| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صباح كنجي

 

 

 

الخميس 13/12/ 2007



آزاد سعيد.. تخرصاتُ باحث ٍ أمْ نفاياتُ إرهاب ٍ !..
(9)

صباح كنجي

في الفصل الثاني ، المعنون بأصول الاعتقاد لدى اليزيدية ،عن الله في عقيدتهم يقول :

( قبل التحدث عن عقيدة اليزيديين في الله يجب التحدث عن مسألة التوحيد عندهم، فالإيمان بالله لا ينفع إذا لم يكن معه التوحيد الخالص) ص 57 .

وبعد ان يستعرض بعض النصوص، من خلال كتابات الدكتور خليل جندي ، و أقوال بعض الذين تحدث معهم ، الدكتور خيري نعمو وشيخ علو ، عن مجمع اللآلهة والأرباب لدى الإيزيدية يستنتج :

( يتبين من الأقوال السابقة : إن اليزيدية بوضعها الحالي، ليست ديانة توحيدية، إلا إننا نستطيع القول: إن اليزيديين كانوا قوما ً موحدين ..... ورغم إن اليزيدية بوضعها الحالي ليست ديانة توحيدية ، إلا أن اليزيديين يؤمنون بالله ويقدسونه، ويعبدونه، والإيمان بالله سبحانه من بديهيات عقيدة اليزيديين ، والذي يختلط بهم ويتعامل معهم يتبين له بشكل واضح وبيّن أن اليزيدي رجلا ً كان أم إمرأة، صغيرا ً كان أم كبيرا ً يؤمن بالله ويعظمه ويخشاه ، ويوحده في بعض أقواله ) ص57 .

ويعلق على هذا ، في متن الهامش المرقم- 2- بالعبارة التالية - الإيمان بالله وحده لا يكفي للنجاة يوم القيامة، بل لا بد أن يصحبه توحيد الله ....

لنناقش ما أورده الباحث، في الفقرات التي أوردناها ، كمقدمة في الدخول في جدل جديد معه ، من خلال الرجوع لمصادره الإسلامية ،التي إسْتلّ من بيها حكمه عن عقيدة الإيزيديين، في هذا الموقف المتناقض، الذي يقيس عقائد الآخرين من خلال مسطرته الإسلامية، ناسيا ً ،أو متناسيا ً ،عن عمد ،كثرة المقاييس، وتنوعها ،بحسب عدد الديانات المنتشرة بين القبائل والشعوب ، التي تختلف في الشكل والمظهر ، وطريقة العبادة وغيرها من التفاصيل.
لكنها تتفق في الجوهر على القيم والمبادىء والأهداف ، من هنا أهمية العودة مع الباحث لتحديد مصدر مفاهيمه ،في تعريف معنى العقيدة ،ومفهوم الله ،والتوحيد والأيمان ،والتوحيد الخالص...
وهي المرادفات التي إستخدمها في سياق وصفه وتعريفه لعقيدة الإيزيديين .. في إستنتاجاته العجيبة الغريبة ،التي جعلته يتدخل في شؤون الله ، ليحدد معه من يدخل الجنة ؟ !!!!ومن لا يدخلها ؟!!!! وكيف إن الإيمان بالله لا ينفعُ.... إذا لم يصحبه التوحيد الخالص !!!! ، وإن اليزيديين كانوا قوما ً موحدين ،إنظر كانوا،أمّا اليزيدية بوضعها الحالي ليست ديانة توحيدية ، ماذا يريد أن يقول الباحث ؟ .
أليس هذا تدخلا ً من قبله في شؤون الله الذي يؤمن به ؟ !!
أليس هذا شركا ً به ؟!!!.
ماذا قال بالفعل ؟ لو أردنا التدقيق ، في فحوى ما ورد من خلال مسطرته ومصادره الإسلامية ذاتها ، التي ينطلق منها ،والتي تحدد فحوى وجوهر التوحيد في الإسلام، بفرائض خمسة ، في مقدمتها الشهادتين ، أي أن من لا يقول وينطق بالشهادة الثانية ... محمدا ً رسول الله ...ولا يعترف ُ ويقر بها جهارا ً في كل يوم ، يسقط إيمانه ،ولا يعتبر مؤمنا ً موحدا ً ... وهذا يشمل كافة بني البشر، من غير المسلمين ، ولا يقتصر على الإيزيدية وحدها ..

هل كان السيد آزاد مصيبا ً في هذا المجال ؟ المْ يكن الإسلام نفسه إمتدادا ً للحقب التي سبقته ، من الديانات التي كانت متواجدة ، في الجزيرة العربية وأطرافها ؟
المْ يكن إمتدادا ً في الكثير من مفاهيمه لشكل ومحتوى العبادات التوحيدية التي سبقته في الفترة التي يطلق عليها البعض تجنيا ً بالجاهلية ..
يقول فراس السواح في الكتاب الثاني من موسوعة تاريخ الأديان:

( لقد أحجم الباحثون المسلمون منذ صدر الأسلام عن بحث مسألة شيوع عبادة الله في جزيرة العرب قبل الإسلام ، حفاظا ً على صورة الله في الإسلام من إختلاطها بصورة الله في الجاهلية .

ولكن البحث الحديث عليه أن يتجاوز هذا الموقف القديم ، إقتداءً بالقرآن الذي قدم لنا أوضح بيان عن معرفة الجاهلين لله وإعلائهم لشأنه واعتقادهم بأنه رب العالمين وخالق السماوات والأرض . وذلك رغم شركهم به وعبادتهم لآلهة أقل منه شانا ً ......

هناك أخبار متواترة عن قدم عبادة الله في جزيرة العرب . فقد أورد الأزرقي في أخبار مكة رواية تكررت مع بعض التنويعات في معجم البلدان لياقوت الحموي ، والسيرة لأبن هشام ، مفادها أن قريشا ً لما أعادت بناء الكعبة قبل البعثة المحمدية بسنوات قليلة ، نقضت أحجارها حتى وصلت إلى أساس إبراهيم ، فوجدوا كتابة بالسريانية تقول :
" انا الله رب مكة الحرام. وضعتها يوم وضعت الشمس والقمر " ....

وقد بقي رب الكعبة إلها ً لكل العرب ،إلى أن بعث الله نبيه بدين التوحيد.فكان حج العرب جميعا ً إلى مكة ، وتفضيلها على كل البيوت والكعبات، تعبيرا ً عن إعتقادهم في إله يعلو على كل الآلهة ) . ص301

ولدينا حادثة وردت في سيرة ابن هشام ، تدل على أن الله الذي بشر به محمد ليس إلا صورة منزهة عن الشرك لإله الجاهلية.
فقد ورد عن ابن عباس في خبر قدوم واحد من أشراف العرب" وهو ضمام بن ثعلبة" على الرسول وسؤاله إياه عن الإسلام . فكان مما سأله إياه :
أنشدك الله، إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك ، أألله بعثك إلينا رسولا ؟ قال:
اللهم نعم ..... السواح نفس المصدر ص 302..

وقد أوردتْ قصائد الشعر العربية قبل الإسلام الكثير من الأبيات التي تذكر الله كرب أعلى وموحد ، بحكم قناعة الناس أن الله هو رب الأرباب جميعا ً ،وتذكر بعض المصادر التاريخية ، تفاصيل حملة أبرهة الحبشي على الجزيرة ، و سيطرته على الكعبة ، وأخذه الغنائم من عرب قريش ، وكيف إن شيوخ العرب وزعماء مكة في حينها ، بمن فيهم عبد المطلب جد محمد ، لم يدافعوا عنها .
إذ أوكلوا حمايتها والدفاع عنها إلى الله رب الكعبة ، وكيف إن عبد المطلب ،ذهب إلى أبرهة ليطلب إبله التي إستحوذ عليها الجنود ، وقد أدهش هذا الطلب من قبل زعيم قبيلة عربية أبرهة ، مقارنة بفعله في هدم الكعبة ،التي سكت عنه عبد المطلب وبقية شيوخ قريش في مكة !! ...
حيث قال له عبد المطلب :
" إني رب الإبل ولكن للبيت رب يحميه " ..
وذكر القرآن هذه الواقعة ودفاع رب الكعبة عن بيته في سورة الفيل ( ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل .... الخ ) . ليؤكد هنا تداخل مفهوم الرب، لدى محمد والمؤمنون به في الجاهلية ،من حيث إيمان عرب الجاهلية بحماية رب الكعبة لها ،الذي جرى تأكيده في القرآن ، بنص عن حماية الله للكعبة ، وهنا يتوحد من حيث المنطق مفهوم الله في الإسلام مع مفهوم الله في المرحلة التي سبقته .

علما ً إن الشاعر أوس بن حجر يقسم باللات والعزى وبالله الأعظم منهما في قصيدة له قبل الأسلام حيث يقول :

وباللات والعزى ومن دان دينها **** وبالله إنّ الله منهن أعظم ُ

وفي بيت آخر يقول :

ألم ترى أن الله انزل مُزنه **** وعَفْرُ الظباء في الكُناس ُتقمَّعُ

وكانت قبائل قريش تردد في تطوافها حول الكعبة قبل الإسلام :
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك ..
علما ً أن المعبود الرئيسي عند العرب ،قبل الإسلام،كان ُهبل،حيث كان يمثل كبير الآلهة وأعظمها ، الذي أخذ إسمه عن أدْدْ أوْ ُهدْدْ ، ذات الجذر السومري ، حسب بعض التفاسير، وكان الناس من جميع القبائل ،يؤدون مناسك الحج له ، التي توارثها المسلمون، بكافة تفاصيلها ، أيْ إنها كانت متبعة قبل الإسلام ، وذروتها يوم التوجه إلى جبل ( إلال - قارن هذا بلالش ) في لحظة ميول الشمس للغروب ، وبعدها تجري مراسيم الدوران والطواف سبع مرات حول الكعبة ،يرافقها حركات إيقاعية تتمثل بإطلاق الصفير من الأفواه والتصفيق بالأيدي في تناغم موسيقي محكم الإيقاع مع صيحات لبيك اللهم لبيك لا شريك لك ...

وفي الوقت الذي كانت فيه الشمس تدعى باللات ، في ديانة عرب الجنوب وإله القمر بود ، كانت تسميات الآلهه في تدمر تتداخل مع آلهة بابل ، من بينها " ديا سيريا " التي معناها الأم السورية ، مع وجود إله لا يذكر إسمه ، يشار إليه بالوصف :
الذي بورك إسمه إلى الأبد ...ووصف بانه الإله الواحد ... كما يلاحظ تواجد للإله إيزيس..
ويؤكد فراس السواح:
( على الرغم من أننا نستطيع وصف اللات بأنها إلهة العرب الكبرى ، إلا أن أصولها البعيدة ليست عربية ) ص284 .
ويذهب الى أن الأسم في شكله الأصلي هو إيله أو إيلات وهو صيغة التأنيث من إسم كبير الآلهة الكنعانية إيل ...
عندما تبنى العرب هذه الإلاه ادخلوا على الأسم سابقة التعريف"الهاء" أو " أل" فدعيت هاإلات أو إلالات ، ومنها جاء الاسم اللات بعد إدغام اللامين .

وفي هذا يقول المؤرخ الأغريقي هيرودوتس بان العرب كانوا يعبدون الآلهة إفروديت أورانيا وكانوا يسمونها الإلات .

واللات عند الأنباط حسب المصادر القديمة مثل سترابوهي الشمس . والملفت للنظر إن الشمس في الديانة الإيزيدية هي أحدى تجليات الله- خودا وتسمى في لغتهم الكردية ( روزهلات أو روزهه لات ) أي الشمس المشرقة ،وفي بعض الأحيان ُيختصر معناها بالشرق الذي تهل من جهته الشمس ...

جرى عبادة الشمس في الديانات التي سبقت الإسلام ،من خلال صخرة مربعة لقبت ب (الكعبو) في البداية ، ومن ثم جسدت بدائرة يحيط بها ويحرسها أسدان ومازال الإيزيديون يسمون مراقدهم بالقبب مفردها قبة ، ويلفضونها قوبه أو قووبه ، وهي تسمية سابقة للكعبة ، جرى فيها تحوير القاف إلى كاف ،وإلغاء العين فتحولت القوبة الى كعبة ، وهو استنتاج يتفق مع قوانين علم الفيولوجيا وتحولات الحروف ، بين عدد من لغات الأجناس والقبائل المتقاربة والمتجاورة التي تحوّر السين وتقلبها إلى شين أو القاف إلى كاف ، وعددا ً آخر من الحروف ، التي تعتبر من قوانين علم الفيولوجيا المعاصر ويستطيع الباحث أن يرجع لكتاب الدكتور لويس عوض ، مقدمة في فقه اللغة العربية ، للمزيد من المعلومات في هذا المجال ....

ذهبتُ لهذه التفاصيل المهمة ،كي أثبت للباحث آزاد ، بأن الإسلام شأنه شأن الكثير من الديانات الأخرى ، قد أخذ من الذين سبقوه الكثير الكثير، من المعطيات الميثولوجية والطقوس والعادات المتوارثه .

هذا هو تاريخ الأديان المتداخل والمتعاقب، لذلك حينما يتحدث عن موضوع الأيمان ،أو التوحيد ،أو التوحيد الخالص ،وغيرها من التسميات، بما فيها تسمية الله ،فإنها لا تعود للإسلام وحده ، وهي سابقة له .
إن كان يعتكز عليها في جعل الإيزيدية فرقة إسلامية ، من خلال إلغاء التاريخ ما قبل الإسلامي .. هاهي الدراسات الجديدة ، تفند هذا الزعم وتخطأه ُ، وتؤكد إن الأسلام قد أخذ من الذي قبله...
لذا من الأجدر به ، أن يقارن الإيزيدية ، كديانة لها إمتدادها العريق في التاريخ ، منذ ان نشأت العبادات من خلال إستقصاء تاريخ الأديان ، وتطور أشكال المعبد ، ومحتوى الميثولوجيا .
لأنها الأسلم والأصح ، وإن كان لم يسمع عن التطور الحاصل في مجال علم الفيولوجيا ، وفقه اللغات الذي ينتج المزيد من البحوث ، التي تفك ألغاز الماضي ، وتشابكات تاريخ أجناسه وقبائلهم وعقائدهم وأصولها ومنابعها فإننا نوصيه ،على الأقل بقراءة تاريخ الكرد .
ليكون قادرا ً على فهم ما تحتويه جبال كردستان وكهوفها ،من نقوش ومخلفات ، لا تخلوا من معاني الإيمان و التوحيد الخالص.

لأن الله - خدا- الطاووس- إيزي ... ما هي إلا تسميات مختلفة لمعنى واحد هو الإله ، تبدو جذورها في كلمات ، حتاو أو حتاف - الشمس في الكردية ، وعند الفراعنة في هاتور ، أو التاو، تاوس ، طاوز ، طاوس ،تيؤس ، تموز ، توتسن ، سنsun,suni ، الشمس ،و تحولت في الفارسية إلى الهور أو الخور و الخورشيد - هي الشمس/ القمر / الإله أيضا ً.
ويمكن أن نذهب ابعد من هذا ، ونرحل إلى حيث ، السومريين في بلاد الرافدين ،و الفراعنه في مصر، والأغريق والرومان .
لنجد تجليات الإله من خلال مرادفات إيزي وايزيس وإزيريس وإيسوس" عيسى" وايزوس والعزة /العزيز وكلها تأتي بمعنى الله - الإله أو إله النار/ النور / الضياء، لأن النار في السومرية كانت إيزي ، ومنها أزيز النار في العربية المعاصرة ...

هكذا هي الديانات ، كالبنيان، طابوقة فوق أخرى، لكل منها زمانها ودورها ومكانتها ومدلولاتها، لذلك من الأفضل أن لا نكون متعصبين لفكرة نعتقد إنها الصحيحة ، بينما غيرنا يخطؤها ، ويعتبرها بلا قيمة ، ولا يعيرها أية اهمية.

ومن حيث الجوهر ، لا يختلف من يعبد شجرة أو صخرة أو أي شيء في الكون ، عن غيره ، في المعنى ،وقد عبدت البشرية الكثير من الأشياء والمظاهر تجسيدا ً لفكرة الإيمان والقناعة ...
الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يؤمن ويبحث عن قناعات حتى لو كانت وهمية... ولسوف يؤمن بالتعددية والتنوع...
هذا هو منطق الطبيعة ... الذي لا يريد السيد آزاد القبول و الإعتراف به ، في مسعاهُ لفرض دينه الوحيد و"إيمانه الخالص " على الآخرين من البشر، عبر إلغائه ورفضه لقناعاتهم وعقائدهم وتكفيرهم، كما فعل أسلافه ...


¤ الجزء الثامن
¤ الجزء السابع
¤ الجزء السادس
¤ الجزء الخامس
¤ الجزء الرابع
¤ الجزء الثالث
¤ الجزء الثاني
¤ الجزء الأول





 


 

Counters