|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  5  / 1 / 2019                                 د. صباح قدوري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

إنتخابات برلمان إقليم كردستان، وإنتظار الجماهير في التغيير والإصلاح

د. صباح قدوري
(موقع الناس)

مرت ثلاثة أشهر على الإنتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق. وعقد البرلمان جلسة واحدة ولم يتم إختيار رئاسة البرلمان ولا تكليف اي شخص بمهمة تشكيل الحكومة. وظلت الجلسة مفتوحة الى يومنا هذا من دون أن ينجز البرلمان الجديد مهامه الدستورية المهمة والاساسية خلال هذه الفترة. كما ورشح الحزب الديمقراطي الكردستاني كل من السيدين نيجرفان البرزاني لرئاسة الإقليم ومسرور البرزاني لرئاسة الحكومة.

يحاول الحزب الديمقراطي الكردستان، الذي حاز المرتبة الاولى في هذه الانتخابات، والتي تم إنتقادها من قبل الأحزاب الاخرى المشاركة في العملية السياسية بالتزوير وإنعدام الشفافية، بالاتصالات والمشاورات والمفاوضات مع هذه الأحزاب، بهدف إيجاد نوع من التوافق والتوازن في توزيع المهام في البرلمان واعلان التشكيلة الحكومية على أسس الإستحقاق الإنتخابي، ولم تسفر عن أي شئ بهذا الخصوص حتى الآن. السبب يعود الى وجود معضلات كبيرة في الإقليم على الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وحتى الآمنية، والمتراكمة منذ فترة من دون إيجاد حلول لها، ومنها، كالاتى:

1. تفكيك البيت الكردي وإنعدام الخطاب السياسي الموحد تجاه الأحداث الداخلية والإقليمية والدولية. فقدان رؤية شاملة وإستراتيجية واضحة في تطوير صيغة الفيدرالية الحالية لتصبح نواة لقيادة حركة التحرر الكردية على صعيد كردستان الكبرى مستقبلا.

2. ضعف العامل الذاتي وضعف دور الجماهير الكردستانية ومشاركتها الفعلية والفعالة في عملية إتخاذ القرارات، وخاصة المصيرية منها، ودعم بناء المؤسسات الإدارية والقضائية والدستورية الرشيدة، والإعتماد بدرجة كبيرة على العامل الموضوعي في هذه العملية.

3. إن حساسيات ونزعات الهيمنة والتفرد والتنافس وإنتهاج السياسة الديماغوجية في الحوارات، ظاهرة ملازمة للعلاقات بين الأحزاب السياسية المنخرطة في العملية السياسية، وخاصة المتنفذة منها في إدارة الحكم، وذلك من أجل الإستحواذ على السلطة والنفوذ والمال.
4. لا تزال هناك ملفات مهمة وأساسية عالقة مع الحكومة الإتحادية على الصعد: المشاركة في الحكومة الإتحادية، المادة (140) من الدستور الدائم، مسألة النفط والغاز، ومطالبة الإقليم ببقاء حصته من الموازنة العامة ب (17)%، بدلا من (14)% المقترحة من رئاسة الوزراء، ومسألة البيشمركة غير الموحدة في الإقليم بين الحزبين الديمقراطي والإتحاد الوطني وكذلك علاقتها بوزارة الدفاع الإتحادية.

5. إن ما وصل اليه الواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي في الإقليم، هو نتاج سياسات فاشلة وإدارات غير كفوءة ينخرها الفساد الإداري والمالي بشكل منهجي على المستويات السياسية والإدارية، وتوجهات إقتصادية ريعية إستهلاكية على حساب النشاط الإنتاجي الزراعي والصناعي والخدمات ـ الإنتاجية. هذا إضافة الى إعتماد مفرط على إستيراد السلع الأجنبية وإغراق الاسواق المحلية بها على حساب تطوير وتنمية الإنتاج الوطني. وتفاقم البطالة وسوء الخدمات الإجتماعية وتزايد الإستقطاب الطبقي لصالح الفئات الغنية. والأهم من ذلك كله هو غياب تخطيط إستراتيجي شفاف للتنمية الإقتصادية الإجتماعية الشاملة.

6. وعلى ضوء المعطيات المشار اليها اعلاه، وما أسفرت عنه نتائج الإنتخابات بفوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بالمرتبة الأولى يليه الإتحاد الوطني بالمرتبة الثانية وحركة التغيير بالمرتبة الثالثة وحركة الجيل الجديد بالمرتبة الرابعة والجماعة الإسلامية بالمرتبة الخامسة وتليها تسلسلا احزاب اخرى شاركت في الإنتخابات. ويؤكد الحزب الديمقراطي في علاقاته ومفاوضاته مع الأحزاب الرئيسية المذكورة ، بأن توزيع المهام الرئيسية في كل من البرلمان وتشكيل الحكومة يجب أن يتم على أسس جديدة وفق الإستحقاق الإنتخابي وليس على التوافق/ المحاصصة الحزبية المعمول بها في السابق، في الوقت الذي كان الحزب سباقا في تعامله مع الأحزاب الاخرى وفق المبدأ الاخير قبل هذه الانتخابات!. وبذلك يتطلع الحزب الى التفرد بالسلطة، وتقاسم بعض المهام مع الأحزاب الاخرى. لذا فأن مسألة رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة محسومة مسبقا كحصة للحزب الديمقراطي ولا يمكن التفاوض عليهما، وبذلك تم تسمية المرشحين لهذين المنصبين قبل الدخول في اية مفاوضات مع الأحزاب الاخرى.

7. إن ما يسمى بالعلاقة الإستراتيجية بين الحزب الديمقراطي والإتحاد الوطني، فهي تجر أنفاسها الأخيرة وينتظر موتها السريري. ويحاول الإتحاد الوطني الحصول على مركز نائب رئيس الحكومة أو رئاسة البرلمان، في الوقت الذي ترغب حركة التغيير المشاركة الفعلية في البرلمان والحكومة وكذلك بعض الأحزاب الاخرى. لذا يستخدم الحزب الديمقراطي أسلوب الضغط على الإتحاد الوطني ، بأن يختار أحدهما ويتنازل عن الاخر لصالح حركة التغيير. وهذا ما حدث ايضا عندما حصل الإتحاد الوطني على مهام رئيس جمهورية العراق الإتحادي دون الرجوع الى الصيغة التوافقية والمحاصصية مع الحزب الديمقراطي. وبما ان الحزب الديمقراطي حصل ايضا على مقاعد أكثر من بقية الأحزاب الكردية في البرلمان العراقي، لذا حصل على نائب رئيس البرلمان ويطالب بعدد أكثر من الوزراء في الحكومة الاتحادية وفق مبدأ الاستحقاق الانتخابي بعيدا عن التوافقية/ المحاصصة الحزبية والفئوية مع الأحزاب الكردية الاخرى. وعلى هذا الأساس سيراهن الحزب الديمقراطي الكردستاني بحصة أكبر من الوزارات في حكومة الإقليم المرتقبة بالتشارك مع الإتحاد الوطني ولربما مع حركة التغيير، وبذلك ستكون المعارضة في البرلمان ضعيفة تجاه الحزب الديمقراطي الذي سينفرد بزمام الحكم على صعيدي رئاسة الإقليم وحكومته.

ختاما، يتطلع المواطن الكردستاني بفارغ الصبر الى النواب المشاركين في البرلمان والوزراء في الحكومة المرتقبة، بأنه حان وقت التفكير باجراء التغيير والإصلاح الحقيقيين على المسارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتي تهدف الى تفعيل دور البرلمان على أسس الديمقراطية وممارستها الفعلية في تشريع قوانين تصب في ترسيخ المؤسسات الإدارية وأحترام أستقلاليتها وسيادتها وفق أسس الإدارة الرشيدة وسلطاتها. وتفعيل دور الجماهير للمشاركة الفعلية في عملية صنع القرارات المصيرية. وإيقاف نزيف الفساد المالي والإداري المستشري في كل المفاصل الإدارية والحزبية. وإنتهاج سياسة عقلانية واضحة وشفافة في إعادة بناء الإقليم على طراز جديد، وفق إستراتجية بناءة للتنمية الوطنية الشاملة والمستدامة.

وبعكس ذلك فأن الموطن الكردستاني عاهدا على نفسه وماضيا قدما في نضاله السلمي بالخروج الى الشارع إذا اقتضى الامر، مطالبا باجراء التغيير والإصلاح في بنية النظام السياسي، والخروج من نظام المحاصصة الحزبية السياسية المصلحية والفئوية والمحسوبية، وتأمين الإستقرار الإقتصادي والسلم الإجتماعي، وحتى تحقيق كافة حقوقه العادلة وضمان عيش سعيد له وللأجيال القادمة والتقدم والإزدهار في الإقليم...دعونا ننتظر ونرى!!!
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter