة أي في ساعات قليلة وإني والله لا آمن وأخشى الدوائر وكان في قوله ذلك تهديدا مبطنا فقال الرسول هم لك، ثم قال أتركوهم لعنهم الله ولعنه معهم، وأمر بإخراجهم من المدينة مع ذراريهم بعد أن غنم منهم سلاحا كثيرا وآلة صياغتهم فقد كانوا صياغا. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا وجد عبدالله بن سلول في جيب رسول الله؟ أو ماذا أمسك حتى أوصل رسول الله الى حالة الغضب الشديد، وبالرغم من ذلك فلم يخرج يده من جيبه الى أن عفى عن مواليه، أعتقد بأن الأمر واضح لكل من يريد أن يفهم، لأن قتل سبعمائة شخص كان أسهل على الرسول مما أمسك عبدالله بن ابي في جيبه . وبذلك التصرف أنقذ حياة حلفائه من موت محقق.

أما غزوة يهود بني قريضة فقد كانت بعد غزوة الخندق مباشرة حيث حاصرهم الرسول خمسة وعشرين ليلة الى أن أجهدهم الحصار فإستسلموا ونزلوا عند حكم رسول الله، فقام بعض الصحابة من الأوس وقالوا يا رسول الله إنهم موالينا وحلفائنا فأحسن اليهم كما فعلت مع حلفاء الخزرج بني قينقاع، فقال لهم الرسول ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى،قال إنه سعد بن معاذ فقال له أصحابه يا سعد أحسن فيهم فهم حلفائنا وما ولاك رسول الله أمرهم إلا لتحسن فيهم لكن سعد لم يدخل يده في جيب رسول الله ولم يمسك بما أمسك به عبدالله بن أبي بل قال: آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، فقال له رسول الله أحكم فيهم فقال : أحكم بأن تقتل الرجال وأن تقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء، فقال الرسول لقد حكمت بما يرضي الله ورسوله، وأمر الرسول بقتل كل من أنبت أي نبت الشعر على وجهه ويقال في منطقة العانة . ثم خرج الى سوق المدينة وأمر بأن تحفر فيها خنادق ثم جلس وبدأت عملية ضرب أعناق بني قريضة أرسالا أي جماعات وتم رميهم في تلك الخنادق التي كانت بمثابة مقابر جماعية دفن فيها ما بين سبعمائة الى ثمانمائة رجل، وتم أيضا توزيع أموال بني قريضة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين. ثم بعث رسول الله سعد بن زيد الأنصاري بسبايا من أنفال بني قريضة الى نجد فباعهم وإشترى بثمنهم خيلا وسلاحا. السؤال هنا هو كيف وبأي حق يباع الأنسان في عهد النبوة؟ وأي إله يرضى عن ذلك؟ وهل يتقبل إنسان القرن الواحد والعشرين خاصة عندما يطبق نظرية العقل والمنطق مثل هذه الأمور؟ أترك أبواب الإجابة مفتوحة ليتمكن كل إنسان من التفكير على طريقته وقناعته وبما يمليه عليه ضميره أو عقله أو إيمانه، لأن المسألة كما يقال فيها وجهة نظر. الشيماء أخت الرسول بالرضاعة وقعت هي أيضا ضحية لللأنفال ولم تنجو من السبي، وعندما أسرت عوملت بقسوة فقالت لجنود الرسول إني أخت صاحبكم فلم يصدقوها، وأخذوها الى الرسول فقالت له أنا أختك فقال لها وما علامتك فأثبتت له بأنها أخته، كذلك إبنة شيخ العرب وكريمها حاتم الطائي الذي لازال العرب الى اليوم يتغنون بكرمه وسخائه كانت أيضا ضمن الأنفال التي سيقت الى رسول الله من بلاد طي فوضعها في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبسن فيه.
خلاصة القول هو إن الأنفال كإسم وكفعل مورست وبشكل واسع ومكثف خلال جميع غزوات رسول الله، جرت خلالها كما أوضحت عمليات قتل وإبادة جماعية، وسلب ونهب أموال وسبي و بيع وإهداء نساء وذراري، وعمليات تعذيب من أجل المال، لو أردت أن اشرحها بالتفصيل وكما هو مذكور في كتبنا الإسلامية فسأحتاج الى كتاب بحجم كبير، كانت كل تلك العمليات موجهة ضد المشركين الذين لم يقبلوا دين الله وكانت تتم بإسم الله ومن أجل نشر دينه وتثبيت أركانه. ) *.

أمّا قوله :
(ولليزيدية بعض الأقوال تحتوي على قصص الأنبياء والرسل والذي يطلع عليها يتبين له مدى موافقتها للنصوص الإسلامية) ..
فان ذلك ليس مستبعدا ً وليس غريبا ً ، لكن هل يستطيع أن يحدد لنا الكاتب تلك القصص؟ كي نبين له جذور تداولها لدى بقية الديانات قبل الإسلام ، وكيف تناقلتها الأديان منذ الحقبة السومرية ومن ثم البابلية والآشورية ومن بعدها اليهودية والزرادشتية ومن ثم المسيحية التي لا تختلف في الكثير من التفاصيل عن مثيلاتها من القصص لدى الديانة الفرعونية في مصرأو في بلاد الهند وغيرها من الأماكن ،التي كانت تتواجد فيها اولى التشكيلات الدينية ... هل يستطيع الباحث أن ينفي وجود تلك القصص وتداولها من قبل أتباع الديانات التي سبقت الإسلام بأكثر من 2500 عام ؟..
ألا يعلم أن القرآن نفسه ،من حيث البنية اللغوية والميثولوجية ، يستند على عبارات كاملة ، من قصص الأنبياء والرسل ،وقصة الخلق ، على جمل ونصوص كاملة لشعراء "الجاهلية" ، بعد إعادة صياغتها أو إقتباس جزؤها من النص الأصلي. ليراجع بذلك كتاب مصادر الأسلام للدكتور كلير تسدل، وكتاب مقدمة في فقه اللغة العربية للدكتور لويس عوض.

الم يسمع بكتاب الباحث الألماني الشهير (أبراهام كايكر) وكتابه الأشهر"ماذا أخذ محمد من اليهودية؟" أم بهانريش شباير صاحب كتاب الحكايا الكتابية في القرآن الذي يقول عنه الباحث نبيل فياض:
( هذا العمل،كما نراه ، هو أكثر الكتب موضوعية في مسألة علاقة القرآن بالنصوص المقدسة الأخرى ، فالكاتب لم يحاول إطلاقا ً أن يضع فكره في رأسه ثم يحشد شواهد من هنا وهناك للتدليل على صحتها - كما فعل كايكر مثلا ً. شباير يقدم الأية ثم يقدّم كل ما هو قريب منها في كل النصوص التي أتيح له الإطلاع عليها: ويترك للقارىء مهمة إكتشاف مدى العلاقة بين النصوص المقارنة ....منذ أن نشر عمله بدا جليا ً ، الكم الضخم من المتوازيات بين التراث اليهودي والقرآن . لقد أشار كايكر بحق " إلى أن موضع بحثه معروف ومدرك منذ زمن طويل ، اي ، أنّ في القرآن أشياء كثيرة متوازية مع مثيلاتها في التراث اليهودي ، وهي مثيلات كانت معروفة للجميع في زمن محمد ) (4) .
في سياق هذا الرأي أستطيع التأكيد،أن ما ذهب إليه الباحث بخصوص الأخبار الإسرائيلية ليس إلا وهما ً أراد به الباحث ممارسة التشويش على القراء بحكم عدم معرفة الإيزيديين بموضوعة الأخبار الأسرائيلية ، وأجزم أن الغالبية المطلقة من الإيزيديين لا يعرفون معنى الأخبار الأسرائيلية بمن فيهم مثقفوهم لأنها مسألة لا علاقة لهم بها ولا تعنيهم بشيء، حشرها الباحث في متن كتابه ، للتشويش ليس إلا ..

وعن اليوم الأخير يقول :

( تؤمن اليزيدية ببقاء الروح وأنها لا تفنى ، بل الذي يفنى هو الجسد فقط - فالروح لا تموت بل تخرج من الجسد عند الموت - ... وعندما يموت أحد الأيزيديين يقوم احد القوالين بقراءة قول القيامة عليه ، أمّا غسله فيتولاه شيخ و بير الميت ، وإذا كان الميت رب المنزل فيجب خلع الباب الرئيسي للدار، ووضع الميت عليه عند الغسل ، أما إذا كان غير ذلك فيغسل على شيء من التبن ... ويوضع الميت في داخله على شقه الأيمن مستقبل القبلة ..
وفي الهامش رقم 3 يوضح وعندما سألتهم عن مقصدهم بالقبلة ، كانوا يقولون: إنها القبلة التي في الحجاز...
ثم يبدأون بقراءة التلقين على الميت، ويضع يده اليمنى على اليسرى كما يفعله المسلمون في الصلاة ...
يؤكد روبرت هيرتس:
في مقال له،في المجلة الفلسفية،عدد ديسمبر1909 ، بعنوان الوهية اليد اليمنى..
( إن التمييز بين اليمين واليسارأمرمتعلق ببعض التصورات الأجتماعية - فاليد اليمنى موصولة بعالم القداسة،واليد اليسرى موصولة بالعالم اليومي ، المباح) (5).
وفي الهامش رقم واحد من ص 104 يقول: يلاحظ هنا أن مراسيم تشييع الميت لدى اليزيديين تتطابق إلى حدّ كبير مع ما يقوم به المسلمون عند تشييع الميّت ، ...
اما بالنسبة للبعث فاليزيدية لا يؤمنون بحصوله ، إذ إنهم يعتقدون أن الجسد عندما يفنى فإنه غير قابل للإحياء مرة أخرى )
ص103 .
 

الملائكة والموت
(الجزء الثالث)

إنّ خصوصيات الدين الأيزيدي العديدة،أهم ما يميزه عن بقية الأديان ، وتتجسد في الكثير من الطقوس والممارسات ، التي ينفردُ أتباعه ومعتنقوه بأدائها،التي تعود في جذورها إلى الديانات القديمة في العهد السومري .
من بين أهمها إلى اليوم ، الطقوس الخاصة بدفن الميت، التي تتجسدُ فيها مفاهيم الميثولوجية الأيزيدية ، المنبثقة من تناسخ الأرواح ( كراس كوهرين.. أي تبديل الجسد) ، بحكم القناعة ببقاء الروح و إنتقالها مع فناء الجسد (من حال إلى حال ، من صيرورة إلى أخرى ، من واقع معلوم إلى مصير مجهول )(6).
يقول وول ديورانت :
في كتابه الشهير قصة الحضارات ( الموت أصل الديانات كلها ) (7).
كما يقول افلاطون :
( الفلسفة تأمل للموت ) (8)
و يقول جون تولاند
JonToland :
(إن اكثر الأشكال قدما ً للدين الوثني هو الأيمان بالروح ووجودها بعد الموت،وبهذا كشف نشوء عبادة عالم الموتى لدى المصريين القدماء) (9).

هذه المفاهيم التي تفلسف الموت وتعتبره صورة من صور الأنتقال ، إنتقال الروح في المكان ليس إلا ، في حركتها الأبدية،المستمرة ، والمتواصلة، تدفعهم للتعامل مع الموت والتفاعل مع الحدث ،عبر إصطحابهم للموسيقى لمرافقة نعش الميت ونقله من البيت حتى دفنه في مثواه الأخير بصحبة فرقة من القوالين من العازفين للناي والناقرين على الدفوف (دف وشباب) التي تتقدم النعش ويستمر العزف لحين الإنتهاء من الدفن ، حيث يتم قراءة قول (سر مركهي.. قول الميت) ، الذي نصه أو مضمونه منشور في كتاب مشترك لخليل جندي وبير خدر سليمان ،ضمنه الدكتور خليل ، في كتابه الجديد عن صفحات من الأدب الشفاهي الأيزيدي (10)، والقاريء لهذا النص ، يتبين له بوضوح الفرق الكبير والبعد الميثولوجي بين الأيزيدية والاسلام .

و تتقارب مع ما ذهب إليه الباحث حسين العودات في كتابه الهام الموت في الديانات الشرقية ..
( كانت الديانات الهندوسية أكثر تطورا ً ونموا ًورقيا ً من الديانات السابقة ، ورفضت أن تقف خائرة القوى أمام الموت ، فتوصلت إلى القول : أن الجسد وحده هو الذي يموت ، أمّا الروح فهي خالدة غير مائتة ، وسيأتي اليوم الذي تتحد فيه روح الفرد مع الروح الكبرى الكلية المطلقة ، لتنعم بخلود ونعيم أبديين . وبالتالي جعلت الديانات الهندوسية سهام الموت تصيب جسدا ً لا روح فيه ، وجثة لا حياة فيها ولا حركة . فخففت بذلك من جبروت الموت وسطوته.).(11)
ويقول شالي :
( وهناك نص جميل ، استعاره اولدنبورغ من البراهمانا ، براهمانا المئة درب ، ينبئنا بهذا الكشف : " وما تنتزع الطرّزة قطعة القماش الكثير الالوان ، وتنشىء بدلا ً منها ، قطعة اخرى ، اجمل شكلا ً ، فكذلك الروح " في الموت " تترك جسدها يسقط عنها ويغيب في النسيان ، وترتدي جسدا ً آخر، وشكلا ً آخر ، إما إلهيا ً أو بشريا ً، وإما صورة كائن آخر ... فكما عمل ، وكما كان سلوكه ، سيكون عندئذ:
فمن يعمل الخير يصبح طيبا ً، ومن يعمل الشر يصبح كائنا ً سيئا ً، وبالأعمال الصافية ، يصبح صافيا ً، كما يصبح خبيثا ً، إذا ارتكب الأعمال الخبيثة ) (12)...


بعد ذلك تتلى قصص الخليقة لمدة سبعة أيام متواصلة في دار المتوفي أو في فناء احد المزارات ، التي يتردد إليها ذوي الميت و أقرباؤه ، وتتكرر في الأربعينية والسنة الجديدة،كما تواصل فرق القوالين ، مرافقة النساء أثناء التردد على القبور، وزيارة الموتى في المناسبات وأيام الأربعاء والجمعة والأعياد ، وإذا كان الميت من الشباب يمكن أن يُضاف أو يُستعاض عن فرق القوالين بعازف الزرنا الذي يقدم لحنا ًحزينا ًومتميزا ً.
هذا ما ينفرد به الأيزيديون ، من ممارسات دينية لها علاقة بالموت ...
لا يفوتني أن انوه إلى أهمية ما ورد في اسطورة ميرمح التي يتناقلها الأيزيديون،المتقاربة في الشكل والمضمون مع ملحمة كلكامش الشهيرة ، التي تعالج قصة الموت والخلود ، حيث جاء فيها:

يقال:
كان لرجل كبير وغني،رجل مؤمن وحكيم ، إبن يدعى (مير مح ) ، وكان أبيه لا يريد أنْ يرى إبنه أية معاناه ، أويعرف الفاقة والعوز، أو يتعرض للشر والموت .
لذلك لمْ يَسمحْ لمير مح بمخالطة الناس ، كي لا ُتشاهد عينيه أو ُتبصر مصاعب الحياة ، وكل شيء،كان يطلبه إبْنهُ يوفره له في الحال، في خدمته عدد من الرجال والخدم،يؤنسوهُ ويفرحوهُ في كل الأوقات .
لحين بلوغه سن الزواج ، حيث خطب له أبيه فتاتا ً، جميلة ومناسبة ، وزوجه منها ، أصبح مير مح منتشيا ًوسعيدا ً للغاية .
عاش في وئام وسعادة بالغتين معها،فأشرقت روحه وأقبل يتمتعُ ويفرحُ بالحياة،السرور ملازمه ، لم يكن يعرف الهموم والأحزان .
كما تقول القصة ...
بعد عدة اشهر من زواج مير مح جاءه أصحابه ذات ليلة لسهرة،قضت بفرح ومرح ونكات وضحك ، لساعة متأخرة من الليل ، قبل أن يُغادروا إلى بيوتهم ، حيث رافقهم لغاية الباب .


عاد فوجد زوجته نائمة ، ناداها لتستيقظ ..إنهضي .. فيقي ..لكن دون جدوى ... لم تستيقظ.
تصور مير مح زوجته نائمة ، وقال سوف أدعها تنام إلى الصباح ، تمدد هو الآخر إلى جنبها .
في الصباح ، صاح مير مح على زوجته ليوقضها ، لكنها لم تستجيب أو تتحرك ، وبقي هكذا لحين جاءهُ أصدقاؤه ... كانوا يستفسرون منه ... أين أمُّ البيت ؟ أين زوجتك ؟
أجابهم : أوووه ه من البارحة دخلت في الفراش وبقيت نائمة !
ذهبَ أصدقاؤه لرؤيتها ، لم تكن نائمة !قالو .. إنها قد تكون ميتة ! مير مح ... إنّ زوجتك ميتة !!
سأل مير مح :
ما هو الموت؟!
أجابوا : جبرائيل (عزرائيل) رسول الله يأتي ويأخذ الروح من البشر إلى عالم آخر، الروح لا تعود إلى جسدها !
إستفسر ثانية مير مح من أصحابه .. ما هو الموت ؟!
ماذا تقصدون بخروج الروح ؟
من هم جبرائيل وعزرائيل ؟ !... قولوا لي !!

قالوا :
الآن الشيخ و البير ، وأخت وأخ الآخرة سيأتون ، زوجتك ميتة ، سيأخذونها للغسيل ، سيغسلونها ، سيغسلون رأسها ، سيكفنوها ، ويؤدون عليها الدعاء ، بعدها سيضعونها على ( الدار بست... السّدية ) وينقلوها إلى المقبرة ، هناك قبرها محفور ، سوف ُيودعوها تحت التراب ، والمشيعين سوف يعودوا إلى دورهم ، هي ستبقى !!.
- سأل مير مح :
وإلى متى ستبقى هناك ؟ !
- أجابه اصحابه : هي ستبقى إلى الأبد ..هناك في دار الحق !
- مير مح : أنا أيضا ً هكذا سأموت ؟!
- نعم هذه الدنيا ليست ملك أحد ، هي فقط ملك الله ،! من يولد في ارض الله سوف يشرب من كاس الموت ! نحن جميعا ً سنموت !.
ويقال عندما أدرك مير مح إن زوجته لن تعود ، نهض وقال هذا الشعر بعنوان قصيدة (مير مح ) وإشتهرت وخلدت زوجته ... وغادر يبحث عن مكان خال ٍ من الموت ...) (13) .

كان من الأجدر به،التطرق إلى خصوصيتها وتفردها،وليس القفز عليها وتخطيها،أو تشويهها ...
لست أدري.. كيف يمكن له أن يربط هذه العادات وهذه الطقوس بالإسلام ؟ الذي حرم الفن والموسيقى والصورة والشعر إذ قال :
(يلاحظ هنا أن مراسيم تشييع الميت لدى اليزيديين تتطابق إلى حدّ كبير مع ما يقوم به المسلمون عند تشييع الميّت ) .
يا لدهشتي !! ...
كيف تمكن الباحث من النطق بهذا الرأي وتثبيته في كتابه .. من المؤكد إن الأمر لا يخرج عن نطاق وجود خلل ما،في المعادلة التي تجمع بين طقوس الأيزيدية الخاصة بالدفن ، و إعتبارها متطابقة مع ما يقوم به المسلمون.
أين هذا الخلل ؟!! ..
لست ادري...

وفي متفرقات من عقائد اليزيدية يقول عن التعميد :
يعتقد اليزيديون أنه يجب على كل يزيدي عندما يولد له مولود أن يذهب به إلى لالش ، حيث يوجد هناك عين ماء تسمى ب "العين البيضاء" ، فيقوم بغمس ذلك المولود في مياه تلك العين ، ويوجد حوضان أحدهما للذكور والآخر للإناث ... والذي يبدو لي هو أن هذا الاعتقاد قد تسرب إليهم من قبل جيرانهم المسيحيين الذين يعيشون حولهم في المنطقة...

حسنا ًهذه المرة ، أخذ اليزيديون عادة التعميد،من جيرانهم المسيحيين،الذين سربوا لهم هذه العادة بحكم الجيرة والعيش المشترك في منطقة واحدة،هذا ممكن وطبيعي .
الملفت للنظر أن التعميد لدى الديانة الإيزيدية يتم في مكان محدد وبماء كانيا سبى وزمزم في لالش المقدس تحديدا ً، خلاف الديانة ،المندائية التي تستوجب أن يكون الماء جاريا ً ولا يشترط نهرمعين أو مكان محدد ، والمسيحية التي تعمد الأطفال في أي ماء وفي مختلف الكنائس.
إذا كان المغزى واحدا ً أو متقاربا ً ، بين هذه الديانات من عملية التعميد في الجوهر. فهنالك إختلاف واضح في الممارسة بينهم من حيث الشكل عند أداء التعميد.
لكن هل تقصى الباحث حدود هذه العادة ؟تاريخها ؟مناطق إنتشارها ؟مدلولاتها وممارستها؟ هل لديه إطلاع على كل هذا ليبني موقفه وإستنتاجه على تسربها إليهم من المسيحيين؟
هل يستطيع أن يدعم رأيه بالمزيد من الأدلة والتفاصيل في هذا الموضوع ؟ .
لماذا إختار الباحث المسيحيين بالذات لينقلوا هذه العادة للأيزيديين ؟ ما السر في ذلك ؟
لو كان المسلمون يمارسون التعميد،هل كان الباحث سيصر على تسربها لهم من المسيحيين ؟ ..
أم كان سَيرُدُها وُيرجعُها إلى عادة إسلامية ؟ ويعتبرها من البراهين الإضافية المؤكدة عن إسلامية الأيزيديين ؟ ..

تجري مراسم التعميد عند الأيزيدية منذ الطفولة في حوض (كانيا إسبي) للذكور والأناث معا ً ولا يوجد حوض للأناث وآخر للذكور كما قال الباحث ،وهو من الطقوس القديمة المشتركة في الكثيرمن الديانات ، وتؤكد المصادر التاريخية ،إن الصابئة المندائيون قد مارسوه،قبل المسيحيه ،حيثُ قام يوحنا المعمدان بتعميد السيد المسيح حسب الأسطورة المندائية ، كما تثبت المكتشفات الأثرية أنّ اليونان والرومان وكذلك الفراعنة وسكان مابين النهرين كانوا يمارسون طقوس التعميد بأشكال مختلفة وقد نقلت لنا الميثولوجية السومرية التفاصيل الكثيرة عن الإله "أيا :
بإعتباره إله الماء والمطر ، والتعاليم التي تؤكد إستخدام الماء لتطهير الجثة من الذنوب قبل دفنها،كما بينت الآثار تواجد البرك والأحواض المائية،في المعابد الدينية ، في العديد من المدن المشهورة .
كذلك يمكن القول إن الفراعنة المصريين قد مارسوا هذه الطقوس .. كما أن هذا التقليد التعميدي، كان موجوداً عندهم ، ويجوبون الطرقات وهم يحملون الشموع والمشاعل إلى أن يصلوا إلى نهر النيل فيغطسون فيه معتقدين أن مياهه تشفي من الأسقام...
إنه يجرد الأيزيديين من عاداتهم وطقوسهم ، تارة يعتبرها إسلامية ، و أخرى مسيحية من منطلق واحد فقط ، هو نفي تاريخية هذا الدين ، وبالتالي نفي تاريخية تواجدهم الإنسانية ، وتجريدهم من عمقهم الميثولوجي ، لجعلهم ،كما أراد،وخطط له، في بداية بحثه، إلى فرقة إسلامية أموية،متنكرة للدين،تستحق العقاب الجماعي .

عن البراة يقول :
ويبدو لي أن اليزيديين اقتبسوا هذه العادة من خصومهم الشيعة الذين يقدسون التربة الحسينية....
يقدس الأخوة الشيعة تربة كربلاء ويربطون ذلك بقصة إستشهاد الحسين وامتزاج دمه بترابها،وتذهبُ القصص الميثولوجية ، إلى معرفة الحسين بمصيره المحتوم في قصة مشابهة من حيث المغزى، بصلب المسيح من قبل اليهود ، لكن قصة الحسين ترتبط بالفاجعة الأليمية المعروفة بواقعة الطف في كربلاء ..
السؤال الذي يتراود للذهن كيف إستطاع الباحث أن يربط بين مقتل الحسين وتربة كربلاء وموضوعة البراة المقدسة عند اليزيديين ؟!!
كيف يمكن أن يقتبسوا هذه الممارسة من الشيعة ؟ في الوقت الذي جعلهم في الفصول السابقة من أتباع يزيد الداعين لإعادة بني أمية للحكم ؟!!
كيف يمكن أن تستقم المعادلة يا سيد آزاد ؟ ..ولماذا لم تذهب إلى ما يقوله التاريخ عن هذه الممارسات الشائعة لتي لها علاقة بالأديان القديمة؟ وللعلم فإن مصطلح تربة الحسين مأخوذ من اللغات غير العربية لأن تسمية الترب هي القبور في اللغات الكردية والفارسية ومازال الإيزيديون يسمون القبور بالترب ومنها تسمية إحدى قرى الأيزيدية في منطقة القامشلي تربا إسبي التي تحولت إلى القبور البيض في اللغة العربية .....

وعن عقيدة الحلول يقول :

ويبدو أن اليزيديين عندما رأوا جيرانهم المسلمين يتحدثون عن مجيء محمد المهدي، والمسيحيين يتحدثون عن عودة المسيح ، عند ذلك أحسوا أن لديهم نقصا ً من هذه الناحية ، فإبتكروا هذه الفكرة ، وقالوا بعودة المهدي شرف الدين
ص 109- 112 .

أمّا عن هذا الموضوع فيمكن أن نثبت القصص التالية التي تسبق ما جاء في المسيحية عن عودة المسيح ، المسيح المنتظر ، وفي الأسلام / الشيعة ، عن المهدي المنتظر .وهي تجسيد لفكرة التوحد مع مفهوم الإله ، كما كان في الكثير من الديانات القديمة ، منها على سبيل المثال الفرعونية حيث إعتبر فرعون نفسه إلاها ً وكذلك أفردت الديانات الهندوسية جزء من تكوينها الفلسفي لفكرة التناسخ والحلول حيث تتداخل الآلهة في بعضها و تتماهى لتتحد كما في الهندويبة..
( أن الإله كريشنا يعرض أنه مثيل أو متماه مع براهما ، أي الألوهية التي تستطيل بها البراهمانية
Brahman اللاشخصية القديمة ، أي انها تضحية الأجيال القديمة ، والكائن العالمي او الشامل ." إني انا نفسي ، التضحية ، وأنا الصلاة ، وانا القربان ، والخير الذي يقدمه القربان . إني عملية التضحية ، والسائل المقدس ، وكذلك النار التي تتوقد فوق المذبح.
وأنا الأب والأم لكل شيء موجود ، وأنا الذي يلد ، والذي يحفظ هدف كل كلمة ، والتطهير ، والمقطع المقدَّس
OM .. وأنا الصوت والسيد والمغذي "أوالمرضع " ، والبيت والمسكن ، والملجأ ، والصديق ، ومنبع كل حياة ، واوقيانوس الحياة . وأنا البداية والنهاية ، والكنز ، والتحولات ، والبذار الذي يحمل الثمار دوما ً.
وبفضلي تتلقى الشمس النور والحرارة ، وانا الذي انزل المطر ، والذي يستطيع حجبه . انا الحياة والخلود ، وانا ايضا ً الموت والعدم ... وانا اسكن من حيث اني ، كلمة ، في قلب الجميع ، وانا طيب الخير . وأنا الإله في كل شيء ، وأنا قوة القوي،وجمال الأشياء الجميلة ، وذكاء الناس الأذكياء ، وأنا المعرفة في عقل الذين يعرفون ، وأنا الصمت الذي يخّيم على السر الإلهي.. وهذا الذي أخلص لي ، أنا كريشنا ، بكل ما فيه من إيمان ، وبكل الحماسة التي تحملها قناعاته ، هذا سأحررّه من كل قوى الطبيعة ، فينحل بي ، أنا الذي هو جوهر براهما ....) (14)

وفي بلاد الرافدين ،أفردت عشتار قصيدة للحلول:

أنا الأول ، وأنا الآخر
أنا البغي ، وأنا القديسة
أنا الزوجة ، وأنا العذراء
أنا الأم، وأنا الأبنة
أنا العاقر ، وكُثرٌ هُم أبنائي
أنا في عرس كبير ولم أتخذ زوجا ً
أنا القابلة ُ ولم أنجب احدا ً
وأنا سلوة اتعاب حَملي
أنا العروس وأنا العريس
وزوجي من أنجبني
أنا أمُّ أبي ، وأخت زوجي
وهو من نسلي .
(15)..

إحتوت الفقرات المكثفة من بحث السيد آزاد على الكثير من المغالطات التاريخية والفكرية والاجتماعية تمكنتُ من حصر العديد منها في هذا المقتطف القصير من بحثه الذي وضعته في مقدمة هذه الحلقة..
يكمن خطأ الباحث آزاد في لجوءة لمبدأ القياس والتأويل من خلال مقارنته بين المفاهيم والعادات والطقوس الأيزيدية بالأسلامية لاغيا ً جذور وتاريخ هذه الافكار والعادات الدينية ومنابعها وهو أمرٌ غيرُ مقبول في بلد تميز منذ العهود الغابرة بالتنوع الثقافي و الأثني وكان على إمتداد الزمن محط تلاقي وتلاقح للثقافات الانسانية وقد إجتمعت على أرضه القبائل والأجناس البشرية من الشرق والغرب ومرت وعبرت منه جيوش كل الأمبراطوريات ، مخلفة ً آثارها وتاركة ً بصماتها على الحياة والحضارة والتاريخ .
لكن الشيء الوحيد الذي لم تستطع إلغاؤه هذا التنوع الثقافي والديني الذي كان سمة بلاد الرافدين وصفة حضارته المنوعة وبقيت الأسماء والتسميات خالدة إلى اليوم لا يستطيع أن يُنكرها إلا البلهاء من المحسوبين على البشر...
هاهم .. البابليون ، الآشوريون ، الكلدانيون ، السريان ، الكرد ، التركمان ، العرب، المعدان ، الأرمن ، الفرس، الشبك ، الفيلون، السوران ، البهدينانيون ، الخورشيديون ، الداغستانيون ، الكاكائيون، الصارلية ،الأيزيديون ، المسيحيون كاثوليك ، بروتستانت ، اليهود ، المندائيون "الصابئة" متواجدين لليوم فيه .

فيه قرى ومدن مقفلة ( القوش مسيحية كلدانية وكربلاء مسلمة شيعية وتلعفر تركمانية) وأخرى متداخلة ، وسيبقون هكذا إلا ّ إذا انتصر الإرهاب الأسود وقرر وضع حد لكل هذا التنوع من خلال القتل والذبح وفرض ما يعتقده من دين أو مذهب،وهي حالات تكررت في التاريخ ، كان لها أثرا ًعميقا ً على الخارطة الجغرافية للأديان حيث تقلصت وتلاشت مساحات بعض الجماعات الدينية وتوسع إنتشار بعضها الآخر وبين هذا وذاك كان من الطبيعي أن يأخذ أتباع هذه الديانات من بعظهم الكثير من الأشياء والمفاهيم أو أن تتواجد المشتركات بينهم وهي ظاهرة طبيعية تعكس طبيعة المجتمع البشري والتاريخ المشترك للاجناس والقبائل وتطور الفكر الديني عندها .
الذي لا يتعارض مع الميل والرغبة الطبيعية للتمايز والأنفراد بصفات معينة في الحدود الطبيعية بعيدا ً عن التعصب والتزمت والعنصرية ، وهذا ما لن نختلف عليه إطلاقا ً..
لكن أن ُيستغل الدين للتفريق بين البشر، أو لجعله وسيلة لتزوير حقائق التاريخ وإيذاء الناس ، هذا ما نقبله ونعارضه ...
من هنا أقول إن ما ذهب إليه الباحث في نطاق تحليله لبعض عادات وتصورات الإيزيدية وجعلها إسلامية كان بعيدا ًعن الصواب ، و إفتقد للأسانيد والدلائل العلمية والتاريخية...


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* للمزيد من المعلومات عن الموضوع يمكن الرجوع للرابط التالي...
http://www.krg.org/articles/detail.asp?lngnr=14&smap=01010400&rnr=84&anr=19411

1- فيلسيان شالي / موجز تاريخ الأديان/ مقدمة الطبعة الثانية /غير مرقمة /دار طلاس /ترجمة حافظ الجمالي .
2- حسين العودات/ الموت في الديانات الشرقية /ص25/ دار الفكر دمشق 1986
3- شالي/ نفس المصدر / ص89
4- سلسلة علم الدين المقارن/3/ القصص الديني/الجزءالأول/هاينريش شباير/ترجمة نبيل فياض و ميشائيل موتراش/ طبعة لبنان
5- شالي/ نفس المصدر / ص27
6- حسين العودات /نفس المصدر/ ص17 .......
7- حسين العودات/ نفس المصدر/ ص7
8- حسين العودات / نفس المصدر/ ص7
9- سيرغي أ.توكاريف /ألأديان في تاريخ شعوب العالم /ص21 /الأهالي دمشق .
10- الدكتور خليل جندي/ صفحات من الأدب الشفاهي الأيزيدي/ الجزء الاول /ص139-150 باللغة الكردية / تمت ترجمة المقتطف من قبلي ص.ك.
11- حسين العودات/ نفس المصدر / ص11
12- شالي / نفس المصدر/ ص78 .
13- خليل جندي/ نفس المصدر/ الجزء الثاني الفصل العاشرص609-651
14- شالي / نفس المصدر / ص-81-83/.ِAumهو مقطع مقدس يتكثف فيه كل ما هو إلهي.
15- فراس السواح /لغز عشتار / ص7/ دار علاءالدين /الطبعةالسادسة /1996


¤ الجزء العاشر
¤ الجزء التاسع
¤ الجزء الثامن
¤ الجزء السابع
¤ الجزء السادس
¤ الجزء الخامس
¤ الجزء الرابع
¤ الجزء الثالث
¤ الجزء الثاني
¤ الجزء الأول





 


 

Counters