|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  9 / 3 / 2020                                 صائب خليل                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

اقتصادية البنك الدولي تستقيل لأن قروضه تهرب للأثرياء والشعوب تغرق في تسديدها

صائب خليل
(موقع الناس)

ربما خطر ببالك ان تسأل: لماذا توجه الولايات المتحدة كل هذا الضغط على توابعها في الحكومات للخصخصة ودعم المستثمرين المحليين في كل بلد يمكنها ان تضغط عليه؟ ولماذا يشترط البنك الدولي على المقترضين منه اتباع قواعد حرية السوق وإلغاء القطاع العام؟ ولماذا تتصرف قناة "العراقية" كأنها بوق ترويج للخصخصة وفضائلها؟ ولماذا حرص عبد المهدي على اكثار الديون الدولية؟ ولماذا كان برنامج محمد علاوي كأنه يقدم تعهداً الى القطاع الخاص والمستثمرين وليس الشعب ونوابه؟
هل هناك من يربط كل هذه الأشياء وينظمها؟ ام هي مجرد صدفة؟

الكوارث المالية تتسارع بشكل كبير في الوطن العربي والعالم، وكان أبرزها وأكثرها دوياً هو اعلان لبنان لأول مرة في تاريخه، افلاسه وعجزه عن ايفاء ديونه وفوائدها. وبين رئيس الحكومة حسان دياب ان نصف إيرادات لبنان تذهب لسداد فوائد الديون! وبلغت ديون لبنان 170% من ناتجه القومي، وشارف بذلك على ان يكون أكبر مدين في العالم نسبة الى اقتصاده. وسيؤثر الاجراء على سمعة لبنان الائتمانية مما سيجعل أي اقتراض جديد، أكثر كلفة بكثير. لكن اعلان الإفلاس وطلب إعادة جدولة الدفع جاء نتيجة اضطرار الحكومة للخيار بين حاجات الشعب الأساسية والتسديد. وأشار دياب الى تقدير البنك الدولي بأن 40% من اللبنانيين سيجدون أنفسهم تحت خط الفقر! (1)

لماذا تقترض الدول إذن وأين تذهب تلك القروض؟ لماذا لا تساعدها على انتشال نفسها من الفقر، خاصة ان فوائدها ليست عالية في العادة؟
الجواب على هذا السؤال جاء قبل أيام حين استقالت كبيرة اقتصاديي البنك الدولي بيني كولدبرك من منصبها، إثر رفض البنك الدولي نشر دراسة أشرفت عليها، تثبت زيادة ملحوظة في تسرب أموال الدول المقترضة، مباشرة بعد تسلم القرض، إلى "الملاجئ الضريبية الآمنة"(2). إلا ان الدراسة البالغة 40 صفحة، نشرت لاحقاً، وكانت بعنوان: "الأثرياء يقبضون على المعونات الخارجية: أدلة من ارصدة البنوك لما وراء البحار".(3)
جاء في موجز الدراسة أنه لوحظ ارتفاع حاد في نسبة الإيداعات في بنوك التهرب الضريبي الدولي (لوكسمبورغ، سويسرا، هولندا وغيرها) من الدول المتلقية، عند تقديم "المساعدات" الدولية (التي تأتي بشكل قروض ميسرة عادة). وهو ما يشير الى ان تلك القروض تقع في النهاية في ايدي الأثرياء الفاسدين، لأن الفقراء لا يمتلكون حسابات في الملاذات الدولية، لكنهم من سيقوم بتسديد القروض في النهاية. وأشارت الدراسة الى ان هذه الظاهرة تزداد في الدول شديدة الاعتماد على المساعدات، أكثر من غيرها.(4)

ليست هذه هي المرة الأولى، فالبنك الدولي شهد استقالات عدة لرؤساء وكبار خبراء الاقتصاد لديه، آخرهم النائب السابق لمدير البنك الدولي بول رومر الذي استقال إثر جدال حول الأساليب الإحصائية للبنك الدولي، ولقوله إن تصنيفات البنك الدولي تعاني من الانحرافات. وكذلك الاقتصادي الشهير الذي شغل نفس المنصب في البنك الدولي قبل استقالته، جوزيف ستكلتز، وكشف في عدة كتب مساوئ العولمة وسياسة البنك الدولي المحطمة للدول النامية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يحرص البنك الدولي على تقديم مثل هذه القروض؟ ما الذي يستفيده من قروض يقدمها لفاسدين يحرصون على تهريبها وترك الدولة عاجزة عن سدادها؟ وما الذي يستقيده الدائن من تحطيم مدينه وجعله عاجزاً عن ايفاء دينه؟
الجواب على هذا السؤال المنطقي عند "جون بيركنز" والذي عرف باسم "القاتل الاقتصادي"، وهو اسم الكتاب الذي شرح فيه كيف تستولي المؤسسات المالية في اميركا بشكل خاص، على ثروات البلدان ومستقبلها. والخطة ببساطة تبدأ بإقناع دولة تمتلك ثروة مثل النفط، أن تقترض قروضاً كبيرة من خلال احدى المؤسسات المالية وأشهرها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ويتم ذلك أما بإسقاطها بالفقر أولا عن طريق الحرب مثلا، أو برشوة أو تهديد ساستها، او حتى قتلهم!
وتحرص هذه المؤسسات ان توجه هذه الديون بشكل يصعب على الحكومة تسديدها مستقبلاً. فقد تكون بشكل أسلحة او بضاعة او خدمات للمترفين بشكل خاص، او توجه لمشاريع بنية تحتية تحتاج لزمن طويل لتعويضها. وحين تعجز الدولة عن الدفع، ترسل المؤسسات ممثلها ليعرض على تلك الدولة شراء ثروتها في باطن الأرض بثمن بخس، إضافة الى شروط أخرى لتأمين تقييدها الاقتصادي والسياسي. وهكذا تباع ثروة الأجيال القادمة ويحكم على الشعب بالانقراض!(5)
وهذا ما يفسر ما كتبه جوزيف ستكلتز في "خيبات العولمة"، بأن سياسة البنك الدولي كانت تبدو موجهة عمداً لزيادة الفقر والتدمير الاقتصادي في البلدان التي يقدم لها المساعدة، وان مدراءه كانوا يمتنعون بشكل غريب عن الاستماع الى الأرقام التي تكشف بوضوح، نتائج تلك السياسات.(6)

هذا ما يحدث الآن في المنطقة، ليس فقط على لبنان الذي يثير المه الصراخ، بل أيضا على بلدان أخرى، ولنأخذ مصر مثالاً. فهذا البلد المنكوب بأنظمة حكم تامة الاستسلام لأميركا وإسرائيل، دامت لنصف قرن ليس بحال يحسد عليها. فقد ترك مبارك البلد مدين بـ 54 مليار دولار ليزيد دينها الكلي اليوم عن 300 مليار دولار، وكلفة فوائده 30 مليار دولار في العام الواحد!(7)

وإذا كان لبنان يملك من يصرخ بخطر الديون، فإن الكارثة الأخرى التي تعاني منها مصر المخنوقة على كل الأصعدة، أن خداع الشعب مستمر لتجاهل الخطر، بل لتشجيعه على المزيد من الاقتراض! فهذا محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر يؤكد أن مستويات الدين الخارجي وخدمته لا تدعو للقلق على الإطلاق، و "إن قدراتنا أكبر بكثير وتتحمل مزيدا من الديون"!
وهذا الاعلامي المدفوع الثمن يريد اقناع المصريين بعدم وجود مشكلة على الإطلاق في سياسة السيسي للاقتراض، بل يوحي لهم من خلال المقارنات أن الديون ضرورية للتطور وملازمة له!(8)

أما في العراق، فيتزايد الدين وفوائده بصمت غريب، وتتجنبه وسائل الإعلام، رغم ان بعض الساسة حذر من الأزمة. ويزيد من الخطر وضع البلاد وحالة الفوضى التي نتجت عن التظاهرات، وكذلك السياسة الاقتصادية التي تبدو موجهة بشكل متعمد للتدمير. ففي الوقت الذي تمتلئ فيه سوق النفط العالمية بالعرض الفائض، فأن العراق مازال يصرف الأموال للمزيد من التنقيب والتوسيع في الاستخراج، بلا تخطيط.
واضافة الى الفساد العام، هناك حالة نهب مستمرة التزايد لم تعرفها اية دولة في العالم، تلك التي تمارسها كردستان على الحكومة. وبلغت الديون الرسمية لبغداد على كردستان 127 مليار دولار حتى الآن، هي عبارة عن أموال اخذت عنوة أو بالاحتيال والابتزاز. وتقوم الحكومة بتقديم رواتب الإقليم وبلا حسابات، وبدون مطالبة الإقليم لا بقوائم الموظفين ولا بتسليم حصته من النفط.
وقد أدى تنازل الحكومة عن أموالها للصوص كردستان الى احتجاج نواب في كردستان ذاتها وبشكل اقوى من بغداد التي تعاني مباشرة من تلك السرقة (9)
ولأن تلك السرقات لا تذهب الى المواطن الكردي، طالبت سروة عبد الواحد، الحكومة الاتحادية بالكشف عن ايرادات النفط في اقليم كردستان. متسائلة؛ "أين تذهب هذه الأموال؟" وأضافت: "هل تركت الحكومة الاتحادية هذه الثروة للحزبين في الاقليم مقابل أهداف سياسية؟ "(10)

وحذر العبادي في وقت سابق من "الخرق القانوني" في عدم مطالبة بغداد لكردستان بحصتها من النفط. ونبه الى التوسع الخطير في الانفاق في ميزانية 2020، وكذلك اتفاقات عبد المهدي مع الأردن التي "فتحت المنافذ على مصراعيها، وأضرّت بالصناعة والزراعة" ووصفها بأنها "تقديم لمصلحة الآخرين على مصلحة العراق". ووصف ميزانية 2020 بأنها "الأسوأ في تاريخ العراق"، وإنها ستعاني من عجز هائل يتجاوز 55 مليار دولار، وأنه قد يؤدي الى عجز الحكومة عن توفير الخدمات الضرورية.(11)

وهذا لا يعني ان العبادي إنسان شريف حريص على الوطن، فهو من اشد من أسهموا في تدمير الاقتصاد العراقي، وبنفس الأساليب التي ينتقدها اليوم بعد خروجه من الحكومة.

ويمكننا ان نتخيل الكارثة السياسية التي يعاني منها العراق ان عرفنا انه بالرغم من هذه الظروف الخطيرة، يستمر ساسة البلاد بالتملق لكردستان وابداء استعدادهم لإدامة وزيادة ابتزازها للشعب، وكذلك يستمر العراق بدفع "الجزية" المفروضة عليه الى الأردن بشكل نفط مخفض، سوف يزداد كثيرا كما يبدو بعد تشغيل أنبوب نفط العقبة.

ويزداد هذا الوضع خطورة بشكل كبير بعد ازمة وباء الكورونا، وخفض الطلب على السلع وبشكل خاص النفط. يضاف الى ذلك فشل الأوبك بالتوصل الى التخفيض اللازم للإنتاج النفطي للحفاظ على سعر معقول في السوق.

هذا كله دفع إلى التحذير من “عجز مالي كبير يتسبب بانهيار أمني ومجتمعي”.(12) والمثير للدهشة إني رأيت ناشطاً داعماً للتظاهرات ينشر هذا الخبر بابتهاج، باعتبار انه يبشر بقرب "سقوط النظام"! والظاهر ان الرجل لا يميز بين سقوط النظام وسقوط الوطن والشعب، ولا شك انه ليس الوحيد في هذا الحال. فإضافة الى مرور العراق في هذا المنعطف الخطير بلا حكومة، فأن المزاج الشعبي والواقع السياسي يكشف عن جهل عميق بالحقائق والمخاطر التي تحيط به. فالإعلام الذي اسسه الاحتلال يبث التضليل المستمر حول الاقتصاد، في مديح لا ينتهي لاقتصاد السوق وعظمته، حتى ان المرشح الأخير لتشكيل الحكومة، قدم وعوداً هي اشبه بالعبادة للقطاع الخاص والاستثمار وكأنه هو الهدف وليس وسيلة، بل انه ذهب الى الوعد باقتصاد ينسجم مع شروط "المنظمات الدولية الاقتصادية". (13)، فما أسعد القاتل الاقتصادي بضحية سمينة متحمسة لتقدم نفسها له، مثلنا!

 

8 آذار 2020

(1) لبنان يعلن إفلاسه رسمياً.. ويعلق تسديد استحقاق «اليوروبوند»
https://alqabas.com/article/5758088-
(2) استقالة بيني جولدبيرج من إدارة البنك الدولي!
https://www.sahat-altahreer.com/?p=58615
(3) Elite Capture of Foreign Aid: Evidence from Offshore Bank Accounts
http://documents.worldbank.org/curated/en/493201582052636710/pdf/Elite-Capture-of-Foreign-Aid-
Evidence-from-Offshore-Bank-Accounts.pdf
(4) Elite Capture of Foreign Aid : Evidence from Offshore Bank Accounts (English)
http://documents.worldbank.org/curated/en/493201582052636710/Elite
-Capture-of-Foreign-Aid-Evidence- from-Offshore-Bank-Accounts
(5) اعترافات القاتل الاقتصادي جون بيركنز - YouTube
https://www.youtube.com/watch?v=mDRuoc6MSZA
(6) List of books by author Joseph E. Stiglitz
https://www.thriftbooks.com/a/joseph-e-stiglitz/197371 /
(7) بالأرقام.. هكذا تضاعفت الديون المصرية في عهد السيسي
 https://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2018/8/31/%D8%A8%D8%A7%
D9%84%D8%A3%D8%B1%D9%82%D8%A7%D9%85-%D9%87%D9%83%D8%B0
%D8%A7-%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D8%B9%D9%81%D8%AA-%D8%A7%D
9%84%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D
8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A
(8) هل تعلن مصر إفلاسها بسبب قروض السيسي من البنوك ؟ - YouTube
https://www.youtube.com/watch?v=WYhy- u82bsA&list=PLJjGjwZlDMh1Xwn8jUi8sC3HWvxm4y1CW&index=246 
(9) كشف اسرار عن واردات نفط الإقليم.. ومشادة كلامية بين رئيس كتلة الجيل الجديد ورئيسة البرلمان
https://www.facebook.com/nrt.arabicc/videos/637488227073522 /
(10) سروة عبد الواحد متسائلة: أين تذهب ايرادات النفط في الاقليم؟
https://glgamesh.com/55600-.html 
(11) العبادي: موازنة 2020 خطيرة.. والحكومة تقدّم مصالح الدول الأخرى
https://glgamesh.com/91723-.html
(12) النصر يحذر من عجز مالي كبير يتسبب بانهيار أمني ومجتمعي
https://glgamesh.com/132829--.html 
(13) محمد علاوي يقدم أوراق اعتماده كشركة للقطاع الخاص
https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2949519131771803

 






 

 

 

 

 

 




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter